يُستخدم مصطلحبطانة الرحم المهاجرةأو الانتباذ الرحمي أو الانتباذ البطاني الرحميّ أو داء البطانة الرحميّة (بالإنجليزية: Endometriosis) على الحالة التي يُلاحظ فيها نمو خلايا كتلك الموجودة في الرحم خارجه، وبالاستناد إلى نتائج الدراسة المُجراة من قبل مجلة العلوم التناسلية (بالإنجليزية: Reproductive Sciences) والمنشورة في عام 2009 م؛ فقد سُجّلت نسبة ما يُقارب 10% من مجموع النساء، اللاتي في عمر الخصوبة والإنجاب، أنهن يُعانين من مشكلة بطانة الرحم المهاجرة، وقد سجلت الدراسة ذاتها نسبة ما يُقارب 30-50% من حالات الإصابة ببطانة الرحم المهاجرة بين النساء اللاتي يُواجهن صعوبة او مشاكل على مستوى الإنجاب أو أولئك اللاتي يُواجهن شعورًا شديدًا بالألم يؤثر في الصحة الجسدية والنفسية لهنّ.
وبالعودة للحديث عن نمو النسيج المبطن للرحم خارجه يجدر الذكر أنّه توجد مجموعة من المواقع التي غالبًا ما تنمو فيها هذه الأنسجة، بمعنى أنّ أكثر الأعضاء تأثرًا بالانتباذ البطاني الرحميّ هي:المبايض، وقنوات فالوب (بالإنجليزية: Fallopian tubes)، والأربطة التي تدعم الرحم، والمسافة بين الرحم والمستقيم، والسطح الخارجيّ من الرحم، والطبقة المُبطنة للحوض، وأمّا بالنسبة للمواقع التي يندر ظهور النسيج الرحمي فيها عند المعاناة من بطانة الرحم المهاجرة فهي: المستقيم، والأمعاء،والمثانة، والمهبل، وعنق الرحم، والفرج، وندب جراحاتالبطن .وممّا يجدر التنبيه إليه أنّه توجد حالة تُعرف بأكياس الشوكولاتة (بالإنجليزية: Chocolate Cysts) أو المعروف أيضًا بالورم البطاني الرحمي (بالإنجليزية: Endometrioma)، وتتمثل بظهور أكياس مليئة بسائل كثيف بني اللون على المبيض، بحيث يكون أصل هذا الكيس هو النسيج البطاني الرحميّ المُنتبذ.
لفهم طبيعة الأعراض التي تُعاني منها السيدات المصابات ببطانة الرحم المهاجرة لا بُدّ من بيان أنّه في الوضع الطبيعيّ يستجيب النسيج المبطن للرحم للتغيرات الهرمونية الشهرية التي تحدث، وذلك بزيادة معدل النمو إثر الاستجابة لبعض التغيرات التي تحدث في الجسم، ثمّ لتنسلخ أو تنذرف بطانة الرحم في الوقت المخصص لذلك مُسببة نزيف دم الدورة الشهرية، وذلك في حال عدم حدوث حمل، وأمّا بالنسبة للحالات التي تُعاني فيها السيدة من بطانة الرحم المهاجرة فإنّ نموّ النسيج المشابه لبطانةالرحمفي منطقة ما خارج الرحم يُسبب المشاكل، وذلك لأنّ هذا النسيج يستجيب للتغيرات الهرمونية التي تطرأ على جسم المرأة بطريقة مماثلة للغاية لاستجابة بطانة الرحم الطبيعية، الأمر الذي يسبب نزيفًا داخليًا في منطقةالحوض، وقد يُحدث هذا النزيف انتفاخًا أو التهابًا أو حتى تكونّا لنسيج ندبيّ (بالإنجليزية: Scar Tiisue)،وقبل بيان الأعراض التي قد ترتبط ببطانة الرحم المهاجرة يجدر بيان أنّ بعض النساء المصابات بهذه الحالة لا تظهر عليهنّ أيّ أعراض أو علامات، وفيما يأتي بيان الأعراض والعلامات في حال ظهورها:
في الوقاع لا تُعدّ الآلية التي تُفسر حدوث بطانة الرحم المهاجرة مفهومة بوضوح، وعلى الرغم من وجود عدد من النظريات التي حاولت تفسير سبب الإصابة بالمرض، إلا أنّه لم يتم إثبات صحة أيّ منها، ومن هذه النظريات أنّه أثناء فترة حدوث الحيض تنتقل كمية من الدم والأنسجة الموجودة في الرحم إلى خارجه، وتحديدًا إلىقنوات فالوب، ومن هناك إلى التجويف البطنيّ، ومن النظريات أيضًا: أنّ بعض الخلايا الموجودة خارج الرحم تتطور بطريقة لتُصبح مُشابهة لتلك الموجودة في الرحم، ومن النظريات التي حاولت تفسير حدوث الانتباذ البطاني الرحميّ الادّعاء بأنّ مجموعة من الخلايا المُبطنة للرحم انتقلت عبر الأوعية الدموية أوالجهاز اللمفاويّ(بالإنجليزية: Lymphatic System) لتصل إلى أعضاء أو مناطق أخرى في الجسم، وأخيرًا فإنّ نظرية تعتقد وجود رابط بين العمليات الجراحية وحدوث بطانة الرحم المهاجرة، بمعنى أنّه في بعض حالات الولادة القيصرية التي كانت تُعاني فيها المرأة من الانتباذ البطاني يُلاحظ أنّ جزءًا من النسيج المُنتبذ قد انتقل ليصل إلى موضع ندبة العملية، ولكن يجدر التنبيه إلى أنّ كلّ ما سبق بيانه ليس أكثر من نظريات تحتاج إلى مزيد من الدراسات والأبحاث لدعم صحتها أو نفي ذلك، وإنّ مّا يُثير الشكّ حيال هذه النظريات هو أنّ بعض النساء لا يُعانين من الانتباذ البطاني الرحمي بالرغم من تحقق إحدى النظريات، فمثلًا تُعاني بعض السيدات من انتقال الدم والأنسجة خلال الحيض خارج الرحم إلى جزء آخر في الجسم ولكن لا تُعاني من مشكلة بطانة الرحم المهاجرة، ويُعتقد أنّ لذلك علاقةبالجهاز المناعيّالخاص بالمرأة، هذا بالإضافة إلى دور الجينات في تطور هذه المشكلة؛ إذ ترتفع فرصة إصابة بعض السيدات بهذه الحالة في حال وجود حالات مشابهة في العائلة؛ تحديدًا الأقارب من الدرجة الأولى كالأم أو الأخوات.
توجد بعض العوامل التي تجعل المرأة أكثر عُرضة للمعاناة من مشكلة بطانة الرحم المهاجرة، نذكر منها الآتي:
حقيقة تتشابه أعراض مشكلة بطانة الرحم المهاجرة مع أعراض بعض المشاكل الصحية الأخرى، ولذلك لا يمكن الاعتماد على الأعراض لتشخيص الحالة، ولكن يجدر التنبيه إلى أنّ ظهور الأعراض يُعطي انطباعًا بوجود مشكلة تستدعي الفحص، ومن المؤسف بيان أنّ بعض حالات بطانة الرحم المهاجرة تحتاج إلى ما يُقارب تسع سنوات حتى تُشخّص، ويجدر التنويه إلى أنّ الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تشخيص الإصابة ببطانة الرحم المهاجرة هي تنظير البطن، ويُستنثى من ذلك حالات الورم البطاني الرحمي سالفة الذكر، وبالنسبة لحالات تنظير البطن فإنّه يتم إرسال العينة إلى المختبر من أجل تأكيد التشخيص، ولكن لأنّ هذه الطريقة تحمل بعض المخاطر فإنّ الكثير من المختصين يُفضلون تأجيل إجرائها بعض الوقت، وفي هذه الأثناء يعتمدون على إجراء صورة باستخدام الموجات فوق الصوتية الداخلية عن طريق المهبل، ومن الجدير بالعلم أنّ الطبيب المختص قد يصف بعض الخياراتالدوائيةحتى قبل إجراء التنظير من أجل السيطرة على الأعراض، وذلك بالاعتماد فقط على الفحص السريريّ والتصوير بالموجات فوق الصوتية، ثُمّ تتم مراقبة النتائج، وفي حال تحسّن الأعراض فإنّه لا يُلجأ إلى التنظير، ولكن في حال استمر ظهور الأعراض بالرغم من انتظار الوقت اللازم للعلاج فإنّ الطبيب قد يلجأ لخيار التنظير.
وعلى أية حال، يمكن بيان الخيارات المُستخدمة في تشخيص الإصابة ببطانة الرحم المهاجرة فيما يأتي:
على الرغم من عدم وجود شفاء تام من مشكلة بطانة الرحم المهاجرة، إلا أنّه تتوفر العديد من الخيارات الطبية المُتاحة لتحسين جودة حياة المرأة المعنيّة، وذلك بالسيطرة على الأعراض التي تُعاني منها، وإبطاء نمو النسيج المُنتبذ، ومنع عودته مرة أخرى، وتحسين الخصوبة والحدّ من المشاكل المرتبطة بالإنجاب، ويجدر العلم أنّ الطبيب المختص يعتمد في اختيار نوع العلاج على مجموعة من العوامل، منها: عمر المصابة، وطبيعة الأعراض التي تشكو منها، والرغبة في حدوث الحمل من عدمه؛ إذ إنّ بعض الخيارات العلاجية قد تحول دون قدرة المرأة على الحمل والإنجاب، ومن العوامل الأخرى التي تُقدر عند علاج المشكلة: معرفة رغبة المصابة وتفضيلها لخيار دون آخر، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة العلاجات التي قد تعرضت لها المرأة سابقًا، مع التذكير بأنّ الحالات التي يُرافقها ظهور أعراض بسيطة دون التأثير بالقدرة على الإنجاب لا يلزمها علاج، وكذلك لا تحتاج النساء اللاتي بلغنسنّ اليأسفي العادة للعلاج، لأن الحالة تتحسن من تلقاء ذاتها آنذاك، وأمّا بالنسبة للحالات التي تتطلب العلاج فيمكن تقسيم الخيارات العلاجية بحسب داعي استخدمها كما يأتي:
توجد بعض الخيارات الدوائية التي تساعد على السيطرة على الشعور بالألم الناجم عن بطانة الرحم المهاجرة، ولكن لا يُجدي استخدام هذه الأدوية نفعًا في جميع الحالات، وحقيقةً إنّ بعض هذه الأدوية يُباع دون وصفة، بينما يحتاج بعضها الآخر لوصفة من قبل الطبيب، ومن هذه الخيارات ما يأتي:
يجدر التذكير أنّ الهرمونات المُستخدمة في علاج الألم الناجم عن بطانة الرحم المهاجرة لا يُسبب منعًا للحمل بشكل دائم، وإنّما قد يؤخر الحمل لفترة من الزمن فقط، وعليه فإنّ المشاكل المرتبطة بالقدرة على الإنجاب غالبًا ما تتم السيطرة عليها بعد إجراء التنظير، ولكن في حال فشل التنظير في حل المشكلة؛ فإنّ الطبيب المختص قد يُوصي باللجوء إلى ما يُعرف بتقنية أطفال الأنابيب (بالإنجليزية: In vitro fertilisation)، ومن الخيارات الأخرى المتاحة للمساعدة على حل مشاكل الإنجاب المرتبطة ببطانة الرحم المهاجرة: بعض الأدوية التي تُحسنالخصوبة، مثل كلوميفين (بالإنجليزية: Clomiphene) وأناستروزول (بالإنجليزية: Anastrozole) وليتروزول (بالإنجليزية: Letrozole)، بالإضافة إلى تقنية التلقيح داخل الرحم (بالإنجليزية: Intrauterine Insemination) والجراحة.
حقيقةً لا توجد طرق معينة للوقاية من الإصابة ببطانة الرحم المهاجرة، ولكنّ اتباع نمط حياة صحيّ يساعد بشكل كبير على السيطرة على الأعراض في حال ظهورها، فضلًا عن أهمية هذا النظام الصحي في تحسين جودة الحياة عامة، وفي سياق الحديث عن الوقاية من مشكلة بطانة الرحم المهاجرة يجدر التنويه إلى أنّه يُعتقد أنّ تقليل مستوى هرمون الإستروجين في الجسم قد يلعب دورًا في تقليل فرصة الإصابة بهذه المشكلة، ويمكن بيان بعض النصائح العامة التي يُوصى بها لتعزيز الصحة العامة وتقليل مستوى الإستروجين في الجسم فيما يأتي: