الوجود المعيني في دادان (العلا) بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الوجود المعيني في دادان (العلا) بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الوجود المعيني في دادان (العلا) بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
المعينيون هم قبائل عربية جنوبية كانت تستوطن منطقة جوف اليمن، وقد برزوا على مسرح الأحداث السياسية في جنوبي الجزيرة العربية خلال القرن السادس قبل الميلاد، عندما تمكنت مدن منطقة جوف اليمن من التحرر من السيطرة السبئية عليها، وشكلت اتحادًا فيما بينها بزعامة القبائل المعينية، ظهرت على إثره مملكة معين، ومركزها مدينة قرناو (معين حاليًا) في الأجزاء الشمالية من اليمن، وقد ظلت مملكة معين تحكم تلك المناطق حتى تمكن حكام مملكة سبأ من القضاء عليها خلال القرن الأول قبل الميلاد.
 
وبحكم العقلية التجارية للقبائل المعينية وموقعهم المميز في الأطراف الشمالية من اليمن فقد استطاعوا الإمساك بزمام أمور نقل التجارة الدولية من جنوبي الجزيرة العربية إلى أنحاء متفرقة من العالم القديم  .  وقد دلت النقوش المعينية المنتشرة في أرجاء متفرقة من الجزيرة العربية ومناطق الشرق القديم، على انتشار القبائل المعينية في عدد من الحواضر في الجزيرة العربية وخارجها، وكانت منطقة دادان (العلا) من بين أبرز الحواضر التي شهدت كثافة استيطانية للقبائل المعينية، إذ كشف في أرجاء متفرقة من منطقة العلا عن عدد كبير من النقوش المعينية تتحدث مضامينها عن استقرار عدد من القبائل المعينية في دادان القديمة  ،  وتعايشها مع السكان المحليين. وفي ضوء حقيقة الوجود المعيني في منطقة العلا تعددت آراء الدارسين وتساءل عدد منهم عن أسباب انتقال القبائل المعينية إلى تلك المناطق واستيطانها في أمكنة بعيدة عن مركز دولتهم في منطقة جوف اليمن، وتكاد جل تلك الدراسات العلمية تتفق فيما بينها على اعتبار الوجود المعيني في منطقة دادان يعود إلى أسباب اقتصادية  ،  فقد اضطر المعينيون بسبب تركيزهم على نقل البضائع التجارية عبر الطريق التجاري القديم (طريق البخور) إلى إنشاء مستوطنة تجارية في منطقة العلا، هدفها تسيير وتسهيل أمور تجارتهم، وضمان وصولها إلى مراكز الاستهلاك في مناطق العالم القديم المختلفة.
 
وبسبب كثافة الاستيطان المعيني في منطقة العلا فقد اعتقد بعض الدارسين   أن ثمة سيطرة سياسية معينية لبعض الوقت على دادان القديمة (العلا). فقد ذهب كتشن   إلى الاعتقاد أن المعينيين حكموا منطقة العلا، وحاول وضع تسلسل زمني لحكم المعينيين للمنطقة ضمن إطار الممالك العربية القديمة التي حكمت منطقة العلا، فجعل فترة حكمهم للمنطقة تبدأ من عام مئة وثمانين حتى مئة وعشرين قبل الميلاد، أي أنهم - حسب رأي كتشن - حكموا منطقة العلا قرابة ستين عامًا متتالية، ولكن المرء عندما يعيد النظر في وجهة نظر كتشن يجد أنه لم يذكر الأسباب التي جعلته يرى هذا الرأي، وعلاوة على ذلك فإن النقوش المعينية سواء تلك التي كشف النقاب عنها في وطنهم الأم في منطقة جوف اليمن  ،  أو تلك التي تركها المعينيون أنفسهم في منطقة العلا وعلى سفوح جبالها   لا تتحدث عن سيطرة سياسية على منطقة العلا طوال فترة وجودهم في المنطقة، بل إن مضامين النقوش المعينية تؤكد عكس ما ذهب إليه كتشن. فهي تتحدث عمّا يمكن أن يُطلق عليه اسم (الجالية المعينية التجارية في واحة دادان القديمة)، وقد كان السبب الكامن وراء توافد أفراد هذه الجالية إلى منطقة دادان هو تحقيق أهداف محددة لعل من أبرزها:
 
 توفير الحماية للقوافل التجارية المعينية حتى تصل إلى مراكز الاستهلاك في الجزيرة العربية وخارجها.
 
 إدارة البضائع التجارية المنقولة عبر طريق البخور من أقصى جنوبي بلاد العرب، وإعادة تصدير الفائض منها إلى حيث يزداد الطلب عليها في أمكنة أبعد من العالم القديم.
 
 العمل على إيجاد اتصال مباشر مع الشعوب والبلدان خارج وطنهم الأم في منطقة جوف اليمن، من أجل تسهيل عملية البيع والشراء لبضائعهم التجارية  ،  وتسويقها دون وسطاء، حفاظًا عليها من تذبذب الأسعار.
 
وفي ضوء ما تشير إليه مضامين النقوش المعينية في منطقة العلا يتضح أن الجالية المعينية في منطقة دادان (العلا) كانت مرتبطة بوطنها الأم في منطقة جوف اليمن، فالنقوش المعينية الجنوبية، أي تلك التي كشف عنها في منطقة جوف اليمن تتحدث عن زيارات متعددة لأفراد من الجالية المعينية في منطقة دادان (العلا) إلى حواضرهم في براقش ومعين في منطقة جوف اليمن، وقيامهم هناك بتقديم القرابين لمعبوداتهم، وكذا مشاركتهم في دفع الضرائب المفروضة عليهم من قبل معبوداتهم الرئيسة في جوف اليمن  .  إضافة إلى أن تلك النقوش المعينية تسمي أفراد الجالية المعينية باسم (معين مصران)  ،  ما يعني أن ثمة ارتباطًا وثيقًا من قبل أفراد الجالية المعينية في دادان (العلا) تجاه أوطانهم في جنوبي الجزيرة العربية، واتصالاً مباشرًا يتطلب منهم تأدية حقوق المواطنة والتزامهم تجاهها.
 
وتشير رواية النقوش المعينية أيضًا إلى أن الجالية المعينية في العلا كانت منظمة، فعلى رأسها يقوم شخص كانوا يطلقون عليه اسم (كبير)، وهو شيخ الجالية، وفي بعض الأحيان كان يتزعم تلك الجالية أكثر من شخص  .  وكانت مهامهم تنحصر في أمرين:
 
 تنظيم أمور الجالية المعينية في دادان (العلا)، ومتابعة تسهيل نشاطها التجاري.
 
 تحمل مسؤولية الجالية تجاه الحكومة المحلية في دادان (العلا)  
 
وحسب رواية النقوش المعينية في منطقة العلا، فقد عاش المعينيون في وئام مع السكان المحليين في منطقة العلا، وإن الطبيعة المسالمة للقبائل المعينية، أو بعبارة أخرى عقليتهم التجارية، كانت تملي عليهم عدم التدخل في الشؤون السياسية لمنطقة العلا التي كانت تدار من قبل حكام مملكة دادان ثم في فترة لاحقة من قبل حكام مملكة لحيان، وذلك لضمان سهولة تدفق تجارتهم ونقلها عبر الأراضي اللحيانية دون أي قلاقل أو خوف عليها، وبفضل ذلك توطدت علاقتهم بالشعوب والقبائل، ونشأ بينهم وبين الشعب الداداني والشعب اللحياني علاقة صداقة، يدل عليها قيام القبائل المعينية بتقديس معبود لحيان الرئيس (ذو غيبة)، كما يؤكد على ذلك مضمون أحد النقوش اللحيانية  ،  ويشهد على ذلك أيضًا قيام علاقة مصاهرة بين الجالية المعينية في العلا والقبائل الدادانية واللحيانية 
 
شارك المقالة:
47 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook