المياه الجوفية قليلة العمق (الضحلة) في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية.
تقع منطقة جازان ضمن الدرع العربي الذي يتكون من الصخور النارية والمتحولة القديمة التي تغطيها الرواسب الفيضية في بعض الأمكنة؛ ولذا فإن منطقة جازان تحتوي فقط على مياه جوفية قليلة العمق مخزونة في الرواسب الفيضية بالأودية (Alluvial Aquifers) وما تحتها من صخور مجواة (Weathered) وشقوق وصدوع (Fractures). وتتكون بطون الأودية من خليط من المواد الصخرية المفككة التي رسبتها المياه الجارية في العصر الرباعي، وتختلف سماكتها وحجم حبيباتها من مكان إلى آخر؛ فسماكتها قد لا تتعدى عددًا قليلاً من الأمتار ولكنها في بعض الأمكنة قد تصل إلى عشرات الأمتار، وتكون حبيباتها في الغالب خليطًا من المواد في حجم السلت (مواد الطمي الناعمة)، والرمل والبطحاء والجلاميد. وبشكل عام تكون الرواسب أقل سماكة وأكثر خشونة في الأجزاء العليا من الأودية وتزداد سماكتها ونعومتها باتجاه الأجزاء السفلى منها. وتخزن رواسب الأودية كميات من المياه الجوفية المتجددة (أي التي تعتمد على مياه الأمطار والسيول الحالية) والتي تعد المورد المائي الطبيعي الدائم في المنطقة، ولكن كميات المياه التي تخزنها الرواسب الفيضية والصخور المجواة وكذلك نوعيتها وعمقها تختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، وفي الغالب تكون خزانات المياه الجوفية في منطقة جازان من النوع الحر (Unconfined) التي تكون المياه فيها تحت ضغط متعادل مع الضغط الجوي، ويكون مستوى الماء الجوفي فيها حرًا يرتفع في مكان أو ينخفض في مكان آخر حسب ظروف تغذيته بالمياه أو ضخِّ المياه منه.
وتتصف منطقة جازان بوفرة المياه الجوفية قليلة العمق القريبة من السطح، حتى لو أن مزارعًا حفر بئرًا ارتوازية (أنبوبية) لري أرضه الزراعية، ولم يصل في حفره إلى عمق 16م؛ لتَدفَّقَ الماء بغزارة، وعلى الرغم من وجود أعداد كبيرة من الآبار الارتوازية التي تسقي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، فإن منسوب تدفق الماء من الآبار الارتوازية لم ينخفض .
ويبين (جدول 15) خصائص عدد من آبار مياه الشرب التابعة لوزارة الزراعة والمياه (حاليًا وزارة المياه والكهرباء) وخصائص المياه الجوفية فيها في أمكنة متفرقة من منطقة جازان.
ويتضح من هذا الجدول أن الآبار التقليدية اليدوية المحفورة في رواسب الأودية وما تحتها من شقوق وصخور مجواة - غير عميقة؛ إذ إن أعماقها الكلية أقل من 27.5م، في حين أن الآبار الأنبوبية قد تصل أعماقها إلى 70م مما يدل على سماكة الطبقة الخازنة للمياه في بعض الأمكنة بمنطقة جازان.
كما يتضح من الجدول أيضًا اختلاف عمق المياه الجوفية (مستوى الماء الثابت) من سطح الأرض حيث يراوح بين 1م في بئر وعلان و 19م في بئر القحمة. ويعد اختلاف عمق سطح المياه الجوفية سمة من سمات خزانات المياه الجوفية الحرة التي غالبًا ما يختلف فيها مستوى الماء الجوفي من مكان إلى آخر وفقًا لكميات التغذية وكميات السحب وسماكة الطبقة الخازنة للماء. وبشكل عام يكون مستوى الماء الجوفي أقرب إلى السطح في الأجزاء العليا من الأودية ويزداد عمقًا باتجاه الأجزاء السفلى منها. وتعتمد خزانات الرواسب الفيضية في تغذيتها على الأمطار والسيول المحلية الحالية، وتمتد هذه الخزانات في بعض الأودية على مساحات صغيرة، وذلك الأمر هو الذي يجعل كميات المياه فيها تتذبذب بشكل سريع نسبيًا وفقًا لمعدلات التغذية (Recharge) والتصريف (السحب) (Discharge).
ومن ناحية أخرى يتضح من (جدول 15) اختلاف إنتاج الآبار من المياه؛ حيث يراوح بين 50 جالون/دقيقة (3.3 لتر/ثانية) في بئر حقلة الشمالية وبئر حقلة الجنوبية، وبين 700 جالون/دقيقة (46.7 لتر/ثانية) في بئر الجرباء والحضين والجرادية. ويتبين أيضًا أن بعض الآبار ينضب منها الماء بعد فترة من الضخ بينما لا تنضب المياه من بعض الآبار خاصة الآبار الأنبوبية التي يهبط مستوى الماء الجوفي فيها أثناء ضخ المياه منها (مستوى الماء المتحرك) إلى أن يصل حدًا معينًا تتساوى عنده كميات المياه الداخلة إلى البئر من خزان المياه الجوفية وكميات المياه التي تخرجها المضخة منها.
ويتبين من الجدول أيضًا أن الآبار التي لا تنضب مياهها يختلف مقدار هبوط المياه فيها من بئر إلى أخرى؛ حيث يراوح بين 3.87م في بئر وعلان و 25.30م في بئر مشروع صبيا 6ج 168. وقد أُجري في وادي جازان ضخ اختباري لبئرين إحداهما استمر الضخ منها بمعدل 9.8 لتر/ثانية لمدة 205 دقيقة حتى وصلت إلى حالة الاستقرار (Steady State) (التوازن بين كميات المياه الداخلة إلى البئر من الخزان والخارجة منها)، وكان مقدار هبوط الماء في البئر 2.05م، والبئر الأخرى استمر الضخ منها بمعدل 7.7 لتر/ثانية لمدة 175 دقيقة حتى وصلت إلى حالة الاستقرار، وكان مقدار هبوط الماء فيها 1.19م . ويرجع الاختلاف في مستوى الماء المتحرك بشكل رئيس إلى اختلاف الناقلية (Transmissivity) في الخزان واختلاف كميات المياه التي تضخ من البئر. وتجدر الإشارة إلى أن الناقلية تحكم بدرجة كبيرة حجم المياه الجوفية المتحركة نحو البئر، في حين يعتمد حجم المياه الموجودة في الخزان على المخزونية (Storativity)، ويوجد تفاوت بين قيم الناقلية والمخزونية في خزانات المياه الجوفية بأودية منطقة جازان؛ فقد أشار (Bazuhair) وزملاؤه إلى أن الناقلية في البئرين اللتين أجري عليهما الضخ الاختباري بوادي جازان كانت متوسطة 225م / يوم في إحداهما وجيدة 310م / يوم في البئر الأخرى، ووجدوا أن المخزونية عالية في كلا البئرين حيث تساوي 0.24.
ولا توجد المياه الجوفية بحالة نقية من المواد الصلبة الذائبة (TDS) (الأملاح)، فهي تحتوي على قدر معين من الأملاح الذائبة، وتحدد درجة تركيز الأملاح في الماء مدى ملاءمتها للشرب أو لري نوع معين من المحصولات الزراعية. وتبعًا لمواصفات منظمة الصحة العالمية لمياه الشرب يكون الحد الأعلى المناسب (المرغوب) لتركيز المواد الصلبة الذائبة 500ملجم/ لتر (والتوصيل الكهربائي نحو 770 ميكروموز/سم)، بينما يكون الحد الأعلى المسموح به 1500 ملجم/لتر (نحو 2300ميكروموز/سم) . كما أن المحصولات الزراعية تختلف في قدرة تحملها للملوحة، إذ إن بعض النباتات حساسة للأملاح مثل البرتقال، بينما يتحمل النخيل والبرسيم التركيز العالي للأملاح.
وتعد المواد الصخرية المصدر الرئيس للأملاح في خزانات المياه الجوفية؛ فالمياه وما تحتويه من مواد ذائبة تتفاعل مع المواد الصخرية لفترة من الزمن تبدأ بسقوط الأمطار على سطح الأرض مما يؤدي إلى تحللها وإذابتها، ولكن يختلف تركز الأملاح في الماء باختلاف المواد الصخرية، حيث إن بعضها يتكون من معادن قابلة للذوبان وبعضها يتكون من معادن غير قابلة للذوبان. ويبين الجدولان 15 (جدول 15) و 16 (جدول 16) تركيز الأملاح في المياه الجوفية في بعض أودية منطقة جازان. ويتبين من هذين الجدولين اختلاف نوعية المياه الجوفية من بئر إلى أخرى، ولكنها تعد جيدة إلى متوسطة حيث إن قيم التوصيل الكهربائي في الجدولين تراوح بين 370 و 4200ميكروموز/سم. وتجدر الإشارة إلى أن تركيز الأملاح في 26 بئرًا 90% أقل من الحد الأعلى المسموح به حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية لمياه الشرب. كما أن تركيز الأملاح لنحو 40% من العينات في وادي جازان أقل من الحد الأعلى المناسب حسب مواصفات المنظمة.
إضافة إلى ذلك يُظْهِرُ التحليلُ الكيميائي لعينات المياه في حوض وادي جازان انخفاض تركيز الأيونات في معظمها؛ مما يجعلها صالحة للشرب ومناسبة لزراعة جميع أنواع النباتات، وربما يعود انخفاض تركيز الأيونات إلى أن قابلية ذوبان المعادن المكونة للصخور النارية والمتحولة تكون قليلة. إضافة إلى ذلك فإن تركيز الكالسيوم والمغنسيوم في معظم عينات المياه الجوفية بوادي جازان منخفض نسبيًا مما يدل على أن الماء ليس عسرًا في الوادي. والمقصود بعسر الماء هو فقدان الماء قدرته على إذابة الصابون بسبب زيادة تركيز أملاح الكالسيوم والمغنسيوم عن 150ملجم/ لتر
تغذية المياه الجوفية
ويقصد بالتغذية في هذا السياق المياه التي تدخل من سطح الأرض وتتحرك إلى الأسفل تحت تأثير الجاذبية من خلال عمليتي الترشيح (Infiltration) والرشح (Percolation) لتصل إلى سطح الماء الجوفي مضيفة بذلك كمية معينة من المياه إلى الخزان مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الماء فيه. وتتغذى خزانات المياه الجوفية في منطقة جازان بمياه الأمطار والسيول. وتعد التغذية بالمياه الجارية أهم أنواع التغذية (Recharge Mechanisms) لخزانات رواسب الأودية وذلك لأن لها نفاذية عالية تسمح بترشيح (Infiltration) كميات كبيرة من المياه . فخزانات رواسب الأودية وما تحتها من صخور مجواة وشقوق تمتد في الغالب على مساحات صغيرة وتعتمد في تغذيتها على الأمطار المحلية الحالية.
وعلى الرغم من أن تقدير تغذية المياه الجوفية يعد من الأمور المهمة عند تقييم الموارد المائية في خزانات المياه الجوفية في البيئات الجافة إلا أنه من الأمور الصعبة أيضًا. وتتوافر معلومات قليلة عن تقديرات تغذية المياه الجوفية في منطقة جازان. فقد ذكرت تقارير الشركة الاستشارية الألمانية جيرمان كونسالت التي قُدِّمت لوزارة الزراعة في أواخر السبعينيات الميلادية من القرن الماضي أن مصدر المياه الرئيس في أودية جازان هو السيول الناتجة عن سقوط الأمطار على المرتفعات الجبلية في أعالي الأودية حيث تكون في الغالب فيضانات سريعة وتجري لفترات قصيرة، وقد حسبت الشركة المتوسط السنوي لمياه السيول في وادي بيش ووادي شهدان ووادي نخلان ووادي صبيا، فوجدت أنها تبلغ نحو 126 مليون متر مكعب سنويًا وأن نحو 17 مليون متر مكعب منها يتم ترشيحيها في رواسب الأودية لتغذي المياه الجوفية 13.5%، كما أن نسبة مياه السيول التي تغذي المياه الجوفية تختلف من واد إلى آخر، فالسيول في وادي صبيا تقدر بـ 19.1 مليون متر مكعب سنويًا، يغذي المياه الجوفية منها نحو 7.4 مليون متر مكعب 38.7%، في حين تقدر مياه السيول في وادي شهدان بنحو 105 ملايين متر مكعب سنويًا، يغذي المياه الجوفية منها نحو 9.6 مليون متر مكعب 9.1%
وفي دراسة حديثة يقدر متوسط تغذية المياه الجوفية في وادي جازان بنحو 11.57 مم في السنة أي بنسبة 7% من الأمطار السنوية . وبناء على هذا التقدير فإن حجم المياه السنوية التي تغذي خزانات المياه الجوفية في وادي جازان تعتمد على مساحة حوضه.
وعموما فإن التكوينات الحاملة لخزانات المياه الجوفية في منطقة جازان محدودة، وتتركز في وادي جازان وبعض الأودية الأخرى .
ولا شك في أن المورد الطبيعي الدائم للمياه في منطقة جازان هو المياه الجوفية المتجددة المخزونة في رواسب الأودية وما تحتها من صخور مجواة وشقوق، ولكن التغذية الطبيعية للمياه الجوفية قليلة نسبيًا. وبهدف تعزيز الموارد المائية وتخفيف الضغط عليها عملت وزارة الزراعة والمياه (حاليًا وزارة المياه والكهرباء) على زيادة كميتها من خلال إقامة السدود على الأودية لحجز مياه السيول فيها . وتنشأ السدود على الأودية الموسمية الجريان لغرض معين أو لأكثر من غرض، فقد ينشأ السد بهدف الاستفادة من مياه السيول لأغراض الشرب ولري المزارع لأطول مدة ممكنة، أو بهدف زيادة كميات المياه التي تغذي خزانات المياه الجوفية، أو للحد من أخطار السيول على القرى والمدن.
وقد بدأت وزارة الزراعة والمياه في منتصف السبعينات الهجرية من القرن الماضي ببرنامج إنشاء السدود، فأنشأت سد عكرمة بالطائف عام 1376هـ / 1957م وهو أول سد في المملكة، ثم توالت عمليات إنشاء السدود في مختلف مناطق المملكة حتى بلغ عددها في الوقت الحاضر أكثر من 207 سدود، منها 3 سدود 1.5% في منطقة جازان.
ويبين (جدول 17) خصائص السدود في المنطقة والهدف الرئيس لإنشائها وتاريخ إنشائها. ويتضح من هذا الجدول أن جميع السدود في منطقة جازان لم تنشأ بهدف زيادة تغذية المياه الجوفية، ولكن لها تأثير مباشر على زيادة التغذية؛ سواء المياه التي يتم ترشيحها أثناء حجزها في بحيرة السد، أو المياه التي يتم ترشيحها أثناء جريان مياه السيول في بطون الأودية؛ لأن السد يُطيلُ مدة جريان السيول، فيزيد من كميات المياه التي تغذي خزانات المياه الجوفية.