المهن والحِرف في الحاضرة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المهن والحِرف في الحاضرة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

المهن والحِرف في الحاضرة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
تختلف منطقة المدينة المنورة - كما سبق ذكره - عن غيرها من المناطق فيما يتعلق بطبيعة المهن والحرف التي عمل بها سكانها، وعلى الأخص تلك المهن والحرف التي اشتغل بها الناس داخل المدينة المنورة نفسها؛ لتميز تلك المدينة المقدسة وعراقتها الحضارية والتاريخية، وأيضًا لطبيعة التركيبة السكانية التي شملت وافدين من المسلمين من أقطار شتى، يحملون خبرات متنوعة امتزجت مع خبرات السكان الأصليين لهذه المدينة، كما أن الطبيعة الدينية ووجود المسجد النبوي الشريف فيها جعل الاشتغال بالعلم الشرعي مهنة بارزة ومقدرة، يعمل بها عدد من أبناء هذه البلاد ومشايخها، ويضاف إلى ذلك أن مواسم قدوم الحجاج في أيام الحج والزائرين في شهر رمضان وغيره كانت سببًا لازدهار التجارة أيضًا وما يتعلق بها وبخدمة هؤلاء الوافدين، وتأجير المراكب والمساكن لهم... وما إلى ذلك من أمور تتعلق بتفرغ بعض السكان لأعمال ذات صلة بهؤلاء المسلمين الذين يفدون في هذه المواسم من كل عام، ومع ذلك فقد كان للزراعة   أيضًا نصيب من اهتمام المدنيين، فأصبحت البساتين والمزارع تحيط بالمدينة المنورة، وكانوا يعملون فيها بأنفسهم مستعينين ببعض الأُجراء من المواطنين في أحيان كثيرة.
 

تقسيم العمل اليومي داخل المنـزل وخارجه

 
بناءً على ما تقتضيه تعاليم الشريعة الإسلامية والأعراف العربية، فقد كان هناك تمايز واضح فيما يمكن أن يمارسه الرجل وما يمكن أن تمارسه المرأة من أعمال، وكذلك فقد كانت الأعمال التي يقوم بها الصغار تختلف - إلى حدٍّ ما - عن الأعمال التي يقوم بها الكبار ذكورًا كانوا أم إناثًا، وكان البرنامج اليومي لأفراد الأسرة يبدأ مبكرًا جدًا، إذ ينهض الجميع لأداء صلاة الفجر التي يصليها الرجال جماعة مصطحبين معهم أبناءهم الذكور، وكذا بعض النساء اللاتي يصلين في المسجد النبوي الشريف في الأمكنة الخاصة بهن.
 
أما الرجال فإنهم يذهبون إذا انتهوا من صلاة الفجر إلى الفوال أو بائع الهريسة   والزلابية فيبتاع أحدهم ما يشاء ابتياعه، ثم ينطلق مبكرًا إلى سوق الخضار وخان اللحم   ويشتري منهما طلبه، مضافًا إليه الورد والنعناع والليمون، ثم يذهب بكل هذه الأشياء إلى أهله، فيفطر الجميع، ثم يذهب بعد ذلك إلى دكانه أو مبسطه مسترزقًا الله، وهي عادة مستمرة لدى التاجر وغيره من أصحاب الحِرف مثل القطان، والنجار، والحجار، وصانع الفخار، وبائع الخشب، وصانع أسرَِّة الجريد، وبائع السُّفَر وبُسُط الخصف... وغيرهم  ،  كما أنها عادة كثير من الموظفين والمدرسين ما عدا مدرسي المسجد النبوي الذين يبدأ كثير منهم بعد صلاة الصبح مباشرة الجلوس في حلقات التعليم قبل أن ينصرف إلى أهله ليتناول طعام الإفطار.
 
وأما الأبناء فيذهبون إلى الكتَّاب، والكبير منهم قد يذهب مع والده ليساعده في متجره أو حرفته. وبعد وجود المدارس النظامية أصبح غالبية الأطفال يذهبون إليها في الصباح الباكر، ثم يعود الجميع بعد صلاة الظهر أو قبلها بقليل لتناول طعام الغداء وأخذ قسط من الراحة، يعقبه النهوض لصلاة العصر ومعاودة النشاط، إذ يذهب الأب إلى عمله مصطحبًا معه بعض أولاده لمساعدته وأخذ الخبرة والاعتياد على أعمال الرجال، وأحيانًا يصطحب الأولاد معهم بعض الكتب والكراسات للمطالعة وأداء الواجبات المدرسية على مرأى الوالد ومسمعه، وتحت إشرافه وتوجيهه إلى أن يغلق دكانه أو حانوته قبيل المغرب أو بعيده، ليعود الجميع إلى المنـزل لتناول طعام العشاء وأداء الصلاة ثم النوم المبكر.
 
أما النساء فإن ربة البيت كانت تقوم بدور عظيم وتؤدي واجبات كثيرة يغلب أن تكون محصورة في المنـزل وحوله، ما عدا بعض النساء اللاتي يصنعن بعض المنتجات المحلية في المنازل، وغالبًا ما تكون تلك المنتجات من الثياب المطرزة بالحرير مما تنقشه أيديهن على المنسج من ثياب وقمصان وسراويل تخاط ثم تنقش بطريقة بديعة لافتة، ثم تسلم إلى البائعات اللواتي اتخذن من رصيف سبيل (فاطمة شجرة الدر) الشرقي أمام ساحة باب المصري مجلسًا لبيع ما لديهن من بضاعة، وهن محجبات لا ترى من أخمرتهن المسدلة على وجوههن إلا حدق سواد أعينهن  .  تعمل المرأة في بيتها بوصفها ربة منـزل تؤدي واجباتها كاملة هو إلى جانب ما تقوم به من عمل للتكسب حسب ظروفها الاقتصادية والأسرية.
 
وربات البيوت غير العاملات يتحملن جميع ما يتطلبه العمل المنـزلي من رعاية للزوج والأولاد وطبخ وغسيل وتنظيف وترتيب، بأدوات بدائية وطرق يدوية دون كلل أو ملل، إذ تقع على ربة البيت مسؤولية كبيرة، فإلى جانب رعايتها زوجها وعنايتها بتربية أبنائها تقوم بجهود جبارة خلال يوم حافل بالعمل منذ أن تصحو صباحًا، إذ تعدُّ طعام الإفطار، وتعجن عجين الخبز البيتي، وتصفف فُرُش النوم، وتجلب ماء الغسيل من بئر البيت، بالإضافة إلى غسل الدرج، وفَرْش الحُجُرات، وغسل الأواني والملابس، وبعد إعداد الطعام تقوم بتنظيف الأواني والقدور والصحون وأدوات الشاي من أباريق وأكواب ونحوها.
 
كما تقوم - بعد صلاة العصر - بتنظيف وسائل الإضاءة وإعدادها وتعبئتها، من فانوس ومسرجة ومشعل و (لمبة نمرة أربعة) و (لمبة تنك) وقمرية وغير ذلك، تنظف زجاجة هذا وتغير فتيل ذاك وتقوم بتعبئة آخر بالجاز وإسراجه. كما تقوم بحك (الشِّراب) المخصصة لشرب الماء وتنظيفها بقطعة من الفخار، وتبخيرها بالمستكة وتعبئتها بالماء من الزير الصغير. وتقوم كذلك بإعداد طعام العشاء وتنظيف الأواني، وإذا ما أرادت أن تنظف ملابسها وملابس زوجها وأولادها أحضرت طشت الغسيل، وسخنت الماء في قدر كبير أو في صفيحة تضعها على ثلاثة أحجار، وتشعل قطع الحطب، وتضع الملابس في الطشت وترش عليها قليلاً من الشنان، ثم تصب عليها الماء الساخن، وتقوم بتنظيفها بصابون رأس العنـز أو صابون المنشار، وبعد تنظيفها تنشرها في السطح، ثم تكويها - بعد جفافها - بوساطة مكواة الفحم  .  كما أن ربة البيت مسؤولة عن نظافة بيتها بوساطة أدوات التنظيف المتاحة، فالمكنسة من سعف النخيل، ومكنسة الحجر من السعف المجفف، ولها قبضة رأسية لإحكام التنظيف بها على فرش الحجر المفروش في مدخل البيت، ما يتطلب جهودًا وصحة.
 
وهي مسؤولة عن رش السطح بالماء لإخماد ثورة الغبار، وتهيئته للنوم إذا كان ذلك في فصل الصيف، وتبدأ مهمتها برش السطح عصرًا، وبَسْط الحصير وعليه مراتب النوم القطنية، أما إذا كان النوم على أسرَّة القفص التي يصنعها القفاصون من جريد النخيل - وسوقهم يعرف بسوق القفاصة - فيُكتفى برش السطوح ووضع مراتب النوم (المحفوظة من أشعة الشمس) في الطيرمة   على هذه الأسرَّة، وإعادة المراتب في الصباح ووضعها مرتَّبة في الطيرمة. وتقوم ربة البيت بجلب الماء من البئر الموجودة في البيت، وذلك بوساطة دلو من الجلد مشدود عليه حبل معلق في بكرة يتدلى منه إلى البئر دلو ويطلع آخر، وهي تتكرر هذه العملية في اليوم كثيرًا كلما احتاجت إلى ماء الغسيل والتنظيف والرش، وهي عملية تحتاج إلى جهد وصحة وعافية  .  كما تقوم ربة البيت - بالإضافة إلى ذلك - بأدوار اجتماعية مهمة خارج المنـزل وداخله، تتفاوت ما بين زيارة الأقارب والجيران، ومواساة الضعيف والمحتاج، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية من أفراح وأحزان، إذ تمثل أسرتها في حضور كثير من المناسبات وأداء الواجب كما هي العادات والقيم السائدة في المجتمع.
 
أما البنات فإنهن يمارسن من أدوار الأم شيئًا كثيرًا حسب السن والقدرة، وهن في ذلك يتعلمن ويكتسبن الخبرة في الأعمال التي سوف توكل إليهن في الكبر، إذ تساعد البنت أمها في التنظيف وإعداد الطعام وتحضير السُّفرة وترتيب البيت، وتتسع مشاركتها في ذلك كله مع تقدمها في العمر، حتى إذا قاربت سن الزواج فإذا هي امرأة ناضجة وربة بيت قادرة على أداء دورها بجدارة، بما جمعته من خبرات أمها ونصائحها، فالأم تحرص على تعليمها وتدريبها في هذا الشأن أكثر من حرصها على تعلمها المعارف والفنون النظرية التي لا تؤمن الأم بأهمية الأخذ بها، ما عدا تعلم القرآن الكريم والعلوم الضرورية المتعلقة به.
 

 

شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook