ترتبط المهن والحرف التي يزاولها أفراد المجتمع بالطبيعة الجغرافية للمنطقة التي يعيشون فيها، كما ترتبط بالفترة التاريخية التي يحيون خلالها. ويتم تقسيم العمل المهني والحرفي بناءً على القيم التي يؤمن بها أفراد هذا المجتمع، وعلى العادات والأعراف السائدة بينهم التي توارثتها الأجيال عبر الزمان، مع حدوث تغيرات في كل هذا تبعًا للظروف الثقافية والاقتصادية والسياسية التي تخضع لها المنطقة التي يوجد بها هذا المجتمع أو ذاك.

 

ومنطقة المدينة المنورة ذات تميز خاص في هذا الجانب،  إذ إنها تشمل أنماط الحياة الحضرية والريفية والبدوية جميعها، إذ يقع بعض بلدانها على ساحل البحر حيث الصيد والإبحار وما يتعلق بهما من الصناعات والحرف المساعدة و العادات والتقاليد، ومن بلدانها ما يقع في قلب الصحراء حيث الرعي والماشية وما تتطلبه الحياة الصحراوية من مهن وصناعات خاصة مثل الغزل والنسيج، ومنها ما هو ذو طابع ريفي زراعي يمارس البذر والسقي والحصاد، وتخزين الحبوب والتمور وتسويقها، وما يتبع ذلك من صناعات وحرف ريفية كثيرة.

 

تمثل المدينة المنورة قلب المنطقة ومركزها الحضاري والتجاري، تتلاقح فيها الثقافات، وتتنوع المهن وتتعدد الحرف بشكل لا يكاد يوجد في غيرها، إلا في مكة المكرمة حيث التشابه في الظروف الحضرية والتاريخية والدينية للمدينتين، وتعد الحرف والمهن في المدينة المنورة ذات طابع مميَّز، خصوصًا في الفترة الماضية قبل دخول عصر التنمية الشاملة بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية بوجه عام، فبالنظر إلى مجموع المهن والحرف التي مارسها السكان في المدينة المنورة في تلك الفترة يتبين لنا مدى التطور والسبق الحضاري لهذه المدينة مقارنة بغيرها من مناطق الجزيرة العربية، فقد وجدت مهن ومورست أعمال لم يعرفها الناس في بعض المناطق إلا مع دخول الصناعات الحديثة وانتشار المنتجات المستوردة من الخارج، وفيما يأتي عرض لأهم أنماط المهن والحرف التقليدية، وطريقة ممارسة العمل اليومي للجنسين