المناخ بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المناخ بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

المناخ بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
يعد المناخ من أهم الظروف الطبيعية التي تؤثر في أنشطة الإنسان وأحواله الاقتصادية والاجتماعية، وفي تحديد إمكانات الإنتاج الاقتصادي، كما يؤثر المناخ في تحديد مستوى قدرات الإنسان في مغالبة الطبيعة، ويعد المناخ أحد فروع الجغرافية الطبيعية ويُعنى بدراسة خصائص حالة الجو في منطقة ما، وذلك عن طريق دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر المناخية المختلفة التي أبرزها الإشعاع الشمسي ودرجة الحرارة والضغط الجوي والرياح والرطوبة والأمطار والتبخر باعتبارها عناصر تؤدي دورًا واضحًا في التأثير في حياة الإنسان؛ لأنها عناصر محددة لنمط المناخ السائد في المنطقة
وبهذا فإن الدراسات المناخية تؤدي دورًا مهمًا في تحديد النمط المناخي وفي تحديد الخصائص المناخية التي تميز أي منطقة عن غيرها من المناطق المختلفة، وهناك مجموعة من العوامل يتضافر بعضها مع بعض، وتسهم في تشكيل الخصائص المناخية العامة لمنطقة مكة المكرمة أهمها الموقع الجغرافي والفلكي والموقع بالنسبة إلى البحار والمحيطات والإشعاع الشمسي والتضاريس. ويمكن تناولها على الشكل الآتي
 

العوامل المؤثرة في مناخ المنطقة

 
يتأثر مناخ منطقة مكة المكرمة بمجموعة من العوامل، أهمها ما يأتي
 
أ - الموقع الفلكي:
تقع منطقة مكة المكرمة ضمن النطاق الصحراوي المداري الجاف (BWH) الذي تصل فيه عدد ساعات سطوع الشمس إلى أكثر من 14 ساعة في فصل الصيف مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة
 
ب - الموقع الجغرافي:
تقع منطقة مكة المكرمة في الجزء الأوسط الغربي من المملكة العربية السعودية التي تقع في جنوب غرب قارة آسيا كما أشير سابقًا، ولقد أثر هذا الموقع في مناخ المنطقة تأثيرًا واضحًا، وبخاصة من حيث ارتفاع درجة حرارة الصيف واقترانها بالرطوبة، كما أثر هذا الموقع في وصول بعض المؤثرات القارّية القادمة من الداخل كالهواء الساخن والأتربة في فصل الصيف والهواء البارد المعدل بعد مروره بالداخل فوق جبال السروات والحجاز وارتفاع درجة حرارته بعد هبوطه من جبال السروات بفعل التسخين الذاتي 
 
ج - المسطحات المائية:
تطلّ منطقة مكة المكرمة بساحل طويل على البحر الأحمر، ومع ذلك لا يعد البحر الأحمر مؤثرًا رئيسًا في مناخها (باستثناء الشريط الساحلي)، وذلك لضيقه من ناحية، واعتراض سلسلة جبال السروات والحجاز للمؤثرات البحرية، ومنعها من التوغل إلى الأجزاء الداخلية من المنطقة من ناحية أخرى، ولقد أثر هذا الأمر في انخفاض الرطوبة النسبية في هذه الأجزاء خصوصًا في فصل الصيف، كما هو الحال في محطتي مكة المكرمة والطائف، مما أدى إلى وجود اختلافات يومية وفصلية في درجات الحرارة والرطوبة النسبية
أما في محطة جدة فالوضع مختلف تمامًا، حيث تقع المدينة على ساحل البحر الأحمر مباشرة الأمر الذي أدى إلى ارتفاع رطوبتها النسبية على مدار العام
 
د - الارتفاع عن مستوى سطح البحر:
تقع مدن منطقة مكة المكرمة ومحافظاتها على ارتفاع يراوح بين 3 و 5م فوق مستوى سطح البحر في المناطق الساحلية و 2500م فوق مستوى سطح البحر الأحمر في المناطق الجبلية كما سبق ذكره
أما مدينة مكة المكرمة فتقع على ارتفاع يراوح بين 250 و 350م في جبال السروات والحجاز بين السهل الساحلي للبحر الأحمر وجرف الطائف  .  هذه الاختلافات المكانية في ارتفاعات المنطقة أدت إلى اختلافات مناخية واضحة وبخاصة من حيث درجة الحرارة وكمية الأمطار الساقطة والرياح السائدة، ولقد أثر موقع محطة جدة على ارتفاع لا يتجاوز خمسة أمتار في درجات حرارتها خصوصًا الصيفية والشتوية، إذ جعلها تتميز عن بقية مدن المملكة ومحافظاتها باعتدالها شتاءً، مما جعل سكان المرتفعات الجبلية والداخلية يتخذونها مشتى لهم بحثًا عن الدفء، في حين تنخفض درجات الحرارة شتاءً في المرتفعات (الطائف) إلى درجات متدنية، كما أثر هذا الموقع في حركة الرياح واتجاهها تأثيرًا واضحًا، فقد أدى ذلك إلى هبوب الرياح الغربية ذات الهواء البارد والجنوبية الشرقية ذات الهواء المداري الحار الرطب، ولوقوع مدينة الطائف على ارتفاع يبدأ تحديدًا من 1500م فوق مستوى سطح البحر أثر كبير في اعتدال المناخ صيفًا وبرودته شتاءً، وفي تعديل واضح لدرجات الحرارة وكميات الأمطار الساقطة في المنطقة، إذ ساهم هذا الارتفاع في تميز مناخ الطائف عن مناخ جدة ومكة المكرمة خصوصًا بالنسبة إلى درجات الحرارة في فصل الصيف الأمر الذي جعلها مصيفًا ومقصدًا لسكان جدة ومكة المكرمة للتخلص من درجات الحرارة المرتفعة والاستمتاع بالهواء اللطيف، وبالإضافة إلى درجات الحرارة فإن الارتفاع أسهم في زيادة كمية الأمطار الساقطة بمحطة الطائف على محطتي جدة ومكة المكرمة، وبهذا يمكننا القول إن الارتفاع عن مستوى سطح البحر يعد عاملاً مهمًا ومؤثرًا في مناخ المنطقة وبخاصة درجات الحرارة وكميات الأمطار الساقطة والرياح السائدة
 

خصائص عناصر المناخ

 
أ - الضغط الجوي:
 
1 - الضغط الجوي في فصل الشتاء
تتأثر منطقة مكة المكرمة في فصل الشتاء بالضغط الجوي المرتفع المداري الآزوري الذي يؤدي إلى هبوط الهواء البارد من طبقات الجو العليا، كما تتأثر بالضغط الجوي المنخفض على البحر المتوسط وبالمنخفضات الجوية الناشئة عليه التي يصل بعضها إلى غرب المملكة عبر البحر الأحمر مما يجعله يشكل امتدادًا طبيعيًا له، وتجذب هذه المنخفضات الجوية التي تتحرك نحو الجنوب، الرياح الغربية والشمالية الغربية التي تؤدي إلى سقوط الأمطار على معظم مناطق المملكة، وهذا يفسر لنا سبب سقوط الأمطار شتاءً على منطقة مكة المكرمة
ويتأثر مناخ المنطقة في فصل الشتاء بالهواء البارد القادم من منطقة الضغط الجوي الآسيوي المرتفع والكتلة الهوائية القارية القطبية القادمة من سيبيريا التي تؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة انخفاضًا واضحًا على المحطات الداخلية والشرقية في حين أن هذا الهواء البارد لا يصل إلى المحطات الساحلية (جدة) إلا في أحيان قليلة ونادرة، وهذا هو السبب في عدم انخفاض درجة الحرارة انخفاضًا شديدًا في فصل الشتاء
وبتتبع معدلات الضغط الجوي الفصلية في منطقة مكة المكرمة (جدول 13) ، و (شكل 1) نلاحظ أن تلك المعدلات تصل أقصاها في شهور الشتاء، ويرجع السبب في ارتفاع الضغط الجوي في شهور الشتاء إلى عملية تبريد اليابسة مما يؤدي إلى هبوط الهواء البارد من طبقات الجو العليا
وبصفة عامة فإن الضغط الجوي يرتفع في فصل الشتاء ويبلغ أقصاه في هذا الفصل، وينخفض ويبلغ أدناه في شهور الصيف الحارة
 
2 - الضغط الجوي في فصل الصيف:
تتأثر منطقة مكة المكرمة صيفًا بمجموعة من الضغوط الجوية وبالكتلة الهوائية المدارية القارية التي تعد من أكثر الكتل تأثيرًا في مناخ المملكة العربية السعودية، وبالتالي في مناخ مكة المكرمة. ويُسيطر الهواء المداري القاري على المنطقة، ويعد هذا الهواء أحد العوامل المسببة لارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف
وتتأثر المنطقة كذلك بالضغط الجوي المنخفض الإفريقي (السوداني) المتمركز على الصحراء الكبرى من خليج غانا في الغرب حتى الهضبة الحبشية في الشرق، وقد يمتد إلى جنوب غرب شبه الجزيرة العربية الذي يجذب رياحًا جنوبية غربية إلى المنطقة، كما تتأثر المنطقة بالضغط الجوي المنخفض الآسيوي (الموسمي) الذي يتركز على شمال غرب الهند وباكستان وجنوب إيران التي تتصل بالضغط المنخفض الإفريقي عبر شبه الجزيرة العربية، وبالرياح القادمة من المحيط الهندي، إلا أن هذه الرياح لا تسقط أمطارًا على مكة المكرمة وإنما تسقط أمطارها على الجزء الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية (جبال عسير)، وتصل إلى مكة المكرمة بعد أن تكون قد أفرغت حمولتها من بخار الماء على الإقليم الجنوبي الغربي. وتتأثر المنطقة أيضًا بالضغط الجوي المرتفع الآزوري على البحر المتوسط وبالكتلة الهوائية المدارية القارية المتمركزة على شمال إفريقية التي تؤدي إلى هبوب الرياح الغربية الجافة التي لا تسقط أمطارًا في فصل الصيف بالإضافة إلى ضيق البحر الأحمر، وسيطرة الضغط المرتفع المداري على مستويات الجو العليا ولوقوعها ضمن المنطقة المدارية الجافة وتأثرها بالكتل الهوائية التي تجلب الجفاف
وبتتبع المعدلات الشهرية للضغط الجوي في منطقة مكة المكرمة في فصل الصيف خلال الفترة من 1413 - 1423هـ / 1993 - 2002م يتضح أن الضغط الجوي ينخفض بصفة عامة في منطقة مكة المكرمة، ويصل إلى حده الأدنى في شهور الصيف (يونيو - يوليو - أغسطس) (جدول 14) ، و (شكل 2)
لا يبدأ الضغط الجوي في الارتفاع السريع إلا في فصل الخريف وينخفض تدريجيًا في فصل الربيع، ويسمح هذا الانخفاض التدريجي في أشهر الربيع (مارس، إبريل، مايو) بهبوب الرياح المحلية إلى شبه الجزيرة العربية، وهي رياح عنيفة في سرعتها وجنوبية في اتجاهها، ويمتد تأثيرها إلى منطقة مكة المكرمة، وتسبب ارتفاعًا كبيرًا في درجة الحرارة وانخفاضًا في نسبة الرطوبة وإثارة العواصف الرملية والأتربة والغبار، وهي رياح لا تدوم طويلاً وتتصارع مع الرياح الشمالية الغربية ويعقبها سقوط الأمطار
 
ب - الرياح:
تتأثر الرياح في منطقة مكة المكرمة تأثرًا كبيرًا بشكل مباشر بتوزيع مناطق الضغط الجوي المحيطة بها التي سبق الإشارة إليها، ويتضح من (جدول 15) ، و (شكل 3 و 4 و 5) عدد من الحقائق الخاصة بالرياح يمكن إيجازها فيما يأتي
سيادة الرياح الشمالية خلال شهور فصول السنة في محطتي مكة المكرمة وجدة بشكل عام، فيبلغ معدل هبوبها خلال فصل الشتاء في محطة مكة المكرمة نحو 51%، تليها الرياح الجنوبية 22%، ثم الرياح الشمالية والشمالية الشرقية 14%، ويبلغ معدل هبوب الرياح الشمالية فيها في فصل الربيع نحو 53%، والرياح الجنوبية 19%، والرياح الجنوبية والجنوبية الغربية 15%، ويناهز هبوب الرياح الشمالية فيها خلال فصل الصيف 65%، تليها الرياح الشمالية والشمالية الغربية 17%، ثم الرياح الجنوبية 6%، أما في فصل الخريف فتسود الرياح الجنوبية بنسبة 35%، ثم الرياح الشمالية 25%، ثم الرياح الجنوبية والجنوبية الغربية 18%، ويلاحظ غياب الرياح الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية خلال الفصول كلها من محطة مكة المكرمة
أما في محطة جدة فتبلغ نسبة هبوب الرياح الشمالية في فصل الشتاء نحو 72%، تليها الرياح الشمالية والشمالية الغربية 8%، وتصل نسبة هبوب الرياح الشمالية فيها خلال فصل الربيع 54%، ثم الرياح الشمالية والشمالية الغربية 22%، والرياح الغربية 10%
وخلال فصل الصيف تتناقص نسبة هبوب الرياح الشمالية إلى 32%، وتزداد بالمقابل نسبة هبوب الرياح الشمالية والشمالية الغربية لتصبح 32% أيضًا، تليهما الرياح الغربية بنسبة 18%، تعود الرياح الشمالية لتسود من جديد خلال فصل الخريف بنسبة 43%، تليها الرياح الغربية بنسبة 36%، ويلاحظ انعدام الرياح الشرقية والرياح الجنوبية وتفرعاتهما من محطة جدة
 سيادة الرياح الغربية في محطة الطائف في فصول السنة كلها، ففي فصل الشتاء نسبة هبوبها نحو 53%، تليها الرياح الشرقية بنسبة 21%، ثم الرياح الجنوبية والجنوبية الغربية بنسبة 12% ثم الجنوبية بنسبة 10%، ويلاحظ انعدام الرياح الشمالية والرياح الشرقية وتفرعاتهما خلال هذا الفصل، أما في فصل الربيع فتزداد نسبة هبوب الرياح الغربية إلى 72%، تليها الرياح الغربية الجنوبية والجنوبية الغربية بنسبة 12%، وتقل نسبة الرياح الشرقية عن 2%، وتظل الرياح الشمالية وتفرعاتها غائبة
وتصل نسبة هبوب الرياح الغربية ذروتها خلال فصل الصيف بنسبة 82%، وتقل نسبة هبوب الرياح من بقية الاتجاهات إلى ما دون 4%، وتظهر خلال هذا الفصل بعض تفرعات الرياح الشمالية والشمالية الغربية بشكل بسيط، وفي فصل الخريف تصل نسبة الرياح الغربية إلى 53%، وتعود الرياح الشرقية للظهور بنسبة 27%، وتكاد تنعدم الرياح من بقية الاتجاهات الأخرى
وتكون الرياح معتدلة السرعة على منطقة مكة المكرمة بوجه عام على مدار السنة، ويبلغ أعلى معدل لها في شهور الربيع والشتاء، إذ تزيد سرعة الرياح على معدلها السنوي العام في الفترة من يناير إلى مايو، ويأتي فصل الربيع في المركز الأول من حيث سرعة الرياح، ويأتي الشتاء في المركز الثاني، والصيف في المركز الثالث، والخريف في المركز الأخير
أما بالنسبة إلى أعلى سرعات رياح سجلت في منطقة مكة المكرمة، فقد كانت 50 عقدة 92.6كم /الساعة في محطة جدة، وذلك في فصل الربيع 1407هـ /مارس 1987م، وكان اتجاه الرياح شماليًا، كما سجلت سرعات عالية في الطائف 50 عقدة في حين أن أعلى سرعة للرياح لمحطة مكة المكرمة كان 45 عقدة 1421هـ الموافق 7 / 11 / 2000م 
ويرجع السبب في هدوء الرياح في محطة مكة المكرمة إلى إحاطتها بالجبال والتلال الواقعة إلى الشرق، ويؤدي هدوء الرياح وعدم سرعتها إلى عدم إثارة الأتربة والغبار الأمر الذي يميزها عن المناطق الساحلية (جدة) والمرتفعة (الطائف) التي ترتفع فيهما سرعة الرياح، وتهب عليها الرياح المحلية السريعة التي تؤدي إلى إثارة الأتربة والغبار، وخصوصًا في فصل الربيع الذي تهب فيه الرياح الجنوبية والجنوبية الشرقية العنيفة التي تسبب ارتفاعًا في درجة الحرارة وانخفاضًا في الرطوبة النسبية وزيادة في معدلات الجفاف. ويرجع السبب في تعرض المنطقة للرياح ذات المعدلات السريعة 50 عقدة إلى تقارب مراكز الضغط المنخفض الاستوائي والمرتفع المداري، وتمدد منخفض البحر المتوسط نحو الجنوب، وإلى وجود المنخفضات الجوية على السودان ومصر  ، 
أما من حيث اتجاه الرياح فإن هناك تقاربًا مكانيًا، إذ يسيطر الاتجاه الشمالي على اتجاه الرياح في محطتي جدة ومكة المكرمة والاتجاه الغربي في محطة الطائف، كما أن هناك تقاربًا في نسبة هبوب الرياح من الاتجاه الشمالي، إذ بلغت نسبة الاتجاه الشمالي في محطة مكة المكرمة 50.9% و 50.8% لمحطة جدة في الوقت الذي يسيطر الاتجاه الغربي على محطة الطائف بنسبة 69.5%
 
 
شارك المقالة:
155 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook