المشروبات في البادية بمنطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
المشروبات في البادية بمنطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

المشروبات في البادية بمنطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
إن القهوة تكاد تكون مشروب أهل البادية الوحيد وهي من التقاليد السائدة، فصاحب البيت هو الذي يصنعها، وهو أول من يتذوقها، والقصد من ذلك هو أن يتأكد رب البيت من أن القهوة جيدة الصنع، ويحرص ساكن البادية على صنع القهوة بطريقة تجعل الضيوف والمارين بالصحراء يتلذذون بشربها، ويعزمون على المجيء إليها من أبعد الأمكنة؛ إذ يدق بالنجر للمرة الأولى في إشارة إلى بدء عمل القهوة ليتجمع لها الضيوف والسُمَّار في الليل، ثم يبدأ بتجهيزها.
 
وبعد أن يجهِّزها يقف الذي يقدمها - مهما قلّ عدد الضيوف - ممسكًا الدلة بيده اليسرى، ومادًّا الفنجان باليمنى، وأي خرق لهذه العادة يُواجَه بالنقد والتقريع والتعنيف، ويحرص مقدِّم القهوة على عدم إكثارها في الفنجان؛ لأن في الزيادة نوعًا من الاحتقار؛ نظرًا إلى أن القهوة لا تستلزمها حاجة الإنسان الجسدية بقدر ما تتطلبها حاجته الذهنية والمزاجية.
 
ويُعنى ساكن البادية عمومًا بأواني القهوة - وبخاصة الدلة - ويحرص عليها حرصًا لا يتوافر لأواني البيت الأخرى، وهو في هذا المجال لا يطيق أن يرى في الدلة أي لون طارئ يؤثر - من بعيد أو من قريب - على طعم القهوة المتميز، فيبادر بالذهاب بها إلى الصُنَّاع ليجلوها (يربوها) ويطليها بالمواد التي تحافظ على معدن النحاس الذي تُصنع منه.
 
لقد كان سكان منطقة القصيم عمومًا وإلى وقت قريب يحرصون على أن تكون أواني القهوة  وبخاصة الدلة من أجود أنواعها صناعة، ويجلبونها إما من بغداد مثل الدلال البغدادية، أو من الشام مثل الدلال الرسلانية نسبة إلى رسلان الذي كان مشهورًا بصناعة الدلال، وكانت الرسلانية - بشكل خاص - تلقى قبولاً أكثر لجمالها ولما تتميز به من دقة الصناعة، وفي هذا تقول امرأة من سكان البادية معجبة بكرم أحد أبناء البادية
راعي  دلالٍ متقنـة عمـل رسـلان     ونجــرٍ  يطقـه للنشـامى يجونـه
"وبالإضافة إلى القهوة فإن الحليب يبقى من أهم المشروبات لدى سكان البادية بعد الماء، ولهذا فإن ساكن البادية وهو في المرعى أو عند البيت يحلب ما لديه من إبل أو غنم ويقدمه لضيوفه وأهله.... أما حليب الأغنام فإنه - أحيانًا - يسخنه على النار ليشربه حليبًا، أو يتركه حتى يروب ويصبح لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين يقدمه ساكن البادية لأهله وضيوفه مع التمر. وتُخرج المرأة منه الزبد بعد خضه في الأسقية (جمع سقاء) وتغليه على النار بداعي إنتاج السمن البري، أو تطبخ اللبن لتصنع منه الأقط أو البقل"  
 
مظاهر الثبات والتغير
 
يمر المجتمع السعودي بمرحلة مهمة من مراحل التحول الكبير في معظم مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بعد خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزت كثيرًا من ملامح الحياة الجديدة المتغيرة، ومن تلك المظاهر التي حدث فيها تغير كبير: ظاهرة الغذاء وعاداته في مجتمع منطقة القصيم؛ فعلى سبيل المثال: دخلت المأكولات المتنوعة من بيئات وثقافات مختلفة مثل: الغوزي، والهمبرجر، والسمبوسة... وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك فإننا نجد أن المطاعم المنتشرة في منطقة القصيم كما في باقي مناطق المملكة بوجه عام - سواء كانت لتقديم وجبات سريعة أو غيرها من أنواع مأكولات المطاعم المختلفة - قد نشأت في مجتمعات أخرى، ثم انتقلت إلى المجتمع السعودي بشكلها وثقافتها، سواء كان ذلك في الإعداد، أو طريقة الطهو، أو أساليب التقديم، أو محتويات الوجبة، أو نوعية الطباخين... إلخ، فقد انتشرت مطاعم من جنسيات مختلفة تقدم الوجبات السريعة، وكلها وجبات جديدة لم تكن مألوفة لأبناء المنطقة في الماضي.
 
إن الثقافة السعودية لم تعد معزولة عن الثقافات العالمية، بل أصبحت جزءًا منها تتأثر بها وتؤثر فيها في تلاقح ثقافي متبادل، ولعل من أبرز تأثيرات الثقافات الغربية على المجتمع السعودي هو ذلك الانتشار الواسع لمطاعم الوجبات السريعة العالمية المشهورة التي أصبحت لها وكالات محلية.
 
وعلى الرغم من أن كثيرًا من الأكلات الشعبية التي سبق ذكرها في هذا الفصل لا تزال مرغوبة من قِبَل أبناء المنطقة حتى الوقت الحاضر، إلا أنه قد طرأ عليها تغير في طريقة الإعداد ونمطه، فقد أُدخل عليها كثير من الإضافات من مقبلات وسلطات وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك فإن كثيرًا من هذه الأكلات لم يعد إعداده قاصرًا على ربات البيوت، بل انتشرت المطاعم التي تقوم بإعدادها وتقديمها للأهالي لمزاحمة الأكلات الوافدة. كما أن كثيرًا من الأسر صارت تستخدم المطابخ والمطاعم التجارية لطبخ الطعام وإعداده عندما تكون لديها مناسبات اجتماعية مثل: قدوم الضيوف، أو الأعياد، أو ولادة مولود جديد. وبالإضافة إلى ذلك فقد أنشأ كثير من المواطنين السعوديين مطاعم شبيهة بما هو موجود في الدول العربية الأخرى مثل مطاعم الشاورما، والمشويات، والفلافل، والمعجنات، والحلويات... إلخ.
 
أما بالنسبة إلى المشروبات؛ فقد انتشرت في الوقت الحاضر المشروبات الغازية لتنافس المشروبات التقليدية (القهوة والشاي) التي كان السكان يشربونها في الماضي والحاضر ويولونها عناية واهتمامًا خاصين؛ إذ كان أول ما يُستقبل به الضيف عند قدومه هو القهوة والشاي، فهما المشروبان التقليديان المفضلان لأبناء المنطقة حتى الوقت الحاضر.
 
وقد انتشر - أيضًا - عدد من المقاهي التي تقدم المشروبات الساخنة على الطريقة الغربية، وقد ساعد انتشار مثل هذه المقاهي في بروز أنماط اجتماعية جديدة في المجتمع، فقد أصبح من المألوف أن يلتقي الشخص مع أصدقائه في مثل تلك المقاهي لتناول القهوة وقضاء بعض الوقت في التحاور سواءً في القضايا الشخصية أو المهنية. كما أن الدعوات الاجتماعية لم تعد مقصورة على المنـزل، بل أصبح من المقبول اجتماعيًا دعوة زميل أو صديق لتناول العشاء أو الغداء وتجاذب أطراف الحديث في أحد المطاعم.
 
شارك المقالة:
39 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook