الكفارة

الكاتب: مروى قويدر -
الكفارة

الكفارة.

 

 

الفرق بين الكفارة والفدية:

 

قال الإمام الزركشي -رحمه الله- في كتابه المنثور: "والفدية تفارق الكفارة في أن الكفارة لا تجب إلا عن ذنب تقدم بخلافه الفدية"، أي أنه لا يشترط في الفدية أن يسبقها ذنب أو مخالفة شرعية؛ فقد يعجز شخصٌ عن صيام رمضان بسبب مرضه فيُخرج الفدية عن الأيام التي أفطرها، بينما الكفارة يتقدّمها مخالفة شرعية؛ كارتكاب محظور من محظورات الحج، أو الإفطار عمداً في رمضان بسبب الجماع.

 

أنواع الكفّارات:

 

كفّارات الصيام

 

دلّ على مشرعيّة الصيام باعتباره كفّارة لبعض الذنوب ما جاء في السنّة النبويّة المُطهَّرة من حديث (أنَّ رَجُلًا أتَى رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قالَ: ويْحَكَ قالَ: وقَعْتُ علَى أهْلِي في رَمَضَانَ، قالَ: أعْتِقْ رَقَبَةً قالَ: ما أجِدُهَا، قالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قالَ: لا أسْتَطِيعُ، قالَ: فأطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قالَ: ما أجِدُ، فَأُتِيَ بعَرَقٍ، فَقالَ: خُذْهُ فَتَصَدَّقْ به فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أعَلَى غيرِ أهْلِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، ما بيْنَ طُنُبَيِ المَدِينَةِ أحْوَجُ مِنِّي، فَضَحِكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، قالَ: خُذْهُ) فكفّارة جماع الرجل لزوجته في نهار رمضان عِتق رقبة، فإن لم يجد المرء ذلك صام شهرَين مُتتابعَين، فإن لم يجد ذلك أطعم ستِّين مسكيناً، وذلك إذا كان جماعه لزوجته عن عِلم، وقَصد، وتذكُّر باتِّفاق فقهاء الأمّة الإسلامية، وتجب كفّارة الجماع في نهار رمضان على الترتيب كما ذهب إلى ذلك جمهور فقهاء الأمة من الشافعية، والحنابلة، والحنفية؛ فلا ينتقل مَثلاً إلى الصيام إلّا حينما يعجز عن العِتق، ولا ينتقل إلى الإطعام إلّا حينما يعجز عن الصيام

 

شروط ترتُّبها عند الشافعية والحنابلة

شروط وجوب كفّارة الجماع في نهار رمضان عند الشافعيّة، والحنابلة أن يُجامع الرجل زوجته في نهار رمضان حتى لو كان بغير إنزال إذا لم يكن ناسياً، أو مُكرَهاً على ذلك، ولا تجب الكفارة على المُخطىء الذي يظنّ بقاء الليل ثمّ يدرك طلوع النهار، ولا على من جامع وهو صائم في غير رمضان، ولا على المرأة التي يُجامعها زوجها، أمّا إذا كانت المرأة طائعة، وراغبة في ذلك، فعليها القضاء، والكفّارة أيضاً.

 

شروط ترتُّبها عند الحنفية والمالكية

 

تترتّب كفّارة الصيام عند الحنفية على من أفطر مُتعمِّداً في نهار رمضان، وسواء كان الإفطار بسبب الأكل، أو الشرب، أو الجماع، أمّا إذا كان الإنزال دون الفرج فلا كفّارة فيه، وعليه القضاء، كما لا تتوجّب الكفارة على من أفطر في غير رمضان، وقد وافق المالكيةُ الحنفيةَ في ترتُّب الكفّارة على من أفطر مُتعمِّداً في نهار رمضان بسبب الأكل، أو الشرب، أو الجماع، واشترطوا لوجوب الكفارة بسبب الأكل أن يصل الطعام إلى الجوف، فإذا وصل إلى الحلق فلا كفّارة، كما اشترطوا لوجوب الكفارة بسبب الجماع أن يتحقّق فيه ما يُوجِب الغُسل، واستثنَوا من وجوب الكفّارة من أفطر في سفرٍ مسافته أقلّ من أربعة برد* مُعتقِداً أنّ تلك المسافة تُبيح الفطر، حيث يتوجّب عليه حينئذٍ القضاء فقط؛ لأنّه لا كفّارة على من ظنّ الصواب.

 

مقدار كفّارة الجماع في الصيام

كفّارة الجماع في نهار رمضان تتحقّق بعِتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فإن لم يجد، فصيام شهرَين مُتتابعَين، فإن لم يجد أطعم ستِّينَ مسكيناً، لكلِّ واحد منهم مقدار مُدٍّ* من الطعام من غالب قوت البلد.

حكم صيام الحامل

 

الفدية

 

ذكر الفقهاء عدّة أسباب تُوجِب الفدية، ومنها ما يأتي:

  • الشافعية: ذكر الشافعية أسباباً تُوجِب الفدية على من أفطر في رمضان، ومن هذه الأسباب: خوف المرأة الحامل على جنينها والمرضع على رضيعها أن يتضرّرا بسبب الصيام، كما تتوجّب على من أخَّرَ قضاء رمضان مع القدرة عليه حتى جاء رمضان التالي، وكذلك على الشيخ الهَرِم الذي يعجز عن الصيام، ومن لم يستطع الصيام أبداً، أمّا مقدارها فهو مُدٌّ من الطعام عن كلِّ يوم أفطرَه في رمضان.
  • المالكية: وافق المالكيةُ الشافعيةَ في أسباب دَفع فِدية الصيام، إلّا أنّهم أضافوا إلى الشيخ الكبيرِ الرجلَ العَطِشَ الذي لا يستطيع الصيام؛ بسبب عَطشه الدائم، واختلفوا في الحامل التي تخاف على جنينها بسبب الصيام؛ فقِيل بوجوب الفِدية في حقّها، وقِيل بل يتوجّب عليها القضاء دون الفدية، ومقدارها مُدّ من الطعام لكلّ مسكين، فلا يجوز دفع مُدّ لأكثر من مسكين، ولا دفع أكثر من مُدّ لمسكين واحد.
  • الحنفية: اختلف الحنفية مع المالكية والشافعية حينما ذهبوا إلى القول بعدم وجوب الفدية على المرأة الحامل التي تخاف على نفسها، أو جنينها بسبب الصيام، كما لا تجب الفدية على المريض الذي يُؤخّر القضاء حتى يأتي رمضان التالي، واتّفقوا على وجوبها على الشيخ الكبير، ومقدار فِدية الإطعام كمقدارها في الكفّارات، وتُخرَج من مال الميت الذي ترك الصيام بسبب عَجزه إذا أوصى، نصف صاع، أو صاع من بُرٍّ، أو تمرٍ، أو شعيرٍ.
  • الحنابلة: قالوا بوجوب الفدية على وليّ الطفل للمرأة الحامل، أو المُرضع التي تخاف على ولدها، أمّا إذا خافت على نفسها دون طفلها فإنّه يتوجّب عليها القضاء دون الفِدية.

 

كفّارات الحجّ

 

أسباب كفّارات الحجّ

 

تترتّب كفّارة الحجّ على من ترك واجباً من واجبات الحجّ، أو أتى بمُحرَّم من مُحرَّمات الإحرام، ومن هذه الواجبات: ترك الإحرام من الميقات، أو ترك رَمي الجمرات، أو ترك الوقوف بعرفة أو المبيت في منى أو مزدلفة، وفِدية الدم التي يتوجّب تقديمها بسبب ترك نسك مأمور به مُقدَّرة في الشريعة، كما أنّها مُرتّبة؛ فلا يجوز أن ينتقل المسلم منها إلى غيرها إلّا إذا عَجِز عنها، وأوّلها تقديم شاة، أو سُبع بقرة، أو بدنة*، فإن عَجِز عن ذلك صام عشرة أيّام؛ ثلاثة أيّام وهو في الحجّ، وسبعة أيّام يصومها عند رجوعه إلى وطنه.

 

أنواع كفّارات الحجّ

 

ومن أنواع الكفّارات في الحجّ ما يأتي:

  • كفّارة الإتيان ببعض الأمور، والأعمال المُحرَّمة في الحجّ، مثل: الحَلْق، ووضع الطِّيب، وتكون على التخيير، وليس الترتيب؛ إذ يجوز أن يذبح المُحرِم شاةً، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم نصف صاع من الطعام لستّة مساكين.
  • كفّارة الإحصار، والمُحصر هو الذي يُمنع من إتمام مناسك الحجّ، أو العمرة، وكفّارة إحصاره على الترتيب ذبح شاة، أو سُبع بُدنة أو بقرة، فإن لم يجد الشاة، فإنّه يُخرج مقابل قيمتها طعاماً، فإن لم يجد صام عن كلّ مُدّ يوماً.
  • كفّارة قَتل الصيد، وهي على التخيير؛ فإمّا أن يذبح مثلَ ما قتلَ من النعم، ومثال على ذلك أن يذبح عنزة مقابل غزال، أو بقرة مقابل بقرة، أو أن يُقوِّم سعر ما يريد ذَبحه، ويشتري به طعاماً يتصدّق به على فقراء الحَرَم، أو أن يصوم يوماً عن كلّ مُدّ من الطعام، وإذا لم يجد مثلَ ما قتلَ من النعم، فهو مُخيَّر بين إخراج قيمتها طعاماً، أو صوم يومٍ عن كلّ مُدّ.
  • كفّارة الجَماع في الحجّ، وهي على من يُجامع وهو مُحرِم على الترتيب؛ فيجب أولاً أن يذبح بُدنة*، فإن لم يجد ذَبح بقرة، فإن لم يجد ذَبح سُبعاً من الغنم، فإن لم يجد ما يذبحه قَيَّم سعر البُدنة، واشترى بقيمتها طعاماً للفقراء، والمساكين، فإن لم يجد ذلك، أو عَجز عنه صام عن كلّ مُدّ من الطعام يوماً.

 

كفّارة اليمين

 

ثبتت مشروعية كفّارة اليمين في كتاب الله، قال -تعالى- (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وعليه فإنّ حُكم كفّارة اليمين أنّها واجبة حينما يحنث المرء بيمينه.

 

أنواع اليمين

 

قسَّم علماء الأمّة الأيمان إلى أربعة أنواع، هي: نوعان لا كفّارة فيهما، ونوعان تتوجّب فيهما الكفّارة؛ فأمّا الأيمان التي تتوجّب فيها الكفّارة فهي أن يقول الشخص: والله لأفعلنّ كذا، ولا يفعل، أو يقول: والله لا أفعل كذا، ثمّ يفعل، وهما مجموعان في اليمين المنعقدة، واليمينان اللذان لا يُكفّران هما قول الشخص: والله ما فعلت شيئاً مُعيّناً، وقد فعله ظانّاً صحّة قوله، أو قوله: والله قد فعلت كذا وكذا، وهو لم يفعل كاذباً، وهما مجموعان في يمين اللغو، واليمين الغموس التي تعني: الحلف الكاذب على شيءٍ وقع في الماضي، كأن يحلف شخصٌ أنّه فعل شيئاً ماضياً وهو لم يفعله، أو العكس، علماً بأنّ مَن يحلف هذا اليمين هو آثم، وتتوجّب عليه التوبة، والاستغفار.

 

مقدار كفّارة اليمين

 

يكون المُسلم مُخيَّراً في مقدار كفّارة الحَنث* باليمين؛ إذ يبدأ أوّلاً بالإطعام، أوالكسوة، فيُطعم عشرة مساكين مقدار مُدّ من الحِنطة لكلّ مسكين، أو وجبتَي غداء وعشاء لكلّ مسكين، وقد أجاز الحنفية إخراج قيمة الطعام نقداً ودفعها إلى الفقراء، وقد يكسو المسلم عشرةَ مساكين بدل إطعامهم، وتتحقّق الكِسوة عند جمهور فقهاء الأمّة بكلّ لباس يمنع العُرِيّ، ويتحقّق به معنى الستر، وتجوز به الصلاة للرجل والمرأة، فيُعطى الرجل قميصاً، وتُعطى المرأة قميصاً وخماراً، وخالف الشافعية الجمهورَ حينما أجازوا أن يُكسى الفقير بما يُلبس عادة من جُبٍّ، أو رداء، أو عمامة، فإذا لم يُكفِّر المسلم بذلك جاز له أن يُحرِّر رقبة، وقد اشترط فقهاء الجمهور أن تكون الرقبة مؤمنة خالية من العيوب، وعند الحنفية، وأبي ثور، وعطاء أنّه لا يُشترَط الإيمان في الرقبة المُحرَّرة، فإذا عجز الحانث عن ذلك، كفَّر عن يمينه بصيام ثلاثة أيام.

 

شروط كفّارة اليمين

 

يُشترَط لوجوب كفّارة اليمين على الحانث ثلاثة أمور، هي:

  • التكليف: فلا كفّارة على من كان غير مُكلَّفٍ، كالمجنون والصبي.
  • عدم الإكراه: فلا كفّارة على من كان مُكرَهاً على اليمين.
  • القَصد في اليمين: فلا كفّارة على يمين اللغو*.
  • مشروعيّة اليمين: فلا كفّارة على اليمين الغموس*.
  • تحقُّق الحَنث في اليمين: وهو أن لا يفعل المسلم الأمر الذي حلف أن يفعله، أو أن يفعل الأمر الذي حلف أن لا يفعله.


وتُخرَج كفّارة اليمين بعد أن يحنث المسلم بيمينه باتِّفاق فقهاء الأمّة، أمّا دفع الكفّارة قبل الحنث باليمين فقد اختلف فيها الفقهاء؛ فذهب جمهور الفقهاء إلى القول بجواز إخراجها قبل الحنث باليمين، أمّا أبو حنيفة فقد ذهب إلى أنّه لا يُجزىء إخراجها قبل الحنث باليمين، فمن كفَّرَ قبل الحَنث توجّب عليه أن يُكفّر مرّة ثانية بعده.

 

سقوط كفّارة اليمين

 

تسقط كفّارة اليمين في أربع حالات، منها:

  • الإكراه: وقد ذكر علماء الأمة نوعَين للإكراه؛ أحدهما قد يكون قهريّاً يسلب المسلم إرادته فلا يستطيع إلّا أن يحنث بيمينه، أمّا النوع الآخر للإكراه فقد اختلف فيه فقهاء الأمة، ويكون عندما يتعرّض المسلم للتهديد بالضرب، أو القتل إذا لم يحنث بيمينه، فقال جمهور الفقهاء بأنّه لا يحنث في تلك الحالة، ولا كفّارة عليه، بينما ذهب أبو حنيفة إلى أنّه يحنث بيمينه وتتوجّب في حقّه الكفارة.
  • النسيان: وهو عُذر لسقوط الكفارة عن الحانث بيمينه عند جمهور فقهاء الأمة؛ لأنّ الله تجاوز عن عباده النسيان، بينما خالف الحنفية فقالوا بوجوب الكفّارة على الناسي عند الحنث باليمين.
  • الجهل والخطأ: ومثاله أن يحلف الرجل أن يُعطي جاره درهماً، فيرى رجلاً في الظلام فيعطيه الدرهم ظنّاً منه أنّه جاره، وقد اختلف في هذا السبب علماء الأمة؛ فذهب علماء المالكية، والحنفية، وفي قول عن الإمام أحمد إلى القول بوجوب الكفّارة عليه، بينما ذهب الشافعي، وابن حزم إلى سقوط الكفّارة عنه.
  • فقدان العقل: ويحصل حينما يُجَنّ الرجل فترة من الزمن، أو يُغمى عليه فيحنث بيمينه، وفي هذه الحالة تسقط الكفّارة عن الحانث عند جمهور الفقهاء، بينما ذهب الحنفيّة إلى وجوب الكفّارة عليه.

 

كفارة الظهار

 

الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: أنتِ عليَّ كظَهر أمّي، وقد عُرِف قديماً عند أهل الجاهلية، وعَدّوه طلاقاً، وهو في اللغة مأخوذ من الظهر، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحريمه، ورتّبت على الزوج الذي يُظاهر من زوجته الكفّارة قبل أن يعود إلى امرأته.

 

مشروعيّة كفّارة الظهار

 

دلّ على مشرعيّة كفارة الظهار قوله -تعالى-: ( وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) كما دلّ على مشرعية كفّارة الظهار ما جاء في السنّة النبويّة (أنَّ جَميلةَ كانتْ تحت أوسِ بنِ الصامتِ، وكان رجُلًا به لَمَمٌ، فكان إذا اشتدَّ لمَمُه ظاهَرَ من امرأتِه، فأنزلَ اللهُ -عزَّ وجَلَّ- فيه كَفَّارةَ الظِّهارِ)


وقد اختلف علماء الأمة الإسلامية في اشتراط الإيمان في الرقبة التي تُعتَق ككفّارة الظهار؛ فذهب أبو حنيفة، وفي رواية عن الإمام أحمد إلى القول بعدم اشتراط الإيمان في الرقبة، فلو أعتق رقبة غير مؤمنة أجزأه ذلك، وممّن ذهب إلى ذلك من العلماء: عطاء، وأبو ثور، والنخعي، وابن المنذر، والثوري، وقد استدلّوا على ذلك بقوله -تعالى-: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) حيث جاء لفظ الرقبة مُطلَقاً، ولا يجوز حمل المُطلَق على المُقيّد إلّا بدليل، بينما ذهب الشافعيّ، ومالك، وأبو عبيدة، والحسن، وفي المذهب الظاهر للإمام أحمد إلى القول باشتراط الإيمان في الرقبة؛ لما تقرَّر في علم الأصول من أنّ المُطلَق يُحمَل على المُقيَّد.

 

مقدار كفّارة الظهار

 

كفارة الظهار واجبة على المُظَاهِر على الترتيب؛ فأوّلها عِتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فإن لم يجد فصيام شهرَين مُتتابعَين، فإن لم يستطيع؛ بسبب كِبر، أو مرض، أطعمَ ستّينَ مسكيناً، لكلّ مسكين مُدّ من الطعام.

 

كفّارة القتل

 

كفّارة القتل مشروعة في كتاب الله، قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )، وهذه الكفّارة تتوجّب على من قتلَ مؤمناً خطأً، كما تتوجّب على القتل شبه العمد؛ لأنّه كالخطأ، وعقوبته تبتدئ بدَفع الدية، ثمّ التكفير عن ذلك الفعل من خلال تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجدها، أو لم يستطع دفع قيمتها، انتقل إلى الكفّارة البديلة المتمثِّلة بصيام شهرَين مُتتابعَين.


وقد اختلف علماء الأمة في وجوب الكفّارة في حالة القتل العمد؛ حيث ذهب الإمام الشافعي إلى القول بوجوبها، واستدلّ على ذلك بأنّ الكفّارة تكون عقوبة على إثم القتل الخطأ، وشِبه العمد، فمن باب أولى أن تكون واجبة في القتل العمد؛ لأنّه أشدّ جُرماً، بينما ذهب الإمام أحمد، وأبو حنيفة إلى القول بعدم وجوبها؛ باعتبار أنّ القَصاص هو عقوبة القاتل عمداً، واستدلالاً بما جاء في السنّة حينما أُتِي بسويد بن الصامت وقد قتلَ رجلاً، فأمر النبيّ بالقود، ولم يأمر بالكفّارة، وقد وافقهم الإمام مالك في ذلك، إلّا أنّه رأى بأنّ الكفّارة مندوبة في حالات القتل العمد التي لا يكون فيها قَصاص بسبب العفو عن القاتل، أو بسبب وجود مانع شرعيّ.


كما أوجبَ الإمام أحمد والشافعيّ كفّارة القتل الخطأ على المسلم، وغير المسلم، والبالغ، وغير البالغ، والعاقل، والمجنون، فلا يُستثنى منها معاهد، ولا ذِمّي إلّا أن يكون حربيّاً، أمّا الإمام مالك فقد استثنى غير المسلم من وجوب الكفّارة، وأوجبها على الصبيّ البالغ، والمجنون، والعاقل، وذهب أبو حنيفة إلى القول بعدم وجوب الكفّارة على غير المسلم؛ باعتبارها عبادة غير مُلزمٍ بها، وهي غير واجبة على غير البالغ، أو المجنون؛ لأنّهما غير مُكلَّفان شَرعاً

شارك المقالة:
71 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook