الفن التشكيلي بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 الفن التشكيلي بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

 الفن التشكيلي بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
تزايد الاهتمام بالفن التشكيلي في هذه المرحلة، فزادت عروضه المحلية والخارجية، وظهرت فيه تجارب مميزة، وأصبحت الحركة الفنية محل تدبر وتأمل، ومتابعة في الصحافة المحلية، وفي الأنشطة الثقافية، وعبر المؤلفات  .  ولو ذهبنا نتابع الفعاليات في هذه المرحلة لضاق بنا المجال، لكننا سنطلع هنا على كتابة للمحرر الصحفي خير الله زربان يشير فيها إلى كثرة صالات العرض وكثرة العروض، كما يشير إلى ضرورة تقديم الأعمال الأفضل وتلك التي تثري الساحة التشكيلية  ،  وقد جاوز بعض الصالات والمراكز بفننا التشكيلي الحدود، وقدمت فيه تجارب لافتة ومن ذلك ما قامت به مؤسسة المنصورية التي أسستها صاحبة السمو الملكي الأميرة جواهر بنت ماجد بن عبد العزيز، إذ شاركت المؤسسة بالتعاون مع معهد العالم العربي بباريس في فعاليات عرض جنيف السنوي (يورو آرت 2000) وكان ذلك ضمن أهداف المؤسسة في نشر الفن السعودي دوليًا، وتحقيق فرص الاحتكاك بين فن الداخل وفنون الخارج، ووضع الفنان السعودي ضمن السياق العالمي الذي يليق به، وتجسيد حضارة هذا البلد وعمق وعيه الحضاري والثقافي، وقد شاركت المنصورية في هذا العرض بعرض إنتاج اثنين من الفنانين السعوديين هما: الفنان عبد الله الشيخ، والفنان طه الصبان، وقد قدمت المنصورية في هذا العرض كتاب (جنيات لار) وهو نص مشترك تتداخل فيه الكلمة مع اللوحة، فقد كانت اللوحات لشادية عالم، ونص الكلمات لرجاء عالم، والكتاب يتألف من اثنتي عشرة لوحة كبيرة محفورة ومنفذة بتقنية الشاشة الحريرية، مضاف إليها تلوين وتذهيب يدوي على ورق 250 جرام بعدد محدود من النسخ، هو مئتان وعشرون نسخة غير مخصصة للبيع، ومئة وثمانون نسخة مرقمة من 1 - 180، وقد أودعت نسخة من هذه المجموعة في جناح الكتب النادرة في المكتبة الوطنية بباريس  .  وجميع النسخ المحدودة موقعة بخط الفنانة شادية وأختها الأديبة رجاء، والنصوص مفصولة عن اللوحات باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية 
 
وقد أقامت المنصورية للفنانة شادية عالم أول معرض شخصي متنقل تقيمه (المنصورية) للفنانة، وكان ذلك في عام 1419هـ / إبريل 1999م، وبهذه المناسبة طبعت كتاب (إشارات) تقديم ومراحل، وقدم لهذا الكتاب أسعد عرابي وهو فنان تشكيلي وباحث في علم جمال الفن العربي والإسلامي، وقد تضمن الكتاب لوحات للفنانة تمثل مجموعات. يقول أسعد عرابي في تقديمه للكتاب: "تجاهر لوحات شادية - في أدائها البريء - بتضحيتها الصريحة بكل ما له علاقة بالحذاقات الأكاديمية والمحسنات البديعية أو الوصفية، فجموح تعبيرها المأساوي لا يحتمل أدنى تسوية من هذه المجاملات الذوقية، لذلك فهي تبدو في تمايزها نسيج ذاتها"   وهكذا سافرت شادية والمنصورية بفننا، وامتد الأمر إلى أن تحتضنه الخطوط البريطانية حين فازت شادية بجائزتها بعمل فني يظهر على ذيل عدد من طائراتها 
 
وفي هذه المرحلة نجد (الخطوط الجوية العربية السعودية) تدخل مجال تشجيع الفن التشكيلي، إذ نفذت المسابقة الأولى للفــن التشكيلــي عــام 1412هـ / 1992م، تحت شعار (التراث والحضارة), ورصدت لهذه المسابقة مئة جائزة قسمت على أربعة مستويات، وقد كان لكل فائز من الفائزين الثلاثة تذكرتا سفر على الدرجة الأولى إحداهما لشخصه والأخرى لمرافق له، وإقامة مجانية مدة أسبوع بفنادق الدرجة الأولى بأمريكا، وقد فاز في المسابقة الأولى: يوسف جاها، وإبراهيم بوقس، وياسر أزهر، وبعد ذلك أصبحت المسابقة تقام كل عامين، وأطلق عليها (ملون السعودية) وقد تضاعفت الجوائز المقدمة في المسابقة الخامسة المقامة عام 1422هـ / 2001م، وتـــم تصنيـــف اثني عشر عملاً فائزًا بعد أن كانت ثلاثة أعمال  
 
ويهمُّنا أن نشير إلى نشوء حركة ثقافية، اقتربت من هذا الفن، تذوقته، تخيرت منه واقتنت، احتضنته ومدت له المساعدة، وأصبح هذا الفن مثار حوار وجدل في المشهد الثقافي  ،  فهناك من يقبل تجاربه، ويحلل أعماله، وهناك الفنان الذي يستكنه أسرار فنه، ويحاول أن يوصلها للآخرين، ففيصل السمرة حين يتحدث عن تجربته الفنية يقول: "وقد حاولت بقدر المستطاع خلال هذه الرحلة التمرد على الأنماط الفنية السائدة بعد هضمها والاستفادة منها، حتى أصبح عملي يتمرد على نفسه خلال مراحل تقدمه، وما زال ذلك ضمن قواعد مفهوم معين لتجربة العمل الشخصية الذي لا أحبذ شرح تركيبه ومنظومته الداخلية"  ،  وفي لقاء أجرته عكاظ مع الأميرة الفنانة فهدة بنت سعود بن عبد العزيز، يتجلى الوعي الذي يريد أن يبثه الفنان في قرائه، والأفق الذي ينبغي أن يستقبلوا أعماله فيه، إذ تشعر في ذلك اللقاء باحتضان الفنان ذاكرة التاريخ، والقفز على حركة من العلاقات غير الإنسانية، لتظهر صورة الإنسان وهي تنفتح على فضاء تقرؤه من خلال حركة الأشواق والحنين، وبكاء المصير كما في مشهد الشيخ الجداوي الجالس على كرسي يحاور امرأة  
 
وتأتي المتابعات الصحفية مظهرة قراءات متأملة تعانق فضاءات الفن وتعقد علاقة بين القارئ ومفردات اللوحة على النحو الذي يقوم به خالد الجارالله وهو يعلق على الأخبار الفنية، فيتحدث مثلاً عن رعاية الأميرة فوزية - حرم صاحب السمو الملكي الأمير فواز بن عبد العزيز - معرض (أصداء) الذي يجمع بين عشرة من الفنانين التشكيليين مساء يوم الثلاثاء 13 / 1 / 1421هـ الموافق 2000م، ويعلــق على كل فنان، ويتابع مسيرته، ويظهر شخصيته الفنية المميزة  ،  ويعلق على خبر إقامة معرض شخصي للفنان عبد العزيز عاشور في القاهرة، فيتحدث عن سمات أعمال الفنان، ويذكر أن بناء عمله ونسيجه المتماسك تتلاحم في تكويناته عناصر البيئة ومفرداتها والزخارف الشعبية الخليجية مع الأشكال الآدمية في تناغم بليغ بين السالب والموجب، وبين العنصر والفراغ المحيط به، وأن هذه السمة البنائية تخلق نسيجًا بصريًا يتميز بالإيقاع الموسيقي المستمر، والمتتالي  
 
ويشير الفنان ضيف الله القرني إلى مشاركتين ليوسف أحمد جاها، وإلهام بامحرز، فيتأمل الأعمال، ويحللها تحليلاً مستفيضًا مشيرًا إلى تناغم التركيب، وفاعلية كل مفردة؛ ليؤكد أن عمل (جاها) "قطعة متناغمة الألوان، حيث حرص الفنان على إيجاد لغة الفراغ في عمله كتناسب مع الموجودات، والتي ما فتئ الفنان يفتتها ثم يعيد صياغتها وتشكيلها"  .  ويقول: إن أعمال (بامحرز) "جسر تواصل بين الماضي والحاضر"  ،  وهي التي تقول: "أعجب كثيرًا بالحضارة القديمة: فنونها وألوانها، لذلك أستوحي كثيرًا من أفكاري من الفن الفرعوني ومن القبائل الأفريقية كالأقنعة مثلاً: أحاول أن أضفي شعورًا بالقدم لأتوصل إلى ذلك التأثير".
 
ولم يكن ملف (سوق عكاظ) الصادر عن نادي الطائف الأدبي بعيدًا عن هذا القرب من الفن التشكيلي، فقد صدر غلافه الأول والأخير بلوحتين، وضمن العدد شهادتان لفنانين تشكيليين على النحو الذي أشرنا إليه سابقًا، ويهمنا هنا أن نشير إلى شهادة الفنانة اعتدال عطيوي، وما تظهره من تمازج بين حركة الذات وحركة عوالم اللوحة، وما يموج داخل الذات من حركة تأبى التقولب، والثبات على وتيرة واحدة، وسنقتطع جزءًا من كلامها يفصح عن رؤيتها، إذ تقول:
 
"وجدتني تكوينًا تمازجيًا يجمع متناقضات شتى، تلتقي وتفترق ومسارات عدة، يتطلب بعضها انضباطا حادًا للإيقاع الداخلي والخارجي، وخصوصًا حينما أواجه المعاناة الإنسانية ومحاولاتي انتشالها من بئر عميقة المدى إلى رحبات أزخم وأجمل، وذلك عملي الذي أتفانى فيه وكيف لك أن تقولب نورسًا يموت عشقًا لأجوائه الرحبة، وتـئده القيود مهما كانت واهية، معادلة خرافية التفاصيل أهرب منها وفيها.. أعمالي وجه آخر لي متحد معي ومغاير في الوقت ذاته، ليس منفصلاً كما قد يتبنى الآخرون، ويعتقدون، وذلك يعني أنه يستشرفني ولا يفسرني" 
 
ومن دلالة الوعي الفني ما بذلته أمانة محافظة جدة من جهود من أجل الحفاظ على منازلها ذات الطابع التاريخي  ؛  لأن من شأن الوعي الفني أن يُحدث لدى المتلقي حبًا وتعايشًا مع الأثر الإنساني، حين تتسرب إلى هذا الوعي قراءة الأثر الجميل، وإقامة العلاقات بين مكوناته، فيتجاوز الأثر حدود وقته ويومه؛ ليعانق الفكر والوجدان، فيغدو المسكن القديم مسكنًا للعين التي ترى هذا المعمار بوعي من التذوق الفني، والحميمية بين وجدان الرائي، وبراعة الإنسان الذي كوّن هذا الأثر، فيرتد ذلك وعيًا بفن المعمار، وضرورة الحفاظ على التراث العمراني المميز. وآل هذا الوعي إلى رهافة الاختيار، وشدة التمعن والتفحص فيما يظهره الفنان الفوتوغرافي من أبعاد، فحفلت هذه المرحلة بعدد من هؤلاء الفنانين الذين أمعنوا حساسيتهم فيما يصورون، وتأملهم في كيفية تكوين الصورة، وكان من هؤلاء الفنانين، الفنانة نُهَى فؤاد آل غالب التي فازت بجائزة لجنة التحكيم في المعرض الذي أقامته الجمعية المصرية للتصوير الفوتوغرافي عام 1421هـ / 2000م، إذ أشارت اللجنة إلى أن الفنانة لم تستند إلى الجمالي على حساب التقني وأنها لم تستند إلى التقني على حساب الجمالي، ولم تقع أسيرة بُعدٍ واحدٍ من أبعاد التصوير الفوتوغرافي مثل المفارقة بين الظل والنور التي وقع فيها كثير من المشاركين في المعرض، ولم تقع في أسر (الجمال الطبيعي) بل سجلت في عملها جهدًا تركيبيًا لتعزيز العناصر الفنية والجمالية والتقنية المكونة للعملية التصويرية الفوتوغرافية 
ويتخصص بعض الفنانين الفوتوغرافيين في التقاط ما تعزب عنه الرؤية المعتادة، على النحو الذي يبذله ماهر عابد الذي يلتقط صورًا من الحياة تحت الماء، وأقام من صنيعه هذا عدة معارض بجدة وينبع 
 
ولا يعدم المتابع لحركة الفن التشكيلي المغامرات، فالفنان مهدي الجريبي أقام معرضًا أثار زوبعة قوية في الوسط التشكيلي وأحدث ما يشبه الصدمة للحضور على حد تعبير أحد المتابعين  ،  ذلك أن المعرض ضم مجموعة كبيرة من الطاولات المدرسية وأفكار وشحنات مفرغة على أسطحها بشكل لافت، ويشير الفنان إلى أنه بعمله هذا يساير تبدلات المراحل، وتحولات الفن، والانخراط في معطيات الواقع الاجتماعي المعاش 
 
شارك المقالة:
60 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook