العهد النبوي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العهد النبوي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

العهد النبوي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
بُعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكة المكرمة يدعو الناس إلى عبادة الله وترك عبادة الأوثان، فتصدت له قبيلة قريش وحاربته، ووصفه القرشيون بأسوأ الصفات، ثم سعوا إلى تحريض باقي القبائل في شبه الجزيرة عليه وعلى ما جاء به، وشجعوهم على المضي في عبادة الأصنام في كل مكان، ولكنْ بنصر الله وتوفيقه، انتشرت رسالة الإسلام وتزايدت أعداد المسلمين حول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، حتى صارت شبه الجزيرة العربية تدين بكلمة التوحيد. ولم يكن أهل عسير (تهامة وسراة) في بداية الدعوة بمعزل عن سير الأحداث في مكة المكرمة، وإنما كانوا على صلة سياسية وحضارية بأهل مكة والطائف ومن جاورهم، فقد كان أهل تهامة والسراة على علاقات تجارية، واجتماعية، وسياسية مع الحجازيين؛ فالقرآن الكريم "في سورة قريش" وكثير من كتب التراث الإسلامي تشير إلى الرحلة الشتوية التجارية التي كان يقوم بها أهل مكة المكرمة، عبر بلاد تهامة والسراة، حتى حواضر اليمن الكبرى. ورحلة تجارية متكررة كل عام، لا بد أن تحُدث الاحتكاك الحضاري بين روادها الذين هم من قريش، وبين أهل الديار التي يمرون عليها من بلاد تهامة والسراة. والأخذ والعطاء لا يكون مقصورًا على الأعمال التجارية فحسب، وإنما يمتد إلى أمور أخرى عدة، كالتعاون في توفير الأمن للتجار أثناء عبورهم الطريق التجارية، أو ورودهم بعض الأسواق أو المراكز الحضارية الكبرى للبيع والشراء. ومن المتوقع أن تمتد العلاقات إلى الزواج والمصاهرة، واقتباس بعض العادات الاجتماعية المتعلقة بحفلات الزواج والختان، أو عادات الزينة واللباس، أو الطعام والشراب، أو بناء الدور وما شابهها. والمتأمل الآن في بلاد الحجاز، أو بلاد تهامة والسراة، أو بعض الأرياف المجاورة لها جنوبًا وشمالاً يجد كثيرًا من التشابه في نمط الألبسة، وطريقة عمل بعض الأطعمة، أو بناء المنازل ونقشها وزخرفتها. ومثل هذا التشابه لا يمكن حدوثه من فراغ وإنما ورثه الأبناء والآباء عن الأجداد، كما أنه يأتي نتيجة للاختلاط والانصهار البشري الذي مرت به هذه الديار منذ أزمنة بعيدة.
 
ولا يوجد دليل يشير إلى أن أهل عسير وقفوا موقفًا محددًا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعوته في المرحلة المكية، اللهم إلا بعض حالات فردية تمثلت في بعض الشخصيات العسيرية التي تجاوزت الطوق الذي ضربته قريش حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن آمن معه في مكة المكرمة. ومن تلك الشخصيات: (ضماد الأزدي)، من أزد شنوءة، بسراة عسير حول مدينة أبها وكان يعالج مرضى الجن، جاء إلى مكة المكرمة فاستقبله طغاة قريش، وحذروه من مقابلة الرسول - صلى الله عليه وسلم -  ،  ووصفـوه بأنه ساحر ومجنون، فلم ينصت ضماد لما قالوا، بل قال:
 
"لو أني أتيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي، ثم لقيه فقال له: يا محمد، إني أرقي من هذا الريح، فهل لك؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، فقال ضماد: أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات، فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، هات يدك أبايعك على الإسلام. فبايعه"  
 
وإذا كان ضماد من بوادر نسمات الخير التي أتت من بلاد سروات عسير، إلا أن السواد الأعظم من سكان تلك البلاد بقوا على حالهم حتى بعد هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، بل بعد حدوث المعارك الكبرى في الإسلام، مثل: بدر، وأُحد، والأحزاب، ثم فتح مكة المكرمة في السنة الثامنة للهجرة.
 
وبعد هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة، واتخاذها عاصمة للدولة الإسلامية، ثم تحول المسلمين إلى نشر الدعوة ومجابهة المشركين وأعوانهم؛ ظل أهل عسير يرقبون تطورات الوضع عند القرشيين، ويتعاطفون معهم، بحكم الجوار والموقع والعلاقات بين مكة المكرمة والطائف وبين أهل تلك البلاد الذين يجاورونهم جنوبًا. وللأهمية التي تتمتع بها أسواق مكة المكرمة والطائف من حيث تسويق السلع وترويجها، وتوفير ما يحتاج الناس إلى شرائه من البضائع، فضلاً عن معتقداتهم التي تتفق مع ما كان عليه المشركون في مكة وما حولها، فإن هذا وذاك مما يجعلنا ندرك ما كان هناك من تجاوب بين أهل مكة والطائف وبين أهل عسير (تهامة وسراة). ولكن لا تذكر المصادر دورًا ملموسًا لأهل هذه البلاد، وبخاصة قبل فتح مكة المكرمة في السنة الثامنة للهجرة، إلا أنها أشارت إلى بعض السرايا التي أرسلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى بعض مواقع الجنوب من مكة المكرمة والطائف نحو منطقة عسير  
 
وبدخول الرسول - صلى الله عليه وسلم - الطائف في السنة الثامنة للهجرة علت كلمة الإسلام، فأدى ذلك إلى انهيار الشرك في بلاد عسير وغيرها من مناطق شبه الجزيرة العربية. وبعد معركة حنين وحصار الطائف، قدم وفد من ثقيف على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة بعد فتح مكة المكرمة، وتبعته وفود أخرى من حواضر منطقة عسير وعموم جنوب الجزيرة  ،  ومن الوفود التي وفدت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - من بلاد تهامة والسراة: وفد بجيلة، وفد ثمالة، وفد غامد، وفد دوس، وغيرها كثير. إن أهل عسير لم يدخلوا في الإسلام بشكل جماعي، وكان دخولهم الإسلام بين السنتين السابعة والعاشرة للهجرة. وبعد فتح مكة المكرمة ثم بعد معركة حنين ومحاصرة أهل الطائف، نجد أن بعض سكان منطقة عسير (تهاميين وسرويين)   كانوا من أوائل من دخل في الإسلام؛ مما أدى إلى استعانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهم وبغيرهم من الداخلين في الإسلام على توضيح رسالته لمن بقي على عقائد الوثنية في أوطانهم  
 
ولم يكتف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإرسال قادة من أهل السراة الممتدة من الطائف حتى أبها لدعوة من بقي على الوثنية منهم، بل أرسـل قادة مـن صحابتـه لدعوة المشركين في بلاد بيشة وعسير وما حولها. وتذكر بعض المصادر أن سريـة قطبة بن عامر بن حديدة التي أرسلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى بلاد خثعم وأجزاء من بيشة في شهر صفر من السنة التاسعة للهجرة كانت نحو عشرين رجلاً، ذهبوا لدعوة بعض المشركين، وعادوا ظافرين  
 
أما معظم وفود بلاد عسير على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة فكانت في العامين التاسع والعاشر الهجريين، وبخاصة في العام التاسع الذي كثرت فيه الوفود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شبه الجزيرة إلى درجة أنه سُمّي عند المؤرخين بعام الوفود. ويبدو أن بعض الوفود قدمت من بلاد السراة قبل هذا التاريخ أمثال الدوسيين بزعامة الطفيل بن عمرو الدوسي وغيرهم إلا أنهم كانوا قلّةً، ولكن بعد فتح مكة المكرمة، انفتح الباب الذي كان حاجزًا بين أهل عسير (تهامة وسراة) ومعظم بلاد اليمن وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة المنورة، فأصبحت الوفود تفد من قبائـل متباينة في بلاد تهامة والسراة العسيرية وفي أعداد متفاوتة لكي تعلن إسلامها ثم تعود إلى أوطانها لتنشر الإسلام بين أقوامها، وتحارب أهل الشرك أو من بقي مصرًّا على عبادة الأوثان.
 
وإلى جانب الذين سبق ذكرهم من الشخصيات أو الوفود التي وفدت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأعلنت إسلامها، هناك أيضًا وفود أخرى قَدِمَتْ من منطقة عسير في العامين: التاسع والعاشر للهجرة، ومنها وفود: بارق، وخثعم وزُبيد من تثليث، من سراة جنب (قحطان) بزعامة عمرو بن معدي كرب الزُّبيدي  
 
وقد كان قدوم تلك الوفـود على الرسول - صلى الله عليه وسلم - من بلاد عسير، أو من أي مكان آخر في شبه الجزيرة العربية، دليلاً على انهيار الشرك، وعلامة على انتشار الإسلام في البلاد والأقاليم التي وفدت منها. وممن قَدِم على النبي الحارث بن عبد شمس الخثعمي، خرج إلى المدينة المنورة بعد أن هدم الصحابي جرير بن عبدالله صنم ذي الخلصة  ،  فأسلم وأخذ الأمان لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما أن بعض العشائر الخثعمية - غير الحارث بن عبد شمس - قدمت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رجال من خثعم، فقالوا: "آمنا بالله ورسوله، وما جاء من عند الله، فاكتب لنا كتابًا نتبع ما فيه، فكتب لهم كتابًا شهد فيه جرير بن عبدالله ومن حضر"  
 
كذلك قدم من جهات بيشة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة المكرمة مطرف بن الكاهن الباهلي الذي أعلن إسلامه، وطلب الأمان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فأمَّنَهُ وأعطاه كتابًا فيه فرائض الصدقات قال فيه: "هذا كتاب من محمد رسول الله لمطرف بن الكاهن، ولمن سكن بيشة من باهلة، أن من أحيا أرضًا مواتًا بيضاء فيها منافع الأنعام ومراح فهي لـه، وعليهم في كل ثلاثين من البقر فارض، وفي كل أربعين من الغنم شاة، وفي كل خمسين من الإبل ثاغية مسنة، وليس للمصدق أن يصدقها إلا في مراعيها، وهم آمنون بأمان الله"  
 
وكتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتابًا آخر لنهشل بن مالك من باهلة بيشة قال فيه: "بسم الله، هذا كتاب من محمد رسول الله لنهشل بن مالك ومن معه من بني وائل؛ لمن أسلم، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأطاع الله ورسوله، وأعطى من المغنم خمس الله، وسهم النبي، وأشهد على إسلامه، وفارق المشركين، فإنه آمن بأمان الله، وبرئ إليه محمد من الظلم كله، وأن لهم ألا يُعشروا، وعاملهم من أنفسهم... "  
 
وفي كتاب آخر لقبائل خثعم بجهات بيشة قال فيه: "هذا كتاب من محمد رسول الله لخثعم من حاضر بيشة وباديتها، أن كل دم أصبتموه في الجاهلية فهو عنكم موضوع، ومن أسلم منكم طوعًا أو كرهًا في يده حرث من خيار أو عرار تسقيه السماء... فله نشره وأكله، وعليهم في كل سيح العُشر، وكل غرب نصف العُشر"  
 
وكتاب آخر لأهل بارق قال فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "هذا كتاب من محمد رسول الله لبارق، لا تُجزُّ ثمارهم، ولا ترعى بلادهم في مربع ولا مصيف، إلا بمسألة من بارق أو من مرَّ بهم من المسلمين في عرك أو جدب فله ضيافة ثلاثة أيام، وإذا أينعت ثمارهم فلابن السبيل اللقاط يوسع بطنه من غير أن يقتثـم... "  
 
كما وفد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السنة العاشرة من الهجرة وفد الأزد من مدينة جرش، وعلى رأسهم صرد بن عبدالله الأزدي في بضعة عشر رجلاً، فأسلم وأسلم رجال الوفد، وأمّره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد إسلامه على قومه، وأمره بالجهاد بمن معه من المسلمين ضد من جاورهم في جرش من المشركين  
 
وتشير كتب التاريخ والسير إلى أن بلدة جرش كانت مدينة مسورة حصينة،  وعندما سمع أهل جرش بإسلام صرد، وبما تم بينه وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكريم سعوا إلى زيادة تحصين مدينتهم، فانضمت إليهم بعض قبائل خثعم المجاورين لهم، لمقاومة صرد بن عبدالله الأزدي الذي عاد مسرعًا من المدينة المنورة مصطحبًا معه من انضم إلى الإسلام من قومه، وهاجم بهم مدينة جرش، فوجدها في غاية المنعة والتحصين، فحاصرها شهرًا كاملاً، ولما أعياه فتحها رأى أن اللجوء إلى الحيلة أجدى من الحصار، فقوض خيامه كأنه راحل عنها وهو عازم على العودة، وما إن شاهده المحاصرون راحلاً حتى فتحوا باب مدينتهم وخرجوا في أثره ليستأصلوا شأفته فتظاهر أمامهم بالفرار، وعندما أخذوا في مطاردته عطف عليهم في التفافة بارعة ففتك بهم فتكًا ذريعـًا  ،  وتم له فتحها، وبعد الفتح توجه وفد أهلها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لإعلان إسلامهم أمامه، فرحب بهم  ،  وأمرهم بالعودة إلى ديارهم، بعد أن حَمَى لهم حِمىً حول بلدتهم. أما الكتاب الذي كتبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حمى جرش فيُذكر أن نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد النبي لأهل جرش: أن لهم حماهم الذي أسلموا عليه، فمن رعاه بغـير بساط أهله فماله سحت، وإنّ زهير بن الحماطة فإن ابنه الذي كان في خثعم، فأمسكوه فإنه عليهم ضامن. وشهد عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان"  
 
وأهمية هذا الكتاب أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقرّ حمى أهل جرش الذي يحيط بمدينتهم، بمنحهم حق الرعي والتملك في بلادهم، ووضع القوانين الشرعية التي تنظم العلاقات بين الأفراد في شؤون حياتهم المتعددة في ظل أحكام الشريعة الإسلامية  
 
وفي رواية للبلاذري، نقلاً عن الزهري، تذكر أن أهل جرش أسلموا من غير قتال، فأمّرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما أسلموا عليه، وجعل على كل حالم من أهل الكتاب دينارًا، واشترط عليهم ضيافة المسلمـين، وأرسل أبا سفيان بن حرب واليًا عليهم  
 
وهذه الرواية التي ذكرها البلاذري لا تتفق مع الرواية التي ذكرتها كتب التاريخ والسير الأخرى؛ فرواية البلاذري تنفي أن أهل جرش اعتنقوا الإسلام بالسيف، في حين أن رواية ابن هشام وابن سعد، والطبري وابن قيّم الجوزية وغيرهم، تؤكد أن صرد بن عبدالله الأزدي حاربهم حتى دخلوا في الإسلام  .  إلا أن ما رواه البلاذري يمكن أن يتفق إلى حدٍّ ما مع ما جاء عند أصحاب المصادر الأخرى، خصوصًا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرسل جيشًا معينًا من المدينة المنورة لمحاربة أهل جرش، وأن تلك الحرب التي دارت رحاها في بلاد جرش وما حولها، هي حرب جهاد قادها صرد بن عبدالله لكسر شوكة أعداء الدين الإسلامي في المنطقة. ويكون إرسال أبي سفيان بن حرب إلى إمارة جرش، بل إلى عموم سروات عسير، قد جاء بعد تولية الرسول - صلى الله عليه وسلم - صرد بن عبدالله على أهل جرش وما حولها، مع العلم أن إمارة أبي سفيان كانت مقصورة على جبي الصدقات، بدليل ما ذكر الطبري من أن أبا سفيان كان واليًا على الصدقات في تلك الأنحاء الممتدة من مخلاف جرش إلى نجران جنوبًا، وإلى زبيد ورمع غربًا. أما الإمارة العامة على تلك الأجزاء فكانت لخالد بن سعيد بن العاص الذي كُلف بإمارة تلك النواحي في نهاية الحج في السنة العاشرة من الهجرة  
 
وتَروي بعض كتب السنة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل جرش ينهاهم أن يخلطوا الزبيب بالتمر  ،  وهذا الخبر مفاده أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان على صلة تامة بأهل جرش (عسير) سروية وتهامية، وبمعرفة أخبارهم؛ مما أدى إلى نهي الجرشيين عمّا لا يتفق مع الشريعة ودعوتهم إلى الامتناع عن القيام بما يُخالفها.
 
وبهذا نرى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكتفِ فقط باستقبال الوفود في المدينة المنورة، وإنما عمل ما في وسعه لتوطيد الإسلام بين أقوام تلك الوفود، فأكرم وفادة الوفود القادمة عليه، ثم علّمهم المبادئ الأساسية في الإسلام، وبعدها أذن لهم بالعودة إلى أوطانهم، فعادوا إلى أقوامهم وكلهم إصرار على نشر الإسلام بينهم.
 
وقد ظهر قبيل وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، في أنحاء من شبه الجزيرة العربية بعض الكذابين المدَّعين النبوة، أمثال عبهلة الملقب بـ (الأسود العنسي) في بلاد اليمن وما حولها   الذي اتخذ من صنعاء نقطة انطلاق نحو الشمال حتى سيطر على نجران وأجزاء كثيرة من بلاد جنب (قحطان) وجرش وبيشة وما حولها. بل لقد سعى إلى طرد عمال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأجزاء  .  وجاء النبأ بأفعال الأسود العنسي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فراسل - عليه السلام - عددًا من قبائل أهل اليمن وشيوخها وتهامة والسراة، وحثهم على التمسك بدين الإسلام، والثبات في تصدّيهم للأسود العنسي، وحذرهم من الارتداد عن دين الله، بل أرسل جرير بن عبدالله البجلي مع بعض الرجال من أزد السراة   ليتصدَّوْا للمرتدين أو المؤيدين للأسود العنسي في أرض السروات  ،  وبعد خروج جرير بن عبدالله من المدينة متجهًا إلى بلاد عسير السروية أتى نبأ وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعاد جرير إلى المدينة دون أن يواصل مهمته، وربما كان رجوعه ليقف على أحوال المسلمين بعد وفاة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وفي ضوء ذلك الموقف يستطيع أن يتصرف مع بقية صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أن يكون موته - صلى الله عليه وسلم - وهول تلك الصدمة قد جعلا جرير بن عبدالله لا يواصل هو وأصحابه ما كلّفهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم يستطيعوا السير قدمًا، وقرروا الرجوع إلى مدينة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم
شارك المقالة:
955 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook