العهد النبوي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العهد النبوي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

العهد النبوي بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
يعد الوقوف على طبيعة الأوضاع السكانية في يثرب قبيل الهجرة مدخلاً موضوعيًا لمعرفة الواقعين الاجتماعي والسياسي وفهمهما، إذ تعاملت معهما الدعوة الإسلامية في مرحلتها المدنية. وبناء على ذلك يمكن القول إن يثرب قد ضمّت عناصر سكانية عربية تميزت بأغلبيتها العددية وعلاقاتها الصراعية التي لا تهدأ، وبجانب ذلك هناك مجموعات كتابية يهودية استقرت بالمدينة المنورة؛ فالعناصر العربية تنتمي في معظمها إلى قبيلتي الأوس والخزرج من قبائل الأزد اليمانية  ،  وقد سكنت بطون الأوس المنطقتين الجنوبية والشرقية من المدينة المنورة، ونـزل بنو عمرو بن عوف (وهم من الأوس) قباء من عوالي المدينة المنورة  ،  واستقرت بطون الخزرج في وسط المدينة المنورة ومنهم بنو النجار الذين كانت منازلهم حول المسجد النبوي   ،  أما الجاليات اليهودية فقد نـزحوا من الشام في أزمنة تاريخية سابقة بعد ظهور الرومان وغلبتهم، وقيل إن ذلك حدث بعد سيطرة بختنصر - الملك البابلي - على بلاد الشام وبيت المقدس  .  وثمة رأي ثالث يميل إلى أنهم جاؤوا إلى المدينة المنورة بناءً على أنهم كانوا يتوقعون ظهور نبي بالحجاز وتكون هجرته إلى أرض ذات نخل  .  وقد سكنوا الجهات الخصبة من المدينة المنورة واتخذوا الحصون والآطام لشعورهم بالمخاوف على وجودهم الطارئ في تلك البقاع، وقد اشتملت الجاليات اليهودية على بطون قريظة والنضير وقينقاع وكان بينهم عرب تهودوا في رأي بعض المؤرخين  .  وقد قامت الحروب بين الأوس والخزرج ودارت الأيام والصراعات، وآخر تلك الأيام يوم بُعاث قبل الهجرة بخمس سنوات لمّا انهزم الخزرج من الأوس  
 
لقد كانت تلك الصراعات والحروب ثغرة خطيرة في أوضاع يثرب قبل الإسلام على الرغم من توافر مقومات الاستقرار والعوامل الدافعة إلى السلام والتصالح؛ فالبلدة ذات اقتصاد زراعي وفيها أسواق نشطة خلال الأشهر الحرم التي يمتنع فيها العرب عن القتال، ثم هي ممر للقوافل التجارية المكية، وديمومة الحروب والصراعات تؤذن بخراب عمرانها وجلاء سكانها؛ وهي بكل حال لا تتوافق مع متطلبات العيش الحضري المستقر.
 
وكان ليثرب صلات تجارية واجتماعية بمكة المكرمة، فقوافل قريش التجارية التي تتجه إلى الشام تمر بالمدينة المنورة وأحيانًا تنـزل في بلدات قريبة منها مثل بدر، ويقدم أهالي يثرب من عرب ويهود خدمات الإيواء والإجارة لتلك القوافل، وتعبيرًا عن الأهمية البالغة التي توليها مكة المكرمة لعلاقاتها مع يثرب قال قائلهم بعد بيعة العقبة الثانية لوفد من الأوس والخزرج: "إنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم"  
 
وارتبطت بعض الأسر المكية بروابط المصاهرة مع أسر عربية من يثرب، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك زواج هاشم بن عبد مناف (الجد الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم) من سلمى بنت عمرو بن زياد النجارية الخزرجية؛ وهي أم عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم  .  وثمة قبائل مجاورة للمدينة تشكل ريفها وباديتها، وقد ارتبط أغلبها بروابط اجتماعية وسياسية واقتصادية مع سكان المدينة المنورة، وأبرز هذه القبائل قبائل مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع وهي القبائل التي تشغل منطقة ما حول المدينة  .  ولقد ارتبطت بعض تلك القبائل بتحالفات مع الأوس والخزرج، فمزينة كانت حليفة للأوس بينما تحالفت أشجع وجهينة مع الخزرج  .  ولم تكن بوادي المدينة المنورة مصدر تهديد للسكان الزراعيين فيها، على الرغم من الضعف الناشئ عن التفكك الداخلي ويرجع ذلك إلى أن قدرات أهل المدينة المنورة ليست ضعيفة، فهم أهل السلاح وأهل الحرب، وكان هؤلاء البداة المجاورون للمدينة لا يطمعون في حيازة شيء من تمر المدينة المنورة إلا قرى (ضيافة) أو بيعًا  .  كما أن المدينة المنورة وبحكم مميزاتها الجغرافية والطبيعية تستعصي دومًا على المغيرين، إذ إن الحرات والحصون والبساتين تحيط بها  
 
شارك المقالة:
38 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook