العهد العباسي بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العهد العباسي بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية

العهد العباسي بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية.

 
دخلت بلاد البحرين بعد سقوط الدولة الأموية سنة 132هـ / 749م تحت سلطة الخلافة العباسية، غير أن الدولة العباسية لم تولِ اهتمامًا كبيرًا لبلاد البحرين، بدليل أنها لم تعين واليًا عليها يتصل بالخلافة العباسية مباشرة في بغداد، بل جعلتها ضمن ولاية كور دجلة ومقرها البصرة التي تشمل بالإضافة إليها اليمامة وعُمان  
 
وقد أصبح ولاتها يتصلون بولاة البصرة لا بقاعدة الخلافة، وكان والي دجلة عادة من المقربين للخليفة، ومن هؤلاء داود بن علي وأخوه سليمان بن علي وكلاهما عَمُّ الخليفتين أبي العباس السفاح وأبي جعفر المنصور  ،  وخالهما زياد بن عبد الله بن عبد المدان، والسري بن عبد الله الهاشمي، وقثم بن العباس بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس  ،  ومحمد بن سليمان بن علي  ،  وهؤلاء كلهم من بيت الخلافة، يضاف إليهم ولاة من خارج البيت العباسي، مثل: تميم بن سعيد بن دعلج  ،  وعمارة بن حمزة الكاتب، وسويد الخراساني القائد، وعبد الله بن مصعب، وصالح بن داود، والنعمان مولى المهدي  ،  والمعلى مولى المهدي  ،  وداود بن ماسجور، ومحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب  .  لكن ولاية هؤلاء كانت في الغالب اسمية، وكان أكثرهم يقيمون قرب دار الخلافة، ويبعثون ولاة من قِبلهم إلى البلاد المنوطة بهم ولايتها.
 

الأحوال السياسية في المنطقة خلال الفترة 132 - 286هـ / 749 - 899م

 
إن السمة البارزة لتلك الفترة في بلاد البحرين هي ظهور حركات معارضة للدولة العباسية. كما أن بُعد المنطقة عن مقر الخلافة العباسية، وقلة اهتمام خلفاء بني العباس بها جعل المنطقة بيئة خصبة لكثير من الثورات والحركات السياسية؛ ما دفع بعض القوى إلى الثورة والقيام بحركات ضد الخلافة العباسية، ومنها:
 

حركة سليمان بن حكيم العبدي

 
وهو من قبيلة عبد القيس الذي خرج على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور سنة 151هـ / 768م  ،  فبعث إليه الخليفة العباسي والي البصرة عقبة بن سالم الهنائي الأزدي، فالتقى الفريقان في معركة عنيفة تمكن خلالها الجيش العباسي من إلحاق الهزيمة بالمتمردين وقتل زعيمهم سليمان بن حكيم وعدد من أتباعه ووقع الباقي في الأسر، وقد عامل عقبة أهل البحرين بقسوة، وبعث الأسرى إلى المنصور الذي أمر بقتل بعضهم ووهب الآخرين إلى ولي عهده المهدي الذي قام بإطلاق سراحهم وكسا بعضهم 
 
وفي خلافة هارون الرشيد خرج في سنة 190هـ / 806م شخص من قبيلة عبد القيس يدعى سيف بن بكير العبدي على الخلافة فوجه إليه الرشيد جيشًا بقيادة محمد بن يزيد بن مزيد، فالتقى الفريقان في الموضع المعروف بـ (عين النورة) ودارت بينهما معركة انتهت بانتصار الجيش العباسي ومقتل سيف بن بكير في تلك المعركة  
 

حركة صاحب الزنج

 
في سنة 247هـ / 861م خرج من الكوفة بالعراق رجل زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب  .  وقد أشار أحد المؤرخين إلى أنه من بني عبد القيس، وقيل أيضًا إنه من أصل فارسي واسمه الحقيقي باهوذ  .  رحل علي بن محمد سنة 249هـ / 863م إلى بلاد البحرين وادعى هناك أنه علي بن محمد بن الفضل، ونسبه ينتهي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه  .  وقد استطاع علي بن محمد أن يكسب أنصارًا وأعوانًا مخلصين وقفوا إلى جانبه حتى نهاية حركته. ويشير بعض المؤرخين إلى أن أهل البحرين أحلُّوا عليًا بن محمد في مكانة رفيعة "حتى جُبي له الخراج هنا، ونفذ حكمه بينهم وقاتلوا السلطان بسببه"  .  نجح علي بن محمد في ضم عدد كبير من الأنصار والمؤيدين له وزحف بهم إلى الردم، إحدى قرى البحرين لكنه فشل في الاستيلاء عليها هناك لتصدي القبائل له، وقتلهم عددًا كبيرًا من أتباعه  .  رحل علي بن محمد بعدها إلى البادية حيث بنو سعد إحدى بطون قبيلة تميم فأقام بينهم  ،  غير أن أعوانه من البادية كانوا قد تفرقوا عنه بعد معركة الردم كما أشار إلى ذلك الطبري بقوله: "فتفرقت عنه العرب وكرهته وتجنبت صحبته، فلما تفرقت عنه العرب ونبت به البادية شَخَصَ إلى البصرة  .  ويظهر أن حركة معارضة محلية تصدت له بقيادة أحد زعماء البحرين ويدعى العريان الربعي الذي كبده خسائر فادحة في الأرواح، كما يشير إلى ذلك المسعودي بقوله: "وكان العريان أوقع بهم في عبد القيس وبني عامر بن صعصعة ومحارب بن خصفة بن قيس عيلان وغيرهم وقعات متتابعات، فأخرجه عن البحرين ونواحيها وقتل من أصحابه خلقًا كثيرًا  
 
رحل علي بن محمد إلى البصرة مع أعوانه بعد أن فقد دعم القبائل في بلاد البحرين  ،  حيث حقق نجاحًا كبيرًا في جنوب العراق. كما نجح في إقامة سلطة سياسية له في البصرة، دامت حتى سنة 270هـ / 883م وقد انتهت بقتله وعادت سلطة الدولة العباسية إلى البصرة  . 
 
كانت سلطة الخلافة العباسية على بلاد البحرين في تلك الفترة قد تلاشت، وإن وجدت تلك السلطة فهي اسمية، إذ يصعب تصور وجود إدارة عامة مؤثرة فيها في الوقت الذي كانت السلطة العباسية قد اختفت من جنوب العراق، وانقطعت خطوط الاتصال بين السلطة المركزية في بغداد وبلاد البحرين، وعلى الرغم من أن ابن الأثير يشير إلى أن أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي كان واليًا على البحرين في خلافة المـعتضد 279 - 289هـ / 892 - 902م  ،  إلا أن السلطة العباسية قد انكمشت إلى حد التلاشي عند قيام حركة القرامطة في بلاد البحرين بزعامة أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي سنة 286هـ / 899م.
 

حركة القرامطة في المنطقة 

 
ظهر نشاط القرامطة في أرياف الكوفة في حدود سنة 278هـ / 891م   بعد انتهاء حركة الزنج في منطقة البصرة بفترة وجيزة، ثم انتقل نشاطها فيما بعد إلى بلاد البحرين، ونسبت تلك الحركة على أرجح الأقوال إلى مؤسسها حمدان بن الأشعث الذي كثيرًا ما يطلق عليه حمدان قرمط. أرسل حمدان قرمط أبا سعيد الحسن بن بهرام الجنابي إلى بلاد البحرين، إذ كان قد قام بالدعوة من قبل في جنوب فارس بأمر من عبد ان الساعد الأيمن لحمدان قرمط  .  على أن الحراني يرى أن الذي كسب أبا سعيد لصفوف حركة القرامطة هو يحيى بن المهدي  
 
نجح أبو سعيد بعد سنوات قليلة في استمالة بعض القبائل في البحرين، مثل: الأزد وتميم  .  كما استجابت لدعوته قبيلتا بني عامر وبني سليم، فيما عارضته قبائل أخرى على رأسها قبيلة عبد القيس أكبر القبائل في بلاد البحرين  ،  حيث تمكن أبو سعيد الجنابي من الحصول على مساندة بعض الزعامات المحلية ودعمها كبني سنبر الذين أصبحوا فيما بعد وزراء للقرامطة   
 
وفي سنة 286هـ / 899م تمكن من إقامة سلطة سياسية للقرامطة، وفي سبيل سيطرته على المنطقة جمع أبو سعيد جيشًا من أهلها ومن البادية ومن أهل عُمان وحارب بهم أهل القطيف   حتى ملكها، ثم أعقب ذلك استيلاؤه على هجر قاعدة الأحساء  .  وبعد أن تمكن من الاستيلاء على الأحساء جمع من فيها من عبد القيس وهي أبرز القوى المعارضة له في محلة يقال لها الرمادة، وأضرم النار في المحلة فاحترقوا جميعًا، ومن خرج قتله، فهلك منهم يومئذٍ بالحرق والقتل قوم لا يحصون؛ وكان فيهم من حملة القرآن كثيرون، وقد أشار إلى تلك الحادثة الشاعر علي بن المقرب العيوني بقوله:
 
وحـرّقوا  عبـد قيس في منازلها     وصيَّروا  الغُرَّ من ساداتها حمما  
تركت تلك الحوادث أثرها العميق في علاقة عبد القيس مع القرامطة. كما أدت سيطرة القرامطة على المنطقة إلى هجرة بعض بطون عبد القيس والأزد إلى البصرة وعُمان وشرق إفريقية، ومن بينها قبيلة الحارث إحدى بطون قبيلة عبد القيس التي هاجر قسم منها إلى شرق إفريقية  .  وبعد أن أكمل أبو سعيد الجنابي سيطرته على المنطقة عزم على مد سلطانه إلى البصرة، ووصلت أنباء استعداداته تلك إلى والي البصرة أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي الذي أبلغ الخليفة العباسي المعتضد بذلك، فأمر الخليفة بعمل سور حول البصرة ليحميها  .  وقتل أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي سنة 301هـ / 913م على يد خادمه الصقلبي  ،  وترك من الأولاد أبا القاسم سعيد، وأبا طاهر سليمان، وأبا منصور أحمد، وأبا إسحاق إبراهيم، وأبا العباس محمد، وأبا يعقوب يوسف. وكان قد أوصى بأن يكون ابنه سعيد قائمًا بأمر السلطة حتى يكبر أبو طاهر فيتولى شؤون الدولة  .  سلّم سعيد الجنابي السلطة وقيادة الحركة القرمطية إلى أخيه أبي طاهر سليمان سنة 305هـ / 917م، وبعد أن استتب الأمر لأبي طاهر في بلاد البحرين عزم على التوسع فجهز جيشًا سنة 310هـ / 922م قوامه 1700 رجل سار به نحو البصرة، فحاصرها، ثم اقتحمها، واستولى عليها سنة 311هـ / 923م، وقتل من أهلها عددًا كبيرًا وأسر عددًا آخر ثم عاد إلى بلاد البحرين  
خرج أبو طاهر سنة 312هـ / 924م على رأس جيش كبير لاعتراض الحجاج بعد قضاء حج سنة 312هـ / 923م، فأوقع ببعض قوافل الحج ونهبها  .  في تلك الأثناء جرت بين الخليفة العباسي المقتدر بالله وأبي طاهر القرمطي اتصالات، إذ وصل وفد من بغداد إلى الأحساء برسالة من الخليفة العباسي طلب فيها إطلاق سراح الأسرى، فوافق أبو طاهر، وأبلغ الوفد رغبته في الاستيلاء على البصرة والأهواز مقابل الكف عن التعرض للحجاج والقوافل، غير أن الخليفة رفض العرض، ما أدى بأبي طاهر للخروج على رأس جيش من بلاد البحرين سنة 312هـ / 924م للتعرض للحجاج والقوافل، فبعث الخليفة العباسي قوة عسكرية قوامها ستة آلاف مقاتل لحماية طريق حج الكوفة، فاشتبك أبو طاهر مع الجيش العباسي قرب الكوفة وهزمه، ثم دخل الكوفة وبقي بها سبعة عشر يومًا  .  غير أن أبرز عمل عسكري قام به أبو طاهر وأدى إلى سخط المسلمين وغضبهم عليه هو قيامه سنة 317هـ / 929م على رأس جيش قوامه ألفان وخمسمئة رجل بدخول مكة المكرمة في الثامن من ذي الحجة، ما أدى إلى وقوع قتال بين القرامطة والحجاج نتج منه قتل أعداد كبيرة من الحجاج ونهب دور مكة المكرمة من قِبل القرامطة، كما عمد أبو طاهر إلى ركن البيت، فاقتلع منه الحجر الأسود،  وخلع الباب وستائره، ونـزع الميزاب وجرد الكعبة من كسوتها وقسمها في أصحابه، ثم غادر مكة المكرمة في محرم سنة 318هـ / 930م متوجهًا نحو بلاد البحرين ونقل معه الحجر الأسود إلى هجر  
 
لقد أحدث هذا العمل الذي قام به أبو طاهر رد فعل عنيفًا في البلدان الإسلامية، ما أدى بالخليفة الفاطمي عبيدالله المهدي المرتبط بالقرامطة فكريًا وسياسيًا أن يرسل إلى أبي طاهر القرمطي رسالة يطلب منه فيها أن يرد الحجر الأسود إلى مكانه، وأن يعيد كسوة الكعبة، فرد عليه أبو طاهر بأنه رد ما قدر عليه من الأموال واعتذر عن رد الباقي لتفرق أصحابه في البلاد  .  وقد اضطر القرامطة إلى إعادة الحجر الأسود إلى مكانه في الكعبة سنة 339هـ / 950م في عهد أحمد بن سعيد الجنابي بوساطة أحد وزرائه وهو سنبر بن حسن بن سنبر، بعد أن بقي عند القرامطة ما يقارب اثنتين وعشرين سنة  .  كما أدت الأعمال التي قام بها أبو طاهر إلى تدهور علاقته بالخلافة العباسية، إذ اتسمت تلك العلاقات بين الطرفين بالعداء الشديد، غير أن الدولة العباسية حاولت في تلك الأثناء التخفيف من ذلك التوتر، فبعث الخليفة العباسي الراضي بالله إلى الأحساء سنة 322هـ / 933م مبعوثًا شخصيًا هو محمد بن ياقوت حمل خلالها مبادرة سلمية تضمنت طلب الاعتراف بالخلافة العباسية ورد الحجر الأسود، غير أن تلك المبادرة لم تكلل بالنجاح  .  وتوفي أبو ط-ـاهر س-ـلي-ـمان بن الحس-ـن بن بهرام الجنابي سنة 332هـ / 943م، بعد أن حكم ما يقارب ثمان وعشرين سنة بلغت خلالها حركة القرامطة ذروة قوتها ونفوذها  .  ونظرًا لصغر سن أولاد أبي طاهر، فقد أدار شؤون الحكم أخواه: أبو العباس محمد، وأبو يعقوب يوسف، ولهما سبعة وزراء يرأسهم أبو محمد سنبر بن الحسن بن سنبر. تحرك أخوهم سعيد الذي سبق أن أقُصي عن السلطة سنة 305هـ / 917م فاستولى على الحكم مرة أخرى، غير أن الخليفة الفاطمي عَمد إلى خلعه وإسناد مهمة الدولة إلى أخيه أحمد بصفة مؤقتـة، وجعله وصيًا على ابن أخيه سأبو ر بن سليمان فأدى ذلك إلى تصدع في صفوف القرامطة فانقسموا إلى فريقين: فريق فيه أبناء أبي طاهر سليمان وعلى رأسهم سأبو ر، وعمه أحمد، ومعهم كبار القرامطة المعروفون بالعقدانية، وفريق آخر على رأسه سعيد، وقد أتاح هذا التصدع الفرصة لأعداء القرامطة من العباسيين وغيرهم للعمل على إضعافهم  
 
بادر العباسيون والبويهيون والحمدانيون لدعم سعيد في نـزاعه مع أخيه أحمد، وأمدوه بمختلف وسائل الدعم، ما أدى إلى حدوث صراع عسكري بين القرامطة  .  سيّر أحمد سنة 353هـ / 964م جيشًا بقيادة ابنه (الحسن) الملقب بالأعصم ضد أخيه سعيد، ودارت معركة بين الطرفين أسفرت عن انتصار جناح أحمد وإعادة توحيد بلاد البحرين، كما سيّر جيشًا إلى الشام بقيادة ابنه الحسن الأعصم، ما هدد سلطة الإخشيديين في مصر، لكن الطرفين ما لبثا أن اصطلحا، وعاد الحسن الأعصم إلى بلاد البحرين سنة 358هـ / 968م  
 
بلغ سأبو ر بن سليمان في تلك الأثناء مبلغ الرجال وأخذ يطالب بحقه في الحكم، غير أن عمه أحمد لم يستجب له، ما دفعه إلى الثورة ضده سنة 358هـ / 968م، فحدث صراع عسكري بين الجانبين انتهى بانتصار سأبو ر، وأودع عمه السجن  .  غير أنه استطاع الفرار بمساعدة أحد إخوته، ثم تمكن من اعتقال سأبو ر وزج به في السجن حتى مات، كما فرض على إخوة سأبو ر وكبار مؤيديه الإقامة الجبرية في جزيرة أوال، وبذلك تمكن أحمد من فرض سيطرته على كامل بلاد البحرين ودخلت في طاعته القبائل كافة  
 
توفي أحمد بن الحسن بن بهرام الجنابي سنة 359هـ / 969م بعد أن عهد بالحكم إلى ابنه (الحسن الأعصم)، وقد بلغت حركة القرامطة أوج قوتها في عهد الحسن الأعصم الذي وسع نطاق نفوذه، وبدأ يهدد الدولة الفاطمية التي سيطرت على مصر سنة 358هـ / 968م؛ وفي الوقت نفسه أخذ الحسن الأعصم في تحسين علاقته بالخلافة العباسية والسلطة البويهية في بغداد، بل قام بدعم النفوذ العباسي في مكة المكرمة ضد الفاطميين  .  ونتيجة لتوافق المصالح بين الخلافة العباسية والقرامطة أمد الخليفة العباسي المطيع بالله الزعيم القرمطي بالمال والسلاح لدعم موقفه العسكري ضد الفاطميين. سار الحسن الأعصم إلى الشام، وسيطر على دمشق، وخطب فيها للخليفة العباسي المطيع بالله، ثم سار منها إلى مصر واستولى على القلزم سنة 360هـ / 971م، وعلى الفرما سنة 361هـ / 972م  ،  ثم زحف على القاهرة والتحم عند أبو ابها في معركة مع الفاطميين انتهت بهزيمة القرامطة وتراجعهم إلى الشام، ومنها إلى بلاد البحرين، فيما بدأ الخليفة الفاطمي بدعم المناوئين للأعصم من إخوة سأبو ر الذين تمكنوا من الهرب من جزيرة أوال إلى الأحساء ونهبوها وبدؤوا في تنظيم صفوفهم، غير أن الحسن الأعصم ما لبث أن عاد إلى بلاد البحرين وقمع حركة المتمردين ونقلهم مرة أخرى إلى جزيرة أوال، ثم عاد الأعصم إلى الشام مرة أخرى سنة 362هـ / 973م، وتأهب لمهاجمة مصر وتمكن من دخولها سنة 363هـ / 974م. دخل الأعصم في معارك طاحنة مع جيش المعز لدين الله الفاطمي، ثم اضطر أخيرًا إلى الانسحاب بعد أن استرضاه الخليفة الفاطمي بمبلغ من المال، وتعهد بأن يدفع له في كل عام مبلغًا من المال  .  وتراجع الأعصم إلى بلاد البحرين، غير أنه ما لبث أن عاد بعد وفاة المعز لدين الله الفاطمي سنة 365هـ / 976م إلى مهاجمة الشام، ودخل دمشق بموافقة من أهلها، ثم رحل إلى الرملة حيث توفي بها سنة 366هـ / 977م. وتولى السلطة بعد وفاته ابنه أبو يعقوب يوسف، أما قيادة الجيش فقد تولاها ابن عمه جعفر الذي تحالف مع بعض القوى لمهاجمة الفاطميين، غير أن الخليفة الفاطمي العزيز خرج من مصر وهاجم جعفر وهزمه، فانسحب إلى بلاد البحرين، وقد توفي أبو يعقوب يوسف بالأحساء سنة 366هـ / 977م  
 
بدأت حركة القرامطة ودولتهم في الانحدار والضعف بعد وفاة الأعصم سنة 366هـ / 977م، فقد ثار العقدانيون من القرامطة على أسرة أبي سعيد الجنابي لعدائهم للفاطميين وموالاتهم للعباسيين، فانتزعوا السلطة من أيديهم وقلدوها لرجلين من زعمائهم هما: إسحاق وجعفر الهجريان يساعدهما مجلس سيادة من ستة أشخاص، وأعلنوا ولاءهم للفاطميين واستبدلوا شعارات الدولة العباسية بشعارات القرامطة الخاصة. هاجم القرامطة سنة 375هـ / 985م الكوفة بالعراق وسيطروا عليها، غير أن القوات البويهية بقيادة صمصام الدولة تصدت لهم وألحقت بهم الهزيمة؛ ما أدى إلى تراجعهم عن الكوفة إلى بلاد البحرين. وقد بدأ العد التنازلي لنهاية القرامطة حينما هاجم زعيم قبيلة المنتفق - المعروف بالأصيفر - الأحساء سنة 378هـ / 988م وحاصرها غير أنه تراجع عنها  
 
وهناك إشارة تعود إلى سنة 443هـ / 1051م تعكس مدى ضعف القرامطة، وخروج القبائل عليهم، ففي تلك السنة وصل الرّحالة المشهور ناصر خسرو إلى الأحساء، حيث أشار إليها بقوله: "وعدد جيش المدينة - مدينة الأحساء - أكثر من عشرين ألف جندي، ويزعمون أن حاكم المدينة شريف من الأشراف قد منع الناس من تأدية شرائع الإسلام وقال لهم: لقد رفعت الصلاة والصيام، وأخبرهم أن لا مرجع في أمور الدين غيره"، ويضيف في موضع آخر: "وعندما كنت في الأحساء جاء إليها أحد أمراء الأعراب وسكن فيها سنة ثم استولى على أحد حصونها الأربعة وأغار على كثير من المزارع والنخيل، وكان يريد الاستيلاء على كل الأحساء ولكنه لم يوفق"  .  فالوضع الذي كان سائدًا في بلاد البحرين عندما زارها ناصر خسرو كان مقدمة لزوال سلطة القرامطة فيها وقيام الإمارة العيونية.
 

حركات المعارضة ضد القرامطة

 
بدأت سلطة القرامطة في بلاد البحرين بالضعف الشديد في منتصف القرن الخامس الهجري لعدة أسباب أهمها:
 
 الصراع بين زعامات القرامطة.
 
 تخلي بعض القوى القبلية عنهم.
 
 فتور علاقاتهم بالفاطميين.
 
وقد شجعت تلك الأسباب العناصر المعارضة لهم في المنطقة على الثورة، وأدرك السلاجقة في العراق مدى أهمية بلاد البحرين؛ لكونها نقطة ارتكاز لمواجهة النفوذ الفاطمي في جزيرة العرب بصفة عامة وشرقها بصفة خاصة، لهذا شجعوا الحركات المعارضة وأمدوها بالمساعدات المادية والبشرية؛ ما ساعدها على تحقيق أهدافها، وقد ظهرت في تلك الأثناء عدة حركات معارضة للقرامطة في كل من جزيرة أوال، والقطيف، والأحساء مهدت جميعها لقيام الإمارة العيونية.
 

حركة جزيرة أوال

 
قاد تلك الحركة أبو البهلول العوام بن محمد بن يوسف الزجاج أحد زعماء قبيلة عبد القيس، حيث وقعت أحداث تلك الحركة في جزيرة أوال، إذ كان أبو البهلول ضامنًا لخراج الجزيرة  ،  فانتهز فرصة ضعف القرامطة في تلك الفترة، وطمع في الاستيلاء على السلطة في الجزيرة، غير أن تغير الأوضاع في بغداد على أثر حركة البساسيري الموالي للفاطميين سنة 450هـ / 1058م دفع أبا البهلول إلى استرضاء القرامطة بالهدايا؛ ما أدى إلى إبقائه في منصبه، وأن تكون الخطبة باسم الخلافة العباسية  
 
بدأ نفوذ القرامطة في جزيرة أوال يضعف على الرغم من تعيين والٍ جديد على الجزيرة، حيث تمكن أبو البهلول من طرد الوالي الجديد والسيطرة على جزيرة أوال، وقد حاول وزير القرامطة ابن سنبر التزود بالمال والسلاح من عُمان حيث ما زال لديهم نفوذ هناك، وتمكن أبو البهلول من إلحاق الهزيمة بجيش القرامطة في البحر سنة 458هـ / 1065م بعد أن غرق معظم سفن القرامطة
عاد أبو البهلول إلى جزيرة أوال وأخذ في تنظيم شؤون البلاد، حيث أقام إمارة عرفت بإمارة بني الزجاج ارتبطت بعلاقات ودية مع الخلافة العباسية فخطب باسم الخليفة العباسي، وأرسل كتابًا إلى أبي منصور يوسف صاحب ديوان الخلافة في عهد الخليفة العباسي القائم 422 - 467هـ / 1031 - 1075م، يطلب فيه العون والمساعدة من الخلافة العباسية والسلطة السلجوقية له من أجل الاستيلاء على جميع بلاد البحرين بعد القضاء على القرامطة، ويشمل ذلك الدعم العسكري والمادي   
استمرت إمارة بني الزجاج حتى نهاية العقد السابع من القرن الخامس الهجري، حينما استولى على الجزيرة زكريا بن يحيى بن عياش وقتل أبا البهلول، وأنهى حكم إمارته  . 
 

حركة يحيى بن العياش في القطيف

 
قام يحيى بن العياش الجذمي من قبيلة عبد القيس بحركة ضد القرامطة، في العقد السادس من القرن الخامس الهجري، حيث تمكن من الاستيلاء على القطيف، وأقام فيها إمارة عرفت بإمارة آل عياش، وقام كسلفه أبي البهلول بمكاتبة الخلافة العباسية والسلطة السلجوقية في بغداد لطلب الدعم والمساندة، فأرسل السلطان السلجوقي في حدود سنة 468هـ / 1075م جيشًا بقيادة كجكينا لدعم موقف يحيى ضد القرامطة، غير أن ابن العياش ارتاب في ذلك الجيش خشية أن يسيطر على القطيف، خصوصًا أن الجيش كان يتكون من أعداد كبيرة من قبائل المنتفق وخفاجة وبني عقيل، لذا عاد الجيش أدراجه إلى بغداد. تمكن ابن العياش قبل ذلك في حدود سنة 467هـ / 1074م من السيطرة على جزيرة أوال، فيما يشير آل عبد القادر إلى أن ضم الجزيرة تم على يد ابنه زكريا، وبذلك تمكن كل من يحيى بن العياش وابنه زكريا من إقامة إمارة في القطيف وجزيرة أوال استمرت حتى قضى عبد الله بن علي العيوني عليها  
 
شارك المقالة:
47 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook