العمران في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العمران في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

العمران في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية.

 
يتنوع العمران في نجران، ويختلف من مكان إلى آخر، لذلك حفلت بعدد من المنشآت المدنية والعسكرية والدينية خلال القرن الأول حتى الرابع الهجري/السابع إلى العاشر الميلادي، هذا التنوع في العمران يعود في الأساس إلى إمكانات أهل نجران من ناحية، وإلى طبيعة المنطقة من ناحية أخرى. أما الأمر الغالب على أرض نجران في القرون الإسلامية المبكرة، فهو أن بعض السكان استوطن المدن وبعضهم الآخر سكن القرى أو البوادي، وكان أهل نجران يطلقون على القرية اسم (الحصن)  ،  واعتادوا تسمية القرية باسم العائلة التي تسكنها  ،  ويطلق عليها أيضًا (وطن أو حلة). وكانت بعض القرى والحصون محاطة بسور مرتفع فلا يمكن الدخول إليها إلا من باب صغير محكم، وقد بنيت على امتداد تلك الأسوار قلاع للحراسة تسمى (التوب)  
 
يذكر الهمداني   بعض القرى ومواطن بلحارث في نجران، مثل: سوحان، ومينان، وعكمان، والغيل، والموفجة، والهجر. كما يشير ابن المجاور   إلى وضع مواطن البلاد الواقعة بين اليمن والحجاز، ومنها نجران. ويُلاحظ أن جميع هذه المواطن والقرى القديمة تتنوع في مادة بنائها، فمعظم المباني القديمة في منطقة نجران مبنية من الطين وأحيانًا الطين والحجارة. تتقارب منازل القرية الواحدة بعضها إلى جانب بعض مع وجود ممرات ضيقة جدًا فيما بينها  وهذا التخطيط في اندماج بيوت سكان القرية وتقاربها، ربما كان ناتجًا من الحالة الأمنية التي كانت تسود في الماضي لانتشار الفوضى وتعدد حالات السلب والنهب، بالإضافة إلى غارات القبائل بعضها على بعض طلبًا للقوت، مما يعني تقارب أفراد القبيلة أو القرية الواحدة في مساكنها وحياتهم الاجتماعية والناحية الأمنية.
 
وتظهر آثار بعض الأسوار التي كانت تحيط في الماضي ببعض القرى، مثل: بيشة، وتبالة، ورنية، وجرش، وكذلك الجهوة بسراة الحجر  .  فقد كانت مدينة جرش محاطة بسور حصين. كما يُشاهدُ كثير من الحصون القديمة في أغلب حواضر نجران وصعدة والسروات وقراها، ويلاحظ أنها تنقسم إلى نوعين: منها ما هو داخلي للدفاع عن القرية وسكانها، وهذه توجد داخل القرى، ومنها الحصون الخارجية والأبراج (البرانية). وقد ذكر ابن المجاور بعض المعلومات عن حصون تلك النواحي، فذكر المواد المستخدمة في بنائها، كما أشار إلى استخدام سكان القرى للأدوار السفلية من الحصون والقصور مخازن للحبوب يقتاتون منها أوقات الحصار الطويل كما يتولون أو يتناوبون حراسة الحصن من كل جهاته فيقول: "... وقد بني في كل قرية قصر، وكل من هؤلاء ساكن في القرية له مخزن في القصر يخزن في المخزن جميع ما يكون له من حوزه وملكه، وما يؤخذ منه إلا قوت يوم بيوم، ويكون أهل القرية محتاطين بالقصر من أربع ترابيع"  .  وهذا النوع من القصور أو الحصون التي أوردها ابن المجاور تستخدم مستودعًا لأهل القرية يخزنون فيها حبوبهم.
 
وكذلك القصور في منطقة نجران، منها ما هو داخل القرى، ومنها ما هو خارجها. فأما القصور التي داخل القرى غير التي ذكرها ابن المجاور فربما استخدمت للسكن الخاص من قبل أهلها، وفي الغالب لا يمتلك مثل هذه القصور إلا شيوخ القبائل وسادتها وأعيانها. أما الحصون الواقعة على قمم الجبال أو بطون الأودية فكانت تستخدم في المقام الأول للأغراض العسكرية من قبل رجال القرية أو العشيرة المالكة لمثل هذا النوع من الحصون  
ومن خلال إشارات قليلة أمدت بها المصادر التاريخية وبعض المعالم الأثرية فإن أهل الوجاهة تتميز منازلهم وحصونهم عن غيرها بارتفاع أسوارها الخارجية ويستخدم اللبن والطوب الآجر وربما الحجارة بشكل أساسي في بنائها، ويظهر الإتقان في البناء الخارجي، وكذلك في الأسوار والمرافق المحيطة بها، علاوة على الاهتمام بالزخرفة الداخلية لدور هؤلاء الوجهاء وإبراز مدى ثرائهم من خلال هذا التأنق في الفرش والأثاث، وغالبًا ما كانت دور أهل الطبقة الراقية تنقسم من الداخل إلى قسمين أحدهما خاص بحريم الدار وهي الغرف الداخلية، في حين أن الأجزاء الخارجية منها تخصص لاستقبال رجال الدار لضيوفهم وعقد مجالسهم ومسامراتهم  
 
أما عامة الناس في نجران فكانوا يبنون بيوتهم من القش وسعف النخيل حيث يتكون البيت من وحدات سكنية على هيئة غرفة أو غرفتين وربما ثلاث غرف، وهي تكفيهم مع مواشيهم وجميع أغراضهم. وقد عُرفت مثل هذه البيوت باسم "عشش"، أما سكان البادية فبيوتهم مصنوعة من الشعر الذي يحصلون عليه من حيواناتهم. 
 
والمصادر المبكرة لا تفصّل الحديث عن طبيعة البيوت وأحجامها ومرافقها في نجران  . 
 
ومن الأنماط المعمارية التي عُرفت بنجران أيضًا العمارة الدينية المتمثلة في بناء المساجد. فبعد ظهور الإسلام يلاحظ أنه لا تكاد تخلو قرية من القرى القديمة في بلاد نجران من مسجد يتوسط القرية، وغالبًا ما يكون تخطيط المسجد هو: فناء من دور واحد فقط ولا توجد به مئذنة، وإلى جانبها غرفة تستخدم لأغراض عديدة في خدمة المسجد، مثل: سكن للغرباء، وأحيانًا يوضع بها بعض الأغراض الخاصة بالمسجد، وتوجد بعض الآثار والأطلال كآثار أمكنة الوضوء، وهذه الأمكنة يطلق عليها أحيانًا "بركة" وجمعها "برك"
 
قامت وكالة الآثار والمتاحف بالتنقيب عن الوحدات المعمارية في المنطقة ومنها وحدة قد استخدمت لإقامة الشعائر الدينية أو المناسبات الاجتماعية قبل ظهور الإسلام، إلا أنه في الفترة الإسلامية المبكرة استخدم الجزء الشمالي من هذه الوحدة مسجدًا وسمي (مسجد عمر)، حيث بنيت جدران المسجد بمحاذاة الجدران القديمة الخارجية من حجارة صغيرة غير مشذبة إلى جانب استخدام الطين بوصفه مادة مساعدة لتقوية البناء، وفي الأجزاء العلوية من الجدران استخدم الطوب المحروق (الآجر) ذو اللون الأحمر حيث يراوح طوله بين 15.65 و 15.50م، أما العرض فيبلغ 7.70م، ويتوسط المسجد صف من الأعمدة مربعة الشكل تزيد سماكتها في الأسفل، وتقل كلما ارتفع العمود، وقد بنيت بمادة بناء الجدران نفسها، وتبلغ أبعاد كل عمود 80×85سم، ويبعد كل عمود عن الآخر نحو 175سم تقريبًا، كما يوجد بابان للمسجد أحدهما يطل على الفناء في الجهة الغربية لجدار المسجد الجنوبي الشرقي، والآخر ينفذ إلى الخارج من الجدار الجنوبي الغربي. ويلاحظ وجود تعديلات أجريت في فترات لاحقة على بعض جدرانه القريبة من المصاطب ربما للاستفادة منها في أغراض خاصة بالمسجد  
 
وتعد العمارة التقليدية في نجران ذات ميزة خاصة تعكس البيئة المحلية مثلها في ذلك مثل باقي مناطق المملكة، وتأثر أهالي نجران عند إنشائهم منازلهم الطينية في بعض مظاهرها بمنازل جنوب غرب المملكة وبيوتها عمومًا، إذ يلاحظ أن هذه المنازل أو البيوت أو ما يسمى محليًا "دروب"  ، وهي جمع "درب"، تنتشر في قرى نجران الواقعة على ضفاف وادي نجران، وكذلك في حبونا وبدر الجنوب والقرى والمراكز التابعة لهما  
 
والبيوت في نجران ذات ارتفاع شاهق وتتميز بتعدد طوابقها، وجمال زخارفها، بالإضافة إلى أن كثيرًا منها يُعد قلاعًا حصينة، استخدمها السكان قديمًا في صد العدوان على قراهم ومزارعهم مما يُذكِّر بآطام المدينة المنورة عند هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليها. والزائر لمنطقة نجران يرى انتشار هذه الدروب أو البيوت في كل قرى المنطقة، واللافت للنظر أن بعضها ما زال مسكونًا في حين أن بعضها الآخر لا يزال محتفظًا بقوة بنائه ومتانته، وإن كانت عوامل التعرية والظروف البيئية والتوسع العمراني والزراعي قد أثر في بعضها. ويتعرف إلى نمط العمارة التقليدية في نجران من خلال الوصف الذي قدمه (فيليب ليبنـز) لمنـزل الشيخ جابر بن نصيب  قائلاً:
 
"هو مجمع واسع مؤلف من برجين عاليين متقابلين، دخلنا من باب محاط بسور، حيث كان أحد الخدم ينظم تحركات الأبقار التي كانت تشرب من ماء البئر المحاط بالنخيل... وبعد عبورنا ممرًا من الطين واللبن والحجر وصلنا إلى المدخل، وكان يقف في استقبال الضيوف خادم قدم لنا المفتاح التي كانت أسنانه وقبضته من الخشب، قادنا هذا المدخل إلى برجين مركزيين وبصحبة أخو الشيخ ارتقينا 98 درجة والأدوار السبعة في أحد الأبراج الذي يصل علوه إلى 20م ولكل طابق استخدامه المحدد، المخزن لتجميع المحصول، الشقق للنساء والأطفال، وفي القمة يوجد الديوان المفروش بالسجاد المؤدي إلى السطح المحاط بسور قصير، وهو مفصول من وسطه بالحائط الذي يفصل البرجين. أما جدران هذا البناء فإنها تصبح دقيقة كلما زاد ارتفاعها. إنها بسيطة، ولكنها جميلة، والجدران عريضة ومدورة الزوايا، وعليها عدة ثقوب على شكل نوافذ، بعضها مغلق بالخشب. وحدها القمة التي كانت تبدو عليها بعض علامات العمل الإبداعي من حيث إنها تتضمن بعض الفتحات والنوافذ المصبوغة، بالإضافة إلى تراجع طفيف في بناء أحد أدوار العمارة، حيث ترك مكان للسطح الذي يضطرون لاستخدامه سواء لتجفيف القمح بحرارة الشمس أو للسهر فيه عندما يكون الجو حارًا"  
 
أ - قصر العان: 
 
كان يعرف قديمًا باسم قصر سعدان لكنه اليوم يحمل اسم القرية التي يقع بها. والقصر مشيد على قمة أحد الجبال، وتم ترميمه مؤخرًا. وهو من أروع نماذج العمارة التقليدية المشيدة من الطوب اللبن والطين، وقد بُني سنة 1100هـ/1689م، وله دور في التاريخ الحديث لجنوب الجزيرة العربية.
 
ب - قصر ابن ماضي: 
 
يعد من أشهر العمائر التقليدية في نجران قصر تركي بن ماضي، ويطلق عليه أيضًا قصر الإمارة  ، وهو طراز معماري فريد، شُيد سنة 1353هـ/1934م، في بداية دخول نجران تحت لواء الدولة السعودية، وقد اختطه وبناه أمير نجران آنذاك تركي بن ماضي، وقد شيد ليكون مقرًا لإمارة نجران. ويتكون القصر من مسجد ونحو 60 غرفة، وتوجد في الطابق الأرضي من القصر غرف خُصصت لمقر إمارة نجران، ومجلس خاص للأمير، وغرف لاستقبال الضيوف، أما السكن الخاص فيتكون من 17 غرفة، و 6 مستودعات، و 12 غرفة لسكنى حاشية الأمير (الأخوياء)، ويوجد في الوسط بئر قديم، أما الطابق العلوي فيوجد به أربعة أبراج دائرية في الأركان للمراقبة والحراسة  ، وظل القصر مقرًا لإمارة نجران حتى شيد مبنى الإمارة الجديد في حي الفيصلية سنة 1378هـ/1958م.
 
وقد أثنى الباحث الأمريكي توتيشل (Twitchel) على جهود تركي بن ماضي في الحفاظ على آثار نجران، فقال: "... وأمير هذه المقاطعة تركي بن ماضي من الأمراء الذين يدركون أهمية الآثار فلا يسمح لأحد بالتعدي عليها بالحفر والنبش... "  
 
ويوجد عدد من نماذج العمارة التقليدية في قرى نجران - غير ما ذكر - مثل: الحامية، والحضن، ودحضة، والشبهان، وصاغر، والقبائل، والمشكاة، والمخلاف، والموفجة... وغيرها  
 
شارك المقالة:
148 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook