العمارة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 العمارة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

 العمارة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تنقسم العمارة الإسلامية بالمدينة المنورة حسب وظائفها إلى الأنواع الآتية:
 
العمارة الدينية، وتشمل: المساجد، والمدارس، والأربطة.
 
العمارة المدنية، وتشمل: القصور والمنازل، والحمامات، والأسواق.
 
العمارة الحربية، وتشمل: الآطام، والحصون، والأسوار.
 
المنشآت المائية، وتشمل: الآبار، والعيون، والسدود، والبرك.
 

العمارة الدينية

 
تتمثل العمارة الدينية بما شيد بالمدينة المنورة من مساجد ومدارس وأربطة، وهي على النحو الآتي:
 
أ) المساجد:
 
أول ما عني به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم إلى يثرب (المدينة المنورة) هو تأسيس المسجد النبوي الشريف   ،  وقد ألحق به حجرات سكن بضلعه الشرقي، وأصبح هذا المسجد النموذج الأول للمساجد الكبرى  ،  وخطط بطريقة تجعل تخطيطه يناسب إقامة شعائر الصلاة، بالإضافة إلى أنه المركز الرئيس للمسلمين، فيبحثون فيه جميع أمور دينهم ودنياهم  ،  كما كان يقوم في بداية عهده بعدد من الوظائف التي تطورت بعد ذلك، وأصبحت لها منشآتها الخاصة مثل التدريس وغيره  ،  ومن ثمّ صار تخطيط المسجد النبوي الشريف أساسًا لتصميم المساجد الجامعة في الأقطار الإسلامية، ولا سيما في القرون الأربعة الأولى من الهجرة  ،  كما صار من أهم الطرز المعمارية لبناء المساجد في مختلف الأقطار الإسلامية على مرِّ العصور التاريخية  .
 
ولم يكن مسجد الرسول أول مسجد بناه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقد سبقه في الوجود مسجد قباء 
 
وقد انتشرت المساجد حول المسجد النبوي، وصلى صلى الله عليه وسلم في معظمها، وحرص الخلفاء والسلاطين على مـر العصـور التاريخيـة على الاهتمـام بها، وتجديدهـا، وتوسيعهـا  .  وقـد ورد في المصـادر التاريخيـة أن الوالي عمر بن عبد العزيز، من قِبل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، حدد الأمكنة والمواضع التي صلَّى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم فجددها  .  وقد شُيّد على مرِّ العصور الإسلامية المتعاقبة عدد من المساجد الأخرى في المدينة المنورة، لعل من أشهرها: مسجد المصلَّى، ومسجد أبي بكر الصديق، ومسجد علي بن أبي طالب. وفي منطقة قباء: مسجد قباء، ومسجد الجمعة، ومساجد الفتح مثل: مسجد الفتح، ومسجد سلمان الفارسي، ومسجد عمر بن الخطاب. ومساجد خارج المدينة مثل: مسجد القبلتين، ومسجد الفضيح، ومسجد الإجابة، ومسجد الشجرة، ومسجد السقيا، ومسجد العنبرية  ، ولعل من أشهر تلك المساجد   ما يأتي:  
 
1) مسجد قباء: 
 
يقع مسجد قباء في منطقة قباء جنوبي المدينة المنورة، وهو أول مسجد بني في الإسلام  .  فقد شيَّده الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد وصوله إلى قباء، وأسسه لبني عمرو بن عوف، وكان أول من وضع حجرًا في قبلته، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه إلى جوار حجر الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ الناس في البنيان، وهكذا ضرب الرسول الكريم مثلاً للقدوة الحسنة التي أمر بها الإسلام حيث شارك المسلمين في البناء بنقل الحجارة بيده الكريمة  . 
 
لقد اهتمّ الخلفاء المسلمون بهذا المسجد لما لـه من مكانة خاصة عندهم، فهو أول مسجد بناه الرسول مع الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وأورد الله - سبحانه وتعالى - ذكره في القرآن الكريم؛ لذلك قام بترميمه وتجديده وتوسعته الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكذلك والي المدينة عمر بن عبد العزيز من قِبل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الذي عمل على توسعته وزيَّنه بالفسيفساء، وشيد له مئذنة، وسقفه بخشب الساج، وأصبح تخطيطه يتألف من صحن أوسط يحيط به أربع ظلل  
 
لقي مسجد قباء كل الاهتمام والرعاية والتجديد من قِبل المسلمين في العصور التالية، وكان آخر هذه التجديدات في العهد السعودي حيث بلغت مساحته الإجمالية 1440م  ، وذلك في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - عام 1388هـ / 1967م حيث زيد فيه رواق بالجهة الشمالية مع مدخل خاص للسيدات، وهكذا دخلت المئذنة ضمن نطاق المسجد بعد أن كانت بارزة في الركن الشمالي الغربي في السابق  .  وأصبح تخطيط المسجد مؤلفًا من: صحن مستطيل يحيط به أربع ظلل، أكبرها ظلة القبلة، وتتكون من ثلاثة أروقة، يقابلها بالجهة الشمالية رواقان، أما الظلتان الجانبيتان (الشرقية والغربية) ففي كلٍّ منهما رواق واحد، وسقفت الأروقة بالقباب، وأما أرضية الصحن والأروقة فمغطاة بالرخام الأبيض  
 
ثم قام الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - بأكبر توسعة للمسجد وذلك كما هو موضح في اللوحة التأسيسية المثبتة في الجهة الغربية من المسجد بسم الله الرحمن الرحيم: تحت رعاية الملك فهد بن عبد العزيز وفي عهده الميمون تم بعون الله وتوفيقه الاحتفال بإنجاز مشروع إعادة بناء وتوسعة مسجد قباء بالمدينة المنورة، وذلك في يوم 26 / 2 / 1406هـ الموافق 29 / 10 / 1986م " وأصبحت المساحة الإجمالية 13.500م  
 
وقد اتبع في تجديد المسجد وتوسعته التخطيط نفسه أي: الصحن ويحيط به أربع ظلل مسقوفة أيضًا بقباب يبلغ عددها حاليًا 56 قبة صغيرة بقطر 6م، وست قباب كبيرة بقطر 12م، بالإضافة إلى ثماني قباب على مداخل المسجد، كما بنيت أربع مآذن في الأركان الأربعة للمسجد متشابهة من حيث الشكل والارتفاع، وكسيت أرضية الصحن بالرخام والجرانيت المزخرف، وغطي الصحن بخيمة كهربائية متحركة لوقاية المصلين من حرارة الشمس  .  ثم قامت وزارة الحج والأوقاف سنة 1413هـ / 1992م بتعميره وتجديده وفرشه مع الحفاظ على الطراز المعماري الخاص به؛ وذلك تنفيذًا لتوجيهات الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله  
 
2) المسجد النبوي:  
 
يتوسط المسجد النبوي المدينة المنورة، وهو أول ما شيده الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم إلى يثرب (المدينة المنورة)، وكان موقعه مِربدًا لغلامين يتيمين في المدينة، هما سهل وسهيل والمربد هو محبس النَّعَم  ،  كان قد بركت فيه الناقة التي كان يمتطيها الرسول صلى الله عليه وسلم حين دخل يثرب أول الهجرة، وابتاعه الرسول وأمر صلى الله عليه وسلم بتمهيد أرضه وبناء المسجد  ،  واشترك صلى الله عليه وسلم بنفسه في البناء مع الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان ينقل اللبن والحجارة بنفسه، وكان هذا المسجد في أول أمره بسيطًا بساطة الإسلام ويسره  
 
وأقيم المسجد الأول للرسول صلى الله عليه وسلم على قطعة أرض أطوالها سبعون ذراعًا في ستين ذراعًا تقريبًا نحو 30×35م، وبني أساسه من الحجارة، وجدرانه من اللبن  ،  ولم يكن للمسجد في بداية الأمر سقف، فشكا المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بعمل ظلة من ثلاثة أروقة، بوساطة ثلاثة صفوف من الأساطين من جذوع النخل، وسقفه كان جريدًا وخوصًا  ،  وبعد سبع سنوات من الهجرة تمّت توسعته في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من ثلاث جهات، هي: الشرقية، والغربية، والشمالية، فأصبحت أطوال المسجد تسعين ذراعًا في مائة ذراعٍ تقريبًا 45× 50م  .  وتخطيطه: صحن أوسط، تحيط به ظلتان: ظلة القبلة من ثلاثة أروقة، بوساطة ثلاثة صفوف، كل صف يحتوي على تسع سوارٍ من جذوع النخل: خمس على يسار المسجد نحو الغرب، وأربع من يمينه نحو الشرق. وظلت أمكنة هذه السواري تقام فيها الأعمدة، عند أي تعمير في المسجد، وصار جدار المسجد الشرقي ملتصقًا ببيوت (حجرات) الرسول صلى الله عليه وسلم  .  كما فُتح بالمسجد ثلاثة أبواب، ظلت في أمكنتها هي الأخرى بعد ذلك، وما زالت تعرف بأسمائها وهي: باب جبريل في الشرق، وباب النساء في الشمال، وباب الرحمة في الضلع الغربي  .  وعندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى دفن في حجرة السيدة عائشة التي توفي فيها، ومن ثم تحوَّلت إلى قبر 
 
اهتمّ الخلفاء الراشدون بالمسجد النبوي، فجرت توسعته في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17هـ / 637م  .  وفي عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 29هـ / 649م  ،  أمر بهدم المسجد، وأعاد تشييده وعمارته، وأصبحت مساحته 160×130 ذراعًا 80 × 65م، وشيده بالحجارة المنقوشة والجص، وجعل أعمدته من الحجر المنقوش، وسقفه بالساج، وبنى بداخله مقصورة من الحجر، وجعل له ستة أبواب   
 
بقي المسجد على حاله ما يقرب مـن ستين سنـة، حتى أجـرى الخليفـة الأموي الوليد بن عبد الملك عمارة مهمة فيه من الناحية المعمارية والفنية، على يد واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز سنة 88هـ / 706م  ،  وبدأت عملية الهدم، وفُرِغَ من العمارة والبناء بعد ثلاث سنوات، وذلك سنة 91هـ / 709م، ولذلك حدثت لأول مرة توسعة للمسجد النبوي جهة الضلع الشرقي، حيث ضمت حجرات النبي صلى الله عليه وسلم لمساحة المسجد، وزودت الحجرة النبوية الشريفة، التي دفن فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بضلع خامس، لكي يختلف شكلها عن شكل الكعبة المشرفة، وجعل الجدار الشرقي للمسجد منحرفًا لا عموديا على جدار القبلة. كما زوّد المسجد لأول مرة بأربع مآذن، واتخذت المقصورة التي توجد بظلة القبلة من الساج، كما أدخل عمر بن عبد العزيز لأول مرة المحراب المجوف في جدار القبلة  .  هذا من الناحية المعمارية، أما من الناحية الفنية، فقد كسيت جدران المسجد من الأسفل بألواح الرخام، تعلوها زخرفة بفسيفساء من فصوص الزجاج الملون، وسقف بخشب الساج المزين بالزخارف المدهونة المذهبة  ،  وأصبحت مساحة المسجد بعد التوسعة 167.5 ×200 ذراعًا (84 ×100م)، تتكون من صحن أوسط، يحيط به أربع ظلل، أكبرها ظلة القبلة، وتتكون من خمسة أروقة، يقطعها مجاز قاطع (بلاطة عمودية)، تنتهي بدخلة المحراب، ويعلو مربع المحراب قبة  ،  والظلة الثانية من خمسة أروقة أيضًا، أما الظلة الغربية فتتكون من أربعة أروقة، على حين تتكون الظلة الشرقية من ثلاثة أروقة  
 
استمرت عمارة الوليد للمسجد النبوي الشريف منذ 91هـ / 709م دون تغيير يذكر حتى تولى الخلافة الخليفة العباسي المهدي، فأمر بعمارته في سنة 161هـ / 778م، وقيل 162هـ / 779م، وانتهى من العمارة سنة 165هـ / 782م، واقتصرت توسعة المسجد الشريف من جهة الشمال بقدر خمسة وستين ذراعًا 33م فقط، وقيل إن مؤخره زخرف بالفسيفساء  
 
احتفظ المسجد النبوي بنظامه وتخطيطه على عهد الخليفة المهدي العباسي، إلا أنه جدد على أيدي سلاطين المماليك دون توسعات  ،  ومن أهم تجديدات سلاطين المماليك تلك التجديدات التي أمر بها السلطان قايتباي 879 - 881هـ / 1474 - 1476م  .  وقد اهتم أيضًا سلاطين آل عثمان بالمسجد النبوي، حيث شهد في عهدهم تجديدات وتوسعات  ،  وكان أول من قام منهم بإصلاحات فيه هو السلطان سليمان القانوني 926 - 974هـ / 1520 - 1566م  .  أما في حكم السلطان محمود الثاني 1223 - 1255هـ / 1808 - 1839م فـقـد حـظـيت قبة الحجرة النبوية الشريفة بالاهتمام الكبير، فهدمت القبة التي أقيمت في حكم السلطان قايتباي المملوكي لوجود شروخ بها، وأنشئت قبة جديدة وغطيت بالرصاص، ودهنت باللون الأخضر، وذلك سنة 1228هـ / 1813م  ،  كما كسيت الجدران الخارجية للحجرة النبوية الشريفة بالبلاطات الخزفية (القيشاني) العثمانية الطراز  
 
وفي حكم السلطان عبد المجيد الأول 1255 - 1277هـ / 1839 - 1861م شهد المسجد النبوي أكبر عمارة في العصر العثماني، حيث أعيد بناء المسجد وزخرفته، واستغرقت عمارته اثني عشر عامًا، من عام 1265 حتى عام 1277هـ / 1848 - 1861م، وتكلفت هذه العمارة 4.3 ملايين جنيه مجيدي  ،  وأصبحت مساحته مستطيلة المسقط 116.25م طولاً وعرضه من جهة القبلة 86.25م ومن الجهة الشمالية 66م، وله خمسة أبواب هي: السلام والرحمة في الغرب، والنساء وجبريل في الشرق، والباب المجيدي بجهة الشمال  .  وللمسجد خمس مآذن، في كل ركن من أركانه مئذنة، وجميع المآذن على الطراز العثماني، حيث تمَّ تجديدها في هذا العصر، باستثناء المئذنة الموجودة في الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد بجوار القبة الخضراء فهي على الطراز المملوكي  
 
وبحلول العهد السعودي شهد المسجد النبوي الشريف أهم التوسعات وأجلها  ،  وأخذ صورته الجميلة الحالية التي تعد آية من آيات فن العمارة الحالية في القرن الحادي والعشرين، وما زال هذا المسجد محل اهتمـام ورعايـة الدولـة حتـى اليـوم، وذلـك مـنذ عهـد الملك عبد العزيز وأبنائـه من بعـده - رحمهم الله - سعود، وفيصل، وخالد  .  أما في حكم الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - فقد شهد المسجد النبوي أكبر توسعة على مرِّ التاريخ الإسلامي  ،  بل إن هذه التوسعة شملت معظم مساحة المدينة المنورة القديمة، ونفذت على أعلى مستوى معماري من الناحيتين الهندسية، والفنية، واستخدم في البناء أرقى المواد، وأغلاها من المرمر، والرخام الملون وغير الملون، والأخشاب النفيسة، والمعادن الغالية، والمظلات الكهربائية، إلا أنها حافظت على العمارة الإسلامية السابقة وأبقت عليها، وواءمت بينها وبين العمارة الإسلامية الحديثة  
 
3) مسجد القبلتين: 
 
يقع هذا المسجد في الجهة الشمالية الغربية من المدينة المنورة، على هضاب حرة الوبرة قريبًا من العقيق غربي جبل سلع، وهو على يمين القادم إلى المدينة المنورة من طريق خالد بن الوليد  
 
شيَّد بنو سواد بن غنم بن كعب هذا المسجد على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم  ،  وسمي بهذا الاسم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يستقبل الكعبة بدلاً من بيت المقدس في حين كان يصلي صلاة الظهر بالمسجد في 15 شعبان سنة 2هـ / 624م   وتشير بعض المصادر إلى أن التحول كان في صلاة الظهر بالمسجد النبوي، وأن المصلين في مسجد بني سواد أتاهم آتٍ فأخبرهم بتحول القبلة بعد أن صلوا ركعتين، فاستداروا جهة الكعبة، لذلك سُمّي مسجد القبلتين  
 
وحظي هذا المسجد بعناية ورعاية الخلفاء والحكام المسلمين بالتوسعة والتجديدات، ولعل أهمها تجديد الوالي عمر بن عبد العزيز من قِبل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك 87 - 93هـ / 706 - 712م  
 
ويغلب على الظن أن عمارة المسجد كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مشيدة من الأحجار واللبن وجذوع النخيل، ومسقوفة بالجريد والسقف، على غرار مسجده   
 
وتشير المصادر التاريخية إلى أن المسجد جُدد في العهد المملوكي  ،  كما جدد في حكم السلطان العثماني سليمان القـانوني في عام 950هـ / 1543 - 1544م  ،  وآخر هذه التجديدات تمت في العهد السعودي   وقد قام بها الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله.
كما يتضح من خلال اللوحة التأسيسية التي تثبت هذه العمارة والمثبتة على ناصية المسسجدتحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود وفي عهده الميمون تم بعون الله وتوفيقه إنجاز مشروع إعادة بناء وتوسعة مسجد القبلتين بالمدينة المنورة وذلك في 30 / 3 / 1408هـ الموافق 21 / 10 / 1987م ".
 
وبلغت مساحة المسجد 3920م، وله مدخلان أحدهما للرجال والآخر للنساء، وقد كسيت أرضيته بأفخم أنواع السجاد الوطني الذي يحمل في شكله القديم ورسومه الأثرية طرازًا فريدًا تميز به مسجد القبلتين عن غيره من المساجد 
 
4) مساجد الفتح:
 
تقع في الجهة الشمالية الغربية لجبل سلع بالمدينة المنورة، في الساحة المعروفة الآن باسم المساجد السبعة   التي عسكر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء غزوة الأحزاب كما ذكر ابن سعد في (الطبقات الكبرى): " وعسكر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سطح سلع وجعل سلعًا خلف ظهره "  ،  وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في هذه الساحة أثناء الغزوة كما يتضح من خلال ما رواه سعد بن معاذ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد الفتح في الجبل وفي المساجد التي حوله "  .  وقد بنى والي المدينة عمر بن عبد العزيز أثناء ولايته في خلافة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك هذه المساجد وهو الذي جدد المساجد بالمدينة المنورة   87 - 93هـ / 706 - 712م بعد تجديده للمسجد النبوي الشريف.
 
ويوجد حاليًا بهذه الساحة ستة مساجد يطلق عليها المساجد السبعة، وترتيبها من الجنوب إلى الشمال على النحو التالي: مسجد الفتح، مسجد سلمان الفارسي، مسجد أبي بكر، مسجد عمر بن الخطاب، مسجد السيدة فاطمة، مسجد علي بن أبي طالب، وهي مساجد صغيرة (مصليات) تخطيطها مستطيل المسقط وتتكون من ظلة واحدة من دون صحن، وهذه الظلة إما أن تتكون من رواق واحد مثل مسجدي سلمان الفارسي والسيدة فاطمة، أو من رواقين وذلك بوساطة بائكة تسير عقودها موازية لجدار القبلة مثل: مسجد الفتح، ومسجد عمر بن الخطاب، ومسجد علي بن أبي طالب، وذلك على غرار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقت الإنشاء الذي كان يشتمل على ظلة واحدة فقط  ،  وسنلقي الضوء على مسجد منها وهو مسجد الفتح  
 
5) مسجد الفتح:
 
يقع هذا المسجد على جزء مرتفع من جبل سلع في الغرب، وفي هذا الموضع كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو على الأحزاب أثناء غزوة الخندق، فاستجاب الله دعاءه وأرسل عليهم ريحًا كفأت قدورهم وقلعت خيامهم فانخذلوا ورحلوا  
 
وعرف هذا المسجد بعدة أسماء هي: مسجد الفتح، مسجد الأحزاب، المسجد الأعلى، ولكل تسمية مبرراتها وأشهر هذه الأسماء مسجد الفتح وسمي بذلك لقوله: " أبشروا بفتح الله ونصره " فعرف بمسجد الفتح  
 
وقد جدد هذا المسجد والي المدينة عمر بن عبد العزيز في العهد الأموي، وتوالت التجديدات لهذا المسجد على مر العصور التاريخية وآخرها في العهد السعودي، إذ قام الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - بتجديده وأحاطه بسور مزين بمشربيات ذات فتحات مزخرفة، وأثبت هذا التجديد بلوحة مثبتة على يمين مدخل المسجد بصيغة: " بسم الله الرحمن الرحيم، تم ترميمه وتجديده في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في سنة 1411هـ ". والمسجد مشيد بحجر البازلت، ويتمتع بالبساطة، وهو خالٍ من الزخرفة، ويشتمل على ظلة واحدة تتكون من رواق واحد طوله نحو 8.50م وعرضه نحو 3.50م وارتفاعه 4.50م، وفتح بصدر جدار قبلته دخلة المحراب، وهي معقودة بعقد مدببة وغطي المسجد بقبو متقاطع. وتطل ظلة القبلة على رحبة بفتحة معقودة بعقد مدبب وعلى كل جانب من جوانبها فتحة دائرية حديثة للإضاءة والتهوية.
 
ب) المدارس:
 
تخدم المدارس طلاب العلم المجاورين، بيد أن المصادر التاريخية والجغرافية لم تزودنا بمعلومات وافية عمَّا شيد منها في المدينة المنورة، وقد ظل المسجد النبوي الشريف منارة علم من خلال حلقات الدروس، والمواعظ المقامة فيه لشرح تعاليم الدين الإسلامي الحنيف  ،  إلى أن ظهرت المدارس في المدينة المنورة في العصور المتأخرة، وتم إنشاؤها بالقرب من المسجد النبوي. وتعد المدرسة الشهابية التي أنشأها الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الملك العادل الأيوبي صاحب ميافارقين (ت 646هـ / 1248م)، وأوقفها على المذاهب الأربعة، والمدرسة الشيرازية التي قام عليها إبراهيم الرومي في القرن السابع الهجري لأكثر من خمسين سنة، والمدرسة الجوبانية التي أنشأها في سنة 724هـ / 1324م جوبان أتابك العساكر المغولية، والمدرسة الأشرفية التي أنشأها السلطان الأشرف قايتباي عام 887هـ / 1482م، والمدرسة الباسطية من أشهر هذه المدارس. وفي العصر العثماني ازداد عدد المدارس، ومنها: المدرسة الزمنية، ومدرسة إبراهيم الخياري، والمدرسة المحمودية  .  ومن المدارس التاريخية المشهورة، المدرسة الرستمية  ،  ومدرسة حسين آغا  ،  ومدرسة الوزير علم الدين  .  ومع مطلع القرن الرابع عشر الهجري بلغ عدد المدارس الدينية سبع عشرة مدرسة، والمدارس الرشدية خمس مدارس، ومدرسة واحدة لتعليم الخط، وبلغ عدد الكتاتيب ثلاثة عشر كتابًا، وفي عام 1327هـ / 1909م أنشئت دار المعلمين.
 
وقد كان بالمدينة المنورة إلى عهد قريب عدد من المدارس، والأربطة، والمكتبات، والتكايا، والسبل، والمستشفيات، والوكالات التجارية، حيث كان بها 18 مكتبة، و 17 مدرسة، و 8 تكايا، و 21 سبيلاً، و 108 أربطة للفقراء  . 
 
المدرسة الرسمية:
 
تقع في حارة الرستمية (البقيع سابقًا) في مقابل رباط ياقوت الماردان. وتخلو هذه المدرسة من أي نص تأسيس يؤرخ عمارتها، ولكن من خلال عناصرها المعمارية يرجح أن تاريخ تشييدها يرجع إلى النصف الثاني من القرن 13هـ / 19م، أي أنها ترجع إلى العصر العثماني.
 
وقد عرفت هذه المدرسة في المصادر التاريخية باسم المدرسة الرستمية " مدرسة الرستمية المخصصة لجلوس ومعايدة الأغوات في رابع أيام العيد (عيد الفطر) "، أو الدكة الرستمية " يزيد الأغوات دكة الرستمية الكائنة بحارتهم المخصوصة بجلوسهم دائمًا "  . 
 
وتتكون المدرسة من طابق واحد، ويقع مدخلها في الواجهة الشمالية، ويؤدي إلى فناء مكشوف مستطيل المساحة، يدور حوله حجرات مقببة يتقدمها رواق (سقيفة) يشرف على الفناء المكشوف ببائكة معقودة مدببة ترتكز على أعمدة أسطوانية لها تاج ذو قطاع متدرج  . 
 
ج) الأربطة:  
 
نشأت الأربطة في المدينة المنورة في الأحياء المحيطة بالمسجد النبوي، وهي أبنية خُصصت لإقامة المجاورين، والزائرين، والمنقطعين من الغرباء وطلاب العلم. وقد كان كل رباط مخصصًا لفئة معينة من أحد الأقطار الإسلامية، أو لمذهب من المذاهب، وبعض هذه الأربطة كان موقوفًا على النساء دون الرجال. ومن المرجح أن أقدم رباط بالمدينة المنورة كان ذلك الرباط الذي شيد في موضع دار عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 423هـ / 1032م  .  ومن أشهر الأربطة المبكرة رباط الناصر لدين الله بُني سنة 570هـ / 1174م، ورباط المراغي بُني سنة 571هـ / 1175م، ورباط الزنجيلي بُني سنة 579هـ / 1183م، ورباط والدة الخليفة العباسي الناصر لدين الله بُني سنة 599هـ / 1203م، ورباط جمال الدين الأصفهاني (بُني في القرن السادس الهجري)، ورباط السبيل بُني سنة 620هـ / 1223م  ،  أما أقدم الأربطة الباقية بالمدينة، فهو رباط ياقوت المارداني في حارة البقيع بالمنطقة المعروفة بحارة الأغوات، في الجهة الشرقية من المسجد النبوي. وقد أقيم طبقًا لنص التأسيس على المدخل سنة 706هـ / 1306م خلال حكم السلطان المملوكي محمد بن قلاوون، وقد خصص لسكن الرجال الغرباء دون النساء  
 
والجدير بالذكر أن الأربطة بلغت في زمن السخاوي، 831 - 902هـ / 1428 - 1497م، ما يقارب الأربعين رباطًا  ،  وفي مطلع القرن الرابع عشر الهجري بلغت نحو 108 أربطة  . 
 
1) رباط مظهر الأحمدي:
 
يقع هذا الرباط في حارة الأغوات بزقاق المواليد، ويطل حاليًا على شارع الملك عبد العزيز في الطريق المؤدي إلى باب النساء في المسجد النبوي الشريف، وشيد هذا الرباط مظهر الأحمدي سنة 1292هـ / 1875م كما يتضح من خلال النص التأسيسي المثبت في أعلى مدخله. ويعرف الرباط اليوم باسم مكتبة محمد مظهر الفاروقي.
 
وقد أشاد به علي بن موسى في مخطوطه الذي يرجع إلى سنة 1303هـ / 1885م - أي بعد عشر سنوات من تشييده - فقال عنه: " رباط مظهر من أعظم رباطات المدينة للشيخ مظهر النقشبندي "  
 
يتكون الرباط من مساحة مستطيلة تشتمل على طابقين، يقع مدخله في الواجهة الغربية بأقصى الطرف الجنوبي منها يؤدي إلى ممر منكسر، يفضي إلى صحن مكشوف مستطيل المساحة تدور حوله حجرات مقببة يتقدمها رواق (سقيفة) يشرف على الفناء ببائكة معقودة بعقود نصف دائرية ترتكز على دعامات حجرية   ويوجد بالطابق الأول مكتبة تضم عددًا من الكتب العربية والمخطوطات، منها مخطوط ابن شبه النميري البصري 171 - 262هـ / 787 - 876م عن المدينة المنورة.
 
2) رباط ياقوت المارداني:
 
يقع هذا الرباط في حارة البقيع (حارة الأغوات) في الجهة الشرقية من المسجد النبوي، وتعلوه لوحة رخامية نقش عليها بخط الثلث المملوكي النص التأسيسي للرباط ونصه: " وقف هذا الرباط المبارك لوجه الله تعالى العبد الفقير ياقوت المظفري المنصوري المارداني على الفقراء والمساكين الغرباء، الرجال خصوصًا دون النساء، تقبل الله منه وأثابه الجنة برحمته وكرمه بتاريخ سنة ست وسبعمائة " 1306 - 1307م، أي في العهد المملوكي خلال فترة حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون.
 

العمارة المدنية

 
فتحت المدينة ذراعيها مستقبلة أعدادًا كبيرة من المهاجرين بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة؛ ما قاد بالتالي إلى إكساب المدينة المنورة أهمية سياسية، واقتصادية، ودينية، فزادت تبعًا لذلك سعتها عمّا قبل. وتركز استقرار المهاجرين بادئ الأمر في الأراضي البور، والمزارع التي تحولت تدريجيا إلى مناطق مأهولة، ونتيجة لهذه الزيادة المطردة في السكان تعددت المرافق الرئيسة والخدمات في شتى أرجاء المدينة المنورة  . 
 
أ) القصور والمنازل:
 
تحتضن عاصمة الإسلام الأولى أقدم الشواهد الأثرية الإسلامية، حيث شيدت القصور، والمزارع، والضياع، وتعددت الدور، والمرافق الرئيسة، ومرافق الخدمات في مختلف أرجاء المدينة المنورة.
 
وقد شهدت المدينة المنورة في العهد الأموي نهضة عمرانية واسعة، تمثلت في بناء القصور والدور التي أنشأها الصحابة والتابعون والأمراء والأثرياء. وتركزت غالبية هذه القصور في وادي العقيق المشهور بوفرة مياهه وخصوبة أرضه، وارتبطت بهذه القصور ملاحق أخرى، مثل: الدور، والآبار، والبرك، والسدود، والبساتين  .  ويذكر أحد مؤرخي المدينة المنورة المتأخرين أن عدد القصور التي كانت قائمة على ضفاف وادي العقيق بلغت أكثر من سبعين قصرًا  ،  كما تزخر المصادر التاريخية، والجغرافية، والأدبية بمعلومات وافرة عن وادي العقيق، وما شيد على ضفافه من قصور ودور 
 
ولا تزال آثار بعض قصور وادي العقيق باقية ومشاهدة حتى يومنا هذا، وقد بلغت هذه القصور التي يعرف أصحابها أحد عشر قصرًا، من أشهرها قصر هشام بن عبد الملك، وقصر عروة بن الزبير، وقصر سعيد بن العاص  ، وقصر المراجل  .  ومن القصور المشهورة أيضًا قصر عاصم بن عمرو بن عمر بن عثمان بن عفان الواقع في الجهة الغربية من وادي العقيق، وقد شاهد هذا القصر عدد ممن كتبوا عن المدينة المنورة. ويذكر أن مساحته تبلغ قرابة 900م  ، وقد بني من الحجارة المغطاة بطبقة من الجص، أما الغرف فيبلغ عددها 8 غرف مع بعض المرافق داخل الفناء، وألحقت به من الخارج بعض المرافق كالاصطبلات والمخازن، ودكة للسمر، فضلاً عن بعض الغرف الملاصقة لسور القصر من الناحية الجنوبية  .  ومن الدور المشهورة بالمدينة المنورة دار كلثوم بن الهدم، ودار سعد بن خيثمة، ودار أبي أيوب الأنصاري، ودار عبد الله بن عمر، ودار جعفر الصادق، ودار عثمان بن عفان، ودار أبي بكر الصديق، ودار ريطة، ودار خالد بن الوليد، ودار عمرو بن العاص، ودار مروان بن الحكم  . 
 
وبالإضافة إلى القصور والدور القديمة التي ترجع إلى العصر الإسلامي المبكر، فما زالت المدينة المنورة تحتفظ ببعض المنازل التي ترجع إلى العصر العثماني، واتسمت هذه المنازل بخصائص معمارية لعل من أهمها:
 
يصل ارتفاع المنـزل إلى طابقين، وفي حالات قليلة إلى ثلاثة طوابق.
 
فتحت بالواجهات الرواشن   محمولة على كوابيل ذات قطاع متدرج، وارتفاع هذه الرواشن بكامل ارتفاع الطابق، أما فتحات الشبابيك فيغشيها مشربيات.
 
تطل هذه المنازل بصفة عامة على شوارع ضيقة (أزقة) بواجهة صغيرة، ويمتد المنـزل بعمق إلى الداخل. ومن أمثلة هذه المنازل منـزل خاص بجوار رباط عثمان بن زكريا   بحي الأغوات.
 
أما فيما يتعلق بتاريخ هذا المنـزل فيتضح من خلال النص التأسيسي المثبت أعلى شباك السبيل الملحق بالمنـزل الذي كتب باللغة التركية أنه شيد في سنة 1275هـ / 1858 - 1859م أي في العصر العثماني.
 
وقد شيد هذا المنـزل من الحجر، ويتكون من ثلاثة طوابق، ويشرف بواجهته الشرقية الصغيرة على حارة الأغوات، وفتحت بهذه الواجهة رواشن ومشربيات من الخشب أجزاؤها السفلية متحركة. ويقع المدخل في الطرف الشمالي لهذه الواجهة، ويتألف من فتحة معقودة بعقد مدبب يغلق عليها باب خشبي من مصراعين (ضلفتين)، وعلى يمين (جنوب) هذا المدخل يوجد شباك السبيل، ويعلو هذا الشباك النص التأسيسي للمنـزل والسبيل، ويتكون من ثلاثة أسطر باللغة التركية، وترجمتها العربية على النحو الآتي: (... مرحوم ومغفور له... / من أجل روح حضرة إسماعيل باشا الشريفة (صاحبة) العصمة زن لنكار (زوجته) / وأوصل الحياة بروحنا من هذا الماء، وقد أنشئ وأجري سبيل ماء الكوثر هذا في سنة 1275هـ / 1858 - 1859م).
 
تؤدي فتحة الباب إلى ممر منكسر يؤدي إلى الصحن المكشوف، وعلى اليمين فتحة باب دخول حجرة السبيل وعلى يسار الداخل من الممر المنكسر سلم صاعد للطوابق العليا للمنـزل، وكانت أرضية الصحن مغطاة بالرخام الأبيض، ويحيط بالصحن وحدات المنـزل، حيث كانت توجد بالجهة الشرقية قاعة كبيرة تتكون من إيوانين بارتفاع طابقين، بينهما دور قاعة بارتفاع ثلاثة طوابق، وأرضية القاعة من الرخام أيضًا، كما أن جدران القاعة مكسوة بوزرة من الرخام.
 
ب) الحمامات:
 
لا تمدنا المصادر التاريخية بمعلومات وافرة عن تحديد البدايات الأولى لظهور الحمامات، بيد أنها تشير إلى أنها بدأت تنتشر في العهد الأموي، فيذكر أن جرير بن عبد الله البجلي (ت 51هـ / 671م) كان له حمام في العاقول، كما يوجد بها حمام آخر بني في عهد نور الدين محمود زنكي سنة 558هـ / 1162م عندما شُيد سور المدينة  ،  وكذلك وجد حمام داخل المدينة، ويعرف حاليًا باسم حمام طيبة بناه السلطان سليمان القانوني في عام 973هـ / 1565 - 1566م ثم جُدد بناؤه بعد ذلك في حكم السلطان محمود الثاني في عام 1254هـ / 1838م حسب النص التأسيسي الذي كان مثبتًا فوق باب الحمام. وقد شيد الحمام من الحجر البازلت، وله مدخل معقود بعقد مدبب يقع في دخلة غير عميقة، ويؤدي إلى المسلخ مباشرة، ومسقطه مربع، ويتوسط أرضيته حوض للمياه ذو مسقط مثمن يرتفع عن مستوى الأرضية بنحو متر واحد، وبسقفه قبة ترتكز على حنايا ركنية، وفي نهايته فتحة باب تؤدي إلى ممر منكسر على جانبه الأيمن دورات مياه ويؤدي هذا الباب إلى بيت الحرارة، وهو مربع المسقط مغطى بقبة كبيرة مثقبة ومزدانة بزجاج غير شفاف، وغطيت أرضية الحمام برخام، وهيئت بها فتحات لتصريف المياه  . 
 
ج) الأسواق:
 
تذكر المصادر التاريخية أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختط سوق المدينة بعد أن فرغ من بناء مسجده استكمالاً لمرافقها العمرانية بالإضافة إلى أن ذلك يجعل المسلمين يستغنون في تعاملهم التجاري عن الأسواق في الجاهلية، بأن يكون لهم سوقهم الذي يعرف بهم، ويكون قريبًا منهم ويخدم مصالحهم، ويقوم هذا السوق على أسس إسلامية جديدة حددها الرسول صلى الله عليه وسلم  ،  إذ قال: " هذا سوقكم فلا ينقص منه ولا يضربن عليه خراج "  ،  كما قال أيضًا: " هذا سوقكم فلا يضيق ولا يؤخذ فيه صراح "  . 
 
ولم يرد في المصادر التاريخية شيء عن وصف أو مساحة السوق الذي اختطه الرسول صلى الله عليه وسلم سوى إشارة بسيطة تقول: " كان الراكب ينـزل سوق المدينة فيضع رحله ثم يطوف بالسوق ورحله بعينه يبصره ولا يغيب عنه شيء "  . 
 
ويُفهم من العبارة السابقة أن سوق المدينة كان مساحة فضاء مكشوفة واسعة لا بناء فيها، وبقي على هذه الحال في عهد الخلفاء الراشدين  . 
 
وكان السوق يخضع للمراقبة، وقام الرسول صلى الله عليه وسلم بوظيفة المحتسب، حيث يخرج بنفسه لتفقد أحوال السوق ومراقبة أعمال البيع والشراء  ،  ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر على رجل يبيع طعامًا، فأدخل يده، فإذا هو مبتل، فقال: " من غشنا فليس منا "، ثم كلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه على سوق المدينة 
 
وأطلقت المصادر التاريخية على سوق المدينة عددًا من الأسماء منها: سوق المدينة، سوق البطحاء، سوق البقيع، وأخيرًا: سوق المناخة في العصر الحديث  . 
 
وأول توسعة لسوق المدينة منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في العهد الأموي، وقد قام بها الخليفة هشام بن عبد الملك باقتراح من خاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل الذي كان واليًا على المدينة 106 - 114هـ / 724 - 732م، فبنى هشام دارًا عظيمة في السوق وجعل لها أبوابًا  ،  وجعل لدار السوق حوانيت في أسفلها وأعلاها تؤجر للسكن، كما ورد في المصادر التاريخية " حوانيت في أسفلها وعلالي تكرى للسكن "  
 
ثم تطورت بعد ذلك أسواق المدينة في العهد العباسي وما تلاه من عصور، فكانت الأسواق مصطفة على امتداد الأزقة والممرات  .  وقد توزعت هذه الأسواق وتنوعت حسب السلع المعروضة بها، وتذكر المصادر التاريخية عددًا من الأسواق أشهرها: سوق الحبابة، أسواق السمانة، سوق الرواسة، سوق الفلتية، سوق الخضرية، سوق الدلانية، سوق الجزارة، سوق العطارة، سوق القماشة، سوق المزرية، سوق الحدرة (سويقة)، وسوق المناخة  
 
واستمر بناء هذه الأسواق حتى مطلع القرن 14هـ / القرن الـ20م حيث استطاع مؤرخ معاصر أن يحصر عدد الأسواق المتبقية في المدينة منذ العهد الأموي، وقد بلغت أحد عشر سوقًا أكبرها وأوسعها سوق الحبابة  
كما كان بالمدينة في مطلع هذا القرن أيضًا قرابة 932 حانوتًا ومخزنًا، وأربعة متاجر كبيرة (وكالات)  
 

العمارة الحربية

 
تتمثل العمارة الحربية فيما شيد من آطام، وحصون، وأسوار، وأبراج، بالإضافة إلى الخندق الذي نُفذ في غزوة الخندق في شوال سنة 5هـ / 626م 
 
وتذكر المصادر أن عدد الآطام في المدينة المنورة زمن وصول النبي صلى الله عليه وسلم إليها بلغ 199 أطمًا  ،  وهذه الآطام عبارة عن تحصينات عسكرية استفاد منها المسلمون - خصوصًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم - أوقات الحروب والنـزاعات، فقد كانت مأوًى وملجأً للنساء والأطفال والشيوخ والعجزة في غزوة الخندق في شوال سنة 5هـ / 626م  .  وما تزال أطلال بعض الآطام باقية حتى اليوم، منها حصن كعب بن الأشرف، وأطم الضحيان الذي شيده أحيحة بن الجلاح، وأطم أبي دجانة الساعدي الأنصاري  
 
بالإضافة إلى أن المدينة كانت محصنة طبيعيا من شرقها وغربها وجنوبها لما يحيط بها من حرات وعرة ومع ما يتخللها من قرى ومزارع ونخيل ما يشتت ويبعثر أي جيش يفكر في غزوها، ما عدا الجهة الشمالية من المدينة، فكانت غير محصنة ومكشوفة وعادة ما كانت تغزى منها، كما حدث في سنة 5هـ / 626م عندما اتفق المشركون من القبائل العربية على القيام بهجوم على المدينة من جهة الشمال، ما اضطر معه المسلمون إلى أن يقوموا بعمل أول عمل حراسي لتحصين المدينة وتأمينها من هذه الجهة وهو حفر خندق، وهو الذي أشار به على الرسول صلى الله عليه وسلم سلمان الفارسي، وباشر الرسول صلى الله عليه وسلم العمل بنفسه، وأنجز هذا الخندق في نحو 24 يومًا ويبلغ طوله 12.000 ذراع نحو 6.000م  
 
ومن التحصينات الدفاعية المعروفة: الأسوار، والبوابات، والأبراج. ونظرًا للمخاطر التي كانت تتعرض لها المدينة المنورة فقد أحيطت بسور لحمايتها ابتداءً من سنة 263هـ / 876م، ثم أعيد بناء السور وجدد في حقب زمنية متعاقبة، حيث أعيد بناؤه وجدد في عام 370هـ / 970م، وكذلك في سنة 558هـ / 1139م، وأيضًا سنة 755هـ / 1354م، ثم في سنة 946هـ / 1539م  .
 
وتذكر المدونات التاريخية أن الأسوار في العمارة العثمانية كانت تمتاز بالارتفاع. وكان برج المدينة يرتفع إلى 25م، وفيه 40 برجًا تشرف على ضواحي المدينة للدفاع عنها  ،  بيد أن هذا السور قد هدم في عام 1368هـ / 1948م نتيجة لتطور المدينة وتوسعها، وذلك لأجل فك الاختناق وتسهيل الحركة، ودمج الأحياء بعضها ببعض، فضلاً عمّا تم للمسجد النبوي الشريف من توسعات، أشهرها وأكبرها توسعة الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - التي شملت معظم مساحة المدينة المنورة القديمة  
 
4 - المنشآت المائية:  
 
تتمثل المنشآت المائية بما حُفر وشُق من آبار وعيون، وبما شُيد من سدود وبرك، فقد أوردت المصادر ما اشتهرت به المدينة المنورة من آبار وعيون، منها ما كان موجودًا عند الهجرة النبوية الشريفة، ومنها ما أُحدث في العهد الإسلامي  .  وقد بلغ عدد الآبار المشهورة ما يقارب 23 بئرًا، تزود المدينة بما تحتاج إليه من مياه، منها بئر أريس (بئر الخاتم)، وبئر بضاعة، وبئر أنس بن مالك، وبئر غرس، وبئر عثمان بن عفان (بئر رومة)، وبئر معونة، وبئر عمرة بن الزبير. وهذه الآبار منها ما دخل ضمن نطاق التوسعات التي تمت في المسجد النبوي الشريف، ومنها ما دخل ضمن نطاق الأملاك الخاصة  .  وذكرت المصادر أن عدد العيون في المدينة المنورة بلغ قرابة 44 عينًا، كما اشتهرت المدينة بوجود عدد من القنوات (العيون)، خصوصًا تلك التي شقها مروان بن الحكم (والي المدينة المنورة زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان) الذي شق عين الشهداء، وكذلك عين الزرقاء، وهي العين التي تعهدها بالرعاية والعناية الخلفاء والأمراء المسلمون حتى العهد السعودي الحاضر  
 
أما فيما يتعلق بالسدود التي تعد من أهم المنشآت المائية التي عرفتها المدينة المنورة منذ فجر الإسلام، وساعدت على توفير المياه لأغراض الزراعة من جهة ودرء مخاطر السيول عن المناطق السكنية من جهة أخرى، فإن الباقي منها حتى اليوم عدد قليل مقارنة بما كان سائدًا في العصور الإسلامية الأولى  ،  ومنها سد معاوية بوادي الخنق إلى الشرق من المدينة المنورة وسد عاصم الواقع في شرقي جماء تضارع، الذي يبلغ طوله قرابة 36م، وعرضه 2.5م، وكذلك سد عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان (سد عنتر)  الواقع في وادي رانوناء، وهو يتكون في الواقع من ثلاثة سدود متصلة، أطوالها 65 و 49 و 85م  . 
 
أ) سد معاوية بوادي الخنق: 
 
يقع سد معاوية إلى الشرق من المدينة المنورة  .  ويتضح من خلال النص التأسيسي للسد المثبت فوق قمته من الجهة الجنوبية الغربية أن الخليفة معاوية بن أبي سفيان 41 - 60هـ شيده أثناء خلافته، وقد تولى بناء السد - الهندسة - أبو رداد مولى عبد الله بن عباس، وأشرف على البناء كل من كثير بن الصلت، وأبي موسى.
 
وبنيت جدران هذا السد بخليط من الأحجار النارية البازلتية الممزوجة بالمونة (النورة المصهورة)، وغطيت واجهة السد برصفات من الطوب الممروق، أو بكتل حمرية متنوعة الأحجام مثبتة بالمونة والحصى.
 
ويتكون سد معاوية بوادي الخنق من سدين أحدهما شرقي والآخر غربي، وتصل المياه إلى وادي خنق من السيول الآتية من قاع حضوضاء من الجهة الجنوبية الغربية ومنها تتجه المياه في غالبها باتجاه الشمال، ليستفاد منها في الزراعة بالإضافة إلى حفر الآبار السطحية التي تغذيها المياه المحجوزة خلف السدين.
 
ويتكون كل سد عادة من كتلتين لكل منهما قاعدة قوية مقاومة لجرف السيول. ويبلغ طول السد الأول 56م ويصل عرضه عند القاعدة إلى 17.5م، أما السد الثاني فيصل طوله إلى 56م، وعرض القاعدة 11م.
 
أما بالنسبة إلى برك المياه، فكما يتضح من خلال ما ورد في المصادر التاريخية، أن المحطات الرئيسة والمنازل المخصصة لاستراحة المسافرين الواقعة على طريق الحج مزودة بعدد كبير منها، وقد كشفت الحفريات الأثرية بهذه المحطات عن مجموعة كبيرة من برك المياه، ومنها المحطات الواقعة بمنطقة المدينة المنورة.
 
فقد كشفت الحفريات الأثرية التي قام بها قسم الآثار والمتاحف في جامعة الملك سعود، بموقع الربذة عن بركتين لحفظ مياه الأمطار والسيول إحداهما دائرية المسقط وهي الشرقية، والأخرى (الشمالية) مربعة المسقط  . 
 
ب) البركة الدائرية: 
 
تتميز بأنها كبيرة الحجم، مستديرة المسقط يبلغ قطرها 64.5م، ويصل عرضها إلى 4.70م، وقد شيدت من الحجر ويبلغ سمك جدرانها نحو 2م، وهي مثبتة بالمونة، وطليت جدرانها وأرضيتها بطبقة من الجص.
 
وتتغذى البركة بالمياه عبر مصفاة ملاصقة لها من الغرب، وهي مستطيلة المسقط 55×17م تقريبًا، وعمقها نحو 3.15م. وتصل مياه السيول إلى المصفاة عبر مدخلين: الأول الركن الشمالي الشرقي، والآخر الركن الجنوبي الشرقي، وكلٌّ منهما يهبط إلى أرضية المصفاة بانحدار تدريجي. وقد ساعد على إيصال المياه إلى المصفاة سدان بغرض التحكم في مياه الوادي في حالة تدفق السيول. وعند امتلاء المصفاة بالمياه، تنتقل المياه إلى البركة عبر مصب علوي منحدر. وزودت البركة في جزئها الجنوبي بسلم هابط من أجل تنظيف قاع البركة وجدرانها.
 
وتقدر سعة البركة عند امتلائها بالمياه بنحو 14250م  ، وهي كمية هائلة تكفي عددًا كبيرًا من المسافرين والحجاج والمقيمين بدوابهم عدة أشهر.
 
ج) البركة المربعة: 
 
شيدت هذه البركة على بُعد 2كم شمال المنطقة السكنية لخدمة المسافرين من حجاج بيت الله الحرام وغيرهم، وإتاحة الفرصة لهم للتزود بالمياه بيسر وسهولة دون مضايقة السكان المحليين في المنطقة، وتخفيف الضغط والزحام على البركة الدائرية. وهي مربعة المسقط 26×26م، وشيدت أيضًا من الحجر، وقد دعمت جدرانها من الداخل بأكتاف نصف دائرية لضمان تحمل البركة بالمياه.
 
وتصل مياه السيول إلى هذه البركة عبر مدخلين (مصبين)، يهبطان إلى داخل البركة بانحدار تدريجي، ويتصل أحد المصبين بسد يمتد شمالاً في وسط الوادي ليعترض مياه الأمطار والسيول لتنساب إلى داخل البركة، وتعد هاتان البركتان نموذجين من الأساليب الهندسية التي برع فيها المسلمون في العصور الإسلامية المبكرة، كما أنهما تمثلان نموذجين واضحين للتطور والخبرة في عمارة المنشآت المائية وهندستها، حيث شيد المسلمون عشرات البرك من هذا النوع على امتداد طرق الحج إلى مكة المكرمة.
 
شارك المقالة:
354 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook