العصر الحجري القديم في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 العصر الحجري القديم في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

 العصر الحجري القديم في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية.

 
أ - العصر الحجري القديم الأسفل:
 
كشف المسح الأثري الشامل الذي أجرته وكالة الآثار والمتاحف عن أحد أقدم الأدلة الأثرية على وجود بشري وحضاري في الجزيرة العربية؛ ففي عام 1400هـ/1980م عثر فريق المسح في شعيب دحضة - أحد روافد وادي نجران، عند المنحدرات الشرقية لجبال عسير - على موقع أثري حمل الرقم 217 - 63 كان قد تعرض لعملية كشط للطبقات الحصوية مما كشف عن أدوات حجرية ظهر عليها آثار تشظية  .  جمع الفريق من الموقع نحو 34 أداة مصنعة من حجر الكوارتزيت تظهر تقنية بدائية وكثافة من لون العتق. ورغم صغر العينة الأثرية، إلا أنه لوحظ أن مادتها الخام وتقنيتها وتكرار نسب الأدوات تماثل تلك التي كشف عنها في موقع الشويحطية في شمالي المملكة العربية السعودية. والأخير تشابه معثوراته الحجرية ما يُعرف بالصناعة الألدوانية المتطورة التي كشف عنها في موقع أولدفاي بشرق إفريقية  
 
شملت الأدوات الحجرية من الموقع القواطع والسواطير والمكاشط والمخارز والمثاقب والأدوات القرصية والأدوات متعددة الأسطح والمستدقات، إلى جانب النوى والشظايا غير المصنعة.
 
ولم يكشف الموقع عن أي مواد عضوية تدل على المرتكز الغذائي للسكان، غير أن الصيد البري والجمع اللذين كانت تزخر بهما البيئة، آنذاك كانا أهم المرتكزات الغذائية. وربما كانوا يعيشون في عشش بسيطة.
 
لم تكن هنالك من وسيلة لتأريخ الموقع 217 - 63 بشكل مطلق، غير أن تاريخه لا بُدَّ أن يكون لاحقًا لظهور الجماعات الإنسانية في شرق إفريقية، ولظهور الأدوات الألدوانية المتطورة، وللمقدرة على تحكم الإنسان في إشعال النار، أي منذ نحو مليون سنة أو أقل. وقد تمكن الإنسان من عبور مضيق باب المندب إلى جنوب شبه الجزيرة العربية لأن المضيق كان عرضه في تلك الفترة أقل مما هو عليه الآن (حيث يبلغ عرضه حاليا نحو 28كم) بسبب انخفاض مستوى المياه في البحار خلال عصر البلايستوسين، وإضافة إلى ذلك، فإن جزيرة بريم قرب سواحل اليمن يمكن استخدامها محطة في الطريق مما مكنه من استخدام قوارب بدائية للعبور.
 
وأعقب فترة الحضارة الألدوانية - خلال العصر الحجري القديم - فترة الحضارة الآشولية. ولم يعثر في منطقة نجران خلال المسح الأثري على مواقع تعود إلى الفترة المبكرة من العصر الآشولي، بيد أنه عُثر على أدوات تحمل خصائص متأخرة للحضارة الآشولية. وقد لوحظ أن المواقع كانت بعيدة نسبيًا عن مجاري الأودية  ؛  مما يؤكد سيادة ظروف مناخية ذات طابع مختلف عن العصر الحاضر. وقد اعتمد التمييز بين مواقع الآشولي الأوسط والأعلى على تقنية الأدوات ونوعيتها، إذ ارتكزت التقنية في الآشولي الأوسط على استخدام أدوات طرق ثقيلة، وتميزت الأدوات بالسواطير والقواطع والأشكال الرمحية، في حين ارتكزت الأدوات في الآشولي الأعلى على الطرق الخفيف والفؤوس البيضاوية صغيرة الحجم وبروز التقنية الليفلوازية  .  وكذلك لم تكشف المواقع عن مواد عضوية تقدم مؤشرات على أنواع الغذاء، إلا أنهم - مثل غيرهم من الجماعات الآشولية - لا بُدَّ من أن الصيد والجمع كانا مرتكزهم الغذائي.
 
ب - العصر الحجري القديم الأوسط:
 
شأن هذه الحقبة كشأن الحقبة السابقة، لا يعرف تحديدًا متى بدأ العصر الحجري القديم الأوسط في المملكة العربية السعودية ومتى كانت نهايته، غير أن بدايته بحكم توزيع المواقع، لا بد أنها تزامنت مع فترة مطيرة سبقت 100.000 سنة من وقتنا الحالي.
 
وقد كشف المسح عن عدد من مواقع العصر الحجري القديم الأوسط على وادٍ إلى الشمال من مدينة نجران نسبها فريق المسح إلى الصناعة الموستيرية، كان من بينها المواقع 217 - 17، 217 - 21، 217 - 42  ،  صُنعت أدواتها من حجارة الريولايت المتوافرة في تكوينات الدرع العربي، وقد صنعت نوى سلحفائية وشظايا ليفلوازية وقواطع ومكاشط ومثاقب. وتظهر بقايا الأدوات الحجرية تطورًا في صناعة الأدوات الحجرية، ظهر في كثافة استخدام التقنية الليفلوازية في صناعة الأدوات، من جهة، وكذلك استمرار الصناعة الموستيرية. هذا ومن الملاحظ غياب دلالات وجود الصناعة الموستيرية ذات التقليد الآشولي التي تتميز بوجود الفؤوس الآشولية الشكل ضمن مجموع الأدوات الحجرية الموستيرية. وقد خلت مواقع هذا العصر المعروفة من المواد العضوية؛ غير أن الصيد والجمع كانا أساس غذائهم.
 
ويشير وجود مواقع هذا العصر إلى استمرار إقامة الجماعات البشرية في المنطقة، واعتمادهم أساسًا على التنقل والترحال الموسمي بحثًا عن الموارد الغذائية والمكان الآمن للإقامة.
 
ج - العصر الحجري القديم الأعلى:
 
لم يكشف المسح الأثري في منطقة نجران عن مواقع أثرية تحمل خصائص العصر الحجري القديم الأعلى المتعارف عليها، طبقًا لما عليه الحال في المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية عمومًا. 
 
ورغم حالة الجفاف الحاد التي سادت الجزيرة العربية خلال المراحل المتأخرة من العصر الحجري القديم الأعلى 18.000 - 12.000 ق.م، إلا أن المنطقة لم تهجر بكاملها ولم تخلُ من سكانها. ولعلَّ خصائص العصر الحجري القديم الأعلى في المنطقة كانت مخالفة لمثيلاتها في بقية أنحاء الشرق الأدنى، كما يمكن أن تكون خصائص العصر الحجري القديم الأوسط قد استمرت في المنطقة فترة أطول مما يحسب لها، غير أنَّ فريق المسح كشف عن مواقع حول آبار حمى، شمال نجران، من بينها المواقع 217 - 4  ، 217 - 58  ، 217 - 160  وقد حوت بعض الأنصال والشظايا اللـيفلوازية والمـكاشط والمخارز. 
 
كذلك كُشف في الركن الجنوبي الغربي للربع الخالي داخل منطقة نجران، عن مجموعة حجرية غلب حجر الصوان على أدواتها. ويحتل هذا الموقع منحدرات أحد التلال الرملية إلى الجنوب من المندفن، وجمعت من الموقع نحو 300 أداة حجرية، كان معظمها رؤوس سهام مذنبة وأشكال ورقية ومكاشط ومخارز وسكاكين ومناجل مصنعة من حجر الصوان على شكل شفرات وشظايا. وقد اقتُرح لها تاريخ في حدود 35.000 - 20.000 ق.م   غير أن هذا المقترح لا يسنده دليل سوى ما يراه (مكلور) أن ثمة ما يربط هذه المجموعة بصناعة بير الطير التي ازدهرت في شمال الصحراء الإفريقية خلال فترة مطيرة بين 40.000 و 20.000 ق.م. وتميزت برؤوس مذنبة  .  ولعل (مكلور) قد ذهب بعيدًا في ربط هذه الأدوات من الربع الخالي بأخرى في شمال إفريقية، فالعصر الحجري القديم الأعلى في جنوبي المملكة العربية السعودية ربما استمر حتى منتصف عصر الهولوسين، في حدود 5000 ق.م.
 
شارك المقالة:
247 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook