العصر الحجري القديم الأسفل بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 العصر الحجري القديم الأسفل بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

العصر الحجري القديم الأسفل بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
 
يشير عدد من المتخصصين إلى أن هذا العصر شهد حضارتين، أولاًهما: الحضارة الألدوانية، وثانيتهما: الحضارة الآشولية  ،  إلا أن الدراسات الآثارية التي أجريت حتى الآن لم تؤكد ظهور الحضارة الألدوانية في منطقة مكة المكرمة، على الرغم من أن الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، وظروفها البيئية تشير إلى إمكانية العثور على دلائل أثرية لهذه الحضارة مستقبلاً 
وقد كشف المسح الآثاري الذي قامت به وكالة الآثار والمتاحف خلال الثلاثين سنة الماضية عن عدد كبير من المواقع الآشولية في المنطقة مثل: الساحل الغربي للبحر الأحمر، ووادي فاطمة، ووادي أبوجعالة، والجموم، والليث، والمنطقة الواقعة بين الجعرانة وعين شمس شمال مدينة مكة المكرمة، وكذلك في جبل الغامدية بحرَّة شما التي تطل على السهل الساحلي بالقرب من الليث، إضافة إلى أودية وقير، ومرواني، وملكان، وفي أبحر الشمالية، والخيالة، والرامي، والطائف، والعقيق، والكامل، والمويه القديم، ومكة المكرمة، وعسفان، وعشيرة، والعرفاء، وغرابة، ووادي سيسد، وشجنة، ورابغ، وخليص، وحرتي دفين ونواصيب، وحصن العفر 
 

وادي فاطمة

 
تبدأ المنطقة الاستيطانية - وادي فاطمة - من جبال الدرع العربي شمال مكة المكرمة، وتمتد تجاه الجنوب الغربي نحو سهل تهامة الساحلي بمحاذاة البحر الأحمر  ،  وإلى الشمال والجنوب من الوادي تقع سلسلة جبال فاطمة  .  وقد كشفت الملتقطات السطحية التي عُثر عليها في المنطقة، ثم من بعدها نتائج المسوحات الأثرية التي أجريت فيها، عن اثنين وثلاثين موقعًا أثريًا عُثر فيها على أدوات حجرية   يظهر عليها أسلوب تقنية الصناعة الحجرية خلال الفترة الآشولية، يقع ثلاثون موقعًا منها في مساحة محددة قدرها ثلاثة كيلومترات من الحافة الشمالية للوادي، بينما اكتشف موقع واحد فقط في الجانب الجنوبي منه، وقد اشتملت هذه المواقع على أنواع كثيرة من الأدوات الحجرية يبلغ عددها 2227 أداة ذات أحجام مختلفة وأغراض متنوعة  ،  وهي تتشابه إلى حدٍّ كبير مع تلك الأدوات الحجرية التي كشف عنها في موقع صفاقة بالدوادمي 
مما يشير إلى أن تاريخها يعود إلى العصر الآشولي الأوسط  .  كما عُثر كذلك على بعض الأدوات المماثلة في أكثر من موقع آخر في نطاق منطقة مكة المكرمة، أحدها بالقرب من الليث، فضلاً عن أدوات أخرى آشولية الطابع وجدت على بعض المدرجات الساحلية القريبة من البحر الأحمر  .  لقد تراوحت تقنيات صناعة أدوات وادي فاطمة الحجرية بين كبيرة الحجم كالفؤوس اليدوية والكريات الحجرية والأدوات مختلفة الوجوه، والأدوات الصغيرة مثل الأزاميل والمكاشط والمثاقب، ودلت طبيعة هذه الأدوات مع ربطها بالدراسات الجيولوجية والمناخية للمنطقة على وجود مجتمع من الصيادين عاشوا فيها قبل نحو مئتي ألف عام أو يزيد، كان إنسان المنطقة خلالها يستمتع بماء وفير وظروف طبيعية ومناخية ملائمة. وعلى الرغم من أنه لم يعثر حتى الآن في منطقة مكة المكرمة على دلائل لأدوات ألدوانية الصنع، إلاّ أن طبيعة مواقع المنطقة ومعطياتها الجيولوجية والبيئية تحتمل جميعها العثور مستقبلاً على صناعات حجرية تنتمي إلى فترة الصناعة الألدوانية. فقد عُثر - حتى الآن - على هذه النوعية من الأدوات التي ترجع إلى المراحل البدائية من العصر الحجري القديم الأسفل في بعض مواقع تقع في جوار كل من الشويحطية قرب سكاكا في شمال المملكة ونجران في جنوبها  ،  تؤرخ جميعها في حدود المليون إلى المليون ونصف المليون عام قبل الوقت الحاضر
ويُعَدُّ وادي فاطمة الواقع على بعد 35كم شمال غرب مدينة مكة المكرمة من أكثر الأودية في منطقة مكة المكرمة ثراءً من ناحية المعثورات الحجرية التي ترجع للعصر الآشولي  .  ويبدأ هذا الوادي من جبال الدرع العربي شمال شرق مكة المكرمة، ويمتد باتجاه الجنوب الغربي نحو سهل تهامة الساحلي بمحاذاة البحر الأحمر، وإلى الشمال والجنوب من الوادي توجد سلسلة جبال تتكون بصورة عامة من جبال بازلتية تضم بعض التلال من صخور الأندسايت ذي اللون الأخضر والريولايت وقليل من قواطع صخور الأندسايت
إن هناك اختلافًا في التكوين الصخري لجبال وادي فاطمة، فبينما تتكون الجبال الواقعة على الجانب الجنوبي منه بصورة رئيسة من صخور الجرانيت والديوريت والشيست - وهذا النوع من الصخور تكوَّن بفعل عوامل الترسيب - مما حال دون الاستفادة من خاماتها لصنع الأدوات الحجرية، نجد على النقيض من ذلك في الجانب الشمالي من الوادي، إذ تنتشر المواقع الآثارية التي ترجع إلى العصر الحجري القديم بصورة كبيرة؛ وذلك لأن الجبال الواقعة في هذا الجانب تتكون من صخور الأندسايت والديابيز والريولايت والنيس الجرانيتي، فضلاً عن توافر الصخور التي تستخدم في صناعة الأدوات الحجرية 
لقد أثبتت أعمال المسح الآثاري الذي قامت به وكالة الآثار والمتاحف أن الأدوات الحجرية المكتشفة في مواقع وادي فاطمة تشبه إلى حد كبير مثيلاتها المكتشفة في مواقع وادي صفاقة بالقرب من الدوادمي، من ناحية الطراز والتقنية وسماكة غشاء العتق (الباتينا) أو التقادم بمرور الزمن، ولما كان هذا الموقع قد صنف كأحد مواقع الفترة الآشولية الوسطى التي تعود إلى 200.000 سنة بناء على الكلس الكربوني المتحجر بأسفل الأداة، فإن العينات الكلسية التي جمعت من موقعين في وادي فاطمة كشفت عن التشابه بين الأدوات الحجرية في مواقع وادي صفاقة ومثيلاتها في وادي فاطمة، علاوة على التشابه في أنواع الأدوات وطريقة صناعتها
إن التنوع الكبير في الأدوات الحجرية المكتشفة مثل: الفؤوس اليدوية، والمعاول، والأدوات متعددة الأسطح، والكروية الشكل، والقرصية، والثنائية الوجه، والسواطير، والمكاشط، والسكاكين، والمثاقب، وأدوات الثلب العميق، والمشحوذ، والأزاميل، والمناقيش، والنوى، والكتل الغليظة، والرقيقة، والنصال، والمطارق، وكذلك شيوع الرقائق والمكاشط والمفارم أكثر من غيرها من الأدوات المشار إليها آنفًا، علاوة على حجمها، كل ذلك يدل على أن النشاط الذي كان يمارس في هذه المواقع كان نشاطًا متشابهًا، وهو ما يتفق مع تصنيف هذه المواقع بعصر آشولي أوسط 
وعلى الرغم من صعوبة تحديد الأنشطة التي كانت تمارس في كل موقع آشولي بالمنطقة، إلا أن ذلك لا يمنع من إعطاء صورة عامة عن نوعية الأعمال التي كانت تمارس في تلك المواقع خلال تلك الفترة؛ لذا صنفت المواقع الآشولية في المنطقة إلى ثلاث مجموعات وفقًا لنوعية القطع ووظائفها، وذلك على النحو الآتي:
 
1- المجموعة الأولى: مواقع إعداد الطعام وصناعة الأدوات غير الحجرية:
عُثر في أحد المواقع الكبيرة البالغة مساحته 12000م  ، الذي يقع على بعد 5كم شمال بحرة على 29 قطعة أثرية آشولية، وعلى الرغم من كبر مساحته إلا أن نوعية القطع المكتشفة فيه ميزت هذا الموقع عن بقية المواقع، فقد وجد أن 48% من القطع تمثل سواطير، و 35% تمثل مكاشط، وهما أعلى نسبتين للسواطير والمكاشط في المواقع الآشولية بالمنطقة، وفي هذا مؤشر على أن إعداد الطعام وصنع الأدوات غير الحجرية كانا يمارسان في هذا الموقع
 
2- المجموعة الثانية: مواقع صناعة الأدوات الحجرية وأعمال الذبح والسلخ:
عُثر في شمال وادي فاطمة على خمسة مواقع آشولية تضم نسبة عالية من الرقائق والنويات الحجرية، مما يشير إلى قيام صناعة الأدوات الحجرية في هذه المواقع، بالإضافة إلى ممارسة أعمال الذبح والسلخ أيضًا، نظرًا لاحتوائها على مكاشط، وأدوات ذات ثلب عميق ومشحوذ، وسكاكين، ومثاقب، وأدوات ثنائية الوجه وقرصية الشكل، وفؤوس، ومفارم.
 
3 - المجموعة الثالثة: صناعة الأدوات وجمع النباتات
عُثر في موقعين في وادي فاطمة على معاول ومكاشط، مما يدل على ممارسة جمع النباتات
 
شارك المقالة:
77 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook