العصر الحجري الحديث في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
العصر الحجري الحديث في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

العصر الحجري الحديث في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
يُمثل هذا العصر الذي يعد آخر مراحل العصور الحجرية قمة التطور في صناعات الأدوات الحجرية، حيث احتوت مواقعه الآثارية على أدوات حجرية صُنعت بدقة وإتقان متناهيين لم يسبق العثور عليها في الفترات السابقة لهذا العصر. وقد تميزت هذه الفترة الحضارية بظهور بوادر أولية لاستقرار الجماعات البشرية ومعرفة الزراعة، وتدجين الحيوان، وتوافر الغذاء الكافي، وقدرة الجماعات البشرية على تأمين احتياجاتها المعيشية وتخزينها عند الضرورة  
إن من المعالم المبكرة لمظاهر الاستقرار البشري في هذه الفترة في القصيم، هي ظهور الأنماط المختلفة للمنشآت الحجرية التي وجدت بأشكال عدة ومتباينة. على الرغم من أن ظاهرة انتشار المنشآت الحجرية ليست بالضرورة مرتبطة بالكامل بهذه الفترة الحضارية فقط، بل تتعداها إلى فترات حضارية لاحقة  
 
وتتميز الصناعة الحجرية في هذا العصر بالجودة وبتنوع أنماط الأدوات الحجرية المستخدمة فيها، واستخدمت في تصنيعها تقنية التكسير بوساطة الضغط بأداة صلبة كالحجر أو الخشب أو العظم؛ بهدف إزالة أجزاء صغيرة من طرف الأداة الحجرية المراد تصنيعها. ومن أبرز الأدوات الحجرية المصنعة في هذا العصر الأدوات الثنائية الوجه، والسكاكين، والفؤوس الحجرية الصغيرة، والمثاقب، والمحكات، والمدقات، والمكاشط، والأنصال الحجرية، وغيرها
ولقد عثر في المنطقة على عدد من المنشآت الحجرية المتفاوتة الأحجام والأشكال والوظائف، تعود إلى فترة العصر الحجري الحديث، ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع منها، وهي:
 
أ - الدوائر الحجرية:
 
يكثر هذا النوع من المنشآت الحجرية، ولا سيما في المناطق الصخرية والمرتفعات والحواف الجبلية، والمواضع القريبة من الأودية والمنخفضات الرملية، مثل: المندسة الواقعة جنوب شرقي بريدة على مسافة 20كم، والربيعية الواقعة على مسافة 28كم شرقي بريدة، والصريف شمال شرقي بريدة، وصلاصل جنوب القوارة، والهبيرية، والنبهانية  وغيرها  .  ويتباين حجم هذه الدوائر وشكلها وطريقة تشييدها؛ فبعضها لا يتجاوز قطرها ثلاثة أمتار، في حين يراوح قطر بعضها الآخر بين 10 و 20م. كما أن أشكال الدوائر في بعض المناطق تكون هندسية متقنة، في حين تكون في بعضها الآخر خليطًا بين الشكلين المضلع والدائري. أما طريقة التشييد فتظهر في بعض الدوائر بطريقة متقنة؛ بحيث تظهر الأحجار الكبيرة غير المشذبة مرصوصة بعضها فوق بعض، مع استعمال الأحجار الصغيرة فيما بينها  .  في حين تظهر نماذج أخرى ذات أحجار مرصوصة بشكل عشوائي، فتوحي أنها مهدمة بعد انتهاء وظيفتها. ومما يلاحظ في جميع الأحوال أن المحيط الخارجي لهذه الدوائر الحجرية لا يمكّن من التحقق مما إذا كانت لها مداخل مختصة بها على مستوى سطح الأرض، أم أنه يتم الدخول إليها عبر دَرَج خارجي، أم أنها لا تحتاج إلى أي منهما، نظرًا لقصر ارتفاع جدارها.
 
ب - المذيلات الحجرية: 
 
تنتشر في كثير من المرتفعات الجبلية والمناطق الصخرية بالمنطقة دوائر وركامات حجرية مذيلة. وهي كالدوائر الحجرية آنفة الذكر متباينة من حيث الشكل والحجم وطريقة التشييد، إلا أنها في هذه الحالة تتشابه من حيث وجود جدار أو أكثر يمتد من محيط الدائرة صوب إحدى الجهات بطول يراوح بين 50 و 300م. وهذا الجدار الذي يطلق عليه (ذيل الدائرة)، يظهر في بعض الأحيان بشكل مستقيم، في حين يظهر في أحيان أخرى بشكل متعرج. وتبدو غالبية الدوائر ومذيلاتها ذات ارتفاع محدود، وإن كانت الأحجار المتناثرة التي تكتنف جدران هذه المنشآت تشير إلى أن ارتفاعها كان أكبر مما هي عليه، كما هي الحال في مذيلات بلدة الشماسية، والشفلحية شرقي بلدة الربيعية، وفي بلدة حنيظل بالأسياح، وكذلك في جبل كير جنوبي محافظة الرس، وبلدة الشبيكية غربي القصيم  
 
ج - الأعمدة (النصب) الحجرية: 
 
توجد في عدد من المواقع الصخرية المنتشرة شرقي القصيم وغربها بعض المنشآت الحجرية التي تشبه في بعض مواصفاتها الدوائر والمذيلات الحجرية، إلا أن هذه المنشآت المشيدة باستخدام الألواح الحجرية المتطاولة تتميز بكبر حجمها، وربما باختلاف وظيفتها  ؛  حيث إن أسلوب التشييد في هذه الأخيرة يختلف عن تلك بكون الألواح الحجرية تُشَّيد بشكل رأسي، فيراوح ارتفاعها بين المتر والمترين، وتمتد على هيئة وحدات دائرية، أو مستقيمة يراوح طولها بين 30 و 50م. وهي بذلك تشبه من حيث الشكل وطريقة التشييد ما كشف عنه في جنوب الجزيرة العربية، كما تشبه أعمدة موقع الرجاجيل في منطقة الجوف  .  وعلى الرغم من أن هذه المنشآت تعود إلى العصور الحجرية، ألا أنه لم يكشف فيها حتى الآن عن معثورات أثرية من صنع الإنسان كالمكاشط، والسهام، والرماح ونحوها. كما لم يتم التعرف بشكل دقيق إلى استخداماتها، فقد تكون مكامن لصيد بعض الحيوانات، وهناك مَنْ يشير إلى أنها تستخدم للسكن، وهناك مَنْ يرى أنها مدافن جنائزية، أو ذات علاقة بالطقوس الدينية  
 
إن الأنشطة البشرية في فترة العصر الحجري الحديث تتشابه إلى حد كبير في معظم مناطق المملكة، ولا شك أن هذا التشابه سوف يكون بنسبة عالية بين المناطق الجغرافية المتجاورة مثل القصيم والرياض؛ إذ أمكن في هذه الأخيرة تحديد بعض اقتصاديات إنسان العصر الحجري الحديث التي يعتمد عليها في الصناعة، مثل: صناعة الأدوات الحجرية، والأسلحة، والأواني الحجرية، وأدوات الزينة المصنعة من العظام والأخشاب والأحجار. وإلى جانب الصناعة هناك فئات بشرية امتهنت التجارة أو الزراعة أو الرعي، وهناك من امتهن الحرف، مثل: العمارة  
 
شارك المقالة:
40 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook