الطب الشعبي في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الطب الشعبي في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الطب الشعبي في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
يُعد الطب الشعبي جزءًا من المعارف الشعبية التي تكونت عبر أزمنة طويلة، وشكلت التجربة والاستنتاج أساس تطورها. وقد تنامت ظاهرة العلاج الشعبي في ذلك الوقت لارتباطها بالطبيعة وبظروف مجتمعية معينة؛ فأبناء منطقة القصيم كانوا يستخدمون المتوافر في البيئة الطبيعية من أعشاب ونباتات لعلاج الأمراض التي كانوا يعانونها وقتذاك، إذ لم يكن في المنطقة محل معروف للطب أو أطباء مخصوصون، فكان الناس يذهبون إلى الأطباء الشعبيين لكي يصفوا لهم بعض الأعشاب مثل: الحلبة، والحلتيت، والصبر، والمُرة، أو العشرق لآلام البطن وبخاصة الإمساك، أو نيلة العرق لعلاج الأمراض الجلدية، أو المعالجة بالكي، خصوصًا إذا كان المريض ممن لم تفده العلاجات أو في حالة بعض الأمراض التي لا ينفع فيها إلا الكي مثل: عرق النسا، أو مرض الصفراء في الكبد، أو الفشة التي تعني التخمة من كثرة الأكل.
 
وقد وُجد أناس ليسوا أطباء، ولكنهم يستعملون الرقية لحفظهم كتاب الله وبعض الأدعية الدينية، فيُرسَل المريض إلى الشيخ (المطوع) فيقرأ عليه (ينفث) في صدره مدة ثلاثة أيام أو أسبوع، وقد يُستدعى المطوع إلى بيت المريض إذا كان لا يستطيع القيام أو كان كبيرًا في السن، فيأتون عندئذٍ بالمطوع إلى المنـزل كل يوم.
 
أما علاج الأطفال والنساء فكان يتم عن طريق النساء اللائي يمتلكن خبرة في هذا الشأن، ولا يتعدى علاج الأطفال التدليك بالزيت الدافئ، خصوصًا إذا كان الطفل مصابًا بالبرد، وكذلك عندما يُحمل الطفل الرضيع بطريقة غير سليمة من قِبَل إخوانه فيحدث له (مصع) وهو اختلاف في محل العظم أو العصب عند الطفل في الظهر بالقرب من الكتف والجنب، فترتفع حرارة الطفل مما يستدعي دهنه بطريقة خاصة.
 

 بعض الأمراض ووصفاتها الشعبية

 
أ - نماذج من الأمراض والعلاجات:
 
أما الجدري فكان يُعالَج بالكي، وكذلك بالحمية (الحجبة) مدة أربعين يومًا، وبعد مضي اثني عشر يومًا على الإصابة بهذا المرض يبدؤون بتجفيف الجروح الناتجة عنه بوساطة الدخان الناتج عن إحراق هدب الأثل ويُسمى (الكبو).
 
أما اللجوة (انسداد الأمعاء) فكانت تُعالج بأكل خليط من التمر والنوى المجروش وسمن الغنم، وربما الرشاد والليمون، هذا إذا كانت خفيفة، أما إذا كانت مستعصية فلم يكن لها علاج سوى الكي.
 
وأما النفرة (وهي حبة تنبت بالجسم تؤدي إذا انفجرت إلى وفاة الإنسان) فكانت تُعالَج بالحمية من بعض الأغذية، وكذلك بالكي.
 
وفي حالة الإصابة بالتهاب اللوزتين كان المعالج يُدخل أصابعه في فم المريض ويضغطهما حتى تنفجرا.
 
وكانت (التراخوما) - التي تصيب العيون بالحك - تُعالَج بالموسى، كما تُكوى العين المصابة بالبياض وتُسمى (أم ذيل)، وكذلك يُوضع فيها الرشاد المطحون، وكانت توجد طريقة عجيبة لعلاج نـزلات البرد (الأنفلونـزا)؛ إذ تُحمى قطعة من الطين اليابس، ثم يُصب عليها الماء ويستنشق المريض الدخان المتصاعد منها، وكانت تُستخدم هذه الطريقة - أيضًا - لعلاج مرض يُسمى (الشربة) يصيب العيون أو الجهاز التنفسي، وكان علاج تأثير البرد في الجسم هو الكي. أما الزائدة فكان لدى الناس اعتقاد أنه لا يوجد لها علاج إذا انفجرت في الجسم وكانت تُسمى (الغاشية).
 
وعندما يُصاب الشخص بألم في أسنانه أو أضراسه فإن مصير هذا الضرس أو السن هو الخلع من جذوره بوساطة ملقط من الحديد يُسمى (الكلاَّب)، وعندما ينـزف يُوضع عليه شيء من الملح، وتتم هذه العملية وسط آلام مبرحة للمريض. أما الكسور فكانت تُستعمل لها الجبيرة  ؛ إذ تُلف قطع من جريد النخل بقماش بعد أن يُوضع فوقها شعير مطحون، ويُلف على الكسر ويُربط جيدًا حتى ينجبر الكسر  ،  وتحفظ الجبيرة العضو المكسور من الحركة التي تسبب تأخر التئام العظام.
 
وأما الصداع فكان يُعالَج - إضافة إلى الكيِّ - بطريقة الفصد، وذلك بتجميع الدم في الجبين حتى يتوسطه، ثم يقومون بعمل جرح في الوجه لكشف الدم ومن ثم إخراجه. ومن الوسائل الأخرى المتبعة في علاج الصداع كذلك أن تُعجن الحناء مع الزنجبيل أو القرنفل، وتُوضع على رأس المصاب.
 
وكانت آلام الرأس (الدوخة) تُعالَج بخلط دهن الورد مع دهن البيذان مع نصف زجاجة من الخل الأبيض، ويتم دهن الرأس بهذا الخليط كل عشرة أيام، أما مرض الوجه - وهو مرض يصيب أعصاب الوجه محدثًا بعض التشنجات وإصابة في أحد جانبي الوجه ويسمونه (ميلانًا في الوجه) - فكان يُعالَج بالكي في أربعة مواضع مختلفة موزعة على مناطق في الرأس، وهي: نهاية الشفتين من الجهة المصابة، وخلف الأذن، وأعلى الرأس (الهامة)، وأسفل الرأس عند الرقبة. ومن الأمراض التي تُحدِث التواءً في عضلات الوجه أيضًا مرض يُسمى (البرد الطير)، وكانوا يعالجونه بالحمية وسط غرفة مظلمة مدة معينة.
 
أما مرض الصفارة (الصفرة) الذي يجعل لون جلد الإنسان مائلاً إلى الصفار - ويُسمى أيضًا (الشغار) - فكان يُعالَج بالكي في أعلى الرأس، وأسفلها عند الرقبة، وعند الفقرة السابعة من العمود الفقري.
 
أما الكحة أو السعال، أو ما يُعرف بـ (أبو حمير) فقد كان علاجها يتم عن طريق الكي في الصدر، أو يُسقى المصاب حليب أتان (أنثى الحمار) ولذلك سُمّيت (أبو حمير)، وسُمِّيت أيضًا (الكحة الشهاقة)؛ نظرًا إلى أن صاحبها عندما يكح يشهق، وإذا لم يُشفَ المريض فإنه يُسقى دم ضب بعد ذبحه فورًا. وكانوا يعالجون مرض السعال الديكي - وهو ما يسمونه (القحيبزان) - بإعطاء المصاب لبن أتان أيضًا.
 
ولعلاج الرمد كانوا يضعون حبيبات (القرمز) الخضراء في قماش شاش ثم يُربط ويُوضع في فنجان فيه ماء ثم يُعصر في العين، أو يُقشر (القرمز) ومن ثم يُسحق ويُذر في العين التي أصابها البياض، وكان الجرح الكبير يُعالَج بالخياطة بطريقة بدائية أو يقطرون عليه بشحمة، ويمنعون المجروح من شم روائح العطور، وإذا شم يبُخَّر الجرح بكمون أو بقشر بصل لقطع الشم.
 
ب - الأمراض التي تصيب الرحم:
 
ومن هذه الأمراض:
 
1 - الرطوبة:
 
وكانت تُعالَج بخلط مجموعة من الأعشاب، ويُؤخذ نصف ملعقة صغيرة منها مرتين يوميًا في الصباح والمساء، وهذه الأعشاب هي: سويداء، وفلفل أسود، وحلبة، ورشاد، وشبة بيضاء.
 
2 - العقم:
 
ويُعالَج بخلط المرة مع الملح وعجنها بالعسل، ثم تُقطع سبع قطع، وتستعملها المرأة في أيام الحيض على شكل تحميلة (لبوس).
 
ج - أمراض أخرى:
 
أما العنكبوت (الحبة) ويُسمى أيضًا (الدوحاس) وهو تورُّم الإصبع فكان يُعالَج بالكي من فوق المرفق، وكان علاج الدمامل يتم عن طريق شَيِّ البصل ثم وضعه على الدمَّل، أو وضع عجينة وملح أو تمرة ورشاد فوق الدمَّل لسحب محتوياته، وكانت تُعالَج لدغة العقرب عن طريق الكي بالنار. أما لدغة الأفعى فكانت تُعالَج بربط المكان الذي لُدغ فيه الشخص كيلا يسري السم في باقي أعضاء الجسم، ثم يُشرط ليخرج السم مع الدم، ويسهر عند الشخص الملدوغ عدد من الأشخاص، ويقومون بالتطبيل لكيلا ينام فيسري السم في أعضاء جسمه.
 
أما (السقاط) - وهو مرض يُعتقد أنه يصيب الأطفال محدثًا نـزولاً لسقف الفم - فقد كان علاجه يتم بطريقتين:
 
- الترفيع:
 
ويتم بإدخال إصبع السبابة والضغط على هاتين العظمتين سبع مرات.
 
- الكي:
 
ويكون بكي أعلى الرأس وأسفله بالنار.
 
وكان عرق النسا يُعالَج بالكي في ثلاثة مواضع هي: أسفل القدم عند الأصابع، وفوق الركبة، وأسفل الفخذ، وكانوا يمارسون الحجامة  التي يُقصد بها استخراج ما يُعتقد أنه دم فاسد من الجسم، ولها مواضع معينة مثل الرأس والظهر ونحوهما، وتمُارَس بطرق محددة كلها يهدف إلى استخراج الدم من الموضع المعين. كما كانوا يستعملون الفصد الذي يهدف أيضًا إلى إخراج ما يُعتقد أنه دم فاسد من الجسم.
 
وكان الكي يحتل مكان الصدارة في طرق العلاج بمنطقة القصيم، ويتم بإحراق الجلد باستخدام آلة حديدية أو غير حديدية بعد تحميتها في النار، ويُقال في الأمثال الشعبية: (آخر الطب الكي)، وكان يُستخدم لفتح بعض الأورام وتعقيمها، وكان (الفتق) - وهو ما يسمونه (الملع أو المصع) - يُعالَج بدلكه بالودك (الدهن الحيواني المتجمد).
 
أما التواء المفاصل - وهو ما يسمونه (العصف) - فكان يُعالَج بوضع عجينة من الحلبة، والقرنفل، والملح، والزيت على العضو المصاب، ويُربط بقماش، أو يتم دهنه بالدهن الحيواني (الودك)، أو بوضع عجينة من الرشاد وإعطاء المريض قليلاً من الحلبة والبيض ضمن الوجبة الغذائية.
 
أما الجنب - وهو مرض يصيب الرئة - فكان يُعالَج بالكي، وكان شلل الصدر والظهر - وهو ما يسمونه (أبو صفيط) - يُعالَج بالحمية والقراءة، أو الكي.
 
أما أبو منعة (الوشرة) - وهو من الأمراض التي تصيب الرأس - فكان يُعالَج بالكي.
 

النباتات المستعملة في العلاج الشعبي

 
عند استقراء مصادر العلاج الشعبي نجد أنه توجد مجموعة من النباتات والشجيرات في الصحراء كان الناس يستعملونها لعلاج عدد من الأمراض التي منها:  
 
أ - الحزاة:
 
وهي شجرة خضراء ضاربة إلى السواد، تحتفظ بخضرتها فترة من الزمن، وتنمو قرب الجبال والمناطق الوعرة ومجاري الأودية، ولها رائحة مميزة، وقد سُمِّيت بهذا الاسم لأنها (تُحزى) أي تُحفظ في البيت لعلاج التهابات الجروح والقروح والدمامل، فهي تُوضع على الجرح مباشرة أو يُؤكل من أوراقها وهي رطبة أو يابسة، وليست لها كمية أو مقدار محدد للعلاج. أما مفعولها فينحصر في تخفيف الحمى المصاحبة لالتهاب الجروح، والشعور بالغثيان، وتفيد في كونها مسهلة للبطن.
 
ب - المُر: 
 
وهو نبات يستخدمه أهالي المنطقة لعلاج التهاب الجروح. ونظرًا إلى الآثار الملموسة للمر فقد درج على لسان العامة قولهم: (ما تسهر الحرة وفي بيتها مُرّة) كناية عن فائدته للتداوي من كثير من الأمراض.
 
ج - الحنظل: 
 
تشبه شجرته شجرة البطيخ ولكن تكون بحجم الكف، وتتميز ثمارها بأنها دائرية صغيرة خضراء، ثم تصفر عند نضجها وتُسمى (الشري)، وهي مرة المذاق، تُعالَج بها الديدان والجهاز الهضمي. كما يتم العلاج أيضًا بشجرة تُسمى (غلقة) تُؤخذ منها عصارة بيضاء لها مفعول الحنظل إلا أنها تخلو من المرارة.
 
د - الشيح: 
 
وهو شجيرة تشبه (الحمض) تكون أحيانًا دائرية الشكل، يختفي ساقها داخل دائرة أغصانه ويبدو على شكل كرة من الأغصان سهلة الاشتعال إذا كانت يابسة، ويُقال في الأمثال الشعبية: (شبّها في الشيح وقبِّلها الريح). ويُخلط الشيح مع مسحوق نباتات أخرى لاستعماله في علاج الغثيان والجهازين الهضمي والبولي، ويتميز الشيح برائحته العطرة، ويقال في الأمثال العامية: (الشيح دوا الريح).
 
كما يُستخدم الحرمل للروماتيزم، والعشرق لتنظيف المعدة، والطرثوث للإسهال، وبالإضافة إلى هذه الأعشاب فإن الناس كانوا يستعملون (الحناء) لعلاج ضربات الشمس، فيتم عجنها بالماء وتُوضع فوق الرأس وتُترك عليه نصف يوم، ويُفضل وضعها ليلاً لبرودة الطقس. كما يُستعمل الملح لعلاج أمراض اللثة، والجروح، والعيون، والتخمة المتولدة من كثرة الأكل. ويُستعمل اللبان - أيضًا - لتنظيف الكلى، والجهاز البولي من الحصى والرمال البولية، واحتباس البول المسمَّى (الحصر).
 
مظاهر الثبات والتغير
 
مرّ المجتمع السعودي بنقلات حضارية واقتصادية متعددة، ما جعل كثيرًا من الممارسات الشعبية التي كانت تشهدها المنطقة تضمحل، ويحل محلها العلاج القائم على العقاقير التي يصفها الطبيب، وقد أصبح المريض يتجه للعلاج إلى المستشفيات الحديثة التي تزخر بها جميع مدن المملكة العربية السعودية.
 
شارك المقالة:
493 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook