الضيافة في المناسبات بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الضيافة في المناسبات بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الضيافة في المناسبات بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
عندما يوجد ضيوف مدعوون لتناول الطعام تكون هناك عناية خاصة كما هو حاصل في مناطق المملكة كافة، فلكبار السن ورجال العلم تقدير واحترام، لذا فهم يوضعون في صدر المجلس، ويُبدأ بهم عند تقديم القهوة والشاي، وحينما يكون الطعام جاهزًا يُدعى الضيوف ويُبدأ بالأكبر ورجال العلم. ونظرًا إلى عدم انتشار صنابير الماء في ذلك الوقت أو لاقتصار وجوده في حمام داخل البيت، يقوم أحد أبناء الداعي أو أحد أقاربه بحمل المصخنة في يده اليمنى، في حين يحمل في يده اليسرى طشتًا صغيرًا (إناء دائري نحاسي)، ويمر على الضيوف وهم في المجلس بادئًا بصدر المجلس حيث يجلس الكبار ورجال العلم، ويصب لهم الماء لغسل أيديهم ويتجمع الماء النازل من اليدين في الطشت، وفي بعض الأحيان يتم غسل اليدين خارج المجلس، فعند خروج الضيوف من المجلس متجهين إلى مكان تقديم (تقليط) الطعام يكون هناك أحد أبناء الداعي أو أحد أقاربه يحمل في إحدى يديه إبريقًا فيه ماء، ويبدأ بصب الماء على أيدي الضيوف ليقوموا بغسلها، ويكون هناك طشت أكبر من الأول يتجمع فيه الماء المتساقط من اليدين، وفي بعض الأحيان تكون في اليد الأخرى فوطة (قماش مستطيل مزخرف) ليجفف الضيوف أيديهم بها.
 
وفي المناسبات الكبيرة مثل الزواجات والأعياد تكون هناك أداة تُصنع من مواسير نحاسية تُشبك بها صنابير للمياه من جهتين، ويختلف طولها بحسب عدد الصنابير فيها، لكن في كثيرٍ من الأحيان يكون طولها نحو مترين، ويُوصل بأحد طرفيها خرطوم يُضخ من خلاله الماء، ويكون طرفه الآخر موصولاً بصنبور ماء من البيت.
 
وفي بعض الأحيان يُستخدم ما يُعرف بـ (السماور)  وهو إناء نحاسي كبير على شكل أسطواني يوجد في أسفله صنبور ماء، وتوضع له قاعدة حديدية أو نحاسية يوضع عليها، وفي الشتاء توقد تحته النار لتدفئته.
 
ولمحدودية الإمكانات الاقتصادية لكثيرٍ من الأسر وصغر المنازل، فإن الطعام كثيرًا ما كان يُصفّ في المجلس أمام الضيوف، وإذا اكتمل تجهيزه أذن لهم صاحب الدعوة بالأكل بكلمات مثل: (تفضلوا) و (حياكم الله)، ولا يبدؤون في الأكل إلا بعد أن يبدأ أكبرهم سنًا. وتُقام الولائم في الزواجات، أو تكريمًا لمسافر أو قادم من سفر، أو ابتهاجًا بشفاء مريض، أو ابتهاجًا بصلح بين أسرتين، والإيلام يكون بذبح خروف أو أكثر أو جمل، وطبخه وتقديمه مع الأرز، وكان الناس لا يتركون شيئًا من الخروف أو الجمل يؤكل إلا أكلوه حتى إلية الخروف. ومن العادات المتبعة رشّ السمن على صحن الأرز ويكثرون من رشه للضيوف. واقتداءً بهدي النبي – صلى الله عليه وسلم - يُبدأ بذكر الله (بسم الله الرحمن الرحيم) عند الشروع في الأكل، وبعد الانتهاء من الأكل يحمدون الله، كما أنّ الأكل يكون باليد اليمنى، ويحرصون على تصغير اللقمة وعدم السرعة في الأكل، وفي هذا يقول الشاعر:
 
 
وإن مُـدَّت الأيدي إلى الزادِ لم أكنْ     بـأعجلهم إذا أجشـعُ القـومِ أعجل
ومن العادات المتبعة وقوف بعض الشباب أو الأولاد من أصحاب البيت عند رؤوس المدعوين أثناء تناول الطعام، وقيامهم بالتهوية عليهم أو طرد الحشرات بالمهاف أو فوط قماشية لعدم وجود المكيفات الحديثة.
 
وحينما يكون المدعوون كثيرين يُبدأ بتناول الطعام من قِبل الضيوف الذين أُعدت الوليمة من أجلهم وكبار السن، ويُعرف هذا بـ (الندبة الأولى)، ثم إذا انتهوا جاء آخرون (الندبة الثانية)، وإذا كانت الوليمة تضم رجالاً ونساءً فبعدما ينتهي الرجال من تناول الطعام يبدأ أهل البيت بتنظيم السفرة وترتيبها ثم تُدعى النساء لتناول وجبة الطعام.
 
أ - تقديم القهوة: 
 
تُعَدُّ القهوة مشروبًا مفضلاً في المنطقة الشرقية، وتقديمها للضيوف أساس في التكريم والحفاوة بالضيوف، لذلك لا يخلو بيت في البادية أو الحاضرة منها ومن أدوات إعدادها، وكانت تُشرب في كل وقت تقريبًا، بل أصبح لدى كثير من الناس - خصوصًا كبار السن - نوع من الاعتماد عليها، ويتناولها بعضهم أكثر من ثلاث مرات في اليوم، وقد يتعكر مزاج الشخص إذا لم يتناولها في كل يوم، بل إنّ بعضهم يصبر عن الطعام ليوم أو يومين لكنه لا يستطيع الصبر عن القهوة.
 
كما أصبحت عبارة (تفضل للقهوة) تحمل معنى مهمًا في تكريم الضيوف والمسافرين العائدين، فصارت تعني: تفضل للغداء أو العشاء بالإضافة إلى تقديم القهوة، كما كان شرب القهوة رمزًا للوفاء وقضاء الحوائج، فكان من له حاجة عند أحد مثل طلب الزواج من ابنة المُضيف أو قرض أو نحو ذلك، يحلف صاحب الحاجة بالله ألا يشرب قهوة المضيف حتى يُلبي حاجته، ويُعطيه الغرض الذي من أجله قصده. ولأهمية شربها كان بعض المتزاورين أو الذين يقدمون إلى بعض المدن لقضاء بعض المصالح يحملون معهم بعض القهوة لإعطائها مضيفهم - خصوصًا إذا كانت حالته المادية ضعيفة - للإكثار من إعداد القهوة حتى لا يكونوا ضيوفًا ثقلاء عليه.
 
وكان اقتناء عدد كبير من دِلال القهوة مصدرًا للتفاخر، فكانت تنتظم في صفوف متتالية في مكان مخصص لها خلف الوجار (الوجاغ)، وتُوضع في المجلس وهو المكان المعد لاستقبال الضيوف، وكان الناس يحرصون على تنظيف الدلال وتلميعها وتبييضها خصوصًا عند قرب الأعياد والمناسبات، وقد تطور إعداد القهوة فأصبح يُضاف إليها بعض المواد والبهارات مثل الهيل والقرنفل والزعفران.
 
وكان إعداد القهوة يستغرق وقتًا غير قصير؛ فعند قدوم الضيف يُحمس البن ويُترك لبعض الوقت في (السرود) ليبرد ثم يُدق بالنجر، ويُدق الهيل ثم يُغلى البن والهيل مع الماء، وكان يُعمل ذلك مع كل ضيف يحل، لأنّه ليس من العادات الطيبة أن يُعطى الضيف من قهوة تم إعدادها (تصليحها) من قبل، أي من قهوة بائتة.
 
والدّلة من أهم أدوات إعداد القهوة، وهي إناء يُصنع من نحاس أصفر، وأجود أنواعه ما يُعرف بـ (الرسلان). وعلى الرغم من أنّ اسم (دلة) شامل لأنواع عدة من الدِّلال إلا أنه توجد في المنطقة الشرقية - خصوصًا الأحساء - أنواع فرعية للدلة بحسب وظيفتها التي تؤديها، فهناك دلة اللقمة التي تُعد وتُلقم فيها القهوة، وهناك دلة المزلّ التي تُزَل فيها القهوة على الهيل، ودلة الخمرة التي تُجمع فيها بقايا القهوة، ودلة المصفاة، ولإعداد الحليب هناك مفورة خاصة به وبعد ذلك يُسكب في الإبريق.
 
أهم الأدوات المستخدمة في عمل القهوة:
 
1 - المحماس: 
 
وهو مقلاة تختلف عن أنواع المقالي الأخرى بعمقها، ويُستخدم لحمس البن على النار، وللمحماس يد طويلة ذات رأس، ويتم تحريك حبات البن في المحماس للتأكد من حمسها جميعًا.
 
2 - النجر (أو المهباش أو الهاون): 
 
وهو إناء كان يُصنع في الماضي من الخشب ويُسمى (الميقعة)، ثم أصبح يُصنع من النحاس الأصفر، ويُسحق فيه البن المحمّص بعصا نحاسية، وقد استُبدل النجر مع مرور الوقت بالمطاحن اليدوية والكهربائية.
 
3 - الموجاة:
 
أداة مُزخرفة تُصنع من الخشب وتُستخدم لسحق الهيل فيها بيد خاصة بها مصنوعة من الحجر.
 
4 - المبرّد (أو السّرود):
 
وهو إناء يُصنع من خشب الأثل ويكون على شكل مستطيل، أو من السعف وجريد النخل المضفور ويكون على شكل دائري، ويُستخدم لتبريد البن بعد حمسه، وبعد ذلك يُطحن في النجر أو يُحفظ في أوانٍ لحين الحاجة إليه.
 
5 - فناجين القهوة:
 
وهي أوانٍ صغيرة تُستخدم لشرب القهوة، وكانت تُصنع من الطين الفخاري، ثم انتشر استخدام الفناجين المصنوعة من الخزف الصيني.
 
6 - الشت:
 
وهو إناء نحاسي أسطواني الشكل مطلي باللون الأصفر، وله غطاء موصول بسلسلة تربطه بجسمه، ويُستخدم من قِبل المسافرين والمتنقلين وأبناء البادية لحمل فناجين القهوة وحمايتها من الكسر.
 
7 - البيز: 
 
وهو جمع بيزة، وهو قطعة من قماش مخيط مربع الشكل أو مستطيل، أطواله نحو 15×15سم، أو 15×20سم، مُطرّز ببعض الزخارف أو بأشكال هرمية على حوافه. ويُستخدم البيز لحماية يد صانع القهوة أو الذي يقوم بتقديمها من حرارة الدلة.
 
ب - تقديم الشاي:
 
كان للشاي قيمته لدى الناس، ولإعداده رونق في الماضي، فقد كان يُستخدم سمور صغير وهو إناء نحاسي أسطواني الشكل يوضع فيه الماء ثم توقد من تحته النار ليغلي الماء، وحينما يغلي يصدر عنه صوت كالصفير، ثم يُوضع ورق الشاي في القوري (الإبريق) الصيني مع بعض السكر ويُصب عليه الماء المغلي، ويُغطى بقماش أو فوطة مطرزة ويُترك لبعض الوقت، وعادة يُصب في (الاستكانة) مرة أو مرتين ثم يُعاد إلى القوري وذلك لينحلّ ورق الشاي في الماء بسرعة. وتكون هناك صينية أو ما يُعرف بـ (الطوفرية) تُصفّ فيها أدوات الشاي المستخدمة مثل استكانات الشاي (البيالات) وصحونها والملاعق الصغيرة، وإناء صغير فيه سكر ليناسب أذواق الشاربين، وفي بعض الأحيان توضع تلك الأشياء في صندوق خاص بها يُعرف بـ (الصندقشة)  ، وبعدما يخدر الشاي يُصب في الاستكانات ويقدم لأفراد الأسرة أو الضيوف، وقد استُبدل السمور بعد ذلك بإبريق نحاسي يُعرف بـ (إبريق التفويح) لغلي الماء فيه.
 
ج - تدخين القدو: 
 
من العادات التي كانت سائدة في المنطقة الشرقية تدخين القدو، والقدو أداة تشبه الأرجيلة تتكون من قاعدة وأنبوبين أحدهما مستقيم يُوضع فيه بعض الفحم وشيء من التبغ، والثاني مائل وأقصر من الأول وأقل اتساعًا وهو الذي يرتشف منه المدخن التبغ، وكان تدخين القدو عادة عند بعض النساء الكبيرات في السن  
 

مظاهر الثبات والتغيّر

 
مع الازدهار الاقتصادي الذي شهدته المنطقة أسوة بباقي مناطق المملكة ومع احتكاك أهالي المنطقة بالشعوب الأخرى - خصوصًا أنّ المنطقة الشرقية منطقة جذب لمختلف الشعوب لوجود الصناعات البترولية فيها - تبدلت أنماط الأكلات التي كانت سائدة في السابق، فأصبحت اللحوم الحمراء التي كان أكلها مقصورًا على ميسوري الحال سائدة في الموائد وتدخل في إعداد كثير من الأطباق. كما أنّ استخدام الوسائل الحديثة في الطبخ مثل أجهزة الخلط والفرم وغيرها سهّل إعداد الأكلات، كما اختصر وجود الأفران الحديثة و (المايكروويف) كثيرًا من وقت طبخ الأكلات، بالإضافة إلى أنّ خروج المرأة أحيانًا للعمل أو الدراسة أثّر في دورها في الطبخ وإعداد الأكلات، فانتشرت المطاعم بما تقدمه من أكلات متنوعة وأصبح كثير من المنازل يعتمد عليها عند الحاجة.
 
إنّ اتصال أهالي المنطقة مع الشعوب الأخرى أوجد أنواعًا متعددة من الأكلات التي لم تكن معروفة مثل الخضراوات المحشوة والكبة والحمص والمتبل، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الحلويات التي أصبح بمقدور الناس - غنيهم وفقيرهم - تناولها. وفي المقابل اندثر كثير من الأكلات الشعبية المعروفة، وقد يرجع ذلك إلى أنّ تلك الأكلات الشعبية تتطلب وقتًا لإعدادها، كما أنّ كثيرًا من الأكلات الشعبية تُعد ثقيلة على المعدة وذات سعرات حرارية مرتفعة تتناسب مع الجهد الكبير والعمل الشاق الذي كان يبذله الآباء والأجداد في ذلك الوقت بخلاف وقتنا الحاضر الذي لا تحتمل فيه الأجسام تلك الأكلات.
 
وبالنسبة إلى المشروبات فقد أصبح شرب العصائر بأنواعها سائدًا، كما لم تعد المشروبات الساخنة قاصرة على الشاي والقهوة المعروفين في المنطقة سابقًا، إذ أصبحت هناك أنواع من الشاي والقهوة، فيوجد الشاي الأخضر والشاي المغربي، والقهوة التركية والأمريكية والفرنسية... إلخ.
 
إن إعداد الشاي والقهوة اللذين كانا يأخذان في الماضي وقتًا طويلاً ويُجهَّزان بأدوات خاصة أصبح لا يستغرق إلا دقائق معدودة، كما أنّ نمط تقديم القهوة العربية والشاي اختلف عما كان عليه في السابق، فأصبحا يُقدَّمان للضيوف في كثير من الأحيان في حافظات (ترامس) تحفظ سخونة المشروب بدلاً من الدِلال والأباريق.
 
شارك المقالة:
102 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook