الصيد والقنص في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الصيد والقنص في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

الصيد والقنص في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية.

 
ارتبط العرب بالصيد منذ القدم بسبب طبيعة حياتهم البدوية، ومحدودية الموارد في معظم البيئات التي يسكنون فيها، وقد شكل صيد الحيوانات المختلفة واستخدام عدد من النباتات التي تنمو في الصحارى مصدر رزق ومعاش جيد لكثير منهم؛ فكانوا يخرجون للصيد في رحلات فردية وجماعية تختلف بحسب أحوال الناس ومقاماتهم في نوعية الوسائل المستخدمة في الصيد، وأعداد المشاركين في الرحلة، والتجهيزات الأخرى التي يحتاجونها، وبذلك فهي رياضة الأغنياء والفقراء على حد سواء 
 
وتعد رحلات صيد المها والظباء والحبارى والوعول من أشهر الرحلات التي يتم الإعداد لها في وقت مبكر، وتعد لذلك الأسلحة والذخيرة والصقور والكلاب المدربة والسيارات والأمتعة وغيرها لفترة الرحلة التي قد تستغرق أسابيع وأشهرًا في بعض الأحيان.
 
بالإضافة إلى أهمية الصيد في توفير بعض متطلبات الحياة الأساسية عند أهل الجزيرة العربية، فقد كان للصيد وما زال أهمية كبيرة في أنه مصدر متعة ونـزهة وفروسية، ومجال رحب في التدريب على أساليب الطرد والقتال واستخدام السلاح باختلاف أنواعه، كما أنه مجال للعز والاعتزاز بين الأقران وفي مجتمع القبيلة في القوة والبراعة والقدرة وإسعاد الأهل والأقارب بما يصيد، وهو أيضًا مجال للتباهي والتفاخر بما يملك الصياد من أنواع السلاح والصقور المدربة غالية الثمن. 
 
 وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك، قلت: وإن قتل، قال: إذا قتل ولم يأكل منه شيئًا فإنما أمسكه عليك "  .  وهناك أحاديث أخرى كثيرة في هذا الباب. كما بين الإسلام الأنواع المباحة من الصيد وغير المباحة من حيث النوع والجنس، وحرم الصيد في أمكنة معينة مثل حرم مكة والمدينة، وأوقات معينة مثل الحج، وحذر من القتل لمجرد الاستمتاع بالقتل والإسراف فيه.
 
وقد ورث الصيادون منذ القدم عادات وتقاليد كثيرة تدل على أخلاقيات ممارسة هذه الرياضة العربية الأصيلة وآدابها، مثل عدم صيد الفريسة التي تلوذ بهم إحساسًا منهم بضعفها وقلة حيلتها، وتجنب الصيد في موارد المياه، ولم يكن لديهم الأسلحة المتعددة الطلقات مثل الرشاشات والبنادق الأتوماتيكية، ولا يستخدمون السموم التي تميت الحيوان، وغير ذلك مما لا يعطي الفرصة للطريدة للخلوص من الصياد، وكانت لديهم تقاليد مثل تهادي لحم الصيد بين جماعة الصيادين والإهداء للأقارب والأصدقاء، واختيار الوقت المناسب للصيد مثل أيام الغيم، وعدم تعذيب الحيوان وإتلاف الممتلكات والزروع التي يمر بها الصياد أثناء تجواله بحثًا عن الصيد.
 
والصيد ليس متعة وفروسية ومفاخرة فقط، لكنه أيضًا معرفة وقوة تحملٍ وفراسة وشهامة وكرم، ومعرفة بأحوال الطرائد وطبائع الحيوانات، وأنواعها وأجناسها وصفاتها وأشكال أثرها على الأرض، ومعرفة بأحوال الطقس ومتى يفضل الصيد ومتى يتوقف، كما يتوجب عليه معرفة أنواع الأسلحة المستخدمة، ومايناسب كل صيد، وكذلك معرفة الصقور وأنواعها إن كان ممن يستخدمها، وأنواع الضواري المستخدمة. وفي الصيد تحمُّل للظروف التي قد يصادفها أثناء قنصه مثل: السير لمسافات طويلة، والجوع، والعطش، وربما الضياع في الصحراء فترات طويلة.
 
واستخدم الصيادون أنواعًا متعددة من أدوات الصيد، فقد استُخدِمت الرماح والسهام وغيرها قديمًا، ثم تطورت وشملت البنادق البدائية  مثل: بنادق الفتيل، وأم إصبع، والمقمع وغيرها، وكانت هذه الأسلحة تعطي الفرصة للطريدة بالهرب إن لم تصب في المرة الأولى، غير أن هذا الوضع تغير عندما بدأ الصيادون باستخدام الأسلحة متعددة الطلقات مثل: أم خمس، وأم إحدى عشر، والرشاشات وأشباهها مما لا يمكن الحيوان من الهرب إلا نادرًا.
 
كما استخدم العرب منذ القدم ولا زالوا الصقور بأنواعها والكلاب المدربة لصيد الطرائد المختلفة وبخاصة الطيور مثل: الحبارى، والكروان، والقطا، والحمام، وأنواع البط وغيرها  ،  ومن أشهر أنواع الصقور المستخدمة في الصيد في الجزيرة العربية الصقر الحر  ، وهو أكثرها شهرة واستخدامًا وأغلاها ثمنًا، وهو طير قوي البنية، وأشهر ألوانه الأشقر والأحمر والأرقط، وهو طائر مهاجر من وسط آسيا وشرق أوروبا، ويمر أثناء هجرته بشمال غرب المملكة، ويعد الشاهين ثاني أشهر الصقور، وهو أكبر من الصقر الحر، ومنه البحري والجبلي، وأشهر ألوانه الأحمر والأسود، وهو طائر قوي سريع الطيران.
 
أما الصقر السنجاري فيقارب الشاهين في الحجم، وهو صقر مهاجر، ويعد قوي البنية، ويكون أبيض أو رماديًا أو بني اللون. أما الصقر الوكري فمتوسط الحجم، ويمتاز بقمة رأسه ذات اللون الأصفر البرتقالي، ويعيش في وسط آسيا وشرق أوروبا، وكذلك في بلاد الشام والجزيرة العربية. ويعد الباز من أصغر الصقور، ويمتاز بأنه أحمر العينين أصفر الرجلين، ومواطنه غرب أوروبا وشرق آسيا، كما يوجد في بلاد الشام وشمال إفريقية.
 
ومن أشهر الكلاب الصيدية السلوقي ومنه سلالات متعددة، ويمتاز بطول الرقبة، وقصر الظهر، وضمور البطن، وطول الأرجل والأذنين، وهو سريع العدو، وأشهر ألوانه الأشقر، والبني المحمر، والأسود الرمادي، ويستخدمه كثير من هواة الصيد في المملكة.
 
وهناك عدد من الطرائد التي يولع الصيادون بالبحث عنها وصيدها، ويتكبدون في طلبها الغالي من وسائل الصيد من الأسلحة والجوارح والمتاع والنقل وغير ذلك. ومن أشهر هذه الطرائد: الظباء بأنواعها، والوعول، والأرانب البرية، والوبر في عدد من المناطق المشهورة بالصيد.
 
أما الطيور فأشهرها: الحبارى  والكروان، والحمام واليمام والقمري والحجل ودجاج الحبش والقطا، وأنواع البط والفراشيق، وكثير من أنواع الطيور المهاجرة أثناء فترة مرورها بالمملكة وبخاصة أوائل الشتاء والخريف، كما أن هناك صيادين مختصين بصيد الصقور المهاجرة مثل الحر والشاهين وغيرها أثناء مرورها بالمملكة في مناطق الساحل جنوب مكة وقرب القنفذة، كما يصاد الضب في مناطق متعددة شرق منطقة مكة.
 
كانت الطرائد من الظباء بأنواعها والمها والوعول والأرانب وعدد من أنواع الطيور متوافرة بشكل كبير في بدايات القرن الماضي الهجري. ويذكر كبار السن أن قطعان الغزلان كانت تشاهد في عدد من مناطق انتشارها في جميع مناطق المملكة بلا استثناء.
 
ولكن هذه الأعداد بدأت تتناقص بعيد منتصف القرن الماضي الهجري بسبب الصيد المكثف والجائر في جميع المناطق، وقد ساعد في سرعة القضاء عليها استخدام السيارات وبخاصة ذات الدفع الرباعي، وتوافر السلاح متعدد الطلقات، وتفرغ أعداد كبيرة من الناس لهذا النشاط بعيد توحيد المملكة، بالإضافة إلى عدم وجود جهة تنظم عملية الصيد في ذلك الوقت، وكانت النتيجة أن انقرضت جميع أنواع الظلفيات مثل الظباء والمها العربي، وكذلك الفهد الآسيوي وقبله النعام والحمار البري، ولم يسلم من ذلك سوى أعداد من الوعول التي احتمت في أعالي الجبال.
 
ويعد أهل البادية أهم فئات الصيادين؛ فهم مولعون بالصيد منذ نعومة أظفارهم، ويتعلمون مهارات الصيد، ويتعرفون على أنواع الحيوانات والسلاح، ويمارسونه يوميًا أثناء تجوالهم مع إبلهم وأغنامهم، أو أثناء قضائهم حوائجهم اليومية، والصيد بالنسبة إليهم معاش وفروسية واستغلال للوقت، والفئة الثانية من الصيادين هم الذين يسكنون المدن والقرى، وهم مولعون بالصيد ومهتمون به أشد الاهتمام، ويحافظون على أوقاته، ويستعدون لمواسمه، ويهيئون السلاح والجوارح والسيارات والعتاد له، وربما يكون نشاطهم طول العام لا يقتصر على فترات الصيد الرئيسة، ولا يضيعون فرصة سانحة للصيد إلا ابتدروها وقضوها في البرية بحثًا عن الطرائد.
 
والفئة الثالثة هم جامعو الحيوانات التي تتطلبها السوق المحلية من أجل بيعها لبعض المؤسسات التي تعنى بعرض هذه الحيوانات المختلفة وخصوصًا الغريبة منها، وكذلك الصيد للمؤسسات الطبية التي تطلب أنواعًا معينة من الثعابين لإنتاج الأمصال، وأيضًا في الطب الشعبي للاستفادة من بعض أجزاء هذه الحيوانات.
وقد بدأ أثر الصيد على بعض الأنواع؛ حيث أشرفت على الانقراض من مواطنها الطبيعية.
 
 
 
شارك المقالة:
40 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook