إن الصحابة -رضي الله عنهم- خير البشر بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام، فقد اطّلع الله -تعالى- على قلوب العباد فاختار أطهرهم قلباً، وأنقاهم روحاً، وأعظمهم خلقاً؛ وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وبعثه بالرسالة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ثم نظر إلى قلوب البشر مرةً أخرى واختار الصحابة -رضي الله عنهم- ليكونوا وزراء نبيّه عليه الصلاة والسلام، وأنصار دينه، وقد أثنى الله -تعالى- عليهم في القرآن الكريم، حيث قال: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ)، ورُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ)، وقد ضرب الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في الإخلاص، وطهر القلب، وعفّة اليد، وأفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعة؛ أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة، وأهل بدر، وشهداء أحد، وأصحاب بيعة الرضوان -رضي الله عنهم- جميعاً.
هو الصحابي الجليل خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج، كان من السباقين إلى الإسلام في المدينة المنورة، وشهد بيعة العقبة الثانية، وقد آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين مصعب بن عمير رضي الله عنه، وخاض معركة بدر، وأحد، وشهد المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة ومنها في صحيح البخاري ومسلم.
وروى عنه الحديث العديد من الصحابة والتابعين منهم: البراء بن عازب، وجابر بن سمرة، والمقدام بن معد يكرب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وجبير بن نفير، وموسى بن طلحة، ومن الجدير بالذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خصّ أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- بالنزول عليه في بني النجار إلى أن بُنيت له حجرة أم المؤمنين سودة، وبُني المسجد الشريف، وبعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- عيّنه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- والياً على البصرة، وفي أحد الأيام وفد عليه فبالغ في إكرامه، وقال له: لأجزينك على إنزال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندك، فبلغ عطائه أربعين ألفاً.
كان أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- رجل المواقف، وقد سُجّلت مواقفه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- بأحرفٍ من ذهب، وفيما يأتي ذكر بعض هذه المواقف:
عاش أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- حياته مجاهداً في سبيل الله، إذ لم يتخلّف عن غزوة واحدة، ولما بلغ الثمانين من عمره خرج في جيش معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- لفتح بلاد الروم، ولما وصل الجيش أسوار القسطنطينية مرض أبو أيوب رضي الله عنه، فذهب إليه قائد الجيش يزيد بن معاوية ليتفقّد أحواله، فقال له: "يا أبا أيوب، ما حاجتك"؟ فأوصى -رضي الله عنه- أن يُحمل جثمانه بعد وفاته على فرسه ويُدفن في أبعد بقعةٍ في أرض العدو، حتى يسمع صوت حوافر الخيل إذا زحف جيش المسلمين فوق قبره، فيعلم أنهم قد حقّقوا النصر والفوز، وبعد وفاته أنجز يزيد بن معاوية وصيّته ودفنه في قلب القسطنطينية، ورُوي أن الروم كانوا يتبرّكون بقبره قبل أن تُفتح القسطنطينة.
موسوعة موضوع