الصحابي أبا ذر الغفاري

الكاتب: مروى قويدر -
الصحابي أبا ذر الغفاري

الصحابي أبا ذر الغفاري.

 

 

الصحابة

 

تفرّد الصحابة رضي الله عنهم بالعديد من المزايا والمحاسن، فلم تشهد البشرية مثيلاً لهم بأخلاقهم وشجاعتهم وعلمهم، كما أنَّ نشأتهم كانت في بيئة حريصة على الأخلاق ومحبة لها، فكانوا يتحلّون بالأخلاق الحسنة الكريمة الفاضلة حتى قبل بعثة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- برسالة الإسلام، ومن الأدلة على ما كانوا عليه قبل الإسلام من الفضائل حرْص أبي سفيان على الامتناع عن الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم، حين قال: "لولا الحياءُ من أن يأثِروا عليَّ كذِبًا لكَذَبْتُ عنه"، فكان الصحابة يمتثلون العديد من الأخلاق الكريمة رغم فساد عقيدتهم، فقد كانوا معتزّين بأخلاقهم، حريصين عليها، ومن الأمثلة أيضاً على ذلك ما كان من كعب بن مالك عندما تخلّف عن غزوة تبوك، وصدق مع الرسول عليه الصلاة والسلام في السبب الذي منعه من الغزو، فتاب الله سبحانه عليه.

 

أبو ذر الغفاري..

 

هو الصحابي أبو ذرَ أو أبو الذَّر جندب بن جنادة الغفاري، ويوصف أبو ذر بأنَّه كان طويلاً ذا بشرة سمراء وجسم نحيل. ولد في قبيلة تقع بين مكة والمدينة يُطلق عليها قبيلة غفار، واشتهرت بالسطو وقطع الطريق والتعدّي على أموال الناس بالقوة، وكان أبو ذر ممن عُرف عنه التنسك والتعبد في الجاهلية، وعندما تواردت الأخبار إلى قبيلة غفار بخروج رجل من مكة يدّعي النبوة، أرسل أبو ذر أخاه إلى مكة حتى يأتيه بالخبر اليقين، وعندما رجع قال: "والله لقد رأيت رجلاً يأمر بالخير، وينهى عن الشر"، وعندها قرّر أبو ذر الذهاب بنفسه إلى مكة، وعند وصوله امتنع عن السؤال عنه، فلمّا رآه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، سأله قائلاً: "كأنّ الرجل غريب"، فقال: "نعم"، فمضى به إلى بيته دون أن يسأله عن شيء، وفي اليوم التالي تكرّر لقاؤه بعلي فسأله عن سبب قدومه إلى مكة، فأخبره أبو ذر بما وصل من الأخبار إلى قبيلته عن خروج نبيٍ في مكة، فما كان من علي إلّا أن انطلق به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن الإسلام، وأجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالذي يشفي قلبه من الخبر، فبادر أبو ذر إلى النطق بالشهادتين والدخول في الإسلام في مكانه، فصار من كبار الصحابة، وكان من أوائل من أسلموا، حتى قيل إنَّه أسلم بعد أربعة فكان الخامس، وبعد الهجرة آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين المنذر بن عمرو من قبيلة بني ساعدة.

تأثّر أبو ذر -رضي الله عنه- بالرسول -صلى الله عليه وسلم- تأثّراً واضحاً لما امتاز به من قدم الإسلام وطول المدة التي جاور فيها النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنه قال: "ما ترك رسول الله شيئاً مما صبّه جبريل وميكائيل -عليهما السلام- في صدره إلا قد صبه في صدري"، كما روي عنه أنَّه جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو له أن أصحاب الأموال سبقوا الفقراء بالأُجور لقدرتهم على الإنفاق في سبيل الله، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: (يا أبا ذرٍ ألا أُعلِّمُك كلماتٍ تُدرِكُ بِها مَنْ سَبَقَكَ، ولا يَلْحَقُكَ مَن خَلْفَكَ، إِلَّا مَن أخَذَ بِمثلِ عَمَلِكَ؟ قال: بَلَى يا رسولَ اللهِ، قال: تُكَبِّرُ اللهَ دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثِينَ، وتَحمدُه ثلاثاً وثلاثِينَ، وتُسَبِّحُه ثلاثاً وثلاثِينَ، وتَخْتِمُها بِلا إِلهَ إِلَّا اللهُ وحدَه لا شرِيكَ له، له المُلكُ، ولَه الحمدُ، وهُو على كلِّ شيءٍ قديرٌ؛ غُفِرَتْ ذُنُوبُه ولو كانتْ مِثلَ زَبَدِ البَحرِ).

وكان أبو ذر الغفاري -رضي الله- عنه شديد التواضع، فقد كان قوته على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من تمر لا يزيد عليه أبداً، وبعد وفاة عمر بن الخطاب وتولي عثمان بن عفان خلافة المسلمين، ازدادت الفتوحات وكثرت الأموال فانقسم الناس إلى فريقين، أحدهما يكنز المال ويسكن القصور، والآخر لا يجد الفتات ليقتات عليه، فخرج أبو ذر -رضي الله عنه- إلى معاقل الثروة والسلطة وغزاها معقلاً معقلاً، وبدأ بالشام أكثر المُدن ترفاً حيث يحكمها معاوية بن أبي سفيان، فأرسل أبو ذر إلى عثمان بن عفان، فبعث عثمان بن أبي عفان إلى أبي ذر يطلُب منه القدوم إلى المدينة بعد عدّة مناقشات وردود، فردّ عليه أبو ذر قائلاً: "لا حاجة لي في دنياكم"، وطلب الإذن بالخروج الى الربّذة، فأذن له عثمان، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صدق أبي ذر: (ما تُقِلُّ الغَبراءُ ولا تُظِلُّ الخضراءُ على ذي لهجةٍ أصدقَ وأوفَى من أبي ذرٍّ شبيهِ عيسى بنِ مريمَ فاعرِفوا له).

 

وفاة أبي ذر الغفاري

 

عندما حضرت الوفاة أبا ذر بكت أُمه بكاءً شديداً بسبب الحال التي مات عليها، فقال لها لا تبكي، وأخبرها ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر أصحابه قائلاً: (لَيموتَنَّ رجُلٌ منكم بفَلاةٍ مِن الأرضِ يشهَدُه عصابةٌ مِن المؤمِنينَ)، وبينما هم كذلك، فإذا برجال يقتربون، فلما وصلوا إليهم أخبرتهم أُم أبي ذر بأنَّ رجل من المسلمين يموت، أتُكفنونه، فقالوا من هو، فأخبرتهم بأنَّه أبو ذر صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم إلا أن أسرعوا إليه، فقام فتى من الأنصار بتكفينه بردائه مع ثوبين آخرين، فتمّ تكفينه، وكان من القوم حجر بن الأدبر ومالك بن الأشتر.

شارك المقالة:
101 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook