الساسانيون بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الساسانيون بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية

الساسانيون بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية.

 
أدت وفرة المياه والأراضي الزراعية الخصبة، وتوافر المناطق الرعوية في المنطقة الشرقية، مثل: صحراء الصمان، والدبدبة، والجافورة، والربع الخالي إلى هجرة القبائل العربية إليها.
 
ويبدو أن هذه الهجرات لم تكن عشوائية، بل قامت على معلومات موثقة، إذ تذكر بعض الدراسات أن عبدالقيس قد أرسلت الرواد والعيون للبحث عن المكان المناسب قبل هجرتهم من تهامة  ؛  ما يدل على التخطيط المنظم للهجرة إلى البحرين. وأول من سكن البحرين - حسب الروايات الإسلامية - هم قوم عاد الذين ربما اتخذوا من الأحقاف مقرًا لهم، وكانت لهم مساكن في يبرين وثاج، إذ تذكر بعض الروايات أن لقمان بن عاد هو الذي بنى ركية لقمان في الأحساء  
 
ومن القبائل التي استقرت في المنطقة قبائل طسم، وقد ذكر الهمداني بناءهم حصن المشقر في الأحساء ووجود جماعات تابعة لهم، مثل: بني هيف، وبني زريق، وبني مطر 
غير أنه لا يمكن التأكد من صدقية هذه المصادر حول القبائل واستيطانها؛ لتضارب روايات الإخباريين.
وهناك بعض المعلومات من الكتَّاب الرومان الذين ذكروا وجود قبائل نوخيتي وزورازي وتميم في المنطقة الشرقية  
 
ولعل المرويات الإسلامية حول استقرار القبائل القحطانية والعدنانية، أقرب إلى الدقة على الرغم من تناقضها، كما أن هناك صعوبة في تحديد التاريخ الزمني لانتشار هذه القبائل في المنطقة الشرقية التي ربطت الهجرات العربية بالصراع القبلي في جنوب الجزيرة بعد انهيار سد مأرب الذي ربما حدث في أوائل القرن الثالث الميلادي، أما أشهر القبائل التي استقرت في المنطقة الشرقية فهي كالآتي: الأزد وقضاعة: وهما من القبائل القحطانية التي خرجت من اليمن بعد سقوط سد مأرب، واستقر قسم منهما في البحرين، ولكن القسم الأكبر استقر في عُمان.
 
وتعود هجرة هاتين القبيلتين إلى القرن الأول الميلادي، وقد شكلت الأزد وقضاعة تحالفًا مع قبيلة إياد العدنانية. عبدالقيس: من القبائل العدنانية التي نـزحت من تهامة بقيادة عمرو بن الجعيد، وأدى قدومهم إلى قيام حروب مع القبائل القحطانية من قضاعة، والأزد، وإياد العدنانية، انتهت بانتصار عبدالقيس وهجرة إياد وقضاعة إلى العراق، وشكلت بطون هذه القبيلة من قبائل بني عامر، وبني محارب، وبني شن، وبني عمرو، أكبر سكان المنطقة الشرقية قبل الإسلام، واشتهرت منازلهم في القطيف، وهجر، والظهران، والجبيلة، وثاج، ويبرين. بكر بن وائل: من القبائل العدنانية التي هاجرت من تهامة إلى البحرين، ومن بطونها بنو علي، وبنو يشكر، وبنو بدن، وشيبان، وقد اشتهرت هذه القبيلة بكثرة حروبها مع القبائل العربية والفرس على الرغم من تعاونهم - أحيانًا - مع الفرس في حكم البحرين.
 
بنو تميم: من القبائل العدنانية، حيث استقرت بطون هذه القبيلة من بني سعد، وبني زيد، وبني الحارث، وبني مالك، وبني دارم، مع بني عبدالقيس في البحرين، وكانت مناطق استقرارهم إلى الغرب من عبدالقيس، ولكنها اشتهرت بمنازلها في ثاج والأحساء ويبرين، وتعد من أكبر قبائل المنطقة التي خاضت عددًا من الحروب مع القبائل العربية ومع الفرس، وتقلَّب ولاؤهما مع الفرس الذين استعانوا بهم في حكم البحرين  
 
ووجدت جاليات أخرى عرفت بالزط والسيابجة وكان مركزهم الخط (القطيف) وهم من أصول هندية، وكان عملهم الأساسي في التجارة والزراعة والحرف اليدوية، وعملوا في خدمة الأسطول والجيش الفارسي  
كما توجد روايات عن جاليات تعرف بالنبط والجرامقة الذين ترجع أصولهم إلى الشام، ويرجح الباحثون أن يكون هؤلاء من العاملين في الزراعة  ،  وقد تكون خليطًا من المهاجرين وسكان المنطقة الأصليين الذين غلبوا على أمرهم بعد قدوم القبائل العربية. أدى انتشار القبائل العربية في المنطقة إلى نوع من عدم الاستقرار السياسي؛ بسبب التنافس على النفوذ والسيادة وعدم كفاية الموارد الاقتصادية للسكان؛ ما أدى إلى قيام حروب طاحنة بين القبائل دفعت ببعضها للهجرة إلى الشمال والاتصال بالفرس والبيزنطيين الذين لم تكن لديهم القدرة على صد هذا النـزوح البشري أو فرض سيطرتهم المباشرة على شبه الجزيرة العربية؛ بسبب جدب المنطقة والتكاليف الباهظة لإحكام السيطرة عليها؛ ما أدى إلى فشل الحملات السابقة خلال العصور الآشورية والبابلية والرومانية.
 
وقد انتهج الفرس والبيزنطيون سياسة قامت على احتواء القبائل العربية، وكسب ولائها عن طريق إغداق الأموال والهدايا على رؤساء القبائل القوية، وتعزيز سيادتهم بالقوة العسكرية لفرض نفوذهم على القبائل المنافسة لهم، بالإضافة إلى تسيير الحملات الخاطفة لتأديب القبائل المتمردة، وكان من أهم شروط هذا الدعم: المحافظة على الحدود من غارات القبائل وحماية السكان المحليين من النهب والسرقة، وكذلك المشاركة في الحملات الكبرى التي يقومون بها ضد أعدائهم؛ ولوقوع المنطقة الشرقية ضمن دائرة النفوذ الفارسي، فقد سعى ملوك الدولة الساسانية إلى إخضاع قبائل المنطقة لنفوذهم باعتبارها منطقة إستراتيجية بمقوماتها الأمنية والسياسية والتجارية، وكان الحليف القوي الذي تطلع الفرس إلى مساندته والاستفادة منه هو قبيلة تنوخ. وتشير المصادر إلى قيام تحالف بين قبائل الأزد وإياد وقضاعة عرف بحلف تنوخ أو قبيلة تنوخ، وأن الهدف الأول لهذا التحالف هو الوقوف في وجه القبائل العدنانية.
 
يذكر الطبري أن جماعات من قبائل العرب اجتمعت بالبحرين وتحالفوا على التنوخ وهو المقام، وتعاقدوا على التوازر، والتناصر، فصاروا يدًا على الناس وضمهم اسم تنوخ، كما يورد سببًا آخر؛ وهو رغبة التحالف في الاستفادة من ضعف حكم ملوك الطوائف، حيث إن اجتماعهم في البحرين وتحالفهم وتعاقدهم كان زمن ملوك الطوائف الذين خلفوا الإسكندر  
 
وقد تمكن الحلف من فرض سيطرته على المنطقة الشرقية، وأول من تولى الملك في تنوخ هو مالك بن فهم، ثم أخوه عمرو بن فهم بن غانم بن دوس الأزدي، ثم تولى رئاسة التحالف جذيمة الأبرش بن مالك الذي اشتهر بسبب علاقته مع الزباء ملكة تدمر  
 
ويظهر أن صراع جذيمة مع عمرو بن فهم يندرج في إطار الصراع بين الفرس والبيزنطيين، والسيطرة على قبائل شبه الجزيرة العربية  
 
وقد امتد حكم تنوخ في عهده ليشمل بادية العراق مع المنطقة الشرقية، وللدلالة على نفوذه في المنطقة يمكن الاستشهاد ببيت الشاعر الجاهلي:
 
أضحى  جذيمة في يبرين منزله     قد حاز ما جمعت في دهرها عاد
وهذا يدل على اتخاذ جذيمة يبرين مقرًا له وسيطرته على المنطقة باعتبار نفوذ عاد شمل جميع المنطقة الشرقية سابقًا  . 
لم تستمر سيطرة تنوخ لفترة طويلة على المنطقة الشرقية؛ بسبب الهجرات المتعاقبة للقبائل العدنانية، فعندما حاولت إياد وقضاعة التصدي لقبيلة عبدالقيس بقيادة عمرو بن الجعيد هُزمت هزيمة ساحقة أدت إلى نـزوح جماعات من تنوخ إلى بادية العراق وسيادة قبيلة عبدالقيس على المنطقة الشرقية 
ولكن سيادة عبدالقيس لم تكن سيادة مطلقة، فقد بقيت قبائل من تنوخ، بالإضافة إلى التنافس مع القبائل الأخرى من بكر بن وائل وتميم.
 
ويظهر أن هجرة بعض قبائل تنوخ إلى العراق حدثت قبل قيام الدولة الساسانية، بدليل تدخل ملوك تنوخ، مثل: جذيمة الأبرش في الصراع الفارسي الروماني، ومقتله على يد الزباء ملكة تدمر، وقد خلف جذيمة الأبرش ابن أخته عمرو بن عدي الذي يعده الطبري أول ملوك الحيرة من بني النصار، وأول من دخل في طاعة الفرس خلال حكم أردشير بن بابك مؤسس الدولة الساسانية في سنة 226م، إذ أصبح ملوك الحيرة موالين للفرس، يأتمرون بأمرهم ويحفظون حدود فارس من غارات القبائل العربية، ويسهمون في الحروب ضد الرومان، كما تشير المصادر العربية إلى دور عمرو بن عدي في الصراع مع الزباء، على الرغم من هزيمتها الأكيدة على يد الإمبراطور الروماني أورليان سنة 272م  
 
وقد تبلور التحالف الحقيقي بين ملوك الحيرة والساسانيين بشكل أكبر خلال حكم امرئ القيس بن عمرو بن عدي الذي كان عاملاً لملك الفرس على العرب، وامتد نفوذه ليشمل بادية العراق، وشمال شبه الجزيرة العربية والمنطقة الشرقية منها  . 
كما قام بحملة على ثاج تعد آخر مرة يظهر فيها هذا الاسم في عصر ما قبل الإسلام.
 
وظهر للفرس وجود عسكري من خلال وجود كتائب فارسية في الحيرة تعرف بالشهباء والصنائع، تتكون كل فرقة من ألف جندي، كان الهدف منها إرهاب العرب، وأن تكون أداة في يد ملوك الحيرة لإخضاع المتمردين منهم، وكانت البحرين تشكل إحدى ولايات الدولة الساسانية التي يعين عليها حاكم فارسي من النبلاء، كما قام الفرس بتقسيم المنطقة الشرقية إلى ولايتين هما هجر والقطيف، فكان مقر مرزبان هجر في المشقر ومرزبان القطيف في الزارة 
 
حاول ملوك الفرس والحيرة التقرب إلى القبائل العربية عن طريق إغداق الهبات والمناصب؛ فكان لبني يربوع من تميم الردافة عند ملوك الحيرة مقابل الكف عن الغارات على سواد العراق 
وقاموا بتكليف بعض زعماء القبائل على إدارة الشؤون المحلية، فكان على البحرين من قِبل الفرس المنذر بن ساوى من بني تميم قبل الفتح الإسلامي  
كما كلف الفرس بني عبدالقيس بالإشراف على أسواق المنطقة الشرقية في هجر.
 
ويستدل من مقتل الشاعر طرفة بن العبد، أن حاكم البحرين كان تابعًا لملك الحيرة، إذ تذكر الرواية أن طرفة بن العبد والمتلمس بن ضبيعة قدما على عمرو بن هند لطلب أعطية، فأعطاهما كتابًا إلى عامله يأمره بقتلهما عوضًا عن تقديم الأعطية، وحدث أن قام المتلمس بن ضبيعة بقراءة الكتاب فلم يذهب، أما طرفة بن العبد فإنه ذهب بكتابه إلى المكعبر فكان مصيره القتل  
 
لكن هذه العلاقة السلمية لم تكن أزلية، فقد قامت الحروب بين ملوك الفرس والحيرة والقبائل العربية من بني تميم وبكر بن وائل، عند إحساسهم بضعف الدولة الساسانية والرغبة في التحرر من سيطرتها.
 
وعلى الرغم من محاولات الفرس السيطرة على قبائل المنطقة الشرقية، إلا أن هذه القبائل كانت تتحين الفرص للتخلص من هذه السيطرة، فقامت الحروب بينها وبين الفرس وحلفائها من ملوك الحيرة، وتورد المصادر العربية عددًا من الروايات التي تتناول الصراع في المنطقة الشرقية الذي لا يخرج في مجمله عن تنافس واضح على السيطرة السياسية والتجارية، ويندرج هذا التنافس أو الصراع في إطار ما يعرف بأيام العرب.
 
ومن هذه الأيام يوم أوارة الأول الذي حدث عند جبل أوارة في المنطقة الشرقية نتيجة انضمام قبيلة بكر بن وائل إلى سلمة بن الحارث الكندي ضد ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء 505 - 554م، وقد انتصر المنذر على بكر بن وائل، وقتل منهم أعدادًا كبيرة على سفح جبل أوارة  . 
 
ويعد هذا اليوم امتدادًا للصراع والتنافس السياسي بين ملوك الحيرة وكندة، فقد سبق لملك كندة الحارث بن عمرو 490 - 528م، أن حكم الحيرة مدة ثلاث سنوات 525 - 528م بتأييد من الملك الفارسي قباذ؛ وذلك بسبب رفض ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء اعتناق المزدكية؛ المذهب الذي نادى به قباذ.
 
وبعد تولي الحارث حكم الحيرة قام بتعيين أبنائه على قبائل شبه الجزيرة العربية، وكان نصيب ابنه شرحبيل بن الحارث الحكم على قبائل المنطقة الشرقية، وانتهت سيطرة كندة على المنطقة الشرقية بتولي كسرى أنوشروان الحكم وقضائه على الملك قباذ وأتباعه من أصحاب المذهب المزدكي، فقد قام كسرى بالتخلي عن ملك كندة الحارث وإعادة الحكم إلى المنذر بن ماء السماء الذي طارد الحارث حتى تمكن من قتله سنة 528م  
 
أما يوم أوارة الثاني، فقد كان بقيادة ملك الحيرة عمرو بن هند 554 - 569م ضد بني تميم انتقامًا لمقتل أخيه مالك بن هند، فقتل من بني تميم عددًا كبيرًا، وأحرق ثمانية وتسعين منهم في الخندق  
ومن أيام العرب أيضًا يوم الصليب الذي انتصر فيه بنو عمرو من تميم على بكر بن وائل، وقتلوا رأس الأساورة، ما يدل على وجود قوة فارسية متحالفة مع بني بكر بن وائل، وكان سبب الحملة اعتداء بني عمرو على قافلة تجارية للفرس  
 
لم يقتصر الصراع مع الفرس على حلفائهم من ملوك الحيرة، بل دخلوا في حروب مباشرة مع قبائل المنطقة الشرقية، فقد قام أردشير بن بابك بحملة على البحرين قام خلالها ببناء مدينة تعرف باسم بتن أردشير، إذ أطلق عليها هذا الاسم لأنه بنى سورها على جثث أهلها لأنهم فارقوا طاعته، وعصوا أمره، فجعل سافًا من السور لبنًا، وسافًا جثثًا  . 
 
ويفهم من النص خضوع المنطقة للسيطرة الساسانية قبل الحملة وبعدها، وأن هدفها توسيع الحكم الفارسي وتأمين الخليج العربي من المعارضين له خلال الصراع مع الرومان.
 
كما أعد سابور بن هرمز الملقب بذي الأكتاف 309 - 379م حملة عسكرية قادها بنفسه سنة 350م ضد هذه القبائل؛ بسبب غاراتها المباشرة على المناطق الجنوبية من فارس، وتدخلها في الشؤون الداخلية منتهزة ضعف الحكم الفارسي والنـزاع على السلطة بعد وفاة الملك الفارسي هرمز بن نرسي، ويذكر الطبري أن سابور توجه بحملة عسكرية عن طريق البحر إلى المنطقة الشرقية، فورد الخط وهجر وقتل كل من وجد من العرب من قبائل بني تميم وعبدالقيس وبكر بن وائل ومثَّل بهم بنـزع أكتافهم حتى لقبوه بذي الأكتاف، ولم يكتفِ بالقتل، بل عمد إلى ردم الآبار وحرق المزارع؛ لإذلال العرب وإجبارهم على الخضوع للفرس، ويورد الطبري الأسباب الآتية لحملته على العرب:
 
كانت بلاد العرب أدنى البلاد إلى فارس وكانت من أحوج الأمم إلى تناول شيء من معايشهم وبلادهم، لسوء حالهم وشظف عيشهم، فسار جمع عظيم منهم في البحر من ناحية بلاد عبدالقيس والبحرين وكاظمة، حتى أناخوا على أبو شهر وسواحل أردشيرخرة، وأسياف الفرس، وغلبوا أهلها على مواشيهم وحروثهم ومعايشهم، وأكثروا الفساد في تلك البلاد، فمكثوا على ذلك من أمرهم حينًا، لا يغزوهم أحد من الفرس، لعقدهم تاج الملك على طفل من الأطفال، وقلة هيبة الناس له؛ حتى تحرك سابور وترعرع...، ولكن سابور ذي الأكتاف سار بجيشه بمن انتجع بلاد فارس من العرب وهم غازون، وقتل منهم أبرح القتل، وأسر أعنف الأسر وهرب بقيتهم.
 
ثم قطع البحر في أصحابه، فورد الخط، واستقر فى بلاد البحرين، يقتل أهلها ولا يقبل فداء، ولا يعرج على غنيمة، ثم مضى على وجهه، فورد هجر، وبها ناس من أعراب تميم وبكر بن وائل وعبدالقيس، فأفشى فيهم القتل، وسفك فيهم من الدماء سفكًا سالت كسيل المطر، حتى كان الهارب منهم ليرى أنه لن ينجيه منه غار في جبل، ولا جزيرة في بحر.... ثم يذكر النص غزوه لبلاد عبدالقيس واليمامة وغيرها من مناطق شبه الجزيرة العربية  
 
وإذا كان هدف الحملة هو القضاء على التعديات والنفوذ العربي في جنوب فارس وتأديب القبائل، فإن سابور سعى إلى مهادنتهم، فقام بمصالحة القبائل العربية واسترضائها وإسكانها في مواقع شرق الجزيرة العربية؛ إذ أسكن بني عبدالقيس وتميمًا هجر وبكر بن وائل كرمان وإيادًا وبني حنظلة الأهواز وتغلب دارين والخط  
 
وربما كانت حركة التنقلات إجبارية على القبائل العربية حتى يستطيع السيطرة عليها في المناطق الجديدة، كما عمل على تنشيط التجارة في الخليج العربي بإنشاء أسطول بحري؛ لتأمين نقل التجارة بين الهند وسيلان والجزيرة العربية والعراق  
 
وقد ربط بعض الباحثين غزو سابور المنطقة الشرقية بحملة الملك الحميري شمر يهرعش 270 - 300م، على شرق شبه الجزيرة العربية في إطار الصراع مع ملك الحيرة امرئ القيس بن عمرو، المذكور في نقش نمارة والمتوفى سنة 328م الذي قام بحملة على وسط شبه الجزيرة العربية وجنوبها بلغ خلالها مدينة شمر في نجران  
 
فقد قام شمر يهرعش بشن حملة على وسط شبه الجزيرة العربية وشرقها دوَّن أحداثها قائد الحملة في النقش المعروف باسم (شرف الدين 42)  
 
حيث دوَّن النقش وصول الحملة إلى قطوف (القطيف) وسوك وتنوخ وفارس والحصول على سبي وغنائم من السكان، ويرى جواد علي أن تعاون قبيلة كندة مع شمر يهرعش هو بسبب حملات ملوك الحيرة على وسط الجزيرة، وأن ذكر غزوه لفارس لخضوع المنطقة الشرقية للفرس  
 
كما ربط أحد الباحثين الحملة بالتوسع العربي في بلاد السواد وجنوب فارس من خلال مشاركة قبائل المنطقة الشرقية في الحملة وعبورها الخليج العربي إلى السواحل الفارسية، مستغلة ضعف الحكم الفارسي والدعم الذي قدمه شمر يهرعش  
 
ويعد يوم الصفقة من الأيام المشهورة بين الفرس والعرب، ذلك اليوم الذي خسرت فيه بنو تميم كثيرًا من رجالها، وكان سبب الحملة الفارسية قيام بني سعد من تميم بالسيطرة على قافلة تجارية متجهة من عامل الفرس على اليمن وهريز إلى كسرى أبرويز بعد أن قام الفرس بإعطاء أموال الخفارة التي كانت تدفع في السابق إلى بني تميم نظير تأمين مرور القافلة في مناطقهم إلى هوذة بن علي الحنفي في اليمامة، وقد أدى منع أموال الخفارة عنهم إلى نهب القافلة وقتل حاميتها الفارسية وأسر هوذة الذي افتدى نفسه بثلاثمئة بعير.
 
ولعدم قدرة الفرس على غزو المنطقة الشرقية أو عدم رغبتهم الدخول في حرب مباشرة، فقد اقترح هوذة بن علي الحنفي على كسرى أبرويز أن يقوم بمنع الميرة عنهم خلال إحدى سنوات الجدب، ثم دعوة بني تميم إلى تسلم الميرة في حصن المشقر، وقام الفرس بوضع قوة من ألف جندي فارسي في الحصن بقيادة حاكم كسرى على البحرين آزاد فردز بن جشنس الملقب بالمكعبر، وعندما بدأ بنو تميم في الدخول إلى الحصن لاستلام الميرة كان القتل في انتظارهم، وتذكر الرواية أن أحد أفراد القبيلة انتبه إلى عدم خروج الذين كانوا يدخلون على دفعات، فكسر سلسلة الباب ليجد المجزرة الفارسية؛ ما أدى إلى ثورتهم حتى قام هوذة والمكعبر بإطلاق سراح بقية بني تميم الموجودين في الحصن  
 
ولكن أشهر أيام العرب مع الفرس هو يوم ذي قار الذي أبلت فيه قبائل المنطقة بلاءً حسنًا حتى قال فيه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: هذا أول يوم انتصفت فيها العرب من العجم، وبي نصروا  
 
وقد شارك في هذا اليوم عدد من قبائل المنطقة من قبائل بكر بن وائل وبني شيبان وتيم اللات، وتذكر المصادر أن سبب الحرب هو قتل كسرى ملك الحيرة النعمان بن المنذر الذي رفض تزويجه إحدى بناته، لكن الأسباب الحقيقية تعود إلى التنافس بين القبائل العربية والصراع العربي - الفارسي على النفوذ، إذ تشير بعض الروايات إلى أن ازدياد الغارات العربية على فارس كان بالتعاون مع ملوك الحيرة الذين أدركوا قوة القبائل وضعف الفرس  
 
ويتضح ذلك من رفض هذه القبائل قتل النعمان وتكليف قيس بن مسعود بإمارة الحيرة، ما يعد تدخلاً مباشرًا في شؤونهم الداخلية، فقد أدى مقتل النعمان إلى تزايد غارات القبائل على المناطق الفارسية، ودفع بكسرى إلى تجهيز حملة ضخمة مزودة بألفين من الجنود الفرس ترافقهم الفيلة وكتائب الحيرة الشهباء ودوسر والصنائع، بالإضافة إلى القبائل العربية الموالية، وعلى الرغم من هذه الحشود الضخمة والاستعداد الجيد للمعركة، فقد انتصر العرب على الجيوش الفارسية وحلفائهم الذين كان لهم دور في هزيمة الفرس نتيجة انسحابهم خلال المعركة، ويرى البعض أن معركة ذي قار هي عدد من المعارك بين العرب والفرس، كان ختامها معركة ذي قار، وبذلك اكتسب الصراع اسم آخر معركة بين الطرفين 
 
شارك المقالة:
124 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook