الزراعة والثروة الحيوانية في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية.
أ - لمحة تاريخية:
أسهم الموقع الجغرافي وطبيعة السطح بمنطقة جازان في تنوع الأنشطة الاقتصادية لسكان المنطقة بين العمل في النشاط الزراعي بالسهول، والصيد في المدن والقرى الساحلية، والرعي والتجارة في عدد من المدن الأخرى، وإن كانت الزراعة هي النشاط الرئيس لغالبية سكان المنطقة.
وكانت الزراعة في المنطقة تعتمد على:
1 - الري بوساطة مياه السيول (الغمر):
تنتشر في المنطقة الأراضي الطميية والرواسب الغرينية على جوانب الأودية، وكان تخزين المياه يتم بوساطة السدود الترابية (العقوم) التي تقام على مجاري تلك الأودية والتي يشترك في إقامتها أصحاب الأراضي الزراعية التي تستفيد من هذا السد، وكانت تلك السدود تقام خلال فصل الصيف لقلة الأمطار فيه؛ حيث يبدأ العمل باستخدام الثيران التي تقوم بسحب آلة خشبية مسطحة مربوطة بحبال في الوسط بين الثورين، فتعمل على جرف التربة، وبعد الانتهاء من تشييد السد يتم دعمه بأغصان الأشجار التي توضع على شكل أفقي على ظهر السد لمنع انجراف التربة، وغالبًا ما تكون الأراضي التي تُروى بمياه السيول ذات قدرة على الاحتفاظ بالمياه لفترة طويلة، نظرًا لنوعية التربة التي تتسم - في الغالب - بأنها طينية غرينية، ولذا فإن أكثر ما يزرع في تلك الأراضي هو الذرة، وفي بعض الأحيان السمسم. وكان الهدف من إقامة تلك السدود الاحتفاظ بالمياه وتحويلها إلى الأراضي الزراعية، ولكن كثيرًا ما تكون مياه السيول قوية جدًا بحيث تجرف السدود والحواجز الترابية، بل إنها - في بعض الأحيان - تخفي معالم الأرض، وحدود أراضي كل مزارع، متخذة طريقها إلى البحر دون الاستفادة منها. هذا بالإضافة إلى ما تسببه المياه التي تغمر مساحات كبيرة من الأراضي من خسائر مالية كبيرة للمزارعين الذين يعتمدون على تلك الأراضي في دخولهم
2 - الري بوساطة الأمطار:
يعتمد المزارعون على سقيا مياه الأمطار الموسمية في عدد من المناطق السهلية التي لا تكون بالقرب من مجاري الأودية؛ حيث يتم بذر الأرض قبل سقوط الأمطار، وأحيانًا بعد سقوط الأمطار، وغالبًا ما يزرع الدخن واللوبياء والذرة المحلية، وإن كان الإنتاج يتسم بالانخفاض وعدم الانتظام؛ نظرًا إلى طبيعة التربة وعدم انتظام هطلان الأمطار، والطريقة البدائية في الزراعة؛ فمثلاً، كانت طريقة بذر الدخن تتم بوساطة عصا طويلة مدببة الرأس تسمى (المندال) يقوم المزارع بغرزها في الأرض، ثم يضع كمية من البذر في الحفرة التي أحدثتها العصا، ثم يدوس عليها بقدمه، وينتقل مسافة حيث يغرز العصا مرة أخرى وهكذا، وفي كثير من الأحيان يتم خلط بذور الدخن مع اللوبياء.
3 - الري بوساطة مياه الآبار:
انتشرت في عدد من القرى الآبار التي يتم حفرها باليد ، وكانت تستخدم لأغراض الشرب للسكان ودوابهم، كما كانت تقام عليها مزارع صغيرة، يزرع فيها عدد من المحصولات للاستهلاك الذاتي لأصحابها، ومن تلك المحصولات: الفجل، والملوخية، والبامية، والباذنجان ونحوها. وكان استخراج المياه من الآبار يتم بوساطة الدلو التي تربط بحبل طويل يسمى (الرشا)، تقوم بجرها الحمير أو الثيران، بحسب الأحوال المادية للمزارع
4 - نمط الملكية الزراعية السائد:
تتميز منطقة جازان بأن معظم الأراضي الزراعية فيها تتسم بالملكية الفردية؛ حيث إنها - في الغالب - مملوكة للمواطنين، أما الشركات أو الجمعيات التعاونية فإن ملكيتهم للأراضي كانت في حكم العدم، ويمكن تحديد الأنماط الآتية من ملاك الأراضي الزراعية والعمالة التي تعمل فيها:
ملاك الأراضي الذين يعملون بأنفسهم في مزارعهم، وهم النسبة الكبرى في المناطق التي تسقى بمياه السيول، وفي مناطق الزراعة الجافة.
ملاك الأراضي الذين يعملون بأنفسهم في أراضيهم، مع الاستعانة بعمالة إضافية مقابل دفع أجور لها، وقد تناقصت نسبة هذا النمط لعدة أسباب من أبرزها: تناقص الإنتاجية، وارتفاع التكاليف، وضعف التسويق.
ملاك الأراضي الذين يعيشون بعيدًا عنها، تاركين أراضيهم لآخرين يعملون فيها مع الاشتراك في المحصول.
ملاك الأراضي الذين يعيشون بعيدًا عنها، مع استمرار متابعتها وزراعتها بوساطة عمال يعملون بالأجر، وقد انتشر هذا النمط في المزارع التي تسقى بمياه الآبار الإرتوازية الحديثة .
5 - الأراضي الزراعية:
تتسم الأراضي الزراعية في المنطقة بالتنوع؛ إذ يمكن تقسيمها إلى:
أراضٍ زراعية طينية، وتقع بجوار الأودية أو في مسارها، وهي أراضٍ خصبة وتروى عن طريق السيول الموسمية من الأودية والأمطار.
أراضٍ زراعية صفراء، تتوافر في معظم المنطقة، وتعتمد في سقيها على مياه الآبار والأمطار.
أراضٍ ذات تربة رملية، وتوجد بقرب السواحل وتعتمد في زراعتها على مياه الأمطار والسيول؛ وذلك لارتفاع نسبة الملوحة في المياه الجوفية.
الأراضي الزراعية على سفوح الجبال، وهي على شكل مدرجات زراعية، وتروى بالأمطار .
ب - أبرز التطورات:
تعد المنطقة من المناطق الزراعية الرئيسة في المملكة، كما أن وادي جازان من أخصب الأراضي في سهول تهامة، ولتوافر المقومات الأساسية للتنمية الزراعية فيها؛ من الأراضي الصالحة للزراعة، والمناخ الملائم لمختلف المحصولات، والموارد المائية، ورغبة من وزارة الزراعة في تأمين مواسم زراعية مستقرة للمزارعين، وحرصًا منها على تطوير الأساليب الزراعية في المنطقة، والاستفادة من تلك الإمكانات المتوافرة، فقد تم اعتماد مشروع التنمية الزراعية بوادي جازان الذي يهدف إلى تنمية الإنتاج الزراعي بالمنطقة وتطويره من خلال الاستخدام الأمثل للموارد الزراعية، وبخاصة الموارد المائية، وذلك بإدخال طرق الري عالية الكفاءة التي تضمن ديمومة المصدر المائي لاستدامة الإنتاج الزراعي. وفيما يأتي بيان لمراحل تنفيذ المشروع:
تم إجراء دراسة أولية من قبل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بطلب من المملكة لمعرفة الجدوى الاقتصادية للزراعة في المنطقة، وكان ذلك عام 1372هـ / 1952م.
في عام 1383هـ / 1963م طلبت المملكة من المنظمة إعداد دراسات تفصيلية لتطوير الزراعة في منطقة وادي جازان؛ لكونه مشروعًا رائدًا يمكن تطبيقه على الأودية الأخرى، وقد وقعت المنظمة اتفاقية مع شركة (إيطال كونسلت) للقيام بالدراسة المطلوبة.
وفي عام 1385هـ / 1965م قدمت المنظمة تقارير مفصلة عن وادي جازان مدعمة بتوصيات شركة (إيطال كونسلت) التي تتضمن إقامة مشروع متكامل لتنمية الزراعة وتطويرها بالمنطقة على مرحلتين، بحيث يتم في الأولى إقامة سد بوادي جازان للتحكم في مياه الأمطار الموسمية والسيول، بينما يتم في المرحلة الثانية إنشاء شبكة ري حديثة في منطقة المشروع لضمان ري مساحة زراعية تبلغ سبعة آلاف هكتار، كما يتم إنشاء محطة للتجارب الزراعية بهدف تطوير الإنتاج الزراعي في المنطقة.
في العام المالي 1386 - 1387هـ / 1966 - 1967م تم افتتاح فرع للبنك الزراعي العربي السعودي في المنطقة.
في عام 1390هـ / 1970م اكتملت المرحلة الأولى من تنفيذ المشروع، وتمثلت في تشييد السد بطاقة تصميمية تبلغ نحو 75 مليون متر مكعب، ويستقبل السد مياه خمسة أودية يتم استخدامها في ري المحصولات الزراعية، ويقوم على إدارة ذلك السد وتشغيله وصيانته فريق من الفنيين السعوديين.
في عام 1392هـ / 1972م اكتمل إنشاء المرحلة الثانية من المشروع، وتمثلت في تنفيذ شبكة الري والطرق الزراعية، كما بدأت محطة حاكمة للأبحاث والتجارب الزراعية أول موسم زراعي لها على مساحة قدرها 50 هكتارًا، وذلك تحت إشراف عدد من خبراء منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة وعدد من الفنيين الزراعيين السعوديين.
في عام 1407هـ / 1987م تم افتتاح فرع وزارة الزراعة الذي يقوم بتقديم الخدمات المباشرة للمزارعين في مجالات:
الإنتاج النباتي: الذي يشمل: الإرشاد الزراعي، ووقاية المزروعات، وتقديم الإعاشات لمزارعي الحبوب.
الإنتاج الحيواني: وذلك بتوجيه المربين إلى وسائل التربية والتغذية الحديثة لإنتاج الحليب أو اللحم، وتقديم الخدمات البيطرية الوقائية والعلاجية.
في عام 1421هـ / 2000م أُنشئ مختبر تحليل التربة والمياه والنبات لإجراء التحاليل التي يتطلبها البحث العلمي، وكذلك تحليل عينات التربة والمياه للمزارعين
ج - الوضع الحالي ودوره في اقتصاد المنطقة:
ظهرت آثار مشروع تنمية وادي جازان بوضوح على الإنتاج الزراعي في المنطقة، حيث أقبل المزارعون على زراعة مختلف المحصولات التي تتلاءم مع مناخ المنطقة وتربتها، بعد أن تم تأمين مياه الري اللازمة، كما تم درء أخطار السيول التي كانت تهدد النشاط الزراعي في السابق، كما أن وجود محطة الأبحاث وجهودها في تحديد أنسب المحصولات، سواء الخضراوات أو الفاكهة أو المحصولات الحقلية أو الأعلاف، وذلك بالإضافة إلى وقاية المزروعات، واستخدام طرق الري الحديثة، وإنشاء عدد من الشركات الزراعية الكبرى، كل ذلك أدى إلى نهضة كبرى في الإنتاج الزراعي في المنطقة، سواء على مستوى الكم أو النوع، ما أدى إلى أن تكون منطقة جازان في الوقت الحاضر إحدى أهم المناطق الزراعية على مستوى المملكة؛ حيث بلغ إنتاجها عام 1426هـ / 2005م نحو 197261 طنًا من الحبوب، ونحو 48122 طنًا من الخضراوات، ونحو 30783 طنًا من الفواكه، و 173548 طنًا من الأعلاف، أما المساحة المحصولية لجميع المحصولات فقد بلغت 120268كم
وكان من أكبر الصعوبات التي واجهت القطاع الزراعي في المنطقة ضعف وسائل المواصلات، لذا اهتمت الوزارة بهذا الجانب وشيدت عددًا من الطرق الزراعية والترابية التي تخدم المزارعين في مختلف مدن المنطقة وقراها وهجرها حتى وصل إجمالي تلك الطرق إلى ما يربو على 4000كم، كما يبينها (جدول 1)
ونظرًا إلى الإقبال الكبير من المستثمرين على المنطقة فقد صدرت موافقة المقام السامي على ضوابط تراخيص الاستثمار الزراعي والسمكي في منطقة جازان وسهول تهامة، وقد انحصرت في سبعة ضوابط فقط لتؤكد توجه الدولة الواضح في اجتذاب الاستثمارات الزراعية المحلية والأجنبية، وتلك الضوابط هي:
أن يكون المشروع ذا جدوى اقتصادية وله مردود إيجابي لمنطقة جازان وسهول تهامة، بناءً على نتائج مراجعة وزارة الزراعة والمياه لدراسة الجدوى التي يقدمها المستثمر.
تؤجر المواقع المخصصة للاستثمار الزراعي أو السمكي بأسعار رمزية قدرها عشرة ريالات للهكتار الواحد في السنة لمدة تصل إلى ثلاثين عامًا قابلة للتجديد لمدة يتم الاتفاق عليها مع وزارة الزراعة والمياه طالما التزم المستثمر بما ورد في الترخيص المعطى لهذه المواقع.
يكون استثمار المواقع في المجالات المرخص لها ويجوز استخدامها لمجالات زراعية أخرى بموافقة خطية من وزارة الزراعة والمياه.
تحدد مساحات المواقع المخصصة للاستثمار الزراعي والسمكي حسب الطاقة الإنتاجية لكل مشروع، ويتم تحديد الحد الأدنى للطاقة الإنتاجية بناءً على دراسة الجدوى للمشروع.
استخدام وسائل الري الحديثة في جميع مشروعات الاستثمار الزراعي.
يتم تنفيذ هذه المشروعات حسب الجدول الزمني الموضح بدراسة الجدوى الاقتصادية والمتفق عليه مع وزارة الزراعة والمياه، على أن تراعي وزارة الزراعة والمياه أي عوائق تنفيذية.
تخضع جميع المشروعات المرخصة لإشراف وزارة الزراعة والمياه ومتابعتها.
وبجانب هذه الضوابط، فقد وافق المقام السامي على بعض التوصيات العامة ذات العلاقة بجذب هذه الاستثمارات، وهي على النحو الآتي:
تفعيل دور البنك الزراعي العربي السعودي في دعم المزارعين من خلال زيادة تسهيلاته، بهدف تشجيع القدرات الإنتاجية والتسويقية للمزارعين والصيادين ودعمها.
يراعى استفادة المزارعين من البنية التحتية التي يتم إنشاؤها في المنطقة، وذلك من خلال استفادة أراضيهم من شبكات الري التي يتم بناؤها، وأن يؤخذ بالحسبان إمكانية توزيع أراضٍ زراعية لهم تستفيد من هذه الشبكات.
التأكيد على الأهمية القصوى للإسراع في استكمال تنفيذ مشروع طريق الساحل (جدة - جازان) لما له من أهمية بالغة لزيادة النشاط الاقتصادي لمنطقتي جازان وعسير بشكل خاص، إضافة إلى دوره في تسويق المنتجات الزراعية والسمكية وانتعاش المنطقة اقتصاديًا.
تحدد المساحات المخصصة للاستثمار الزراعي والسمكي حسب الخريطة المرفقة وبيان الإحداثيات المرفق، ويمنع تمليكها أو التصرف فيها بما يتعارض مع هذه الضوابط، ويتم تكليف الجهات المعنية المختصة بمنع التعدي عليها
وقد أعقب تلك الموافقة السامية إقامة ندوة (فرص الاستثمار الصناعي وأثر العمل التعاوني على التنمية الزراعية في منطقة جازان) في الفترة من 22 - 23 ربيع الأول 1425هـ الموافق 11 - 12 مايو 2004م.
وقد مر بالمنطقة أزمة صحية كبرى فيما يتعلق بالثروة الحيوانية، وهي انتشار مرض حمى الوادي المتصدع؛ وهي مرض فيروسي حاد يصيب الماشية وكذلك الإنسان وينتمي إلى مجموعة الحميات النـزفية التي تشمل عدة أمراض أهمها: (لايسا، مايبرج، ابيول الحمى الصفراء). وأول اكتشاف للمرض كان بين الحيوانات في الوادي المتصدع في كينيا عام 1352هـ / 1933م، ويسمى أيضًا حمى الوادي المنفطر، وحمى الوادي المشقوق. وتعد القارة الإفريقية الموطن الأساسي لهذا المرض، وفي عامي 1418 و 1419هـ / 1997 و 1998م انتشر الوباء في كينيا والصومال، وظهرت بعض حالات المرض في موريتانيا، وفي عام 1421هـ / 2000م اكتُشف المرض لأول مرة في اليمن وفي منطقة جازان في المملكة ، وقد بذلت وزارات: الصحة، والزراعة، والشؤون البلدية والقروية جهودًا كبيرة في سبيل مكافحة هذا الوباء والقضاء على آثاره، حتى تم احتواؤه بحمد الله، ويبين (جدول 2) أعداد الحيوانات التي تم تحصينها بلقاح حمى الوادي المتصدع في منطقة جازان خلال عام 1424هـ / 2003م.