الرقصات والأهازيج الشعبية في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الرقصات والأهازيج الشعبية في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الرقصات والأهازيج الشعبية في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
نظرًا إلى اتساع منطقة عسير وتعدد البيئات الثقافية لساكنيها فقد تعددت الرقصات والأهازيج التي تُمارَس في المنطقة، فبعضها عام شائع في أنحاء المنطقة كافة بل ربما يتجاوزها إلى مناطق أخرى، وبعضها الآخر خاص بناحية محددة داخل المنطقة. وسوف يتم في هذا الفصل استعراض أبرز الرقصات الشائعة في المنطقة، كما سيتم استعراض الأهازيج والأشعار المصاحبة لبعضها.
 
أولاً: العرضة 
 
تُعَد العرضة من الرقصات الشعبية التي تُمارَس في أنحاء المجتمع السعودي كافة، إلا أنها تختلف من حيث حركات الأداء والأشعار والأهازيج المصاحبة من منطقة إلى أخرى، وأحيانًا من قبيلة إلى أخرى. وهي من الرقصات الحماسية التي تُمارَس في المناسبات الكبرى مثل الأعياد، والأعراس، والحروب. وتُعَد العرضة من الرقصات الخاصة بالرجال في أنحاء المجتمع السعودي كافة.
 
أما صفة العرضة العسيرية؛ فعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات الجزئية البسيطة من ناحية إلى أخرى داخل منطقة عسير؛ إلا أن النمط العام متقارب إلى درجة كبيرة، فالراقصون يصطفون في نسق طويل دائري المسار، ثم ينقسمون إلى قسمين، ويقوم شاعر بتلقينهم الأشعار الحماسية التي يرددونها، فيردد العارضون في الصف الأول من المنتظمين المصطفين الشطر الثاني من البيت الأول من شعر الشاعر، بينما يردد العارضون في الصف الثاني الشطر الثاني من البيت الثاني. ويقوم جميع العارضين أثناء الإنشاد بتحريك الأرجل إلى الأعلى والأسفل في حركة متناسقة متساوية ومنتظمة، محاكين في ذلك ما يقوم به الشخص الذي في الأمام ويُسمى (المزيف)، وهو شخص يقوم برقصات سريعة ومنتظمة بحيث يضبط الجميع على حركاته، فكل واحد من العارضين ينظر إلى المزيف ثم يقوم بمحاكاته في حركاته كلها.
 
أما ألحان العرضة العسيرية فهي تراوح بين السريعة الخفيفة، والبطيئة الثقيلة، ويصاحب ذلك قرع الطبول، ويُستخدم في بعض النواحي - إلى جانب ذلك - (المهراس) وهو أداة طحن البن، كما يستخدم أحيانًا المزمار.
 
وترتبط أشعار العرضة - غالبًا - بالمناسبات العامة التي تحدث في المجتمع، فهي تكون - في الغالب - وصفًا لبعض الأحداث، أو تمجيدًا وافتخارًا ببعض الانتصارات، أو تفاخرًا بشجاعة أبناء القبيلة ومكانتها في المجتمع، أو للترحيب ببعض الضيوف المهمين، أو إظهار الولاء للدولة وقادتها. وتُردَّد أشعار العرضة بإيقاع وألحان خاصة يغلب عليها الحماس في الأحوال كافة  ،  فمن أشعار العرضة العسيرية:
 
"واهلين يا سلطان والصحب المظفرا
 
مبروك بالنصر الذي للجيش يذكرا
 
برها وبحرها واسرابنا في الجو يعجبك اعتراضها
 
جميع القبائل كلهم في الجيش عسكرا
 
يوم الندى والله ما حيّ تأخرا
 
حضر وبدوها دون الوطن طاح ركاب من شبابها"  
 
ومنها أيضًا:
 
"جعل يا خادم البيتين عيدك سعيد
 
والف مبروك بالنصر المبين الوكيد
 
والف يهني لبو متعب ولي العهد  
 
واسع الفكر حلَّال النشب والعقد
 
والف يهناك يا سلطان نصر وشرف
 
أنت بونا وقايدنا وحامي حمانا
 
لك نـزفّ التهاني باسم وحدتنا
 
القبايل ترحّب والدواير تشيد
 
عندهم مثل عيد الفطر عيد وعيد
 
يوم شرفتنا في الحفل يوم السعيد
 
لك نجدد ولاءنا ويوفا العهد
 
يابن عبدالعزيز مواقفك تنعرف
 
في لباس الشرف والعز
 
والله ينصر حكومتنا وقايدنا"  
 
ويوجد بعض الأشعار الأخرى في العرضة بين شاعرين على نمط (المراد)، مثل قول أحدهم:
 
"سلام تسليم مصفى من الضمير
 
يا درع جنبي يوم تاتي نشايبي"
 
فيرد عليه الشاعر الآخر قائلاً:
 
"يا سعد من له لابة مثلكم تشير
 
الشور فيهم في شباب وشايبي"  
 
ومن ذلك أيضًا:
 
"راع الشيارة لزوم اسمع مشاويره
 
والعسكري يعرف رقيبه وشاويشه
 
قدام ما يعرف تبارك ولف لامى
 
والشاعر انـزاع صوته واللحن حجري
 
كم من مواتر على السكة تجاريبه"  
 
وقد رد عليه الشاعر الآخر بقوله:
 
"الروح ما هوب يكسل من مشاويره
 
ولا تخوف من الرادي وشاويشه
 
الوقت قدام تصويرك ولف لامى
 
وكل رجل يعرف من تجاريبه"  
 
ومن ذلك أيضًا:
 
"إن كان ودك يا بن ظافر تجرب ودنا
 
لا بد بعد العصر ليل يجي من بعد ليل
 
انعرف الامثال في المجتمع والاحنى
 
وكل مطلق ودي اسمع منه واسمعه"
 
فرد عليه الآخر:
 
"قلبي بودك لا تغير معاني ودنا
 
والمدعي لا بد تسمع منه منبع دليل
 
والسيف ماهزز على موقفه والا حنى
 
واللي تعب لا بد ما ينسم وانسمعه"
 
فرد عليه الأول:
 
"انعرف الأمثال في المجتمع من جدنا
 
وابغى التفاهم معك يا صاحب الحكمة وسيل
 
أولف لنا حجج ولا جبت لك ولاف ني
 
ولا تخوفنا من اللجلجه والقربعه"  
 
فأجابه الشاعر الثاني:
 
"حنا تلبسنا الشرف من جدنا
 
ولانا انتهيب لو يكن دك رعاد وسيل
 
والكفو حذري تقول متوفى والا فنى
 
لأنه يقول اتلاقى اثنين وتلاقى اربعة "  
 
 
ثانيًا: السامر
 
وهو من الرقصات المشهورة في بعض نواحي منطقة عسير، ويُقام - غالبًا - في المناسبات السعيدة مثل: مناسبات الزواج، والأعياد، والختان. أما طريقة أداء السامر فتتمثل في تقابل الراقصين في صفين متواجهين مع تشابك الأيدي والتصفيق بها، وتحريك الأجسام أثناء الرقص، ويُؤدى السامر من قِبَل الرجال والنساء على السواء كل منهما منفرد عن الآخر  
 
ثالثًا: الخطوة 
 
ترتبط الخطوة ارتباطًا وثيقًا بمنطقة عسير حتى إنها عُرفت بـ (الخطوة العسيرية)، وهي تُؤدى في عدد من نواحي المنطقة. وصفتها أن يتقابل صفان من الراقصين يرافقهم أحد الشعراء الشعبيين، ويقوم بتلقين الراقصين الأبيات الشعرية التي يرددونها بالتناوب بين الصفين، فيقوم راقصو الصف الأول بترديد البيت ثم يليه الصف الثاني، وفي كل مرة يتقدم الراقصون خطوة إلى الأمام، ثم يرجعون إلى الوراء مثلما كانوا.
 
وفي وسط اللحن يقوم الراقصون بثني الركبة اليسرى بشكل مفاجئ تتلوها اليمنى، ثم تُرفع إلى الوسط... وهكذا يستمرون في تلك الحركات على دقات الطبول والمهراس.
 
 
رابعًا: الهاوند
 
وكانت هذه الرقصة تُمارَس بشكل مختلط (ذكورًا وإناثًا) في بعض نواحي المنطقة. وعلى الرغم من أنها لا تزال من الرقصات التي يمارسها الجنسان معًا، إلا أن كلاً منهما أصبح يمارسها منفردًا عن الآخر في نواحي المنطقة كافة  .  ومن الأشعار التي يرددها الراقصون في هذه الرقصة قول أحد الشعراء:
 
"وابن عشقه يقول أبها تشبه جمال القاهرة وأحسن
 
يوم رحنا على بيروت شفنا جمال زايد وأبها أحسن   "
 
ومن أشعار الخطوة أيضًا:
 
"طلبة الله تبدأ أولى
 
قبل ما اقول واقولى
 
والصلاة ألف تصل النبي
 
ليس لي حق من قبلها
 
جر صوت وله ناحية"  
 
خامسًا: الزحفة
 
وهي من الرقصات الشبيهة بالخطوة العسيرية، ولكنها تختلف عنها في بعض حركات الأداء، إذ يقوم الراقصون في رقصة الزحفة بثني الركبة أثناء الرقص في وسط اللحن إلا أنهم لا يتقدمون بالخطوة إلى الأمام كما في رقصة الخطوة، كما أن ذلك يكون بشكل أسرع من الخطوة  
 
 
رابعًا: الهاوند
 
وكانت هذه الرقصة تُمارَس بشكل مختلط (ذكورًا وإناثًا) في بعض نواحي المنطقة. وعلى الرغم من أنها لا تزال من الرقصات التي يمارسها الجنسان معًا، إلا أن كلاً منهما أصبح يمارسها منفردًا عن الآخر في نواحي المنطقة كافة  .  ومن الأشعار التي يرددها الراقصون في هذه الرقصة قول أحد الشعراء:
 
"وابن عشقه يقول أبها تشبه جمال القاهرة وأحسن
 
يوم رحنا على بيروت شفنا جمال زايد وأبها أحسن   "
 
ومن أشعار الخطوة أيضًا:
 
"طلبة الله تبدأ أولى
 
قبل ما اقول واقولى
 
والصلاة ألف تصل النبي
 
ليس لي حق من قبلها
 
جر صوت وله ناحية"  
 
خامسًا: الزحفة
 
وهي من الرقصات الشبيهة بالخطوة العسيرية، ولكنها تختلف عنها في بعض حركات الأداء، إذ يقوم الراقصون في رقصة الزحفة بثني الركبة أثناء الرقص في وسط اللحن إلا أنهم لا يتقدمون بالخطوة إلى الأمام كما في رقصة الخطوة، كما أن ذلك يكون بشكل أسرع من الخطوة  
 
ثامنًا: القلطة
 
تقتصر هذه الرقصة على الرجال فقط، وهي من الرقصات التي تتم فيها المحاورات الشعرية والتنافس بين الشعراء. وصفتها أن يقف الراقصون في صفين متقابلين ويقف وسطهم شاعران يتنافسان في نظم الشعر، فيبدأ الشاعر الأول بقول بيت من الشعر، ويقوم الصف الأول من الراقصين بغناء شطره الأول، بينما يقوم الراقصون في الصف الثاني بغناء الشطر الثاني وترديده، ويستمرون كذلك إلى أن يوقفهم الشاعر الثاني عندما يتوصل إلى نظم رد على بيت الشاعر الأول يطابقه في الوزن والقافية، فيقوم الراقصون بترديده بالطريقة نفسها... وهكذا. وتُعد هذه الرقصة من الرقصات التي تسهم في صقل المواهب الشعرية، وإبراز مقدرة الشعراء وشهرتهم، كما أنها قد تنتهي ببعض المناوشات بين الشعراء، أو بين الراقصين من المؤيدين لهذا الشاعر أو ذاك.
 

مظاهر الثبات والتغير

 
على الرغم من استمرار كثير من الرقصات الشعبية في منطقة عسير إلا أنها لم تعد تُمارَس إلا في مناسبات محدودة وضيقة؛ وذلك للتغيرات التي طرأت على كيفية الاحتفاء بالعيدين، وحفلات الزواج، والختان... وغيرها من المناسبات، فلم تعد تُقام الاحتفالات الراقصة كما في الماضي في مثل هذه المناسبات، إلا أنه - نتيجة لتبني برامج التنشيط السياحي في المنطقة لإحياء الرقصات الشعبية، وإقامتها في المهرجانات الشعبية والسياحية - بدأ عدد من الرقصات المشهورة في العودة مرة أخرى، وبدأ الشباب من صغار السن يتذوقون مثل هذا النوع من الفنون الشعبية التي كادت تندثر.
 
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن طريقة الرقص ونوعية الراقصين قد تغيرتا في بعض الرقصات التي كانت تُؤدى مشتركة (ذكورًا وإناثًا)، أو يؤديها الرجال في حضور النساء أو العكس، فمثل هذا الأمر لم يكن معابًا في كثير من نواحي المنطقة، أما في الوقت الحاضر فإن هذا لا يتم، فرقصات الرجال خاصة بهم لا تحضرها النساء، والعكس صحيح. كما ظهر في العصر الحاضر ما يُعرف بالمطربين والمطربات، والطبالات، وأصبح أمر الغناء يوكل إليهن لدى النساء، فيتم الاتفاق معهن نظير مبالغ مالية لإحياء ليلة الحفل، وقد ظهر هذا الأمر بادئ ذي بدء في الحواضر من مدن المنطقة، إلا أنه أصبح شائعًا في النواحي كافة.
 
أما الرجال فلم يعودوا يمارسون الرقصات الشعبية إلا ما ندر، فهم يكتفون في أفراحهم بتناول الطعام والانصراف، ويلقي بعضهم في الحفل خطبًا ومواعظ دينية. إلا أنه على الرغم من ذلك كان لمهرجان الجنادرية الثقافي الذي يُقام في كل عام دور بارز في إحياء عدد من الألوان والرقصات الشعبية التي كادت تندثر. كما أن فرق التراث الشعبي في كل منطقة تقوم بدور مميز في المحافظة على الفنون الشعبية، ونقلها إلى الأجيال القادمة في عدد من المناسبات التي أهمها الأعياد، إذ تقيم كل منطقة احتفاءها العيد وتشارك فيه الفرق الشعبية في المنطقة بالرقصات المشهورة فيها، ما يعطي جيل الأبناء فرصة للاطلاع على تراث الأجداد ومشاركتهم فيه وتذوقهم له.
 
شارك المقالة:
533 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook