الرسوم الصخرية لآثار ما قبل الإسلام بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الرسوم الصخرية لآثار ما قبل الإسلام بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الرسوم الصخرية لآثار ما قبل الإسلام بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
تتميز الجزيرة العربية إجمالاً بكثرة الرسوم الصخرية المنتشرة على سفوح الجبال والمرتفعات، تلك الرسوم التي ترتبط بالنقوش وتشكل جزءًا من موضوعاتها، إذ يلاحظ أن الكاتب أو الفنان العربي القديم لم يكتف فقط بالتعبير عن أفكاره من خلال الصور الصخرية وحدها، بل أضاف إليها نقشًا يعرِّف بها ويحدد ملكيتها، فارتبطت بذلك الصورة مع الحرف، وأصبح كلاهما مكملاً للآخر وشارحًا له.
 
وتمثل الرسوم الصخرية المرافقة للنقوش مصدرًا مفيدًا في دراسة المجتمعات العربية القديمة، ففيها تتجسد ملامح النشاط الاقتصادي، وينعكس من خلالها بعض أوجه الفكر الاجتماعي والديني، ليس ذلك فحسب، بل إن أهمية الرسوم الصخرية تتعدى ذلك إلى أنها في كثير من الأحيان تعين على شرح مضمونات النقوش، خصوصًا تلك التي ترد فيها مسميات لحيوانات أو خلافه، ما يصعب التعرف على دلالات معانيها في ضوء المعاجم اللغوية للغات الشرق القديم، بسبب عدم تدوين تلك المسميات، أو انقراض استخدامها وتوقف تواتره، وفي أحيان أخرى بسبب تطور دلالات معانيها من المعنى الخاص إلى العام، وبُعدها عن الوضع الأصلي لمعنى الكلمة.
 
كشفت المسوحات الأثرية في الحناكية، وفي الصويدرة، وخيبر، وينبع والعلا، والحجر   عن نماذج مختلفة من الرسوم الصخرية تتفاوت في أسلوب رسمها، فبعضها يتبع مدرسة الفن الواقعية وروعي فيها النسب الطبيعية، وبعضها الآخر رسم بأسلوب تجريدي، كما جاءت تفاصيلها التشريحية متفاوتة أيضًا، ولم يراع في بعضها منظور التناسب والحركة، أما موضوعاتها فهي أيضًا متنوعة، ومنها:
 

الرسوم الصخرية الآدمية

 
نفذت الرسوم الآدمية في منطقة المدينة المنورة وفق الأسلوب الشائع في أنحاء الجزيرة العربية، أي وفق أسلوبي النحت البارز والرسم التخطيطي، حيث يصور الرسام الأشخاص بأوضاع مختلفة، بعضها واضح الملامح والتفاصيل التشريحية للجسد، وبعضها الآخر صور وفق أسلوب مبالغ فيه، كأن يكون حجم الشخص كبيرًا، وتتفاوت فيه نسب حجم الرأس عن بقية أجزاء الجسد، أو أن يكون هناك طول في حجم الأيدي أو الأرجل مما لا يتناسب وبقية أجزاء الجسم.
 

الرسوم الصخرية الحيوانية

 
تحتل الحيوانات، مثل: الإبل والنعام والأبقار والوعول والخيول، مساحة في خيال رسام المنطقة آنذاك، وبخاصةٍ الإبل بأنواعها (الجمل والناقة والبكرة) حيث يندر وجود موقع للرسوم الصخرية في منطقة المدينة يخلو من رسوم للإبل فيه، وهذا أمر ليس بالغريب، فالعلاقة وثيقة بين العربي وجمله، ليس فقط لما يؤديه الجمل من دور فعّال في حياته اليومية، بل لأن العربي يكنُّ له احترامًا وتقديرًا بلغ حد التقديس  
 
لقد جُسدت الرسوم الصخرية الحيوانية وفق أساليب فنية مختلفة، فبعضها رسم وفق أسلوب المدرسة التخطيطية، تلك التي تظهر من خلالها ملامح الحيوانات المصورة على هيئة خطوط مجردة، دون إبراز لتفاصيل أجسادها الدقيقة، وبعضها الآخر نفذ وفق أسلوب النحت البارز، أي أن يقوم الفنان بنحت جسد الحيوان نفسه على سطح الصخر مبرزًا تفاصيل جسده كاملة. ويظهر على بعض رسوم الحيوانات مراعاة الرسام النسب التشريحية أحيانًا وإغفالها أحيانًا أخرى، كذلك الأمر بالنسبة إلى مراعاة المنظور الذي يحاول الفنان في بعض الرسومات إبرازها بمنظور مزدوج الزاوية، وكذلك الحال في محاولة الرسام إبراز حال الحركة على الصورة.
 

الرموز

 
اشتملت مواقع الرسوم الصخرية في المنطقة على مجموعة من الرموز التجريدية، من بينها الخطوط المتعامدة والمتقاطعة أو العلامات الهندسية، بعضها ربما يتضمن دلالات دينية، وبعضها الآخر يشتمل على دلالات اجتماعية، مثل تلك المجموعات المختلفة من الوسوم التي تخص بعض القبائل أو الأفراد المستوطنين - آنذاك - في المنطقة.
 

الآلات الوترية

 
يوجد في منطقة العذيب الواقعة على مسافة 3كم شمال غربي العلا على صخور جبل عكمة رسم نادر لآلة موسيقية وترية، وهذا النوع من الآلات الوترية منتشر في عدد من مناطق الشرق القديم، فقد كانت مستخدمة في بلاد الشام منذ الألف الثالث قبل الميلاد، حيث صورت آلة وترية مشابهة بصحبة مهاجرين من منطقة سورية القديمة إلى مصر خلال زمن الأسرة الثانية عشرة التي حكمت من عام 1991 - 1786 ق.م تقريبًا، وذلك في المناظر الجدارية للمقبرة الصخرية للنبيل خنوم حوتب أحد حكام إقليم الوعل في مصر الوسطى   (منطقة بني حسن بمحافظة المنيا حاليًا). إن هذه الآلة الموسيقية بعينها، وبهيئتها نفسها وتفاصيلها المصورة في نقوش جبل عكمة لا تزال تستخدم في الأغاني الشعبية والفولكلورية في منطقة المدينة المنورة حتى الوقت الحاضر، ويطلق عليها اليوم اسم (السمسمية)، وذلك بالمقارنة مع نعومة حبات السمسم، لأن صوتها ناعم ورقيق، ويختلف عن الصوت القوي للآلات الموسيقية الوترية الأخرى كالعود والطنبور مثلاً.
 
شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook