الحركة النقدية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 الحركة النقدية في المملكة العربية السعودية

الحركة النقدية في المملكة العربية السعودية.

 
 
سايرت حركةَ الأدب في المملكة حركةٌ نقدية نشطة، كانت نواتها مقالات انطباعية في الغالب، كتبها بعض أدباء الحجاز تعليقًا على قصائد نشرت في الصحف والمجلات، ومن أوائل الكتب النقدية التي أثارت نشاطًا: كتاب محمد حسن عواد (خواطر مصرّحة)، فقد كان له ضجيج وجلبة في المشهد النقدي، بما صرّح به من آراء، لم يكن طرحها معهودًا، وبخاصة أنها سيقت مساقًا عنيفًا  ،  ومنها: كتاب (المرصاد) لإبراهيم الفلالي  ، وقد صدر جزؤه الأول عام 1370هـ / 1951م  ،  وكان الفلالي حريصًا على إقامة الموازين الفنية، إلا أن أحكامه النقدية أقل من مستوى الدراسة الجادة، حيث عليها الانطباعات العاجلة، والأحكام غير المعللة  ،  وقد تبعه كتابان أشبه بالمقالتين المطولتين، هما (مرصاد المرصاد) لعبدالله عبدالجبار  ،  و (نقد المرصاد) لحسن القرشي  ،  ولهذه الكتب كلِّها أهمية تاريخية، من حيث إنها من أوائل الكتب التي تتصدى للإبداع الشعري في المملكة بالنقد والتقويم.ثم كان للمعارك الأدبية أثر آخر أذكى شعلة النقد، وقد شهدت الحجاز بخاصة معارك بين عدد من الأدباء، منها ما كان بين محمد حسن عواد وعبدالقدوس الأنصاري، وما كان بين أحمد عبدالغفور عطار وأحمد السباعي، ولكنها "معارك لا يُهِمّها النص بقدر ما يُهِمّها صاحب النص"  . ثم بدأ النقد العلمي الأكاديمي مع ظهور طلائع النقاد من أساتذة الجامعات، ولكنْ "ظل النقد الأكاديمي المنهجي المعياري في أروقة الجامعات، بعيدًا عن صخب المشاهد الأدبية، فيما طغى النقد الألسني والحداثي على مشاهد الأدب ومؤسساته الثقافية"  . وكان للمؤتمر الأول للأدباء السعوديين الذي عُقد في رحاب فرع جامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة (أم القرى حاليًا) عام 1394هـ / 1974م، أثر في لفت النظر إلى الأدب السعودي، وضرورة أن تسايره حركة نقدية فاعلة، وعُدّ "نقطة انطلاق في سبيل تطور الإبداع الأدبي في المملكة"  ،  وجاء المؤتمر الثاني عام 1419هـ / 1998م في جامعة أم القرى، ليسهم في إثراء الدراسات الأدبية والنقدية المتعلقة بالأدب السعودي  . ثم عنيت جهات رسمية وباحثون ونقاد بالتأريخ للأدب السعودي، فصدر عدد من الكتب والأبحاث والدراسات، منها ما يتناول الأدب عمومًا، مثل: (موسوعة الأدب السعودي الحديث، نصوص مختارة ودراسات)  وجاءت في تسعة أجزاء، شملت بعض المقدمات التاريخية، وتراجم للأدباء، وخُصّ كل جنس أدبي بجزء، كما خصت الدراساتُ والنقدُ بجزء في مجلدين، وقد صُدِّر كل جزء بدراسة متخصصة في الجنس الأدبي الذي يشتمل عليه هذا الجزء، مع نصوص مختارة تمثل الاتجاهات المختلفة. وطُبعت هذه الموسوعة المهمة على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد، وتولّت لجنة علمية مؤلفة من بعض أساتذة الجامعات والأدباء والمثقفين الإعداد لها وإخراجها  . ومن تلك الدراسات ما يعرض أو يقيِّد رؤية الآخرين لهذا الأدب، مثل: (الأدب السعودي بأقلام الدارسين العرب)  ، و (أدبنا في عيون الآخرين)، ومنها ما يتعرض لظاهرة مخصوصة، مثل: (الرمز في الشعر السعودي)، أو يؤرخ لفن من الفنون داخل ذلك الأدب، مثل: (السيرة الذاتية في الأدب السعودي)، أو يدرس آثار أديب واحد، مثل: (عبدالقدوس الأنصاري، حياته وأدبه). وذلك كله بالإضافة إلى ما تقدمه مراكز البحث العلمي العالي من دراسات عن هذا الأدب في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وما يُقَدَّم من أبحاث محكَّمة في المجلات العلمية.
وتُعَدّ الرسائل العلمية التي تناولت الأدب السعودي ذات إضافة مهمة للحركة النقدية، إذ قدمت دراسات لموضوعات الأدب وفنونه، وتتبعت اتجاهاته، كما وقفت عند بعض ظواهره  ،  فأصبحت تشكل موسوعة أدبية نقدية عن الأدب ورجاله وفنونه  ،  على ما اعترى بعضها من ضعف، ونقل وتكرار، وغياب رؤية نقدية حافزة على المراجعة العلمية.إن هذه الحركة النقدية - في رأي أحد رجالها - يتنازعها نقاد مذهبيون ونقاد أكاديميون ونقاد صحفيون، ولكل فئة مناهجها وغاياتها  ،  غير أنها جميعًا أثّرت في المشهد الأدبي، وكانت حافزًا لتطوره وانطلاقه.ويرى أحد الدارسين   أن المرجعيات الثقافية للاتجاهات التي تعم المشهد النقدي في المملكة تُرَدّ إلى ثقافات ثلاث، هي ثقافة سلفية محافظة تعتدُّ بالتراث العربي القديم، وتعتقد أن الخروج على مناهج القدماء وفتح النوافذ على الثقافات الأخرى، يمكن أن يفسح المجال لغزو ثقافي يؤدي إلى ضياع الهوية. وأصحاب هذا الاتجاه تدفعهم الغيرة على تراثهم ولغتهم، وهم يفضِّلون ألا يتعاملوا مع المناهج النقدية الحديثة، وأغلبهم لا يعرفها ولا يحسن التعامل معها. ثقافة عربية إسلامية منفتحة على مناهج الأدب الحديث، تحاول الإفادة منها، بحذر شديد. وأصحاب هذه الثقافة يقفون موقفًا وسطًا، فهم لا ينكرون جماليات الفن الحديث، ولكنهم يتوجسون ريبة من توجهاته الفكرية. ثقافة حديثة، أصحابها منفتحون على المناهج الغربية الحديثة، ينهلون منها، ولا يجدون حرجًا في اصطناعها، ولكن منهم من يصدر عن ثقافة تراثية محاولاً التوفيق بين هذه المناهج وما جاء في تراثنا الفكري، مما يصلح تأويله وتكييفه؛ لكي يتسق مع مقولات هذه المناهج، دون مسايرة كلِّ ما جاء فيها، فلا يتشددون في الرفض، ولا يغالون في الانحياز.إن لكثير من الأدباء والنقاد العرب دراسات أو انطباعات عن الأدب السعودي، من أقدمها بعض المقدمات التي كُتِبت لمؤلَّفات سعودية، وبعض المقالات في مجلة الرسالة  ،  ثم بدأت مرحلة أخرى من الاهتمام بهذا الأدب بصدور دراسات متخصصة، ذات أثر مهم في لفت النظر إليه، وإن تفاوتت قيمتها العلمية  . ولم تغب المرأة الناقدة عن المشهد الثقافي، بل كان لها حضور جيد، يستبين من خلال مشاركتها في الكتابة النقدية في المجلات  ،  أو في إصدار كتب نقدية، بعضها ليس أقلّ شأنًا مما أنتجه الرجال  . وعُنيت مؤسسات وأفراد من خارج المملكة بالكتابة عن الأدب السعودي وتناوله بالدراسة والنقد والتحليل  . 
 
شارك المقالة:
244 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook