التماثيل بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
التماثيل بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

التماثيل بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
كشفت المسوحات الأثرية في الجزء الواقع شمال الحوض الحجري والمعروف محليا باسم (محلب الناقة) عن تمثالين بالحجم الطبيعي تقريبًا، نحتا من الحجر  .  وتظهر عليهما ملامح فنون النحت اللحيانية التي عرفت في حاضرة دادان القديمة إبان ازدهارها، ويعكس نحت هذين التمثالين - كما تظهر هيئتاهما وكثير من تفاصيلهما - مزيجًا من الملامح الفنية المحلية والتأثيرات الشائعة - آنذاك - في مناطق الشرق الأدنى القديم، حيث تتجسد في الوقفة الصلبة للتمثال وارتدائه مئزرًا قصيرًا، فضلاً عن النظرة الحادة، والتصاق الذراعين بمحاذاة الجانبين واليدين المقبوضتين، وتقدم القدم اليسرى بخطوة واحدة على القدم اليمنى. وتجدر الإشارة إلى أنه مع مرور الوقت اتجهت خطوط نحت التماثيل - وخصوصًا خلال العصر الهلينستي - إلى الليونة والتحرر من الخطوط الجامدة، حتى طغى عليها بعد ذلك طابع الحيوية والحركة الظاهرة  ،  وربما يكون ذلك بتأثير من مدرسة فن النحت اليونانية التي تحولت منذ القرن الخامس قبل الميلاد من طابع الجمود إلى طابع التحرر.
 
وسبق أن عثر جوسين وسافيناك في العلا على تمثال لحياني آخر، يكاد يكون كاملاً بجسده ورأسه، عثر عليه وسط ركام خرائب المنطقة  ،  وعلى الرغم من الطابع العام للتمثال المتأثر بأسلوب مدرسة فن النحت المصرية القديمة بشكل جزئي، ولا سيما في الوقفة ونسب الجسم وأغلب تفاصيل المئزر، إلا أن ملامح الوجه وبخاصة منطقة العينين والحاجبين تظهر تأثيرات من فنون منطقة وادي الرافدين، ما يؤكد دور العلا بوصفها نقطة التقاء بين حضارات منطقة الشرق القديم.
 
لقد نشر كل من المزروع ونصيف   ثلاثة أجزاء من تماثيل أخرى صغيرة نحتت من الحجر الرملي، تراوح ارتفاعاتها بين 16 و 21سم، بالإضافة إلى أربعة رؤوس لتماثيل، عثر عليها فوق جبل أم الدرج الواقع في الجهة الغربية من الوادي المواجه لجبل الخريبة بمنطقة العلا  ،  وقد رجح الباحثان وجود معبد قديم في هذا الموقع، كرس للمعبود اللحياني (ذو غيبة)، أحد المعبودات الرئيسة لدى اللحيانيين.
 
كما تناول الباحثان في الدراسة نفسها بعض الآثار التي عُثر عليها سابقًا في موقع الخريبة، حيث كانت التماثيل وبقاياها والآثار الأخرى - فيما يرجح - تتبع للمعبد الرئيس في موقع الخريبة، دادان القديمة، إذ يذكر معبود اللحيانيين (ذو غيبة) في نقوش تأسيسية كتبت بالخط اللحياني على بعض الكسر الحجرية التي كانت تشكل أجزاءً من أحجار بناء المعبد  ،  وكشف في موقع دادان (الخريبة) كذلك على عدد من الأجزاء الأخرى العلوية والسفلية من التماثيل الحجرية مختلفة الأحجام، إلى جانب أعداد غير قليلة من أقدام التماثيل الحجرية المحطمة  
 
وتظهر هيئات بعض التماثيل وأوضاعها التي قام المزروع ونصيف بدراستها، تشابهًا واضحًا مع تلك التماثيل التي كشف النقاب عنها في موقع دادان (الخريبة) (شمال الحوض)، وقد تعرف عليها الباحثان في الوقفة وشكل الشعر، وغطاء الرأس، وبعض تفاصيل الملامح، ومحاذاة الذراعين لجانبي الجسم، فضلاً عن بقايا عمود الظهر للتمثال، وقد رجحت دراسة المزروع ونصيف لتماثيل أم الدرج أنها تحمل طابع مدرسة فنية محلية، سواء في تشكيل خطوط الجسم أو في بعض التفاصيل ذات الصبغة المحلية، وتجدر الإشارة إلى أن أحد تماثيل أم الدرج كتب عليه نقش لحياني يذكر اسم شخص يدعى (عيذ منات)، واقتران اسم مقدم التمثال باسم المعبودة العربية القديمة (منات) قد يرجح وجود مجموعة من المعابد كانت على قمة جبل أم الدرج مكرسة لعبادة عدد من المعبودات المحلية التي انتشرت عبادتها عند اللحيانيين خلال فترة ازدهارها في القرون الخمسة قبل الميلاد.
 
ويبرز من بين التماثيل التي كشف النقاب عنها في دادان ذلك التمثال الحجري على هيئة رجل، يتمنطق بحزام ثبت به من الأمام، في حين اتشح جسمه بوشاحين ضيقين متصلين أحدهما بالآخر من الكتف إلى الخصر، وزين عنقه بما يشبه القلادة، كما عبر الفنان عن استدارة الوجه والعينين والأنف بخطوط تجريدية  
 
وتبدو التأثيرات الآشورية والبابلية أو المصرية القديمة واضحة   على التماثيل اللحيانية في دادان، خصوصًا خلال القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، ومرد ذلك يعود إلى اتصال اللحيانيين مع سكان بلاد الرافدين ومصر آنذاك  
 
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook