التطور الثقافي في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
التطور الثقافي في المملكة العربية السعودية

التطور الثقافي في المملكة العربية السعودية.

 
 
بدأت ملامح الثقافة الحديثة في المملكة تتشكل مع بدء التعليم النظامي الذي جعل التعلّم حاجة ضرورية للفرد، وقد كان للحجاز قصب السبق في إنشاء المدارس؛ إذ أثّرت تأثيرًا كبيرًا في أبنائها خصوصًا، وفي سائر أبناء المملكة عمومًا  ،  وفيما بين الأعوام 1350 و 1380هـ / 1931 و 1960م - شهدت المملكة حركة نشطة في إنشاء المدارس للبنين والبنات، كان لها صدى عميق في تشكيل ثقافة المملكة، وتهيئة النفوس لاستقبال الثقافة الحديثة التي تتصل بالماضي وتصدر عنه، وتنظر إلى الحاضر وتستقي منه.وجاء إنشاء مدرسة تحضير البعثات عام 1355هـ / 1936م، بوصفها نواة لابتعاث الطلاب، ولتشكِّل منعطفًا جديدًا في ثقافة المملكة، فقد تيسر لأبناء المملكة المبتعثين الاطلاع على ما عند الآخرين في مختلف الفنون، ثم نقْلُه إلى بلادهم، وقد تركوا أثرًا كبيرًا في الحركة الثقافية  . وكان لإنشاء التعليم العالي أثر مهم في تحريك الثقافة وتنشيطها؛ إذ سعت الجامعات السعودية منذ إنشائها إلى إيجاد تجمعات ثقافية، وتوفير بيئة فكرية  ،  وكان في بعضها مواسم ثقافية كل عام، تشهد محاضرات وندوات، ولقاءات فكرية  ،  كما أوجدت بيئاتٍ تعلي من شأن الثقافة وتقدِّر المثقفين.وقد توالى إنشاء الجامعات في مناطق المملكة كلها، واتسع نطاق التعليم العالي، وأتيح للمرأة أن تنضمّ لهذه الجامعات؛ فأصبح التعليم العالي ميسَّرًا للجنسين في جميع التخصصات.ثم كان لإنشاء الإذاعة عام 1368هـ / 1949م، والتلفاز عام 1385هـ / 1965م، دور مهم في نشر الثقافة، وجعلها زادًا لكل مستمع ومشاهد، وفي تقريب المسافة بين الإنسان العادي والثقافة، حيث كانت البرامج الثقافية والتعليمية هي السائدة فيهما  ،  وقد أسندت مسؤولية الإذاعة في بدايتها إلى أديب شاعر، هو الشاعر إبراهيم فودة  ،  بل إن كثيرًا من تلك البرامج كانت من إعداد الأدباء، وفي سجلات الإذاعة أن الشاعر حسن القرشي هو أول مذيع سعودي ينتدب إلى الخارج  ،  فليس عجيبًا إذًا أن يكون للإذاعة ذلك الدور الكبير، وبخاصة أن مرسوم إنشائها نصّ على أن من مهماتها: "المعاونة في محاولة القضاء على الأمية، بتعميم الوعي الثقافي"  . وتُظهر بعض الإحصاءات أن نسبة البرامج الثقافية في إذاعة الرياض بلغت 17%، وفي إذاعة البرنامج الثاني من جدة بلغت 22%، وذلك عام 1408هـ / 1988م  ،  وقد قدّمت الإذاعة برامج متعددة خدمت الثقافة والأدب، منها: (أوراق شاعر)، و (الأندية الأدبية)، و (أدباء ومفكرون في مرآة الآخرين)، و (ثمرات المطابع)  . أما التلفاز فقد كان له دور إيجابي؛ وقد جاء في بيان إنشائه تأكيد "التوجه الثقافي لهذه الوسيلة الجديدة، باعتبار أن جميع الوسائل الإعلامية أدوات للتوعية والتوجيه والإرشاد والتثقيف"  ،  ومَن يستعرض برامج التلفاز منذ نشأته، يجد فيها نوافذ ثقافية وتعليمية كثيرة؛ فقد كثّف المسؤولون عنه البرامج التي تستهدف رفع الوعي الثقافي، وكان الشأن الثقافي دائم الحضور في خطط التطوير الدائم لبرامجه   التي شارك في إعدادها عدد من المثقفين والأدباء  ،  مما يعكس ذلك الهم التثقيفي عند القائمين عليه، وما يزال هذان الجهازان الإعلاميان (الإذاعة والتلفاز) ينهضان بدور تثقيفي على عدد من المستويات؛ ففيهما الثقافة المبدئية التي تُقَدّم للفرد العادي ذي الثقافة المحدودة، وفيهما ما يقدّم لذي الثقافة المتوسطة، وفيهما برامج للصفوة من الأدباء والمثقفين.ولعلنا نقف عند عوامل ازدهار الثقافة في المملكة منذ البدايات الأولى، على النحو الآتي:
 

الصحف والمجلات

 
نشأ في الجزيرة العربية قبل تأسيس المملكة عدد من المطابع، تولت نشر بعض الصحف والمجلات، وكانت أولى الجرائد صدورًا في العهد السعودي جريدة (أم القرى) عام 1343هـ / 1924م   ، و (صوت الحجاز) أصدرها محمد صالح نصيف عام 1350هـ / 1932م   ، وجريدة البلاد (تأسست عام 1350هـ / 1932م). وتوالى بعد ذلك صدور عدد من الصحف والمجلات، من أبرزها: مجلة المنهل (صدرت عام 1355هـ / 1937م)، وجريدة المدينة (صدرت عام 1356هـ / 1937م)   ، وجريدة الندوة (صدرت عام 1378هـ / 1959م)، وجريدة عكاظ (صدرت عام 1379هـ / 1960م)، فكانت الحجاز بهذا هي السابقة في نشوء الصحافة  ،  وفي منطقة الرياض صدرت مجلة اليمامة  وجريدة الرياض عام 1372هـ / 1953م، وجريدة الجزيرة عام 1384هـ / 1964م  ،  وفي بريدة صدرت جريدة (القصيم)   1379هـ / 1959م، ولكنها لم تُعمَّر طويلاً   .أما المنطقة الشرقية فكان أول ما صدر فيها مجلة (قافلة الزيت) عام 1373هـ / 1953م  ، وتُعَدّ أول عمل صحفي منتظم في هذه المنطقة، وكان لها إسهام كبير في تطوير الحركة الثقافية في المنطقة الشرقية خصوصًا، وفي المملكة عمومًا  ،  ومما صدر فيها أيضًا: جريدة (أخبار الظهران)، وصحيفة (الفجر الجديد)، ومجلة (الإشعاع)، ومجلة (الخليج العربي)  . وتُعَدّ صحيفة (اليوم) أبرز إصدار صحفي في المنطقة الشرقية، وقد صدر عددها الأول عام 1385هـ / 1965م  . وفي منطقة عسير صدرت (جريدة الوطن) عام 1421هـ / 2000م.ومن يستعرض تاريخ الصحافة في المملكة يجد كمًّا كبيرًا من الإصدارات التي لم يُعمِّر أكثرها  ؛  لأسباب وعقبات كثيرة، منها: ضعف وسائل الطباعة آنذاك، وضعف القدرات المادية عند كثير من رواد الصحافة  . وقد كان أغلب الإصدارات الصحفية بجهود أدباء ومثقفين، مثل: أحمد السباعي، وحمد الجاسر، وأحمد عبدالغفور عطار، وعبدالله بن خميس؛ ما جعل الصبغة الثقافية والأدبية غالبة على الصحافة في عهودها الأولى، وقد كانت صحافة رأي، وهذا أحد أسباب تميزها عن الصحافة في العقود اللاحقة  . وقد رعت الدولة إصدار عدد من المجلات ذات القيمة الثقافية المتعددة الاهتمام، من أبرزها: مجلة (المعرفة)  ، التي تولت إصدارها وزارة المعارف (التربية والتعليم حاليًا) عام 1379هـ / 1960م، ثم أعادت إصدارها مرة أخرى عام 1417هـ / 1996م. بعد توقف إصدارها ومنها أيضًا: (المجلة العربية)  التي أصدرتها وزارة التعليم العالي، ثم آل أمر إصدارها إلى وزارة الثقافة والإعلام، وقد صدر أول أعدادها عام 1395هـ / 1975م، وهي ثقافية منوعة، تخاطب القراء العرب، وتستقطب عددًا من الكتاب من أنحاء العالم العربي ومنها: مجلة (الفيصل) التي صدرت عام 1397هـ / 1977م  .  وكذلك: مجلة (الدفاع) التي تصدرها وزارة الدفاع، بهدف تثقيف منسوبي الجيش  ،  ومجلة (الحرس الوطني) التي صدرت عام 1400هـ / 1980م  ، لتسهم في الشأن العسكري والثقافي، وتهتم بالفكر والإبداع، ومجلة (الجيل) التي صدرت عام 1403هـ / 1983م من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وتهتم بإبداعات الشباب وترعى الثقافة في إطارها التهذيبي  . وقد صدرت في الآونة الأخيرة بمناطق المملكة عشرات الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية والشهرية والدورية، وقد كُلِّل المجال الصحفي في المملكة بإنشاء هيئة الصحفيين السعوديين في أواخر عام 1423هـ / 2003م  . 
 

التأليف والنشر

 
بدأت أولى خطوات حركة النشر حينما عُني الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بالإنفاق على طباعة الكتب  ؛ نشرًا للعلم، وتيسيرًا على طلاب العلم والمعرفة، وقد كانت تُطبع في الهند ومصر والشام  ،  وبلغ مجموع ما طبع آنذاك 98 كتابًا، بعضها في مجلدات  ،  ومن أقدمها "تاريخ ابن غنام" الذي طبع عام 1332هـ / 1914م  ،  وكانت الكتب التي تُطبع على نفقته توزّع مجانًا  . وبعد أن امتلكت الدولة (مطبعة أم القرى) تيسّر لها - بأمرٍ من الملك عبدالعزيز وتشجيع منه - طباعة عدد من كتب الدعوة الإصلاحية والتاريخ، مع استمرار النشر خارج المملكة على نفقته، رحمه الله  . وكان لعناية الملك عبدالعزيز بنشر الكتب، أثر في رواج كثير منها، وازدياد حركة نشرها  ،  وكان اهتمامه المحمود بأمر العلم ونشره "إرهاصًا بظهور نهضة طباعية في المملكة ازدهرت فيما بعد لتغطي مدن المملكة الرئيسة"  ،  وعُني أبناؤه من بعده بتشجيع النشر، وطباعة الكتب وتوزيعها، وكان من أبرز ما طبع - مثلاً - على نفقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد: الموسوعة العربية العالمية  التي ضمت نحو 13000 ألف مادة بحثية، وشارك في إنتاجها نحو ألف عالم وكاتب ومترجم ومُراجع علمي ولغوي وفني  ،  وكانت طبعتها الأولى عام 1416هـ / 1996م.وسارت مؤسسات الدولة كلها سيرة مؤسسها في تشجيع النشر والتأليف، من خلال إشرافها على المكتبات، وشراء الكتب من المؤلفين، ودعمها الواسع لدور النشر المحلية  .  كما بذل بعض علماء المملكة ووجهائها جهدًا ظاهرًا في نشر بعض كتب التراث في مصر؛ كالشيخ محمد نصيف  ،  والشيخ محمد سرور الصبان  . وحينما اتسع التعليم في مراحله المختلفة، وكثر طلاب المعرفة بكل فنونها، ارتفعت وتيرة النشر، وتشعبت اتجاهاته، وكان الظهور الأبرز للتأليف الشرعي، والتأليف في مجال الفكر الإسلامي  . لذلك نشطت الكتابات التاريخية والجغرافية التي كان من أعلامها حمد الجاسر، وكان موضوع معظم مؤلفاته: التاريخ  ،  وقد أصدر بمشاركة عدد من المعتنين بالتاريخ وجغرافية المملكة سلسلة (المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية)  ، وهو أهم عمل أقدم عليه واعتنى به  ،  وكان لمجلة (العرب)  التي أسسها وأشرف على إصدارها منذ عام 1386هـ / 1966م حتى وفاته، أثر كبير في نشر دراسات مهمة في تاريخ الجزيرة العربية خصوصًا، وتاريخ العرب عمومًا؛ فهي تُعَدّ كتابًا دوريًا ذا شأن، نهض به عالم موسوعي  ،  وقد نالت شهرةً على مستوى العالم العربي، عند المهتمين بدراسات تاريخ الجزيرة العربية  ،  وماتزال مجلة (العرب) تصدر حتى الآن برعاية مركز حمد الجاسر الثقافي، وتشرف عليها هيئة تحرير من الأساتذة الجامعيين.وممن أسهموا بالتأليف التاريخي والجغرافي: عبدالقدوس الأنصاري، وأمين مدني، وعبدالله بن خميس، ومحمد بن ناصر العبودي، وسعد بن جنيدل، وأبو عبدالرحمن ابن عقيل، ومحمد بن أحمد العقيلي، وعبدالرحمن العبيد، وغيرهم.وكان للرئاسة العامة لرعاية الشباب أيضًا دور مهم في تدوين التاريخ المحلي من خلال تشجيع التأليف عن المدن والمحافظات، ونشر ذلك في سلسلة (هذه بلادنا)   . وقد رصد بعض الدارسين في حركة النشر والتأليف حتى عام 1405هـ / 1985م ظاهرة غلبة التأليف الديني، يليه التأليف في اللغة والأدب  ،  واتسعت هذه الظاهرة في السنوات العشرين بين 1402 و 1422هـ / 1982 و 2001م  . وبسبب نمو الحركة العلمية وتشجيع الدولة للنشر والتأليف كثرت دور النشر الخاصة، في مناطق المملكة كلِّها، حتى تجاوزت 260 دارًا حتى عام 1420هـ / 1999م  . وفي مجال ثقافة الطفل نشطت جهات رسمية، وعُني مؤلفون بالكتابة للطفل، وخَصّت بعضُ الجامعات ثقافةَ الطفل بعنايتها، فأصدرت سلسلة من القصص  ،  ويذكر في هذا المجال جهد طاهر زمخشري الذي أصدر أول مجلة للأطفال عام 1379هـ / 1959م  ،  وعبدالرحمن الرويشد الذي أصدر مجلة الشبل عام 1402هـ / 1982م  ، وكان لها أثر تهذيبي وتربوي مهم  ،  واليوم تعددت الصحافة الموجهة للطفل، وكثرت دور النشر المعنِيَّة بما يُكتب له  ،  بل إن بعض الكليات المعنية بالدراسات اللغوية والأدبية أحدثت مقررًا باسم (أدب الطفل).إن نمو حركة التأليف والنشر، وبروز أسماء مهمة في العلم والثقافة، جعل كثيرًا من المجامع العلمية والهيئات الدولية تستقطب عددًا من رجالات الفكر في المملكة لعضويتها، منهم حمد الجاسر الذي يعدّ أقدم سعودي ينضم إلى عضوية مجمع اللغة العربية بدمشق، وكان ذلك عام 1370هـ / 1951م  ،  كما كان عضوًا في المجمع العلمي العراقي، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة  .  ومنهم أيضًا حسن القرشي الذي كان عضوًا في مجمعي القاهرة وعمّان للغة العربية  ،  وعبدالعزيز الرفاعي الذي كان عضوًا في مجمعي دمشق والقاهرة  ،  وعبدالله بن خميس الذي حظي بعضويتي المجمع العلمي العراقي ومجمع اللغة العربية بدمشق  ،  وأبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري الذي عمل عضوًا مراسلاً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة  ،  وأحمد الضبيب ومحمد الربيِّع وعوض القوزي وعبدالعزيز بن سليمان التويجري الذين انتُخبوا في مجمع القاهرة.وارتبط بنشاط حركة التأليف والنشر تنظيم معارض دولية ومحلية للكتاب، تولت الجامعات الإعداد لها وتنفيذها، وكان لجامعة الملك سعود قصب السبق في تنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب  ، وتبعتها جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وجامعة أم القرى في مكة المكرمة، وجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، وجامعة الملك فيصل في المنطقة الشرقية، وجامعة الملك خالد في أبها، كما كان لجهات أخرى دور في تنظيم معارض محلية، مثل المهرجان الوطني للتراث والثقافة، وبعض كليات المعلمين، وبعض الأندية الأدبية.وفي عام 1427هـ / 2006م تولت وزارة التعليم العالي تنظيم معرض الرياض الدولي للكتاب، وقد تضمّن فعاليات ثقافية، اشتملت على ندوات ومحاضرات، ومنها (الإيوان الثقافي) في بهو أحد الفنادق الكبرى وتضمَّن قراءات شعرية وقصصية ونقدية  ،  ثم وُكِل أمر رعايته وتنظيمه إلى وزارة الثقافة والإعلام، ويُنظّم معه في كل عام عدد من الفعاليات الثقافية، تشتمل على ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية وقصصية ونقدية.ج- المكتبات والمراكز الثقافية:عُنيت المملكة بإنشاء مكتبات في كل مناطقها، بعضها يتبع الجامعات، وبعضها يتبع جهات أخرى. ومن هذه المكتبات: مكتبة الحرم المكي التي تُعَدّ أقدم المكتبات في المملكة، وتحوي آلاف العناوين  ،  ومنها: مكتبة الحرم النبوي التي أنشئت عام 1352هـ / 1933م   ، ومكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة التي أنشئت عام 1374هـ / 1954م  ، وقد نقلت إليها مقتنيات عدد من المكتبات الوقفية؛ كمكتبة عارف حكمت والمكتبة المحمودية  ،  ومن المكتبات العامة أيضًا: مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض التي أُسست عام 1405هـ / 1985م، ومكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، ولهاتين الأخيرتين دور في تنشيط الحركة الثقافية بما تصدران من مجلات، وما تعقدان من ندوات ومؤتمرات، وللأخيرة اختصاص بتوثيق النتاج السعودي  ،  من خلال تطبيق نظام الإيداع، والترقيمات الدولية، والضبط الببليوجرافي الوطني  . ومن أقدم المكتبات في الرياض مكتبة الأمير مساعد بن عبدالرحمن وأنشئت عام 1363هـ / 1943م، والمكتبة السعودية التي أنشئت عام 1373هـ / 1953م، ومكتبة معهد الإدارة التي أنشئت عام 1381هـ / 1961م؛ وهي من أهم المكتبات المتخصصة في مجال العلوم الإدارية  . ويوجد حاليًا في مدينة الرياض - على سبيل المثال - أكثر من 30 مكتبة عامة  ،  وفي سائر مناطق المملكة مكتبات كثيرة تتبع وزارة الثقافة والإعلام  ،  وبعضها يتبع هيئات أهلية أو جمعيات خيرية.وفي المراكز العلمية مكتبات كبرى؛ كمكتبة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وهي مكتبة كبرى تحوي قاعدة معلومات متفرِّدة  ، وتتبع مركزَ الملك فيصل مكتبةٌ للأطفال، أسست عام 1407هـ / 1987م، وهي أول مكتبة متخصصة للأطفال في المملكة، تضم آلاف الكتب، وتحوي مجلات وأشرطة مرئية ومسموعة  ،  ومكتبة مركز سعود البابطين للتراث والثقافة.وفي الجامعات السعودية كلها مكتبات مركزية كبرى، وبلغ عدد المكتبات العامة في مختلف المناطق 71 مكتبة  ،  إضافة إلى المكتبات المدرسية التي سعت إلى تنظيمها وتزويدها بالجديد في كل حقول المعرفة  . وسعى كثير من السعوديين - أفرادًا ومؤسسات - إلى جمع المخطوطات أو صورها، حتى زخرت ببعض نوادرها مراكز البحث العلمي المرتبطة بالجامعات  . أما المكتبات الخاصة فهي كثيرة جدًا، حتى إنه "لا تخلو بلدة مهمة من شيخ أو أكثر يملك عددًا من كتب مطبوعة أو مخطوطة"  ،  ففي جدة عُرفت مكتبة الشيخ محمد نصيف  ،  وفي الرياض والأحساء اشتُهر عدد من الأسر بمكتبات خاصة  ،  وفي عسير وجازان مكتبات خاصة كثيرة، في بعضها مخطوطات نفيسة  . وتعدُّ المراكز الثقافية مصادر إشعاع علمي وفكري، ومن أهمها: مركز الملك فهد الثقافي  ،  ومركز سعود البابطين للتراث والثقافة بالرياض، ومركز حمد الجاسر الثقافيد- مراكز البحوث والدراسات العلمية:نشأت في المملكة مراكز متخصصة ترعى الثقافة في جانبها العلمي الدقيق؛ منها: دارة الملك عبدالعزيز التي أنشئت عام 1392هـ / 1972م  ؛ خدمة لتاريخ المملكة وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية خصوصًا، وتاريخ العرب والمسلمين وتراثهم عمومًا  ،  وقد أصدرت عددًا من كتب تاريخ المملكة، واهتمت بجمع الوثائق التاريخية عنها  . 
للبحوث والدراسات الإسلامية  ،  وقد أصدر هذا المركز عددًا من الكتب القيِّمة، وكان سباقًا إلى نشر بعض كتب الطب القديمة  . وفي إطار الحركة العلمية توسعت الجامعات السعودية في إنشاء برامج الدراسات العليا التي بدأت في المملكة بإنشاء (المعهد العالي للقضاء) عام 1385هـ / 1965م، وتزامن تخريج أولى دفعاته مع إجازة أول رسالة للماجستير من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة عام 1389هـ / 1969م  . ويُلاحِظ الراصد لاتجاهات الرسائل العلمية أن الاهتمام الأكبر فيها منصرف إلى الدراسات الشرعية، في الفقه والحديث، ففي جامعة الإمام محمد بن سعود - مثلاً - كانت الرسائل العشر الأولى المجازة فيها في مرحلة الماجستير: في الفقه  ،  أما مرحلة الدكتوراه فكانت الرسائل العشر الأولى المجازة فيها موزعة على الفقه (خمس رسائل)، والأدب (رسالتان)، ورسالة واحدة في كل من السنّة وعلومها والتاريخ والتربية  . واليوم نجد في معظم الجامعات في كثير من المناطق برامج دراسات عليا، تشمل كل التخصصات العلمية  . كما كان للجامعات السعودية دور بيِّن في نشر التراث، وهو جزء من النشاط العلمي الذي اضطلعت به، وكان لجامعة الملك سعود السبق التاريخي في هذا النشر، تليها جامعة الإمام محمد بن سعود، ثم توالى نشاط الجامعات في نشر كتب التراث المحققة تحقيقًا علميًا، وتأتي جامعة أم القرى في مكة المكرمة والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ضمن منظومة المؤسسات العلمية المعتنية بالتراث تحقيقًا ونشرًا، من خلال مركزَي البحث العلمي فيهما  .وكان من نتائج عناية الجامعات بنشر التراث، ازدهار طباعته وتوزيعه في المكتبات التجارية داخل المملكة وخارجها، ولم يكن لهذا النشر - وبخاصة في مجال العلوم الشرعية - أن يحقق ما وصل إليه من توسع، لولا هذه الحركة المتنامية التي قادتها الجامعات السعودية  . وفي إطار الحركة العلمية شهدت المملكة صدور عدد من المجلات العلمية المحكّمة، التي" تُعَدّ منفذًا مهمًا من المنافذ التي لجأ إليها المحققون والباحثون لنشر الكتب الصغيرة والرسائل"  ،  ومنها (مجلة العرب) سابقة الذكر ومجلة (عالم الكتب) التي أسسها عام 1400هـ / 1980م الأديبان عبدالعزيز الرفاعي وعبدالرحمن المعمر  ، وأسهمت إسهامًا كبيرًا في الحركة العلمية، وتفرّع عنها عام 1417هـ / 1996م مجلة (عالم النوادر والمخطوطات)  ،  ومجلة (الدرعية) التي أسسها أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري والتي تعنى بالتاريخ العام للجزيرة العربية وآدابها، وتاريخ المملكة، وكان لبعض المؤسسات الثقافية مشاركة في نشر بعض كتب التراث المحققة  . أما المجلات العلمية الصادرة عن الجامعات، فهي كثيرة، ففي كل جامعة مجلة واحدة أو أكثر، وأقدمها مجلة جامعة الملك سعود التي صدر عددها الأول عام 1377هـ / 1957م   ، قبل أن تُقسم إلى عدد من المجلات على حسب التخصصات العلمية، وقد عُنيت هذه المجلات بنشر النتاج العلمي لأعضاء هيئات التدريس، وكان لأكثرها عناية خاصة بنشر التراث وتحقيقه  . 
 

الجمعيات العلمية

 
أنشأت الجامعات السعودية جمعيات علمية متخصصة، تسعى إلى تنمية الفكر العلمي، والعمل على تطويره وتنشيطه، وتحقيق التواصل مع الهيئات والمؤسسات العلمية، وتيسير تبادل الإنتاج العلمي والأفكار العلمية في مجالات تخصص كل جمعية  ؛  خدمة للعلوم والآداب والفنون المختلفة، وقد تيسّر لها خدمة الثقافة في المملكة من خلال إصداراتها المحكَّمة وغير المحكَّمة، وتنظيم الندوات والمحاضرات، ونشر الكتب، وقبل ذلك جَمْع المتخصصين في العِلْم الواحد تحت مظلاتها، ومن هذه الجمعيات: الجمعية العلمية السعودية للعلوم التربوية والنفسية، والجمعية العلمية السعودية للغة العربية، والجمعية الجغرافية السعودية، والجمعية التاريخية السعودية، وغيرها من الجمعيات العلمية، ويكاد يكون لكل عِلْم جمعية مختصة به، وتتقاسم الجامعات الإشراف على تلك الجمعيات.
 

 الجوائز الثقافية

 
لعل أشهر الجوائز في المملكة جائزة الملك فيصل العالمية التي أنشأتها مؤسسة الملك فيصل الخيرية عام 1397هـ / 1977م، وتمنح للعلماء الذين برزوا في مجالات: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، والأدب العربي، والطب، والعلوم   ، وقد صار لهذه الجائزة أصداء عالمية؛ لحياديتها وشموليتها، وأثرها في تشجيع البحث العلمي، دون التأثر بجنسية أو دين.وتمنح هذه الجائزة بناء على الترشيحات التي ترد من الجامعات والمؤسسات العلمية، على مستوى العالم، في إطار ضوابط ومعايير دقيقة  ،  ولهذه الجائزة لجان تضم عددًا من الشخصيات العالمية  . وفي عام 1400هـ / 1980م صدر المرسوم الملكي رقم 12645 بالموافقة على إنشاء جائزة الدولة التقديرية في الأدب؛ تكريمًا للرواد في مجال الفكر والثقافة والأدب، وحفاظًا على التراث الأدبي واللغوي، وتنميته، وتشجيعًا للأدباء على الإجادة والإتقان  ،  وتمنح كل عام لثلاثة من الأدباء السعوديين، ممن أسهموا إسهامًا جليلاً في خدمة الحركة الدينية والفكرية والأدبية في المملكة  . وقد منحت عام 1403هـ / 1983م لكل من: أحمد السباعي، وحمد الجاسر، وعبدالله بن خميس  ،  ثم مُنحت عام 1404هـ / 1984م لكل من: الأمير عبدالله الفيصل، وأحمد عبدالغفور عطار، وطاهر زمخشري  . وقد أحدثت هذه الجائزة أثرًا كبيرًا في الحركة الثقافية، وصارت حدثًا أساسيًا في الخطاب الإعلامي المحلي  . ومن الجوائز العالمية جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة  ، وجائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية، وفيها فرع لتكريم الروّاد في الدراسات الثقافية والتاريخية.وجائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية  ، وتمنح في ثلاثة أفرع: جائزة للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، وجائزة لخدمة السنة النبوية، وجائزة لحفظ الحديث النبوي، وقد كان لها أثر كبير في زيادة العناية بالسنة النبوية، وتشجيع البحث فيها، وتكريم من أسهم في خدمتها  . ومن الجوائز الثقافية المهمة جائزة أبها، وهي من أقدم الجوائز، إذ يعود إنشاؤها إلى عام 1393هـ / 1973م، ومن أهدافها الإسهام في إثراء الحركة الثقافية وتنشيطها، ودفع عجلة الإبداع في اتجاه التميز، وتقدير جهود الباحثين والمبدعين من الأدباء، والعناية بالموهوبين  . وللأندية الأدبية جوائز متعددة، بعضها سنوي يمنح للمبدعين الناشئين في فنون شتى  ،  وبعضها يمنح للمتميزين من الباحثين، ففي نادي الرياض جائزة سنوية للدراسات والبحوث الخاصة بالأدب السعودي  ، وأخرى للإبداع السعودي  ،  وفي المدينة المنورة يشرف النادي الأدبي على جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية  ،  وهي جائزة تمنح للأعمال العلمية المتميزة في تاريخ الجزيرة العربية، وجغرافيتها، وما يتعلق بها من دراسات، وقد أسست عام 1409هـ / 1989م، وبدأت مسيرتها الفعلية عام 1414هـ / 1993م  . وفي المدينة المنورة جائزة أخرى، تحمل اسمها، وتمنح في ثلاثة أفرع: البحث العلمي، والتفوق الدراسي، والخدمات العامة  . وقد أنشئت في عدد من مناطق المملكة جوائز للتفوق العلمي، بعضها مختص بتشجيع حفظ القرآن الكريم، كجائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وبعضها يشمل التفوق العلمي مطلقًا، كجائزة الأمير محمد بن فهد، وجائزة الأمير مشعل بن سعود، وجائزة خالد بن أحمد السديري، وجائزة تبوك، وجائزة الفالح  ،  وجائزة الأمير محمد بن سعود للتفوق العلمي في الباحة، وغيرها من الجوائز التي تشجع على التفوق العلمي.وقد مُنحت تلك الجوائز الكثيرة لشخصيات علمية وفكرية، ولأدباء كبار، وأدباء ناشئين، داخل المملكة وخارجها، كما مُنِحت لباحثين في مختلف ضروب المعرفة، ولشخصيات عربية وأجنبية  . 
شارك المقالة:
172 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook