التحصينات العسكرية بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
التحصينات العسكرية بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

التحصينات العسكرية بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تعد منطقة مكة المكرمة من أكثر مناطق المملكة العربية السعودية - بعد منطقة عسير - في تحصيناتها العسكرية، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل من أهمها
كثرة الفتن التي حدثت بها خلال العصر الإسلامي، وبخاصة بين أسر الأشراف الحاكمة
ما شهدته من أحداث سياسية منذ القرن الثاني عشر الهجري سواء بين الدولة السعودية والدولة العثمانية، أو بين سكان المنطقة والدولة العثمانية
كثرة قراها وبخاصة فيما بين الهدا والشفا، وكذلك قرى الأشراف في لية، وقرى كل من ثمالة وبني سعد وبني الحارث وثقيف وبني مالك، فقد بني في كل قرية حصن أو أكثر، لأغراض الحماية إبان حقبة الصراعات القبلية
مرور دروب الحج والقوافل التجارية بالمنطقة، وكذلك كثرة الدروب المحلية الموصلة بين أجزائها
الأهمية الدينية والتجارية والإستراتيجية التي تتمتع بها المنطقة عن غيرها من المناطق الأخرى
وعلى الرغم من كثرة التحصينات العسكرية في منطقة مكة المكرمة إلا أن ما تبقى منها لا يمكن مقارنته بما كان قائمًا منها، فأزيل عدد من القلاع التاريخية في المدن، وكذلك أزيلت الأسوار في المدن بعد التوسع العمراني الذي شهدته في العهد السعودي، كما أن حصون القرى والحصون التي بنيت على رؤوس الجبال، بمحاذاة دروب الحج والقوافل التجارية والدروب المحلية قد تهدمت بعد ظهور وسائل النقل والمواصلات الحديثة، فهجرت هذه الطرق، ولم يعد لمثل هذا النوع من المنشآت أي دور أمني يذكر
لقد كان بمكة المكرمة إلى وقت قريب عدة قلاع عسكرية، من أهمها: قلعة أجياد  ، وقلعة لعلع أو قلعة فلفلة  ، وقلعة هندي، غير أن الأولى أزيلت مؤخرًا لإقامة وقف الملك عبدالعزيز الخيري عليها للإنفاق من ريعه على المسجد الحرام، وقد بنيت هذه القلعة عام 1196هـ / 1782م  ،  على مقدمة قمة جبل خليفة المطل على المسجد الحرام من الناحية الجنوبية. وهي مستطيلة الشكل تمتد باستطالة من الشمال إلى الجنوب، مدخلها يتوسط الجدار الشمالي، وهو معقود بعقد نصف دائري، وبأركانها أبراج مضلعة، أما من الداخل فنظرًا لطبيعة مقدمة الجبل فقد ظهرت القلعة على مستويات متعددة ويتوسطها عدد من الأفنية المكشوفة التي تحيط بها الغرف المخصصة للقادة والجنود، إضافة إلى مستودعات خزن الأسلحة والمأكولات، وإصطبلات الخيول. وقد عُثر بهذه القلعة على عدد من فوهات المدافع التي يعود تاريخها إلى أواخر الحكم العثماني
وبالنسبة إلى قلعة لعلع أو قلعة فلفلة فتقع على إحدى قمم جبل قعيقعان، يعرف باسم: جبل لعلع، ومنه أخذت القلعة مسماها، بنيت عام 1215هـ / 1800م، وهي مستطيلة الشكل تتكون من طابقين، يتوسطها فناء مكشوف تحيط به من جميع الجهات مرافق القلعة، أما مدخلها فيتوسط الجدار الجنوبي للقلعة، حولت عام 1285هـ / 1878م إلى مستشفى، ثم حولت في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى مركز للبرق ومدرسة للاسلكي ولاتزال هذه القلعة بحالة جيدة، ولكنها مغلقة
وفيما يتعلق بقلعة هندي فتقع على إحدى قمم جبل قعيقعان تعرف باسم: جبل هندي المطل على المسجد الحرام من الناحية الغربية، ولكنها أزيلت تمامًا ولم يبق منها إلا قاعدة البناء، بنيت عام 1221هـ / 1806م، وهي مستطيلة الشكل، يدخل إليها من السور الشرقي، ولها أربعة أبراج دائرية مضلعة في الأركان، وتصل الأسوار بين أبراجها الأربعة، ومن الداخل يتوسطها فناء تحيط به مرافق القلعة، وقد أجريت على هذه القلعة تعديلات في عهد الوالي العثماني نوري باشا، وكذلك في العهد السعودي، وقد اتخذت منذ عام 1335هـ / 1916م مدرسة، ثم قلعة عسكرية عام 1343هـ / 1924م، ثم حولت إلى مركز للإذاعة ومدرسة لتحضير البعثات ومعهد لإعداد المعلمين، فكلية للشريعة والدراسات الإسلامية عام 1369هـ / 1949م 
أما على أطراف مكة المكرمة فقد أنشئت قلعة (القشلة) التي عُرفت باسم دار الضيافة أو المسافر خانة، وذلك في بداية الحفاير جنوب شرق مبنى فرع وزارة البرق والبريد والهاتف، بوشر في بنائها عام 1312هـ / 1894م، وتـم الانتهاء من البناء عـام 1318هـ / 1900م، كان الهدف من إنشائها أن تكون مأوى لفقراء الحجاج، إلا أنها بعد بنائها استخدمت مقرًا للقوات العثمانية، تأخذ شكلاً مستطيلاً أبعاده 150×90م، يتوسطها فناء واسع تطل عليه أربع وحدات سكنية مكونة من طابقين، يصعد إلى أعلى عن طريق ثمانية سلالم. وتتكون هذه الوحدات من عدد كبير من الغرف، وستة وتسعين حمامًا، فيدخل إلى القشلة من أربع بوابات رئيسة كل واحدة تتوسط جدارها، طرازها المعماري متأثر بطرازي الباروك والروكوكو  ،  وقد أزيلت هذه القلعة (القشلة) عام 1411هـ / 1991م لإقامة مجمع المحاكم الشرعية بمكة المكرمة مكانها
كما كان بمدينة الطائف قلعتان، إحداهما كانت عند باب الريع غرب الطائف وتعرف باسم قلعة باب الريع أو قلعة الطائف، وهي مربعة الشكل تقريبًا، وتتكون من عدة أدوار، وبكل ركن من أركانها برج دائري. أما القلعة الثانية فكانت في العزيزية  ، إذ بنيت على جبل عكابة، ولم يبق منها إلا برجان دائريان بهما فتحات معقودة
كما أنشئ في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) ثكنة عرفت باسم (قشلة)، في الجهة الغربية من الطائف خارج السور، تأخذ شكلاً مربعًا، ويبلغ إجمالي مساحتها 90.000م  ، ويتوسطها فناء واسع تدور حوله مهاجع الجند وإصطبلات الخيول ومخازن الغذاء والسلاح، جدد عمارتها عثمان نوري باشا عام 1301هـ / 1883م، ثم أزيلت وبني في موضعها مبنى مجلس الوزراء ومجمع الوزارات 
أما في تربة فيوجد قلعة في وسط المدينة تعرف باسم قلعة منيف، بنيت في القرن الثالث عشر الهجري، وقد تهدمت أجزاء من جدرانها، وهي مبنية بالحجارة واللبن
ومن القلاع التي بنيت خارج المدن، قلعة عسفان  على مسافة ثمانين كيلومترًا شمال غرب مكة المكرمة، بنيت هذه القلعة على الأرجح في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، فوق جبل صغير على يمين القادم إلى مكة المكرمة، تأخذ شكلاً مربعًا، يلفت النظر فيها لونها الأسود، نظرًا لبنائها بحجر بركاني، وكذلك أبراجها نصف الدائرية، إذ بني في كل جدار أربعة أبراج  تهدمت أجزاء كبيرة من هذه القلعة، ولم يبق إلا أجزاء من جدرانها وبعض أبراجها
وقلعة العينة التي تقع جنوب القنفذة على بعد كيلومترين اثنين منها، تأخذ شكلاً مربعًا بأبراج نصف دائرية في أركانها، ولايستبعد أن تكون هذه القلعة قد بنيت في حكم بني رسول أو في حكم سلاطين حلي
ومن القلاع كذلك قلعة كنداث  ، التي بنيت على قمة جبل كنداث شرق كلاخ التي تبعد عن الطائف خمسة وثلاثين كيلومترًا شرقًا، تهدم معظم أجزائها  ،  ومن المرجح أنها بنيت في أواخر الحكم العثماني
وقلعة الزيمة  على طريق السيل على بعد خمسة وثلاثين كيلومترًا شرق مكة المكرمة، تأخذ شكلاً مستطيلاً طوله ثمانون مترًا, وعرضه خمسون مترًا، تهدمت كليةً ولم يبق إلا أساساتها، ويُظن أنها بنيت في العهد العباسي في عهد المقتدر بالله، ثم أجريت عليها ترميمات خلال القرون الإسلامية اللاحقة 
وبالإضافة إلى ذلك فهناك قلعة أخرى في قرية الزيمة بأسفل وادي نخلة بنيت عام 1219هـ / 1408م بأمر الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود أحد أئمة الدولة السعودية الأولى، وهي مستطيلة الشكل طولها خمسة وسبعون مترًا، وعرضها اثنان وثلاثون مترًا، يتوسطها فناء مكشوف تطل عليه من الداخل مرافق القلعة
وقلعة شنقل الواقعة شمال تربة وغرب حرة نواصيب. وقد بنيت هذه القلعة في أوائل القرن الرابع الهجري، وهي متهدمة في الوقت الحاضر، ولم يبق منها إلا أجزاء مبنية باللبن
وقلعة المسهر  ، الواقعة في الغريف جنوب الخرمة، على مسافة 45كم منها، تأخذ شكل برج دائري مبني باللبن ارتفاعه 4م، بنيت في القرن الحادي عشر الهجري، وقد تهدمت أجزاء كثيرة منها  
أما قلعة شائق أو العرفاء أو الشريف أو قلعة جبل العرف، فبنيت على الأرجح في القرن الثاني عشر الهجري على السفح الشمالي الغربي لجبل العرف بالعرفاء المقابل للمطار العسكري بالحوية. وهي مستطيلة الشكل أبعادها 35×22م، بنيت من الحجر، ما عدا الجزء العلوي منها الذي بني باللبن، وتماثل في تخطيطها تخطيط القلاع السابقة، وتتميز عنها بتزيينها بأحجار المرو، ولها برجان يكتنفانها، أحدهما في الركن الشمالي الغربي، والآخر في الركن الجنوبي الشرقي زينت الحافة العلوية فيهما بأشكال مثلثات رأسية بأحجار المرو الناصعة البياض
 
ومن القلاع التي بنيت بين المدن، قلعة العبد في أم السلم على طريق مكة المكرمة - جدة القديم، ولم يبق من هذه القلعة إلا جدارها الجنوبي الغربي، يرجح بناؤها في أواخر الحكم العثماني  . 
ومن التحصينات العسكرية الأسوار، وقد عرفت مدن المنطقة هذا النوع من التحصينات منذ ما قبل الإسلام، واستمر هذا النوع من التحصينات خلال العصر الإسلامي، فقد أحيطت مكة المكرمة بالأسوار من جوانبها المفتوحة رغم تحصيناتها الطبيعية التي لا تتوافر لمدينة أخرى في المنطقة، وقد زودت هذه الأسوار بثلاث بوابات، هي: بوابة المعلاة، وبوابة المسفلة، وبوابة الشبيكة
وفي الطائف أحاطت ثقيف المدينة بسور عالٍ له بابان، باب صعب لبني يسار، نسبة إلى يسار بن مالك بن حطيط بن قسي (ثقيف)، وباب ساحر لبني عوف بن قسي، ثم جدد هذا السور عام 1214هـ / 1799م من الحجر واللبن، وجعل له ثلاثة أبواب، هي: باب الريع، وباب العباس، وباب الحزم، ثم استحدث بابان آخران في عهد الملك عبدالعزيز هما باب جديد في الضلع الشرقي، وباب العزيزية في الضلع الشمالي
أما في جدة فقد كانت المدينة محاطة بسور  جدد بناءه السلطان قانصوه الغوري عـام 917هـ / 1511م، يتكون هذا السور من خمسة أضلاع بكل ضلع باب واحد وخمسة أبراج مراقبة، تم تجديده عدة مرات بعد ذلك، أما البوابات حتى قبل هدم السور فقد كانت على النحو الآتي: باب مكة المكرمة في الضلع الشرقي، وباب المدينة أو باب جديد في الضلع الشمالي، وباب شريف أو باب مكة المكرمة في الضلع الجنوبي، وباب صُريف في الركن الشمالي الغربي، وباب المغاربة، وباب النافعة في الضلع الغربي
وقد انفرد كل من سوري جدة والطائف بحفر خندق أمام كل منهما زيادة في تحصين المدينتين، بالنظر إلى الأحداث العسكرية التي شهدتهما، ثم في أواخر عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أزيلت هذه الأسوار بعد التوسع العمراني الهائل الذي شهدته هاتان المدينتان، وتطور وسائل النقل والمواصلات فيهما. وبالنسبة إلى السراديب فقد ذكر بعض كبار السن عن وجود أنفاق تحت الأرض تصل بين الأسوار والقلاع، كما هو الحال في مدينتي مكة المكرمة والطائف
أما الأبراج فقد بقي منها ثلاثة في كل من الطائف، والقنفذة، ورابغ  ، فبالنسبة إلى برج الطائف فيعرف باسم (برج غلفة)، وهو ما بقي من سور المدينة، إذ يمثل الركن الجنوبي الغربي من السور، ويقع على بعد مئتي متر من الركن الشمالي الغربي لجدار القبلة بمسجد عبدالله بن عباس رضي الله عنه. وقد صمم هذا البرج على شكل دائري، بني من أسفله بالحجارة، ومن أعلاه باللبن، قطره أربعة أمتار, وارتفاعه ثلاثة أمتار
وبالنسبة إلى برج القنفذة فيقع في مواجهة الميناء، ويعرف عند سكان المدينة باسم (القاز خانة)، وهو أسطواني الشكل قطره ستة أمتار، وارتفاعه واحد وثمانون مترًا، بني بالآجر في أواخر الحكم العثماني
أما البرج الثالث فيقع في رابغ شرق الشارع العام بالقرب من الجامع، إذ يشكل الركن الشمالي الشرقي من قلعة رابغ، وهو مثمن الأضلاع، ارتفاعه ستة أمتار، ومغطى بطبقة من الجص، بني في أواخر الحكم العثماني 
أما الحصون فهي كثيرة بالمنطقة، وبخاصة في غرب الطائف وفي جنوبه، فتكثر القرى في هذه المناطق، وتتميز هذه الحصون إجمالاً بارتفاعها الشاهق، إذ يبلغ متوسط الارتفاع خمسة عشر مترًا، ولها مدخل واحد، وتتكون من عدة طبقات، وغالبًا ما تزين من أعلاها بأحجار، كما يشاهد في بني سعد، وبني الحارث، وثقيف، وبني مالك، وثمالة، والشفا، والهدا
وقد اشتملت هذه التحصينات العسكرية على عدد من العناصر المعمارية، مما له صلة بالناحية العسكرية، مثل: المزاغل (الشقوف السهمية)  ، والسقاطات  ،  سواء فوق البوابات أو في جدران الأبراج والأسوار
شارك المقالة:
75 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook