البيئات النباتية في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
البيئات النباتية في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

البيئات النباتية في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
تشغل المملكة العربية السعودية نحو 70% من مساحة شبه الجزيرة العربية، فمساحتها نحو 2.150.000كم  ، وهذا أفرز تباينًا جغرافيًا نابعًا من تعدد دوائر العرض وخطوط الطول ومستوى الارتفاع عن سطح البحر  .  وتغطي منطقة عسير 78162كم  من الأرض، موزعة بين أراضٍ منخفضة في سهل تهامة في الغرب، وفي بيشة في الشرق، وتشكل الأخيرة المساحة الكبرى من هذه المنطقة، وترتفع مرتفعات عسير بينهما، ويصل أقصى ارتفاعٍ لها نحو 3000م فوق سطح البحر في جبل السودة إلى الشمال الغربي من مدينة أبها بمنطقة عسير، وهذا البعد الرأسي زاد من درجة التنوع الأحيائي، على الرغم من وقوع المملكة العربية السعودية ضمن الحزام الصحراوي الحار والجاف، إلا أن هذه المرتفعات تعد استثناءً من هذه القاعدة؛ ففي كثير من أجزائها العليا يسود مناخ شبيه بمناخ حوض البحر الأبيض المتوسط، كما حوت أوديتها وشعابها - في أجزائها الوسطى وعند أقدامها - بيئات خاصة أقرب ما تكون إلى تلك المنتشرة على خط الاستواء. وتشكل مرتفعات عسير العمود الفقري للمرتفعات الجنوبية الغربية من المملكة.
 
وتضم هذه المرتفعات بيئات شتى تحوي نسبة لا بأس بها من نباتات المملكة العربية السعودية. ناهيك عن البيئات الخاصة المنتشرة على طول هذه المنطقة وعرضها، مثل: بيئات الأودية الطميية الزراعية، ومجاري الأودية والسيول، والمستنقعات المائية العذبة وشبه المالحة، وبيئات الينابيع العذبة والمعدنية، وبيئات الواحات. كل هذا أكسب المنطقة أهمية من بين مناطق المملكة العربية السعودية على اختلافها. وتنتشر في منطقة عسير مجتمعات نباتية شتى  ، ويمكن ترتيبها بدءًا من سهل تهامة في الغرب على مسافة ليست بعيدة عن ساحل البحر الأحمر وانتهاءً بقمم المرتفعات كما سيأتي في الجدول التالي
 
وحيث إن منطقة عسير تبدأ من العمق الشرقي لسهل تهامة، حيث محايل عسير، فإن وجود النباتات الملحية يكون أقرب إلى الندرة، لكن توجد فيها نباتات جفافية تزدهر، ومن هذه النباتات: العرفج (Dipterygium glaucum)، والعشر (العشار) (Calotropis procera)، كما توجد بيئة الغدران (Wet depression)، ومن نباتاتها العكرش (Aeluropus lagopoides)، وعلى العكس من هذه المنخفضات الرطبة ترتفع أكمات رملية تتوجها مستعمرات دائرية من نبات شجيري هو نبات القطب (Cadaba rotundifolia). وفي الأراضي المستوية وجنبات الأودية وأحيانًا وسطها تنمو أشجار وشجيرات تابعة لجنس الأكاسيا (Acacia) ومنها: السلم (Acacia ehrenbergiana)، والسمر (Acacia tortilis)، مع وجودالأثل (العرين) (Tamarix aphylla). أما بطون بعض الأودية في القطاع الأقرب من هذا السهل لحافته الشرقية فتتشكل فيها غابات شبه خالصة من شجيرات الأراك (Salvadora persica)، وفي أودية أخرى تنتشر أشجار السدر العملاقة (Ziziphus spina - christi)، في حين تنفرد شجيرات المرْخ (Leptadenia pyrotechnica) بالمشهد في عدد من الأودية في هذا القطاع وعند أقدام الجبال حتى ارتفاع 200م فوق سطح البحر.
 
وتسود أشجار السمر وشجيرات المض (Anisotes trisulcus) وأشجار الدوم (Hyphaene thebaica) بعد هذا الارتفاع حتى ارتفاع 800م فوق سطح البحر، وتسود شجرة الظهيان (Acacia asak) وشجرة القَرَض (A.etbaica) وتتبعان لجنس الأكاسيا، ومن هذا الارتفاع حتى نحو 900م فوق سطح البحر تنتشر أشجار العُتْم (الزيتون البري) (Olea europaea)، ومجتمع هذه الشجرة قد يصل في بعض الأحيان إلى 1600م فوق سطح البحر. وأحيانًا تمتزج غابات الزيتون البري هذه بغابات العرعر، كما هي الحال في محمية ريدة، وعلى ارتفاعات تفوق 2000م فوق سطح البحر. ومن بعد الارتفاع الأخير حتى متوسط ارتفاع يفوق 1000م فوق سطح البحر تظهر أشكال من أشجار تسمى محليًا الضـرو (Pistacia cf. khinjuk)، ثم تظهر بعد هذا الارتفاع حتى أعلى من 3000م فوق سطح البحـر غابات العرعر (Juniperus procera). ويعد مجتمع هذه الشجرة أغنى المجتمعات في هذه المنطقة وأكثرها تنوعًا بيئيًا؛ مما يبرز أهمية هذه الشجرة.
 
وبالإضافة إلى الخمسة عشر مجتمعًا نباتيًا، توجد في هذه المنطقة - حسب الموقع البيئي - مجتمعات أخرى، فمثلاً تشكل حشائش السافانا القصيرة غطاءً لكل جزء من الأرض على قدر ما تسمح به البروزات الصخرية لمرتفعات عسير، والسفوح الشرقية لها ومناطق التلال والهضاب والسهوب والأودية الشرقية، وبمشاركة شجيرات وأشجار ذات طابع ونكهة جديدين، مثل تلك الشجيرات العطرية والطبية التابعة للعائلة الشفوية، ومنها: الضرم (الجثجاث) (Lavandula dentata)، والشّيْعَة (L. pubescens)، والأشجار ذات الأوراق العريضة مثل عدد من الحماطيات (التينيات) (Ficus). وتصل الارتفاعات حدها الأعلى عند قمم الجبال في قمة السودة، ومتنـزه السحاب وقمة محمية ريدة، وتسود مجتمعات المدرجات الزراعية على السفوح العليا من المرتفعات خصوصًا تلك المنتشرة على السفوح المواجهة للشرق. ويسود هذه السفوح وقممها مناخ أقرب ما يكون إلى مناخ حوض البحر الأبيض المتوسط، وفيه تجود زراعة الحمضيات والعنب والرمان، وأشجار اللوز والخوخ والمشمش. ويمكن الاستمتاع صيفًا بثمار التين العادي والتين الشوكي (البرشومي) وثمار التوت، مع الاستمتاع بأريج الورود والأزهار الطبيعية المزروعة.
 
وبالتقدم نحو الشرق حيث تلتقي الحدود الشرقية لهذه المنطقة مع الحدود الغربية لمنطقة الرياض، وإلى الجنوب الشرقي حيث تلتقي مع منطقة نجران تظهر مرة أخرى مجتمعات النباتات الشوكية ونباتات الأكاسيا (Acacia) التي تغطي نواحي متعددة من سهوب رملية صحراوية مفككة التربة، تسودها الكثبان الرملية المتحركة وتؤثر فيها، ولا يخفف من حدتها إلا وجود تجمعات من نباتات العوسج وبعض الشجيرات الصحراوية شديدة التحمل للتقلبات البيئية، ومن أشهرها: شجيرات المرخ، ويكسر رتابة هذه السهوب الصحراوية مرور الأودية، وهي ذات بيئة خضراء مميزة؛ حيث تكثر فيها أشجار السدر المعمرة واليافعة بلونها الأخضر الزاهي، وتبرز نباتات الهضاب والحرات من حين إلى آخر عند الاتجاه شرقًا. وعند الاتجاه الشمالي الشرقي تبرز بيئة مميزة؛ حيث تأخذ الأرض في الانحدار التدريجي نحو الجنوب الشرقي والشمال الشرقي، فتظهر واحات نخيل البلح في تجمعاتها البستانية، ومن أشهرها: الواحات التي في محافظة بيشة، كما تظهر تجمعات من أشجار الطلح والسمر، وشجيرات العوسج، لكن المساحات الجرداء تسود المشهد معظم أيام السنة. هذا وتنتشر هنا وهناك وعلى مقربة من المدن والمجمعات القروية والمنشآت الصناعية مجتمعات نباتية تعد وليدة بيئات من صنع الإنسان.
 
إن أنماط البيئة النباتية لمنطقة عسير مشابهة لتلك الموجودة في منطقتي مكة المكرمة والباحة، وتنقسم إلى البيئات الآتية: بيئة الأودية الصحراوية الحارة، وبيئة الأودية المرتفعة الباردة، وبيئة أقدام الجبال، وبيئة المنحدرات والسفوح الجبلية متوسطة الارتفاع والعالية، وبيئة المدرجات الزراعية  ، وبيئة قمم الجبال، وبيئة السفوح الشرقية لمرتفعات عسير، وبيئة الهضاب الشرقية لهذه المنطقة، وبيئة الصحراء الشرقية لهذه المنطقة، وبيئة الحرات، والبيئات المستحدثة بفعل الإنسان حيث تنقسم إلى الآتي: بيئة المدن والقرى والتجمعات السكانية المختلفة، وبيئة مرامي النفايات الصلبة، وبيئة النفايات السائلة (الصرف الصحي)، وبيئة السدود (ومن أشهرها سد أبها).
 
 وتعتري الرعي والمراعي في منطقة عسير المشكلات نفسها التي تعتري بقية مناطق المملكة العربية السعودية، وفيما يخص النباتات الرعوية النامية في منطقة عسير، فهي تنقسم - مثل غيرها في بقية مناطق المملكة العربية السعودية - إلى أشجار وشجيرات وأعشاب ونجيليات، مع وجود أنواعٍ من السراخس والحزازيات، كما أن النباتات الحولية من أعشاب ونجيليات تؤدي دورًا مهمًا في الرعي والمراعي في هذه المنطقة. ومن أمثلة النباتات الرعوية المعمرة المهمة تلك التي تنتمي إلى العائلة النجيلية، ومنها ما ينتمي إلى عائلات أخرى، مثل: العائلة البقولية، والمركبة، والرمرامية، وعائلات أخرى مختلفة. ومن النباتات الرعوية التابعة للعائلة النجيلية نبات السلبانة (الصخبر) (Hyparrhenia hirta L. Stopf)، والشعيرية (Themeda triandra Forssk)، ومن العائلة البقولية شجرة السمر (Acacia tortilis Forssk. Hayne)، والسمر واسع الانتشار في الأجزاء المنخفضة في منطقة عسير، سواء الأجزاء الواقعة ضمن منخفض تهامة في الغرب، أو تلك الواقعة في شرق المنطقة وشمالها وجنوبها أيضًا. وترعى الإبل والمعز الأطراف الغضة من فروع هذا النبات؛ مما يغير من شكله العام. ومن نباتات المراعي عائلة الحمض، وتحتوي هذه العائلة على عدد من الأنواع النباتية التي ترعاها الإبل. ومن نباتات الفصيلة المركبة نبتة العرفج (Rhanterium epapposum)، وهي تحت شجيرة شائعة الانتشار، سيقانها بيضاء فضية اللون كثيرة التفرع من قاعدتها، وأغصانها متشابكة، وأوراقها صغيرة، وتنتظم أزهارها في رؤوس صفراء اللون، وتعطي كميات وفيرة من المرعى.
 
وتضم بيئات منطقة عسير أشجارًا ونباتات رعوية متعددة، ومنها:
 
أشجار الجميز (Ficus sycomorus)، وهي من العائلة التوتية (Moraceae)، وتقبل الأغنام وقطعان الماشية على أكل ثمارها التي تسقط ناضجة على الأرض، كما أن بعض الرعاة ذوي الخبرة يخلطون أوراقها الغضة مع أعلاف مواشيهم لتسمينها وتحسين صحتها. وتعد الأنواع التالية ضمن النباتات الرعوية النامية في المواقع المختلفة من المنطقة، وهي:
 
الحمرور (Gramineae) - (Andropogan distachyos L).
 
الإذخر (Gramineae) - (Cymbopogon schoenanthus L. spreng)
 
السلبانة - الصخبر - (Gramineae Hyparrhenia hirta L. Stopf)
 
نجيلة الشعيرية (Gramineae) - (Forssk Themeda triandra)
 
الثمام - الضعة - (Gramineae Pennisetum sp)
 
العلندة - العَطَف (Ephedra)-(foliate) (Ephedraceae) (Ochradenus baccatus) (Polygonaceae)
 
القرضى - (Polygonaceae Ochradenus baccatus)
 
الرقوق (Cistaceae) - (Helianthemum lippii)
 
الحلمة (Boraginaceae) - (Moltkiopsis ciliate)
 
المرخ (Leptadenia pyrotechnia Asclepiadaceae)
 
العوسج (Solanaceae) - (Lycium shawii)
 
السعدان (Neuradaceae) - (Neurada procumbense)
 
ونظرًا إلى تميز منطقة عسير بوجود أجزاء كبيرة منها على شكل بروزات صخرية ومنحدرات وعرة؛ فإن الحيوانات الرعوية السائدة في هذه الأجزاء هي الأغنام والمعز، إضافةً إلى وجود الإبل في الأجزاء الشرقية من هذه المنطقة، وتنتشر قطعان الأبقار في الأودية والشعاب التهامية، ومن أشهر هذه الأودية وادي مربا بديار رجال ألمع. ويتخلل المناطق الرعوية مواقع زراعية يجمع السكان فيها بين الزراعة وتربية الماشية، وهنا تعتمد الإبل والبقر والمعز والأغنام بشكل أساسي على الأعلاف، وهي مستقرة في حظائرها. وقد شوهد- في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية - مربو الماشية من حاضرة وبادية يقدمون الأعلاف (البرسيم المجفف، الرودس والشعير) لمواشيهم بسبب ندرة المرعى، خصوصًا خلال أشهر القحط. وهذا لم يحدث إلا بسبب الرعي الجائر وغير المنظم، وتخريب مناطق الرعي. ويلاحظ أن حرفة الرعي في منطقة عسير في تراجع مستمر بسبب هجرة أهلها إلى المدن الكبيرة.
 
ويذكر الكتاب الإحصائي الزراعي السنوي 1427هـ/2006م أن أعداد الإبل في هذه المنطقة في عام 1422هـ/2001م كان 19044 رأسًا، وانخفضت في عام 1426هـ/2005م إلى 9860 رأسًا. وكانت أعداد الأغنام في عام 1422هـ/2001م 717381 رأسًا، لكن تناقصت أعدادها في عام 1426هـ/2005م لتصبح 622810 رؤوس، كما يذكر المرجع نفسه أن أعداد المعز كانت في سنة 1422هـ/2001م 321932 رأسًا، في حين أصبحت في عام 1426هـ/2005م 359901 رأس، وكان عدد الأبقار في هذه المنطقة في السنتين سالفتي الذكر على التوالي 30566 و 15047 رأسًا  ،  وهذا التناقص ربما يعود- بشكل أساسي - إلى عزوف الإنسان في هذه المنطقة عن مهنة الرعي
شارك المقالة:
997 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook