البيئات النباتية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
البيئات النباتية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

البيئات النباتية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
المملكة العربية السعودية دولة واسعة المساحة مترامية الأطراف؛ حيث تشغل نحو 80% من مساحة شبه جزيرة العرب؛ ما أفرز تباينًا جغرافيًا وأحيائيًا نابعين من تعدد خطوط الطول ودوائر العرض، ومستوى الارتفاع عن سطح البحر  
 
تمتد سلسلة جبال عسير والسراة والحجاز على كامل ضلع المملكة الغربي تقريبًا، ويصل أقصى ارتفاع لهذه المرتفعات إلى نحو 3000م فوق سطح البحر، وهذا البعد الرأسي زاد من درجة التنوع الأحيائي، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية تقع إجمالاً تحت تأثير المناخ الحار والجاف، فأتت هذه المرتفعات استثناءً من هذه القاعدة، فشكلت - في كثير من أجزائها - مناخًا شبيهًا بمناخ حوض البحر المتوسط، وعلى الأخص في أجزائها العلوية، كما حوت ثناياها وانثناءاتها في أجزائها الوسطى وعند أقدامها بيئات خاصة أقرب ما تكون إلى تلك المنتشرة على خط الاستواء. وتشكل مرتفعات السراة واسطة العقد بين هذه المرتفعات، وتضم منطقة الباحة كلّها، حيث ترقد المنطقة على قمم هذه المرتفعات وعلى سفوحها وأقدامها.
 
تضم هذه المرتفعات بيئات شتى، تحوي نسبة لا بأس بها من نباتات المملكة العربية السعودية. ناهيك عن البيئات الخاصة المنتشرة على طول هذه المنطقة وعرضها، مثل: بيئات الأودية الطميية الزراعية، ومجاري الأودية والسيول، والمستنقعات المائية العذبة وشبه المالحة، وبيئات الينابيع العذبة والمعدنية، وبيئات الواحات، كل هذا أكسب المنطقة أهمية خاصة وفريدة بين مناطق المملكة العربية السعودية على اختلافها. وتنتشر بمنطقة الباحة مجتمعات نباتية شتى، (جدول 1) ، ويمكن ترتيبها ابتداءً من سهل تهامة في الغرب، ومن نقطة لا تبعد عن ساحل البحر الأحمر سوى 30كم وانتهاءً بقمم المرتفعات كما يأتي:
 
تبدأ هذه البيئات - من نحو 30كم إلى الشرق من ساحل البحر الأحمر حيث الحد الغربي الأقصى لهذه المنطقة - بمجتمع نبات العرفج (Dipterygium glaucum)، وهي شجيرة عشبية، تشاركها المشهد شجيرة العشر (Calotropis procera). كما توجد بيئة الغدران، وهي تكون مجتمعًا من النباتات التي تنمو في البيئات المائية نصف العذبة، وهذا النوع من المجتمعات النباتية يسمى (مجتمع المنخفضات المائية) (Wet depressions)، ومن نباتاتها العكرش (Aeluropus lagopoides). ومقابل هذه المنخفضات الرطبة ترتفع أكمات رملية تتوجها مستعمرات دائرية من نبات شجيري، وهو نبات القظب (Cadaba rotundifolia)، وفي الأراضي المستوية وجنبات الأودية وأحيانًا وسطها تنمو أشجار وشجيرات تابعة لجنس الأكاسيا (Acacia)، ومنها: السَلَم (Acacia ehrenbergiana)، والسمر (Acacia tortilis)، وتسود أحيانًا في بطون الأودية أشجار الأثل (العرين) (Tamarix aphylla)، لكنها تترك المجال لغابات شبه خالصة من شجيرات الأراك (Salvadora persica) مع التقدم شرقًا. وفي أودية أخرى تنتشر أشجار السدر العملاقة (Ziziphus) (spina) - (christi)، في حين تنفرد شجيرات المرْخ (Leptadenia pyrotechnica) بالمنظر في عدد من الأودية في هذا القطاع. وعند أقدام الجبال حتى ارتفاع 200م فوق سطح البحر تسود أشجار السمر وشجيرة المض (Anisotes trisulcus)، أما بعد هذا الارتفاع حتى ارتفاع 800م فوق سطح البحر فتسود شجرة الظهيان (Acacia asak)، وشجرة القَرَض (A.etbaica)، وتتبعان لجنس الأكاسيا، ومن هذا الارتفاع حتى نحو 900م فوق سطح البحر تنتشر أشجار الزيتون البري (العُتم) (Olea europaea)، وبعد الارتفاع الأخير حتى متوسط ارتفاع يفوق 1000م فوق سطح البحر تظهر أشكال من أشجار تسمى محليًا الضرو (Pistacia cf. khinjuk)، ثم تظهر بعد هذا الارتفاع حتى أعلى من 2000م فوق سطح البحر غابات العرعر (Juniperus procera). ويعد مجتمع هذه الشجرة أغنى المجتمعات في هذه المنطقة وأكثرها تنوعًا بيئيًا؛ ما يبرز أهمية هذه الشجرة، وأحيانًا تمتزج غابات الزيتون البري بغابات العرعر على ارتفاعات تفوق 2000م فوق سطح البحر.
 
بالإضافة إلى ما سبق من مجتمعات نباتية توجد في هذه المنطقة - حسب الموقع البيئي - مجتمعات أخرى مثل حشائش السافانا القصيرة التي تشكل غطاءً لكل جزء من الأرض على قدر ما تسمح به البروزات الصخرية لمرتفعات السراة، وفي كنف شجيرات وأشجار ذات طابع ونكهة جديدين، مثل تلك الشجيرات العطرية والطبية التابعة للعائلة الشفوية، ومنها: الضرم (الجثجاث) (Lavandula dentate)، والشَّيْعَة (L.pubescens)، والأشجار ذات الأوراق العريضة مثل عدد من الحماطيات (التينيات) (Ficus). وتصل الارتفاعات حدها الأعلى عند قمم الجبال في بني ظبيان في الجزء الأوسط من هذه المنطقة، وتسود مجتمعات المدرجات الزراعية  كلاً من السفوح العليا من المرتفعات والأودية التي تتخلل هذه الأجزاء المرتفعة، ومن أشهر هذه الأودية الزراعية: وادي فيق، ووادي بني كبير، وأودية بلجرشي، ووادي المرزوق والأزاهرة، وبشهم، وبني هلال، ووادي السكران، وكلها تمثل سجلاً طبيعيًا لتاريخ نباتي موغل في الزمن. ويسود على هذه السفوح العليا وقممها مناخ أقرب ما يكون إلى مناخ حوض البحر الأبيض المتوسط، وفيه تجود زراعة الحمضيات، والعنب، والرمان، وعدد من اللوزيات مثل: أشجار اللوز، الخوخ، والمشمش. ويمكن الاستمتاع صيفًا بثمار التين العادي والشوكي وثمار التوت، مع الاستمتاع بأريج الورود والأزهار الطبيعية والمزروعة.
 
وبالتقدم نحو الشرق والجنوب الشرقي والشمال الشرقي لهذه المنطقة، نعود مرة أخرى إلى مجتمعات النباتات الشوكية ونباتات الأكاسيا (Acacia) التي تغطي نواحي متعددة من سهوب رملية صحراوية مفككة التربة تذروها الرياح طوال أيام السنة تقريبًا، ولا يُهدِّئ من سرعتها إلاوجود تجمعات من نباتات العوسج، وبعض الشجيرات الصحراوية شديدة التحمل، ومن أشهرها شجيرات المرخ، وتشارك أشجار السرح البعد البيئي لهذه الأجزاء، ولكن بحضور متواضع، ويكسر رتابة هذه السهوب الصحراوية مرور الأودية، وهي ذات بيئة مميزة؛ حيث تشكل واحات منسابة لمسافات كبيرة، ومن أشهر هذه الأودية وادي العقيق الذي يمتاز بالتربة الخصبة، ويشكل واحة جميلة من النخيل المثمر، كما يشكل كل من وادي شمرخ ووادي نخال بيئة نباتية كثيرة التنوع، تسودها أشجار السدر والأكاسيا، وتضم شعابهما الكثير من النباتات العطرية، ومنها الريحان البري.
 
مما تقدم نجد أن أنماط البيئة النباتية لمنطقة الباحة تتكون من البيئات المتميزة الآتية:
 
 بيئة السهل الساحلي الجاف، وبيئة الأودية الصحراوية الحارة، والأودية المرتفعة الباردة، وبيئة أقدام الجبال، وبيئة المنحدرات والسفوح الجبلية متوسطة وعالية الارتفاع، وبيئة المدرجات الزراعية. وبيئة قمم الجبال، وبيئة السفوح الغربية والشرقية لمرتفعات السروات، وبيئة الصحراء الشرقية لهذه المنطقة.
 
 البيئات المستحدثة بفعل الإنسان وتنقسم إلى: بيئة المدن والقرى والتجمعات السكانية المختلفة، وبيئة مرامي النفايات الصلبة، وبيئة النفايات السائلة (الصرف الصحي)، وبيئة السدود مثل: سد وادي الملد، وسد وادي الصدر، وسد مدهاس، وسد بطحان، وسد المرزوق، وسد الطلقية.
 
من هذا كله نجد أنه من الصعب الإلمام بكثيرٍ من النباتات التي تستوطن هذه البيئات في هذه المنطقة ذات الأبعاد الكبيرة رأسيًا وفي جميع الاتجاهات الرئيسة والفرعية، لأن هذه الارتفاعات تبدأ من بضعة أمتار فوق سطح البحر حتى ارتفاعات قد تفوق 2600م، بالإضافة إلى البيئات الخاصة الكثيرة في العدد والتنوع التي تزخر بها المنطقة، مثل: بيئة الغدران الطبيعية المحاطة بالرمال من كل صوب، أو بالجروف الصخرية، وبيئة الينابيع الطبيعية العذبة عند أقدام الجبال، ومن أشهرها التي في بلدة ذيعين؛ حيث تجود زراعة نوع متميز من الموز، ونوع خاص من التمور (لبانة)، والليمون، والنارنج المحلي.
 
كانت حياة معظم قاطني منطقة الباحة في الماضي تدور حول الرعي والمراعي، وكانت لهم عاداتهم في الرعي والأحمية، وفيما يخص النباتات الرعوية النامية بمنطقة الباحة، فهي تنقسم - مثل غيرها في بقية مناطق المملكة العربية السعودية - إلى أشجار وشجيرات وأعشاب ونجيليات، مع وجود أنواعٍ من السرخسيات والحزازيات، كما أن النباتات الحولية من أعشاب ونجيليات لها دور مهم في مجال الرعي والمراعي في هذه المنطقة. ومن أمثلة النباتات الرعوية المعمرة المهمة تلك التي تنتمي إلى العائلة النجيلية، ومنها ما ينتمي إلى عائلات أخرى، مثل: العائلة البقولية، والمركبة، والرمرامية، وعائلات أخرى مختلفة. ومن النباتات الرعوية التابعة للعائلة النجيلية نبات الثمام (Panicum turgidum Forssk.)، وهو نبات نجيلي معمر، ذو سيقان رفيعة متشابكة، ويصل ارتفاعه إلى أكثر من 1م في المناطق المحمية، وإن كان في معظم الأحيان قد تعرض للرعي الجائر، وأوراقه صغيرة تسقط عن النبات في فصل الصيف، والنورات عنقودية، ويعد متوسط الانتشار في الأراضي الرملية، واسع الانتشار في الصحارى العربية، وترعاه الإبل. والنبات يكوّن أكمات رملية حوله؛ لذا فهو مثبت جيد للرمال، ولكن الرعي الجائر يجعله غير قادر على تكوين هذه الأكمات كما يجب؛ ما يؤدي إلى انجراف التربة. كما أنه من النباتات الصحراوية التي تتحمل الجفاف بشكل جيد.
 
ومن العائلة البقولية شجرة السمر (Acacia tortilis Forssk. Hayne)، وهي واسعة الانتشار في الأجزاء المنخفضة بمنطقة الباحة، سواءً الأجزاء الواقعة ضمن منخفض تهامة في الغرب، أو تلك الواقعة في شرق المنطقة وشمالها. وترعى الإبل والمعز الأطراف الغضة لفروع هذا النبات، ورعي البراعم الطرفية يؤدي إلى تشكل الشجرة بشكل يخالف ما يمكن أن تنمو عليه لو لم تتعرض للرعي. ومن نباتات المراعي عائلة الحمض، وتحتوي هذه العائلة على عدد من الأنواع النباتية التي ترعاها الإبل، وكثير من هذه الأنواع عصيري، ويحتوي عصيرها على كمية كبيرة من الأملاح الذائبة التي ترفع الضغط الأسموزي لسائل الخلية النباتية، ومن ثم الحيوانية؛ فتساعد حيوانات المرعى على مقاومة الجفاف، وندرة ماء الشرب. ومن نباتات الفصيلة المركبة نبات العرفج (Rhanterium epapposum)، وتعد شجيرة شائعة الانتشار، سيقانها بيضاء فضية اللون كثيرة التفرع من قاعدتها، وأغصانها متشابكة، وأوراقها صغيرة، وتنتظم أزهارها في رؤوس صفراء اللون.
 
والعرفج شائع في أنحاء متفرقة من الجزيرة العربية، ومن هذه الأجزاء: قطر، وجنوبي العراق، والكويت. وينمو في التربة الرملية العميقة، وترعاه الحيوانات بنهم؛ ما يقلل من فرص تكاثره وانتشاره، وهو من النباتات الرعوية الجديرة بالدراسة والبحث بغرض إكثاره.
 
وهناك عدد من الأنواع النباتية التي تتبع فصائل مختلفة، وترعاها الحيوانات بدرجات متفاوتة، فقد تقضم أطرافها وبراعمها الغضة، أو تتغذى على ثمارها، وربما تلتهمها في موسم معين عندما تزهر، ولا تأكلها وهي جافة.
 
وتضم بيئات منطقة الباحة أشجارًا ونباتات رعوية متعددة، منها:
 
حمرور (Andropogon distachyos L.). (Gramineae)
 
السلبانة (الصخبر) (Hyparrhenia hirta L.Stopf.Gramineae).
 
نجيلة الشعيرية (Themeda triandra Forssk.Gramineae).
 
الضعة (Pennisetum sp Gramineae).
 
العلندة (لعَطَف) (Ephedraceae Ephedra foliata.)
 
القرضى (Ochradenus baccatus Polygonaceae).
 
الرقوق (Helianthemum lippii Cistaceae).
 
الحلمة (Boraginaceae Moltkiopsis ciliate).
 
المرخ (Leptadenia pyrotechnica Asclepiadaceae).
 
العوسج (Lycium shawii Solanaceae).
 
السعدان (Neurada procumbense Neuradaceae).
 
ونظرًا لتميز منطقة الباحة بوجود أجزاء كبيرة منها على شكل بروزات صخرية ومنحدرات وعرة، فإن الحيوانات الرعوية السائدة في المنطقة هي الأغنام والمعز والإبل والأبقار، ومن أشهر مراعي الأبقار فيها وادي علب، وهو في الجزء التهامي من المنطقة. ويتخلل المناطق الرعوية مواقع زراعية؛ إذ يجمع السكان فيها بين الزراعة وتربية الماشية، حيث تعتمد الإبل والأبقار والمعز والأغنام - بشكل أساسي - على الأعلاف، وهي مستقرة في حظائرها. ومن أشهر هذه الحظائر التي في المظيلف غرب المنطقة، وفي كرى شرق المنطقة، وعلى كل حال فقد شوهد مربو الماشية في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية من حاضرة وبادية، يقدمون الأعلاف (البرسيم المجفف، والرودس، والشعير) لمواشيهم؛ وذلك لندرة المرعى وخصوصًا خلال أشهر المحل، وهذا لم يحدث إلا بسبب الرعي الجائر غير المنظم، وتخريب مناطق الرعي. ويمكن القول: إنّ امتهان حرفة الرعي في منطقة الباحة في تراجع مستمر بسبب هجرة أهلها إلى المدن الكبرى.
 
يذكر الكتاب الإحصائي السنوي 2002م  ،  أن أعداد الإبل في هذه المنطقة في عام 1419هـ/1998م كان 6318 رأسًا، وانخفضت في عام 1423هـ/2002م إلى 3725 رأسًا. وكانت أعداد الأغنام في عام 1419هـ/1998م 295446 رأسًا، لكن تناقصت أعدادها في عام 1423هـ/2002م لتصبح 190768 رأسًا. وكانت أعداد المعز في سنة 1419هـ/1998م 231962 رأسًا، في حين أصبحت في عام 1423هـ/2002م 206799 رأسًا؛ أي أن أعدادها تناقصت بنسبة 11%. كما كان عدد الأبقار في هذه المنطقة في السنتين المذكورتين 7024 رأسًا و 4336 رأسًا على التوالي. هذا التناقص ربما يعود بشكل أساسي إلى عزوف الإنسان بهذه المنطقة عن مهنة الرعي.
وهناك نباتات رعوية أخرى.
 
شارك المقالة:
332 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook