الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تزخر الحياة الاجتماعية لدى الناس في منطقة المدينة المنورة بعدد من المناسبات ذات الطابع الاجتماعي والديني، ويتبين من خلالها التكاتف والترابط الاجتماعي المنبثق من روح الإسلام الحنيف، إذ يفرح المسلم لفرح أخيه ويحزن لحزنه، وتشارك الأسر في مواسم الأفراح وتبتهج بالمناسبات السعيدة، كما يشاركون المصاب منهم مصيبته ويواسونه ويخففون من آلامه. وعلى الرغم من أن الطابع العام لثقافة أهل المدينة المنورة هو الطابع العربي الإسلامي الذي لسكان الجزيرة العربية، إلا أن هناك بعض الخصوصية للثقافة المدنية في الأمور التفصيلية لبعض المناسبات الاجتماعية والدينية، ومن الأمور الطبيعية أن تنشأ بين أهل كل منطقة وبلدة بعض العادات التي يعبرون بها عن حزن أو فرح، وقد لا تكون تلك العادات معروفة لدى غيرهم من أهل البلدات البعيدة عنهم أو حتى المجاورة لهم، ومن المناسبات الاجتماعية التي يحتفل بها أهل المدينة المنورة:
 

الزواج

 
الزواج سنّة اجتماعية لا يخلو منها مجتمع بشري، وإن اختلفت أنماطه وتعددت أشكاله ومراسم الاحتفال به والقوانين والتشريعات المنظمة له، وفي منطقة المدينة المنورة تمرّ عملية الزواج بعدد من المراحل تتخللها احتفالات قصيرة وطويلة متعددة، تبدأ بالبحث عن العروس وتنتهي بانتقالها إلى بيت زوجها وعمل الولائم الخاصة بذلك، على النحو الآتي:
 
أ - البحث عن العروس:
 
إن مجتمع المدينة المنورة مجتمع محافظ على عاداته وتقاليده متمسك بتعاليم دينه الحنيف، ولذلك فقضية البحث عن زوجة فيه إما أن تتم بوساطة المعرفة المباشرة، إذ تكون هناك قرابة أو معرفة بين أهل الزوج وأهل الزوجة، أو بوساطة بعض النساء كبيرات السن اللاتي لهن معرفة بالبيوت وما فيها، فإذا تم تعيين البيت تذهب نساء من أهل الفتى إلى أهل الفتاة بأي حجة كانت، فيلاحظن الفتاة بطريقة غير مباشرة، ويتابعنها في جميع أمورها وتصرفاتها ويعرفن سنها... وما إلى ذلك، ثم يعرضن الأمر على أم الفتاة بسرية كاملة ويعلمنها برغبة من أرسلهن، فتقوم الأم بنقل هذه الرغبة إلى زوجها، ويتم التشاور في الأمر ودراسته من مختلف الوجوه من قِبل والد الفتاة وأمها، وربما أشركوا الفتاة في تداول الموضوع، فإذا حصلت موافقة مبدئية تقوم والدة الفتاة أو الوساطة بينهما بنقل تلك الموافقة إلى أهل الفتى، ويقوم والد الفتى بصحبة كبار السن من أقاربه بالتوجه إلى منـزل والد الفتاة ليخطبوا ابنته، فيرحب بهم ويكرمهم، وفي هذا المقام إما أن تكون الموافقة مباشرة من والد العروس في المجلس، وإما أن يضرب لهم موعدًا آخر  . 
 
ب - رؤية المخطوبة:
 
لم يكن من عادة أهل المدينة المنورة أن يرى الشاب خطيبته إطلاقًا، حتى إن الملْكة - أي كتب الكتاب - لا تكون إلا في ليلة الدخلة، وقد كانت تحصل بعض المشكلات بسبب هذا مثل نسيان كتب الكتاب في غمرة انشغال الأهل ليلة الزفاف.. وغير ذلك، فاستعاض الناس عن ذلك بكتب الكتاب قبل الدخلة بيومين أو ثلاثة. وقد تغير الوضع في السنوات الأخيرة فأصبحت رؤية الفتاة قبل الملْكة شيئًا معتادًا ومتعارفًا عليه، فإذا رغب الشاب في رؤية الفتاة فإنه يطلب ذلك من أهلها، ويحدد موعدًا يذهب فيه الشاب مع والدته أو أحد أقربائه إلى منـزلها في الموعد المحدد، ويكون والدها موجودًا، فيستقبل الشاب ويجلسان معًا، وتدخل الفتاة بلبس محتشم وتقدم لهما مشروب الضيافة، فيراها الفتى وهي بدورها تراه، فإن راقت له يطلب دخولها مرة ثانية لكي يلبسها أي شيء من الحلي، وإن راق لها توافق على الدخول ثانية، وبذلك تتمُّ الخطوة الأولى وإلا امتنعت، وإن لم ترق هي له فإنه يكمل جلسته ويستأذن ويخرج فيُعرف بذلك أنها لم ترق له ويعد الأمر منتهيًا بذلك. يتم هذا الأمر - في الغالب - عند كثير من الأسر سرًا دون إعلام أي أحد من الأقرباء أو غيرهم كيلا يؤثر ذلك في سمعة أحد العروسين إذا لم يناسب أحدهما الآخر  . 
 
ج - قراءة الفاتحة:
 
بعد أن تتحقق الرغبة عند الفتى وتحصل الموافقة النهائية من أهل الفتاة ويجتمع أهل الفتى وأهل الفتاة في دار أهل الفتاة، ويتم ما يسمى (قراءة الفاتحة)، وهذا يعني لديهم حصول الموافقة النهائية والعزم على الزواج، ويحضَّر ليلتها عشاء لكل من حضر من الجهتين، وهذه العادة لا تتبع لدى القبائل الساكنة في المدينة وما حولها، ويستعيض بعضهم عن قراءة الفاتحة بما يسمى (الخطبة) وهي وليمة يقيمها الفتى في منـزل والد الفتاة  
 
د - (التسليم أو الشبكة أو الملكة) وعقد القران:
 
بعد إتمام قراءة الفاتحة يتم الاتفاق على موعد عقد القران وموعد الشبكة (أو الملكة)، وفي الأغلب يكون في المسجد النبوي بعد صلاة العصر أو بعد صلاة المغرب، ويحضر العريس وبعض إخوانه مع والده، كما يحضر والد الفتاة أو ولي أمرها مع بعض الأقرباء، ويجتمع الجميع مع المأذون الشرعي ويتم عقد القران،  ثم ينصرف الجميع بعد التهنئة والدعاء بالبركة. وفي مساء اليوم نفسه أو اليوم التالي لعقد القران أو بعد بضعة أيام يتم اجتماع أهل العريس في دارهم باتفاق مسبق بين الأسرتين للاحتفال بما يسمونه الشبكة أو الملكة أو التسليم، ويعد هذا اليوم من الأيام التي تحمل طابعًا خاصًا وبهجة يشع سرورها بأحاسيس ومشاعر مفرحة على العروسين؛ لما فيها من مظاهر الفرح والسرور عند جميع الأهل والأحباب، ويبدأ الاستعداد لهذا الاحتفال بدعوة الأهل والأقرباء والجيران والأصدقاء الخُلَّص، وإحضار جميع ما يلزم لهذه المناسبة الغالية، إذ يحضر الجميع بعد صلاة المغرب مباشرة إلى بيت العريس وهم يرتدون أحسن ما لديهم من ثياب ومشالح مقصبة، وينطلق الموكب من بيت العريس مشيًا على الأقدام، ويسير بعناية وانتظام، يتوسط العريسُ والدَه وأعمامه وأخواله وكبار السن من المدعوين، ويحف به الأقرباء والأصدقاء وأبناء الحارة، ويتخلل الموكبَ حاملو الأتاريك التي تنير لهم الطريق، وهم يضعونها فوق رؤوسهم على صوانٍ خشبية بأشكال هندسية صُنعت لهذا الغرض، وقد صبغت باللون الأخضر، وفي كل صينية أتريكان أو ثلاثة أو أربعة أتاريك، وفي وسط الموكب وعلى جانبيه يسير الحمالون الذين يحملون الصواني المعدنية أو الخشبية المملوءة بقراطيس (التخشيشة) التي تحتوي على الحلوى واللوزية والحلقوم والفل والورد واللمام والريحان وشيء من النعناع، ويتم توزيع هذه الأشياء على جميع الحضور في (التسليم) بصفته هدية رمزية احتفالاً بهذه المناسبة السعيدة.
 
ولصواني التخشيشة أغطية مربعة الشكل تحمل رسومات هندسية أو أزهار وعروق نباتية ذات ألوان مختلفة، وبعضها على هيئة مربعات طرزت أطرافها بخيوط حريرية مزركشة ذات ألوان زاهية، وأحيطت أطرافها بخيوط الذهب والفضة والترتر، ما يعطيها بريقًا متوهجًا وسط الموكب، وعادة ما تكون هذه الصواني الخاصة بالأتاريك والتخشيشة وكذلك الأغطية مستعارة من الأصدقاء أو مستأجرة في أغلب الأحيان. وفي مقدمة الموكب يسير حامل المصحف الشريف الموضوع في بيت من القماش الفاخر المكلل بالورد والفل والرياحين، وعن يمينه حامل صندوق المهر (الصداق)، وعادة ما يكون هذا الصندوق مصنوعًا من خشب السنديان الثقيل، أو من خشب التيك النادر، أو من الأبنوس المطعم بالفصوص النادرة الثمينة، وأحيانًا يكون مصنوعًا من المعدن اللمّاع المرصع بالأحجار الكريمة، وهو ذو لون ذهبي أو فضي، يحوز منظره على إعجاب الناظرين، ويعد صندوق المهر من الأشياء الثمينة لدى العروسين وأهلهما لما يحمله من ذكريات جميلة.
 
كما يسير عن شماله حامل (البقشة) وهي صرة تحتوي الملابس التي تقدم هدية للعروس، وتحتوي على ملاءة ومسفع وثياب مزركشة وملابس أخرى، توضع جميعها في صرة من الحرير المطرز بعقود نباتية وأشكال جمالية منسوجة من خيوط القصب والفضة والذهب، وقد كللت بالورد والفل والريحان، وتسير بمحاذاة الموكب على اليمين (النصاصة) وهي السيدة التي تقوم بتلبيس العروس وعمل الشرعة اللازمة لها.
 
كما تسير (المدادة) على اليسار بمحاذاة الموكب، والمدادة هي السيدة التي يسند إليها إبلاغ الدعوات للنساء البعيدات عن الحي، فهي بمثابة المراسلة إليهن، وهن يُستأجَرن لمثل هذه المناسبات، وهكذا تسير النصاصة والمدادة في محاذاة الموكب في احتشام بالغ، وهما تحملان المباخر الفضية والذهبية التي تفوح منها رائحة العود والبخور المغمور بالمسك والعنبر، فينتشر شذى المجامر بأريجها وعبيرها وتعم الروائح العطرية بدخانها المتصاعد أرجاء الموكب، فيضفي هذا الدخان عليه بهجة وحبورًا، ويطلقن غطاريفهن (زغاريدهن) من وقت إلى آخر، ما يدل على أن الموكب موكب فرح وسرور، وكلما اقترب الموكب من بيت العروس زدن في الزغاريد حتى تختلط أصواتهن بزغاريد النساء من أهل العروس وهي تنطلق من خلف الشبابيك والرواشين.
 
وعندما يلتقي موكب أهل العريس بالمستقبلين من أهل العروس يجري استقبالهم بالحفاوة والترحاب (يا أهلاً ويا سهلاً، حياكم الله وبياكم، تفضلوا.... تفضلوا.. على الرحب والسعة)، فيتقدم والد العريس ومن بصحبته للدخول إلى بيت العروس، ويسيرون جنبًا إلى جنب إلى المكان المخصص لاستقبالهم وعادة ما تكون (القاعة) بصفتها أكبر الأمكنة في البيت، وقد فرشت بالسجاد الفاخر وزينت بالمراتب والمساند والدفافيع. ويأخذ العريس وأهله مكانهم في صدر القاعة، وقد بدا العريس من بينهم مميزًا بثيابه البيضاء، وعباءته البيضاء المغشاة بالقصب الحر، وعقاله المقصب يزين هامته ويتوج رأسه وقد وُضع بإحكام على غترة بيضاء مطرزة بالحرير الأبيض، وقد نثرت على تربيعتها منظومة أشكال الفل والياسمين، تلتقي مع عروق نباتية تظهر مهارة صانعها.
 
ويقوم أهل العروس بإجراءات الضيافة التي تليق بهذه المناسبة السعيدة، ويتم توزيع القهوة العربية في دلالها الصفراء التي يأخذ بريقها بالأبصار، وقد أُتقن صنعها وزيد فيها حب الهال، وتقدم القهوة في فناجين فاخرة لجميع المدعوين، وزيادة في الإكرام تسمع لهذه الفناجين أصوات جميلة يتعمَّدها (الفزِّيعة) وهم الذين يصبُّون القهوة؛ ليضفوا على المناسبة جوًَّا مرحًا. وفي وسط هذه الحفاوة والإكرام توضع أمام العريس وأهله (بقشة الحوائج) وصندوق المهر على منضدة خشبية صغيرة، بينما تسلم لأهل العروس صواني التخشيشة ومستلزماتها فيبقونها خارج القاعة تحت عناية الفزِّيعة واهتمامهم، وتصعد النصاصة والمدادة عند أهل العروس للزغردة من آن إلى آخر  ،  وفي بعض الأحيان يتم إحضار خطيب ومجيب، على أن يكون الخطيب من ناحية أهل العريس والمجيب من ناحية أهل العروس، وبحضور الجميع يقوم الخطيب بإلقاء قصيدة بصوت غنائي يمدح فيها أهل العروس وكذلك بيت العريس وأهله، ويذكر فيها طلب المصاهرة علنًا لتكون شهادة من الجميع على هذا القران، فيرد عليه المجيب من طرف أهل العروس بقصيدة مماثلة وبصوت غنائي يرحب فيه بالجميع ويمدح كلتا العائلتين، وهي تعبير عن قبول المصاهرة. وبهذا يكون الإيجاب والقبول معلنًا، وبعد تناول المرطبات أو العشاء ينصرفون بعد الدعاء للجميع بالبركة  . 
 
هـ - يوم الحناء (قبلة الحناء):
 
هذا اليوم هو الذي يسبق ليلة الزفاف ويقام عادة على نفقة أهل العروس، وفيه تأتي النصاصة المخصصة لعمل الحناء وتقوم بوضعها على يدي العروس ونقش أرجلها بها، ووضع الحلوى لتزيين بشرتها، وتنظيف كل ما يلزم تنظيفه من وجهها وجسمها، وتقوم الحناء مقام (الماكياج) في الوقت الحاضر. ويعمل والد العروس في هذا اليوم وليمة كبيرة لها قدر وقيمة يدعو إليها الأقارب والأحباب، ويكون فيها شيء من الغناء والرقص للنساء في مجالسهن الخاصة.
 
و - الموجب (الرفد أو النقوط):
 
وهو ما يقدمه الأهل والجيران والأصحاب من هدايا ومساعدات نقدية أو عينية للعريس وللعروس بمناسبة الزواج، والموجب عادة من العادات الجميلة التي تربط المجتمع بعضه ببعض، ويسمى كذلك الرفد أو النقوط، وهو من العادات التي يمتاز بها الزواج. ويتم إرسال الرفد إلى أهل العريس أو للعريس نفسه وذلك قبل موعد الدخلة والزفاف بيوم أو اثنين أو ثلاثة أيام، وعادة ما يكون الرفد مقدمًا إلى أهل العريس لأنهم أصحاب الدعوة، ويتمثل في تقديم الخرفان، أو الأرز، أو السكر، أو البن والهال، أو الشاي، أو الدقيق، أو السمن، أو النقود.
 
ويقوم أهل العريس باستقبال الرفد وتخصيص مكان في البيت أو عند بيت الجيران لوضعه فيه، كما يخصص مكان في (الحوش) أو في (الخن) ليضعوا فيه الخراف، وعادة ما يعهد إلى أحد الأبناء أو الأقرباء أو الأصدقاء باستقبال الرفد، والتوقيع على الورقة المرسلة معه من أحد التجار أو الفلتية، وهي توضح نوع الإرسالية واسم المرسِل والمرسَل إليه والمناسبة  . 
 
وقد تلاشت واختفت تلك الإرسالية التي تتكون من الخرفان وأكياس الأرز والسكر والدقيق وصفيح السمن، إلا عند بعض الناس، فقد استبدل الناس النقود بالرفد؛ لأنها أكثر إيجابية ومرونة، إذ يستطيع العريس أو والده الاستفادة منها وتلبية الاحتياجات بسرعة.
 
وإذا كان الرفد يُدفع ويُسلم إلى والد العريس أو للعريس نفسه، فإن هناك رفدًا آخر، أو هدية أخرى تقدم لوالدة العريس أو والدة العروس أو للعروس نفسها، وتسمى عند النساء (نقوطًا) أو (نقطة)، وهي هدية تقدم من الأهل والأصدقاء والأقارب والإخوان والأخوات، وفي أغلب الأحيان تكون من الذهب أو البلاتين أو اللؤلؤ أو الملابس... وغيرها، وعادة ما تقدم في ليلة المناسبة، وذلك من باب الوفاء والاعتزاز، وهنا يتساوى الحرص على ردِّها عند النساء مع ما هو الحال عليه عند الرجال، إذ تحرص النساء على رد تلك الهدية في المناسبات المماثلة، أو في أقرب فرصة تسنح لهن، ويُعد ردها أمرًا واجبًا، وقد يبالغ بعضهن في ردها إذ يقمن بشراء أشياء أغلى كثيرًا من الشيء الذي قدم إليهن، وقد جرت العادة بأنهن لا يقدمن شيئًا أقل مما قدم إليهن إذ يعددن ذلك نقصًا في حق الأخريات  . 
 
ز - خروج الفراش:
 
وهو خروج فراش العروس أو جهازها من بيت أبيها إلى بيت زوجها، فقد جرت العادة أن يدفع العريس المهر لوالد العروس على أن يتولى والدها تأثيث بيت الزوجية وفرشه، ويكون خروج الفراش هذا قبل يوم الدخلة بأسبوع تقريبًا، إذ يذهب والد العروس إلى شيخ الحمالين ويتفق معه لنقل الفراش من مستودعه وإيصاله إلى دار العريس، فيحضر الحمالون لنقله على الطريقة المتبعة عند أهل المدينة المنورة، وهي أن كل حامل يحمل قطعة من العفش، ويمشون بها على شكل صف منتظم في شوارع المدينة المنورة ليتم إيصالها إلى دار العريس، يتقدمهم شيخهم وقد ارتدى أجمل ما عنده من الملابس بعد أن وضع العمامة وتكحل وتوشح بعباءة فضفاضة، وقد وضع المصحف الشريف فوق رأسه وراح يتهادى في خطاه واستند إلى عكاز أمسك به بيمينه، ومن خلفه صاحبا المرايا الكبيرة التركية، وعن يساره ويمينه النصاصات حاملات مباخر العود وهن يطلقن الزغاريد، ومن خلف صاحبَي المرايا صف طويل من الحمالين منتظمين في سيرهم الجميل وهم يرتدون أجمل الملابس، هذا يحمل مرتبة، والآخر يحمل مسندًا، والثالث وسادة، والرابع دفاعة، والخامس مفرشة، وقد وُزع الفراش على عدد من الحمالين بالترتيب كلٌّ يحمل جزءًا منه، وينتهي حبل الطابور الممتد بصاحب الصندوق وطشت الغسيل والحنفية، مستعرضين ما يحملون أمام الأهالي الذين غص بهم جانبا الشارع الذي مرَّ عرضهم عبره، وقد يتساءلون بينهم: (لمن هذا الفراش؟) فيقال: (لفلان على فلانة)  . 
 
ح - الدخلة (حفل الزواج): 
 
بعد الانتهاء من عقد القران وحفلة التسليم يتم الاتفاق بين الطرفين على موعد إقامة حفل الزواج (الدخلة) الذي يقام بين بيوت الحي (الحارة) إذ يتم استعارة بعض بيوت الجيران، وجميعهم يرحبون بذلك ويقدمون بيوتهم وأنفسهم لكي يعيش أهل الحي في أجواء الفرح والسرور، ويقومون بتقديم المساعدة والخدمة لأهل العرس، ويظهر بذلك التكاتف والتعاون والمساعدة في جميع مستلزمات الزواج من فرش وإضاءة وأدوات قهوة وشاي وغرف مفروشة مجهزة، وكل ذلك يقدم لأهل العريس من الجيران، وما على العريس أو أهله إلا الاتفاق مع الطباخ وتهيئة المكان المناسب له بين البيوت أو في الأحواش الملحقة ببعض البيوت، ويقوم أحد الرجال بتحضير جميع مستلزمات الطباخ، كما يتولى بعض الرجال أيضًا القيام بتحضير موائد النساء في مكان كبير إن وجد، وإن لم يوجد توزع موائد الطعام على عدد من الغرف، ويتم تحضير جميع احتياجات (التعتيمة) على الصحون الصيني أو الزجاجية - إن وجدت - ويتم نقلها على طاولات أو مناضد من مكان تحضيرها إلى مكان تقديمها، كما كانت توجد صوانٍ نحاسية دائرية قطرها نحو متر ونصف المتر توضع في الغرفة المعدة للطعام، ويوضع تحتها صناديق الرطب الخشبية، وتكون الصينية مرتفعة عن الأرض، وتغطى بقطعة من القماش الأبيض النظيف بعد أن توضع عليها جميع الصحون التي أُعدَّت فيها أنواع الأطعمة، ومع مرور الأيام ألغيت الصواني واستبدلت بمفارش الطعام العادية على الأرض؛ لأن الصواني كانت تسبب مشقة وعناء وبخاصة خلال صعود السلالم الضيقة، إضافة إلى ثقلها  
 
والتعتيمة هي وجبة العشاء التي تقدم في العتمة أي في آخر الليل، بينما هناك وليمة الغداء التي تقدم في اليوم التالي وتذبح فيها الخراف ويطبخ الرز بكميات كبيرة، وتتكون التعتيمة من الهريسة والششني والجبنة والحلاوة الطحينية والزيتون والمخللات والشريك وما إلى ذلك، وقد سبق وصفها في طعام المناسبات.
 
وقد عرف عند أهل المدينة المنورة ما يسمى (الزفة) التي يقوم بها بعض المتخصصات، وذلك باستقبال العروس عند وصولها إلى مكان العرس وهي بكامل لبسها وزينتها، وذلك بضرب الدفوف والغناء من مدخل البيت إلى مكان الحفل المعد لجلوسها أمام جميع المدعوات. وكانت أناشيد الزفة ذات طابع خاص يأخذ بالقلوب، فجلُّ كلماتها شكر لله وصلوات على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد تتكرر الزفة عند تغيير لباس العروس وعند نقلها إلى غرفة العريس، كما أن العريس يُزف عند كثير من الناس أيضًا.
 
أما الشرعة فهي لباس خاص له أنواع وأشكال متعددة، تقوم بإعداده نساء متخصصات فيه وفي أنواعه، وتعد ثياب الشرعة هذه قبل الحفل بأيام، وهي غالية التكاليف، وكان أغلب هذه الثياب يؤخذ استئجارًا أو إعارة من إدارة الحرم النبوي الشريف التي كانت لديها أوقاف في هذا المجال  
 
ط - الصباحية (الصبحة):
 
الصبحة هو ذلك اليوم البهيج الذي تصبح فيه العروس في بيت عريسها، أي اليوم التالي لليلة الدخلة والزفاف. وقد جرت العادة أن ترافق الأم العروس، وتقوم بمساعدتها في شؤونها الخاصة، فتجد العروس في ذلك الاستئناس والطمأنينة، كما تساعد الأم العروس في شرعتها يوم الصبحة بارتداء الثوب الإفرنجي أو الزبون، وتصفيف شعرها وتلبية احتياجاتها.
 
ويأتي أهل العريس وأهل العروس صباح ذلك اليوم، وتجتمع النسوة في بيت العريس من أجل تقوية أواصر المحبة والائتلاف والتعارف بين الأسرتين، وتجلس العروس وسط ذلك الاحتفاء العائلي الكبير محاطة بعبارات الحفاوة والرعاية والاهتمام، ويتم إخلاء المكان من أهل العروس لفترة قصيرة عندما يأتي والد العريس لتقديم الصبحة للعروس، فيأتي وقد مشى العريس بجانبه واستُقبل من والدة العريس وجميع الأخوات والعمات، ويقدم هديته للعروس ويسلم ويبارك ثم يغادر المكان، ثم تأتي بقية الخالات والمهنئات لأم العريس ويسلمن ويباركن للعروس، ويقدمن هداياهن، ثم يأتي والد العروس ويقدم لها هديته، كما تقدم الهدايا لها أخواتها وعماتها وكل من له علاقة أسرية بها من رحم وقربى، وكذلك تفعل الجارات والصديقات  ،  وتوضع جميع الهدايا المقدمة من العريس وأهله في تبسي (صحن) مذهب أو مفضض بعد أن تُعرف كل هدية بأنها مقدمة من فلان أو فلانة، كما توضع هدايا أهل العروس في تبسي مغاير مذهب أو مفضض، وكذلك كل هدية معروفة.
 
وفي يوم الصبحة أيضًا تقوم والدة العروس بتقديم هدية لوالدة العريس، وهي (بقشة) بيضاء مزركشة بداخلها هدية لها وللعريس ووالده وإخوته، وهي بدلة كاملة لكل منهم تحتوي على ثوب وغترة ومنديل وملابس داخلية، وتمتاز بدلة العريس بوجود عباءة زيادة في إكرامه  .  ويتناول الجميع طعام الإفطار الذي أعد - على وجه الخصوص - لهذه المناسبة، ويكون الغداء أيضًا في بيت العريس، إلا أن وليمة الغداء يدعى لها عدد أكبر ممن يحضرون الإفطار، إذ تشمل أهل العريس والعروس وأقاربهما وأصدقاءهما جميعًا، وقد جرت العادة على أن يبقى العريس في بيته أسبوعًا يخرج بعده للمرة الأولى للصلاة في المسجد النبوي الشريف.
 
ي - الزواج في القرى والبادية:
 
أما في القرى والبادية المجاورة للمدينة المنورة فقد كان هناك اختلاف في بعض ما ذُكر من مظاهر الاحتفال بالزواج داخلها، ويبدو ذلك الاختلاف في طرق الاحتفال وعدد أيامه والأسماء التي يطلقونها على كل يوم منها.. وما إلى ذلك، وسنورد أمثلة على كلٍّ منها.
 
ينبع: يبدأ الاحتفال في ظهيرة يوم الدخلة، إذ يحضر المدعوون وليمة الغداء في منـزل العريس، والغداء خراف مذبوحة وأرز مطبوخ وبعض الحلوى، وفي المساء يقام سرادق أمام بيت العريس كان يضاء بالأتاريك، أما اليوم فيضاء بالكهرباء، ويتصدر العريس هذا السرادق ومن حوله أقرباؤه وأصدقاؤه ومحبوه، مرتديًا ثوبًا جديدًا، ولابسًا العقال المقصب والعباءة البيضاء. ويُفتتح الحفل بتلاوة آي من الذكر الحكيم، ثم يتناوب الخطباء والشعراء التهنئة والترحيب بالضيوف. وقبل أذان العشاء بربع ساعة تقريبًا يتحرك العريس من السرادق إلى مسجد المدينة الكبير ومعه مجموعة من الرجال وهم يهزجون ويصفقون في لعبة شعبية تسمى (البشانة)، وقبل باب الجامع الكبير تتوقف البشانة ويدلف العريس وأسرته إلى الجامع الكبير فيؤدون صلاة العشاء، وعقب الصلاة يتابع العريس البشانة وترافقه إلى مدخل بيت العروس، وفي بيت العروس ترتفع الزغاريد والأهازيج، ويزف العريس حتى يصل إلى الأريكة التي تجلس عليها العروس وهي محجبة، وعندئذٍ يضع يده على رأسها ويقرأ شيئًا من القرآن في همس، وبعد ذلك ترافق العروس عريسها إلى الدار الجديدة، وفي صباح اليوم التالي يستقبل العريس في دار أسرته المهنئين  ،  وقد عرفت البشانة في منطقة العيص وما جاورها.
 
بدر: الاحتفال يسبق العرس بيومين أو ثلاثة وذلك في ما يسمونه (يوم الفازة)، والفازة مظلة كبيرة في فناء واسع بحوش منـزل والد الفتاة أو بجواره، يقوم أفراد القبيلة ببنائها من الأخشاب وتظليلها ببيوت الشعر أو الأشرعة، وتقام الفازة قبل حفل الزواج بيومين أو ثلاثة - كما سبق - وتؤمن فيها جميع متطلبات الفرش والقهوة والشاي، إذ يأتي الرجال إليها في النهار وفي الليل يكون الدور للنساء، وتقام فيها ألعابهم الشعبية استعدادًا ليوم إقامة حفل الزواج   الذي يتخلله الدق على الزير وإطلاق الأعيرة النارية والرقص بالسلاح الأبيض... وغير ذلك.
 
العلا: تستمر مراسم الاحتفال بالزواج لأكثر من أسبوع، تتخللها أيام وليالٍ تقضى في العمل والإعداد، ويصاحب ذلك كثير من المراسم والطقوس التي يتقيد بها الجميع، ويتضح من خلالها التعاون والتكاتف مع من عزم على الزواج وأراد الاحتفال بعرسه.
 
ومن الأسماء التي يطلقونها على تلك الأيام (يوم اللواق) وهو تزيين بيت العريس وتلييسه بالطين، و (يوم الجدي) وهو يوم قياس غرف البيت ودهاليزه المراد فرشها بالحصير، و (يوم خياط الخصف) وفيه يبدأ ضرب الدف ويكثر المشاركون، و (يوم القصّة والحناء) وهو يوم تجتمع فيه النساء ويضرب بالدف وتحنى العروس، ويقوم الرجال بتبييض واجهة البيت بالجصّ، ثم (يوم الهدوة) وهو يوم زفة العروس، ويتلو ذلك ما يسمى (الحشار) وهو بقاء العريس ثمانية أيام لا يخرج من بيته إلا للصلاة فقط، وبعد ذلك يأتي (يوم الطلوع) وهو طلوع - أي خروج - العريس من الحشار، وتذبح الذبائح ويدعى الأهل والجيران والأصدقاء لوليمة إفطار كبيرة بهذه المناسبة، وآخر أيام الاحتفالات عند أهل العلا هو (يوم الفتوح) وهو خاص بالعروس، يزورها فيه من يحبها من النساء القريبات والصديقات، ويضرب بالدف وتكرم الحاضرات  
 
شارك المقالة:
173 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook