الإمارة العيونية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الإمارة العيونية بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية

الإمارة العيونية بالمنطقة الشرقية  في المملكة العربية السعودية.

 
مرت الإمارة العيونية عبر تاريخها السياسي بعدة أدوار يمكن تقسيمها إلى أربعة أدوار هي:
 
 دور التأسيس والقوة: وهو فترة حكم الأمير المؤسس عبد الله بن علي العيوني، وحفيده محمد بن الفضل ويمتد من 469 - 538هـ / 1076 - 1143م.
 
 دور الانقسام والصراع بين أفراد البيت العيوني: ويمتد من 538 - 587هـ / 1143 - 1191م.
 
 دور الانتعاش: وهو فترة حكم الأمير محمد بن أحمد بن محمد بن الفضل العيوني، ويمتد من 587 - 605هـ / 1191 - 1208م.
 
 دور الانحلال والسقوط: يمتد من 605 - 636هـ / 1208 - 1238م، وهو فترة الصراع على السلطة، وتدخل الزعامات القبلية والقوى الخارجية.
 

 دور التأسيس والقوة 469 - 538هـ / 1076 - 1143م

 
أ) إمارة عبد الله بن علي العيوني 469 - 520هـ / 1076 - 1126م:
 
ازدادت الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلاد البحرين سوءًا في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، وترجع أسباب ذلك إلى:
 
 ثورات القبائل ضد سلطة القرامطة.
 
 النـزاع بين زعامات القرامطة على الحكم.
 
وتدل التنازلات التي قدمها القرامطة إلى أبي البهلول في جزيرة أوال على الحال التي وصل إليها وضعهم السياسي والعسكري من تدهور وضعف، ولم يتردد القرامطة في الاستعانة ببعض القبائل ضد القوى المعارضة لهم. وفي خضم هذه الأحداث برز على المسرح السياسي في بلاد البحرين عمومًا، والأحساء خصوصًا، شخص يدعى عبد الله بن علي العيوني   ينتمي إلى قبيلة عبد القيس التي كانت - كما أسلفت - تتخذ موقفًا معارضًا لسلطة القرامطة، وقد ساعدته الظروف السائدة في منطقة الأحساء على تحقيق تطلعاته.
 
وتتفق المصادر على أن عبد الله العيوني ينتمي إلى قبيلة عبد القيس، غير أنها تختلف في انتمائه إلى أي بطن من بطونها، والأرجح ما أورده ابن المقرب في إحدى قصائده في نسب أسرته  .  إذ ذهب إلى أن نسب الأمير العيوني هو: عبد الله بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد المُرّي الربعي العيوني  
 
لقد رأى عبد الله العيوني ما وصلت إليه بلاده من تدهور في أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فصمم على تخليص الأحساء من نفوذ القرامطة، خصوصًا بعد أن رأى الضعف يشتد بهم، وبعد تهاوي مراكزهم الواحد تلو الآخر.
 
بدأ عبد الله العيوني صراعه مع القرامطة بمناوشات متفرقة، ولم تحدد المصادر فترة قيامه بحركته، ويعتقد أنه بدأها في مستهل العقد السادس من القرن الخامس الهجري، واستمر في مواجهة القرامطة لفترة طويلة كانت قوته خلالها تتمثل في أمراء أسرته وإخوانه وأبناء عمومته من عبد القيس، وقد قدر عددهم بأربعمئة رجل، ويظهر أنه لم يستعن بالقبائل القاطنة في المنطقة؛ لخشيته من عدم استجابتها له  .  أما قوة القرامطة في المنطقة فتتكون بشكل أساسي من زعمائهم الذين قدر عددهم بثمانين رجلاً وبعض بطون الأزد وعامر. بدأ عبد الله العيوني في محاربة القرامطة بعددٍ قليل من الرجال، غير أنه تمكن من الحصول على تأييد سكان المنطقة الكارهين لسلطة القرامطة، وبعد معارك متفرقة انسحب القرامطة إلى مدينة الأحساء وتحصنوا بها، كما انسحبت القبائل المؤيدة لهم إلى البادية، وبدأ عبد الله العيوني بمحاصرة القرامطة في عاصمتهم، وشن عليهم حرب استنـزاف استمرت سبع سنوات  .  شعر عبد الله العيوني أن قوته المحدودة لا تمكِّنه من القضاء على القرامطة، وانتزاع الأحساء من يدهم، فطلب دعم الخلافة العباسية والسلطة السلجوقية في بغداد  
 
كاتَبَ عبد الله بن علي العيوني الخلافة العباسية ووصلت رسله إلى بغداد، وشرعوا في التفاوض مع السلطان السلجوقي ملك شاه، ووزيره نظام الملك، وشرحوا لهما أحوال بلاد البحرين، وما وصلت إليه من تدهور، وأوضحوا لهما رغبة عبد الله العيوني في إقامة إمارة تدين بالطاعة والولاء للخلافة العباسية. نجحت المفاوضات في إقناع الخلافة العباسية والسلطة السلجوقية بالمساعدة، فجهزتا له جيشًا قوامه سبعة آلاف فارس بقيادة أرتق بك، أو ما يعرف في بعض المصادر بإكسك سلار، وسار الجيش من بغداد نحو الأحساء مرورًا بالبصرة، وفي طريقه إلى الأحساء هاجم القطيف انتقامًا من أميرها يحيى بن العياش لما فعله بجيش السلاجقة بقيادة كجكينا  .  وتمكن أرتق بك في شعبان 469هـ / 1075م من اقتحام القطيف بعد أن فرَّ منها ابن عياش إلى جزيرة أوال  
 
زحف أرتق بك بجيشه حتى وصل إلى مشارف الأحساء، وهناك التقى بجيش عبد الله العيوني، واشتركا معًا في محاصرة القرامطة، وقام أرتق بك بنهب مزارع الأحساء لإخافة القرامطة وإضعافهم اقتصاديًا  .  وقرر أرتق بك بعد فترة من الحصار العودة إلى بغداد مع قسم من جيشه، وترك الباقي مع أخيه البكوش (البقوش) لمساعدة عبد الله العيوني  .  استغل يحيى بن العياش في تلك الأثناء رحيل أرتق بك فهاجم القطيف، وانتزعها من الوالي الذي عينه أرتق بك  .  رأى عبد الله العيوني أن القرامطة يعتمدون بشكل أساسي على بعض القبائل في المنطقة لدعم وجودهم فيها، وبخاصة بنو عامر، والأزد، فقرر - بالاتفاق مع البقوش - الانفراد بكل قبيلة على حدة، فبدؤوا بقبيلة بني عامر، فهزموها، ثم زحفوا على القرامطة والأزد، ووقعت بين الفريقين معركة عرفت بمعركة الرحلين انتهت بانتصار عبد الله العيوني وحلفائه، والقضاء على عدد كبير من القرامطة والأزد، ثم وقّع مع القرامطة معاهدة نصت على استسلامهم ودخولهم قصر الإمارة، وإنهاء سلطتهم، وكان ذلك سنة 469هـ / 1075م  
 
في أعقاب انتصار عبد الله العيوني على القرامطة ودخوله الأحساء واجهته عقبتان رئيستان هما:
 
 تصفية مؤيدي القرامطة وأنصارهم.
 
 التخلص من السلاجقة وخطرهم المحتمل.
 
أما ما يتعلق بمؤيدي القرامطة وأنصارهم فقد انتهزت بقايا القرامطة انشغال عبد الله العيوني بتثبيت دعائم سلطته في الأحساء، فأجروا اتصالاً مع زعماء بني عامر والأزد، ومن المعلوم أن القبيلتين قد تحالفتا مع القرامطة إبان قوتهم ونفوذهم، وحاول بنو عامر الحصول من عبد الله العيوني على الامتيازات التي كانوا يتلقونها من القرامطة، غير أن الأمير العيوني رفض مطالبهم؛ ما أدى إلى دخول الطرفين في معركة انتهت بهزيمة بني عامر هزيمة قاسية، فتراجعوا نحو البادية وغنم عبد الله العيوني أموالهم  .  كما هاجم الأمير العيوني بقايا القرامطة، وألحق بهم الهزيمة، وأسر عددًا كبيرًا منهم  
 
وأما ما يتعلق بالسلاجقة فقد توترت العلاقة بين الأمير العيوني، والقائد السلجوقي البقوش؛ ما أدى بالأمير العيوني إلى أن يقبض على البقوش ويسجنه، ثم يقتله، وقد أدى ذلك إلى رد فعل عنيف من جانب السلطة السلجوقية التي أرسلت من كرمان بجنوب فارس قوة عسكرية قوامها ألفا فارس بقيادة قائد يدعى ركن الدين، حاصرت الأحساء مدة عام، ثم انسحبت بعد عقد معاهدة بين الطرفين  .  تلا ذلك جولة أخرى عندما تمكن عبد الله العيوني من إقناعهم بالعودة إلى عُمان، غير أن الجيش تاه في الصحراء، ومات معظمه عطشًا  .  وبذلك تخلص الأمير العيوني من السلاجقة الذين جاؤوا في البداية لمساعدته وطمعوا بعد ذلك في السلطة والغنائم.
 
تمكن زكريا بن يحيى بن العياش أمير القطيف من فرض سيطرته على أوال، وإنهاء سلطة بني الزجاج، وحاول أن يمد إمارته إلى الأحساء، فأرسل أخاه الحسن لمحاربة عبد الله بن علي العيوني أمير الأحساء، غير أن الأمير العيوني استطاع أن يعقد هدنة مع الحسن، إلا أن خلافًا وقع بين زكريا والحسن أدى إلى مقتل الأخير  .  حاول زكريا مرة أخرى غزو الأحساء، غير أن عبد الله العيوني ألحق به الهزيمة، فانسحب زكريا إلى القطيف، فلحق به عبد الله العيوني فأبحر زكريا إلى جزيرة أوال، ما مكن عبد الله العيوني من أن يحتل القطيف، ثم أمر ابنه الأكبر الفضل أن يلاحق زكريا إلى جزيرة أوال فعبر الفضل إليها، وتمكن من هزيمة جيش ابن العياش، وقتل قائد جيشه المدعو العكروت   سنة 470هـ / 1077م، وبذلك انهارت إمارة بني العياش التي استمرت قرابة عشر سنوات  ،  وتمكن عبد الله بن علي العيوني من توحيد أجزاء بلاد البحرين كلها تحت سلطته، وأقام إمارة قوية وطيدة الأركان تمتد حدودها من كاظمة شمالاً حتى أطراف الربع الخالي جنوبًا، ومن صحراء الدهناء غربًا حتى ساحل الخليج شرقًا.
 
نخلص مما سبق إلى أن الأمير عبد الله بن علي العيوني قد استطاع توحيد بلاد البحرين تحت سلطته بعد القضاء على القرامطة، وعلى خصومه من الزعامات القبلية، وشرع الأمير العيوني بعد توطيد دعائم حكمه في توزيع المناصب الإدارية بالإمارة، فعيَّن ابنه الفضل أميرًا على القطيف، وابنه عليًا على جزيرة أوال  .  أما الأحساء فقد أصبحت عاصمة للإمارة ومقرًا للأمير عبد الله  .  وعندما قتل الفضل بن عبد الله في جزيرة تاروت سنة 484هـ / 1090م على يد بعض خدمه سارع الأمير عبد الله بتعيين حفيده محمد بن الفضل على كلٍّ من القطيف وأوال، وقد استطاع محمد أن يكسب ثقة جده عبد الله؛ ما أهله لتولي مسؤوليات الحكم من بعده  
 
وعلى الرغم من الفترة الطويلة التي حكم فيها الأمير العيوني بلاد البحرين، إلا أنه لا توجد معلومات كافية عن نمط علاقة عبد الله بن علي بكلٍّ من الخلافة العباسية والسلطة السلجوقية من النواحي: السياسية، أو الاقتصادية، أو العسكرية.
 
ب) إمارة محمد بن الفضل بن عبد الله العيوني 520 - 538هـ / 1126 - 1143م:
 
تولى محمد بن الفضل المكنى بأبي سنان السلطة بعد وفاة جده على الرغم من وجود أعمامه على قيد الحياة حيث جعل القطيف عاصمة له، ويظهر أن عبد الله العيوني قد عهد بالحكم بعد وفاته إلى حفيده، لما يتمتع به من صفات أهّلته لتولي المسؤولية في القطيف وأوال، فأدى ذلك إلى انتقال مركز الثقل السياسي إليها، وإضعاف دور الأحساء التي تولىّ السلطة فيها عمه علي. كما عيَّن أخاه غريرًا أميرًا على جزيرة أوال  
 
ولم تشر المصادر التي بين أيدينا إلى وجود أي نوع من العلاقات بين محمد بن الفضل وبين الخلافة العباسية والسلطة السلجوقية في بغداد، وقد أخذ عمه علي بن عبد الله العيوني بتدعيم نفوذه في الأحساء محاولاً الاستقلال عن ابن أخيه، حيث تلقى أمير الأحساء الدعم والمساندة من أخيه الحسن؛ ما أدى إلى توتر العلاقات بين الجانبين، وبلغت الخلافات ذروتها سنة 537هـ / 1142م حينما نـزل غفيلة أحد زعماء بني عامر بالقطيف، وحاول الأمير إبعاده؛ ما أدى إلى حدوث قتال بين الطرفين انتهى بانسحاب الزعيم القبلي إلى الأحساء، وقد اتهم الأمير محمد عمّيه عليًا والحسن بدعم غفيلة؛ ونتيجة لذلك حشد الأمير العيوني جيشًا سنة 538هـ / 1143م زحف به نحو الأحساء، والتقى بجيش أمير الأحساء وحلفائه في معركة انتهت بمقتل محمد وأخيه جعفر، وقد كشفت هذه المعركة عن مدى قوة قبيلة بني عامر، وتدخلها في الشؤون الداخلية للبيت العيوني  
 
شارك المقالة:
50 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook