الأمراض السائدة بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الأمراض السائدة بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الأمراض السائدة بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
نظرًا إلى أنّ المنطقة الشرقية تكثر فيها الواحات الزراعية والمياه وبعض المستنقعات؛ فهي منطقة خصبة لتكاثر البعوض الذي يُسبب نقل الملاريا، ولهذا فإنّ كثيرًا من سكان المناطق الزراعية يُصابون بالملاريا التي تؤدي إلى تضخم في الطحال وانتفاخ في البطن واصفرار الجلد، بالإضافة إلى أنّ حفظ المياه في أوانٍ فخارية وبراميل لعدة أيام كان مصدرًا لتكاثر البعوض وانتشار الملاريا.
 
كذلك تنتشر بعض الأمراض وقت جني المحصولات الزراعية مثل وقت صرام التمر، إذ يكثر الذباب الذي ينقل بعض أمراض العيون مثل الرّمد (التراخوما)، كما أنّ وجود حظائر لتربية الحيوانات والدواجن وانتشارها في المنازل والأحياء والمزارع ووجود المراحيض التي تخلو من الاحتياطات الصحية أدّى إلى انتشار كثير من الأمراض والأوبئة مثل الحمى والجدري والسل، كما أنّ الأمراض الجلدية والدمامل منتشرة خصوصًا في المناطق الساحلية، ومن التهابات الجلد الشائعة ما يُعرف بالمشقّ وهو تشقق الكفين، ويحدث في فصل الشتاء، وكان يُعالج بدهن الكفين بدهن الودك أو بتخضيب الكفين بالحناء.
 
وقد بُذلت جهود كبيرة لمواجهة الأمراض وكان لشركة (أرامكو) دور كبير في ذلك، فقد بدأت حملة كبيرة لمكافحة الملاريا في المدن الساحلية في عام 1360هـ /1941م، تزامنت مع حملة إعلانية وقائية اعتمدت على ملصقات نُشرت في أمكنة تواجد الناس لتبين مسببات المرض وطرق تجنبه، وبالإضافة إلى ذلك كانت توجد زيارات منتظمة من قِبَل أطباء وممرضين لأمكنة تجمعات السكان  .  ومع زيادة الوعي الصحي لدى الأهالي وتدخل الدولة في رشّ حظائر الحيوانات في المنازل والمزارع بالمبيدات الحشرية وتوزيع براميل مليئة بالنفط الخام على أصحاب المزارع القريبة من مدينتي الخبر والدمام لاستخدامها في رش أمكنة تجمع البعوض وقنوات صرف المياه  ،  أثمرت تلك الجهود في سنة 1365هـ /1945م في تطهير ما يزيد على ثلاثين بلدة على سواحل المنطقة الشرقية، وكانت الدولة مهتمة بتنفيذ البرنامج الوقائي، ولهذا كانت تُرسل بعض أفراد الشرطة مع موظفي الصحة للتأكد من التزام الأهالي في المناطق الساحلية بالإجراءات الصحية خصوصًا فيما يتصل بالتخلص من مياه الأواني الفخارية والبراميل التي كانت مصدرًا للبعوض وانتشار الملاريا، إذ كان الأهالي يحفظون المياه فيها لمدة تصل إلى أيام عدة  
 
لقد أدت جهود مكافحة مرض الملاريا إلى انخفاض الإصابة به، ومع مرور الوقت تم القضاء عليه، كما أنّ الاهتمام بنشر الخدمات الصحية بأنواعها من مستشفيات ومراكز رعاية أولية في مدن المنطقة وقراها وزيادة المستوى التعليمي والاقتصادي للأفراد أدت إلى القضاء على الأمراض والأوبئة المعدية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، كما ارتفع المستوى الصحي للأفراد، وانخفضت معدلات الوفيات بين الأطفال وكذلك بين الكبار، واستُبدلت معظم أساليب العلاج التقليدية بأساليب الطب الحديث، ولكن العلاج بالرقية وبعض الأعشاب ما زال قائمًا.
ولتميز المنطقة الشرقية بالغوص وصيد اللؤلؤ انتشرت بعض الأمراض المرتبطة بهما، نذكر منها:  
 
أ - العاف:
 
وتُطلَق كلمة (العاف) على طبقة باردة جدًا من مياه البحر تكون قريبة من قاع البحر بنحو متر، وعادة يحدث العاف في بداية الموسم وآخره، خصوصًا عند هبوب رياح البوارح، فعندما ينـزل الغواص إلى الماء لجمع المحار يكون الماء دافئًا، وعندما يصل فجأة إلى قرب قاع البحر يكون الماء شديد البرودة، وهذا التغيُّر في درجة حرارة الماء يُلحق بالغواص تعبًا وإرهاقًا شديدين، وفي هذا يقول أحد الشعراء:
 
فــي  أبــو ظلام والعيــاي      وأنـا  مسرســح  مــع المـاي
والعـــاف يلـــوي امعــاي     وأرجـف  مثـل سـعف النخيلـة
 
ب - الدردور (الماية):
 
والمقصود به تيار ماء البحر، وهو يُتعب الغواص وكذلك السائب الذي يقوم بعملية سحب الغواص، فعندما يسحب السائبُ الغواصَ من قاع البحر بالحبل يجرف التيارُ الغواصَ يمنةً ويسرة ما قد يؤدي إلى ارتطامه بالسفينة ويُحدث إصابات بالغة في جسمه، وقد تؤدي عملية سحب الغواص مع وجود تيار مضاد لاتجاه السحب إلى إصابة الغواص بخلع (ملع) في بعض أجزاء جسمه أو جروح وكدمات نتيجة لشدة السحب.
 
ج - انفجار الأذن:
 
إن الضغط القوي في قاع البحر قد يؤدي إلى انفجار الأذن الداخلية أو إحداث ثقب فيها يخرج منه الدم ما يُسبب ألمًا للغواص، وهذا يتطلب انقطاع الغواص عن الغوص والراحة لعدة أيام يُعالَج خلالها ببعض الأدوية الشعبية وبالكي.
 
د - الطنّان:
 
مرض يُصيب الغواصين في الآذان نتيجة وجودهم في عمق البحر، ويُحدث ألمًا وطنينًا، وعادة يُصبح الغواص غير قادر على النـزول في البحر، لذا يُصبح عمله على ظهر السفينة سائبًا أو نحو ذلك.
 
هـ - الجروح والصدمات:
 
في غمرة موسم الغوص تكثر السفن وتكون قريبة بعضها من بعض، ويحدث أنّ ترتطم بالغواص الذي هو في طريقه إلى سطح البحر حجرة غواص آخر يكون في طريقه إلى قاع البحر، وكذلك عند سحب الغواص من قاع البحر قد يحدث أن يرتطم بقاع سفينة أخرى، وقد تتشابك حبال سحب الغواصين بعضها ببعض؛ مما يُعرضهم للخطر.
 
و - السّمط:
 
مرض جلدي يُصاب به الغواصون نتيجة لمكوثهم الطويل في البحر، فيتورم الجلد وتظهر عليه القروح والطفح، ويُعالَج السّمط بوضع (اليفت)، وهي خلطة مسحوقة تتكون من الشبّ وقشور الرمان والقرط مع إضافة الماء العذب على المواضع التي فيها المرض، وفي بعض الأحيان يذهب الغواصون إلى عيون المياه العذبة ويمضون بعض الوقت فيها للراحة، وبخاصةٍ عين تاروت قرب دارين فيستحمون فيها، وفي تلك العين أسماك صغيرة تقوم بأكل القروح من على جلد الغواصين فيبرؤون من المرض بإذن الله، كما يتناولون الخضراوات والفواكه التي تقوي أجسامهم  . 
 
ز - أم زليقة:
 
مرض جلدي يُصيب الغواصين والسيوب في المناطق الحساسة من الجسم مثل الفخذين؛ نتيجة لمكوثهم الطويل في عرض البحر، وتعرضهم للرطوبة وملوحة الماء مع قلة النظافة، وتتم معالجة أم زليقة بوضع خلطة اليفت على المكان المصاب قبل النوم، ويتم تعريض المناطق المصابة للهواء.
 
ح - قروح اليدين:
 
ويُصاب به السّائب الموكل بشدّ الحبال سواء حبل الغواص أو حبال السفينة، فمع طول مسك الحبال مضافًا إليه الرطوبة وملوحة البحر يهترئ جلد اليدين ويتقرح.
 
ط - أبو أقشاش:
 
مرض يُصيب البحارة نتيجة لسوء التغذية وقلة النظافة فتتأثر أسنانهم وتلتهب اللثة وتخرج منها رائحة كريهة، ويُعرَف هذا المرض علميًا بـ (داء الحفر)، ويُعالج ببعض الحوامض التي توضع في الفم أو يُتمضمض بها.
 
ي - الصرع:
 
نظرًا إلى ما يواجهه الغواصون من أحداث ومخاطر - خصوصًا في مياه البحار العميقة - يُصاب بعضهم بالصرع، ويعالَج بالرقية.
 
ك - السعال (الكحة):
 
نتيجة لتعرض طاقم الغوص للهواء والتيارات الجوية يُصاب بعضهم بالكحة الشديدة، ولعلاج ذلك يتم إعطاؤهم شوربة اللحم المطبوخ مضافًا إليها الفلفل الأسود، ويلزمون الراحة لبعض الوقت.
 
وكانت هذه الأمراض تُعالج بالأدوية الشعبية القديمة مثل: الصَّبِر، والمر، وصمغة الريح، وعلك اللبان، والزعتر، والزعفران، وماء الورد، والشبّ.
 
ل - الحشرجة:
 
هي حشرجة يُصاب بها صدر الغواص، وتُعالَج ببعض الأدوية الشعبية مثل الحلبة وصمغة الريح، ولعلاج مثل هذه الأمراض التي تُصيب البحارة تُستخدم أنواع من الأعشاب مثل: الصبر، والمر، وصمغة الريح، وعلك اللبان، والكمون، والينسون، والزعتر، والزعفران، والشبّ (حجر الزاج)، وماء الورد.
 
 

الطرق العلاجية

 
استخدم الأهالي عددًا من الطرق طلبًا للعلاج من الأمراض والعلل التي تُصيبهم، واعتمد بعضها على الخرافات والتعاويذ، فيما اعتمد بعضها الآخر على مُطببين شعبيين يستخدمون وسائل مُعينة في علاج مواقع الآلام والأمراض مثل الكي والفصد، واعتمدت طريقة ثالثة على وصفات عشبية.
 
أ - العلاج بالتعاويذ والخرافات:
 
كثيرًا ما كانت تُعزى مسببات الأمراض النفسية والجسدية إلى النفس، أو العين، أو الحسد، أو الجن، وهذا ليس قاصرًا على المنطقة الشرقية فحسب، بل كان هذا الاعتقاد منتشرًا في الجزيرة العربية كلها، كما انتشرت الأساطير والخرافات الشعبية؛ لذا كان طلب الشفاء بأساليب الشعوذة أمرًا سائدًا، ما أوجد أرضًا خصبة لانتشار المشعوذين وادعائهم القدرة على معالجة جميع الأمراض، وكانت التمائم والأحجبة تُعلق في رقاب الأطفال والنساء لوقايتهم من الأمراض والجن والعفاريت!
 
وكان تصور مشاهدة الجن في الطرق المظلمة والصحراوية وسرد حكايات خرافية عنها أمرًا شائعًا، كما كان يوجد اعتقاد بين عامة الناس بأنّ الجن تخاف من الذئب؛ لذا كانت توجد تعويذة (جامعة) تُغلَّف بقطعة من جلد الذئب وتُربط حول الذراع والرقبة لطرد الجن، كما كان يوجد اعتقاد أنّ الجن يدخل في الجسم ما يؤدي إلى قيام الشخص بحركات وإصدار أصوات وتشنجات غريبة وقد يفقد الشخص الوعي، وكانت حفلات الزار أو الاستنـزال تُقام بحيث يفقد الشخص المصاب فيها وعيه ويقوم بحركات غريبة، وبعضهم يسقط على الأرض مغشيًا عليه ويدعي أنّ ذلك يتم بتأثير من الجن.
 
وكان الأهالي يخوِّفون أطفالهم بمخلوقات خرافية (مثل أم العوافي وأم السعف والليف وأم المحامل وكلبة القايلة) أو بالجن لمنعهم من الخروج من البيت أو حينما يطلبون منهم تنفيذ أمر ما، كما يُخوِّفون الأطفال من الأمكنة المقفرة والمظلمة بأنّها تجلب الجنّ والعفاريت.
 
ومن الأساطير قصة ساباط الظّلمة، وهو مكان موجود بالقلعة في القطيف كان مسكنًا للجن الذين يظهرون أثناء الليل بصور الزنوج السود ولهم عيون موازية لأنوفهم وشعور منفوشة وخراطيم يأكلون بها وأرجل كأرجل الحيوانات، ويتجسدون في بعض الأحيان في صور غريبة كالكلاب والقطط السوداء والحمير، ويتركزون في أمكنة مثل العيون والترع والبساتين والأمكنة المظلمة والممرات الضيقة. ويُعتقد أنّ هذه المخلوقات تدخل في رؤوس الناس الذين يتعرضون لهم في هذه الأمكنة أو يقومون بخبط الأرض بقوة إذ إنّ الجن يسكنون الأرض، أو الصراخ والصياح وقت غروب الشمس فيُصاب هؤلاء الأشخاص بالصرع، ومن هنا نشأت عادة الزار، وهو فرقة تتكون من مجموعة أفراد سواء أكانوا رجالاً أم نساءً ولهم قائد، فيقومون بالرقص ودق الطبول بأصوات مرتفعة وحرق البخور، وفي نهاية الحفلة يتكلم المشعوذ أو المشعوذة بترانيم وكلمات بعضها غير معروف يدَّعي فيها أنّه يُخاطب الجني الذي أصيب به الشخص، ويطلب من الجني إمّا الرأفة به أو الخروج منه  . 
 
ومن العادات التي كانت موجودة في السابق ما يُعرف بـ (العذرة)، وهي أرز مطبوخ بالسكر أو الدبس يتم تفريقه في المنعطفات والترع استرضاءً للجن، وتُستخدم في حالة إصابة الشخص بروعة (صدمة خوف) أو حين ذهاب العريس أو العروس للاستحمام في إحدى العيون استعدادًا للزواج، ويُعتقد أنّ هذه العادة قدمت من الهند  . 
 
ومن الخرافات السائدة الاعتقاد بوجود بعض الكائنات والمخلوقات الخرافية التي لها تأثير في الناس، مثل الاعتقاد بوجود عفريت من الجن يسكن البحر يُسمع صوته ولا يُرى يُعرف بـ (أبو مغوِّي)  ،  يقف في وسط مقطع بلدة تاروت   ويقول للسائر في الطريق: خذ يمينًا أو شمالاً، فإذا أطاعه السائر انحرف عن الطريق ووقع في الطين الذي لا يُمكن التخلص منه فيموت  . 
 
ومن أهم المخلوقات الخرافية:
 
1 - أم حمار:
 
ويتصورونها على أنّها كائن بشكل امرأة لها أرجل كأرجل الحمار.
 
2 - الطنطل:
 
ويتصورونه على أنه كائن طويل القامة إذا مشى سُمع له صوت، وهو يخرج من الأمكنة المظلمة ليلاً فيُرعب المارين.
 
3 - الدعيدع:
 
يعتقد أنه يتمثل للسائر في الظلام كالجمر المنثور في الطريق، فإذا اقترب منه انتقل إلى مكان آخر.
 
4 - السعلو:
 
يعتقد أنه يتمثل في صورة زنجي عملاق له أنياب طويلة يختطف الأولاد الصغار ويأكلهم.
 
5 - أم سعفة:
 
ويتصورن أنّها كائن مُطيع للشياطين، تطير على سعفة نخل بعد منتصف الليل بعلو مرتفع، وتمر فوق السطوح أثناء الصيف، ويُسمع لها خشخشة كخشخشة السعف.
 
6 - أبو دربارة:
 
يعتقد أن هذا الكائن موجود بوجه خاص في المناطق الساحلية، ويتمثل في صورة غريق يستنجد، فإذا حاول أحد الاقتراب منه أو إنقاذه أكله، وإذا تركه اختفى في عمق الماء.
 
ومن مظاهر العلاج التي كانت سائدة حينما يُعتقد أنّ المريض به حسد أو عين: وقوف المريض - أو أقاربه - عند باب المسجد وفي يده إناء فيه ماء أو سمن ينتظر خروج المصلين لينفثوا في الإناء ثم يُسقى به أو يُدهن على مكان الألم.
 
كما كان بعض الناس يستخدم الخمّ (كنس - مسح) الذي كان عُرفًا منتشرًا بين النساء، وهو قيام المريضة أو إحدى قريباتها بمسح زُلف (مداخل) أبواب الجيران (خصوصًا الذين يعتقدون أنّهم مصدر العين أو الحسد) أو المسجد بقماش ثم يُغمس بماء ويُسقى للمريض.
 
وهناك طريقة أخرى تُعرف بـ (سبع الحدائد)، إذ تُحمى قطع حديدية على النار ثم يُوضع تراب ناعم في قدر وتُوضع الحدائد الملتهبة على التراب، ثم يُسكب عليه ماء مغلي، ثم تتم تصفية الماء ويُسقى للمريض.
 
وكان يوجد اعتقاد سائد بحدوث (شمم) لدى المريض الذي به جروح أو المرأة الوالدة وهو تهيج الجروح أو التهابها عند شمّ المريض طيبًا أو عطرًا، لذا كان المرضى ممن بهم جروح يُمنَعون من التطيب، بل كان زائرو المريض أيضًا يحرصون على عدم التطيب، ولشدة الحرص كانت توضع قطعة صغيرة من القماش فيها حلتيت في أنف المريض حتى لا يشم الطيب أو العطر.
 
كما كان الذهاب إلى المشعوذين طلبًا للشفاء أمرًا شائعًا للتخلص من العين أو إخراج الجان، وكان هؤلاء المعالجون يستخدمون أساليب متعددة بعضها عنيف مثل الضرب في الوجه أو الظهر بعصا حتى يخرج الجان، أو حبس المريض في غرفة مظلمة، أو الصراخ في وجهه.
 
 
شارك المقالة:
42 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook