الأمراض التي يعالجها الطب الشعبي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 الأمراض التي يعالجها الطب الشعبي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

 الأمراض التي يعالجها الطب الشعبي في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية.

 
أ - أمراض الأطفال:
 
استخدم الطب الشعبي لعلاج أمراض الأطفال عددًا من النباتات، منها نبات (الخوشع)، وهو من النباتات التي تنمو في الأجزاء السروية من المنطقة، وكانت الأم تقوم بأخذ كمية من أوراقه وسقي مائها للطفل المريض. كما كان يُستخدم نبات (الشذاب) لعلاج الخوف، إذ يتم إحراقه على النار ويُوضع تحت المريض فيما يُعرف بـ (التفويح)  
 
ب - أمراض العيون:
 
كان يوجد من يقوم بتطبيب العيون وعلاجها، فقد كان بعض المعالجين يعالج العمى الناتج عن ظهور الماء في إحدى العينين أو كلتيهما، ويتم ذلك بآلة حديدية تشبه المخيط الذي يُستعمل لخياطة أكياس الخيش ولها طرف مدبب مسنون. ويتم ذلك بفصد العين ثم تُلف تمامًا، ويُحجب المريض عن الضوء لمدة يحددها المعالج، وبعدها تتم إزاحة الغطاء الذي على العين، وتتحدد النتيجة التي إما أن تكون نجاح العملية واستعادة البصر وإما تلف العين كليًا وفقد البصر إلى الأبد  
 
ج - أمراض النساء والولادة:
 
عرف العسيريون الرقية ويسمونها (محوًا)، فقد كان إذا تعسرت ولادة امرأة ما بحثوا لها عن شخص يكتب لهم (محوًا) وهو بعض الآيات القرآنية التي كانوا يمحونها بالماء ويعطونها المرأة المتعسرة، وإذا لم يجدوا قارئًا بحثوا عن شخص يكون بكر أمه وأبيه فيأخذون منه شيئًا - مثل ثوب أو أثر - فيضعونه على المرأة المتعسرة وهو - بحسب اعتقادهم - يسهل ولادتها. كما كانوا يستخدمون لتسهيل عسر الولادة نباتًا يُعرف باسم (القبلة) وهو ما يُعرف علميًا باسم (الخبيز)، وكانوا يقومون بتجفيفه وسحقه وخلطه بالماء ثم تُسقى به المرأة المتعسرة  
 
د - لدغ الثعابين:
 
نظرًا إلى انتشار الهوام والحيات والثعابين والعقارب في المنطقة بكثرة نتيجة وجود الأحراش والحشائش والغابات فقد برع العسيريون في علاج لدغها، فعند تعرُّض أي شخص للَّدغ سواء من ثعبان أو عقرب أو نحو ذلك كان الناس يعالجونه بعدد من الطرق؛ فقد كان بعضهم يعمد إلى ربط العضو الملدوغ مما يلي القلب لمنع تسرب السم إليه، ومن ثم شرط محل اللدغة بالموسى ومصه بالفم لسحب السم من الجسم.
 
كما استخدم الأطباء الشعبيون في المنطقة لعلاج لدغة الثعبان خلطة مركبة من نباتات (الأثب والحدق)، إذ تُؤخذ الأوراق وتُجفَّف، ثم تُسحق وتُخلط بالعسل وتُؤخذ عن طريق الفم. كما استخدم بعضهم وصفة أخرى وهي خليط من الثوم والملح واللبن، وبعد تناول هذه الوصفة كانوا يشعلون نارًا في حفرة حتى يكثر جمرها ويصبح متوهجًا، ثم يعمدون إلى كرش ذبيحة فيضعون العضو الملدوغ - إذا كان من الأطراف مثل إحدى اليدين أو الرجلين - في كرش الذبيحة ويربطونه جيدًا، ثم يضع الملدوغ العضو المصاب الملفوف بكرش الذبيحة في تلك الحفرة الملتهبة ويحثون عليها التراب حتى يصير العضو مدفونًا تمامًا، ونظرًا إلى شدة حرارتها فإن المريض يخبرهم بين الفينة والأخرى أنه لم يعد يحتمل حرارتها وهم يعدونه بإخراجها إلى أن يُغمى عليه أو يكاد، فيحفرون عن رجله أو يده ويخرجونها وقد انتفخت، ثم تنفجر ويخرج السم منها  
 
ومن العادات التي كانت شائعة في المنطقة أنه إذا تعرض أحد أفراد القرية للدغ ثعبان فإنهم لا يتركونه ينام، ويعتقدون أن ذلك يضره وأن السم سيسري في جسده ما يؤدي إلى هلاكه. ولكي يمنعوه من النوم ويُدخلوا على نفسه السرور كانوا يقومون بمساهرته والرقص حوله ويسمون ذلك (مسامرة القريص) وقد تستمر سبع ليال، كما كانوا يمنعون الملدوغ من شرب الماء معتقدين أن ذلك يمنع انتشار السم في جسده  
 
هـ - الأمراض المنتشرة في المنطقة:
 
نظرًا إلى تعدد تضاريس المنطقة واختلاف المناخ من جزء إلى آخر فقد عرف العسيريون كثيرًا من الأمراض ذات الطبيعة البيئية، واختُص بعض الأجزاء بأمراض محددة مثل الملاريا التي كانت متوطنة في الأجزاء التهامية، والبلهارسيا التي كانت متوطنة في الأجزاء السروية. كما كانت توجد أمراض عامة انتشرت في جميع أجزاء المنطقة مثل الجدري والطاعون، وكان السكان يؤرخون بهذين المرضين فيقولون: (سنة الجدري) أو (سنة الطاعون)، ولم يكن يوجد علاج محدد لهذين المرضين ما جعلهما سببين قويين لوفاة كثير من السكان. وكان سبيل الوقاية من هذين المرضين هو عزل المصاب؛ فقد كان المصاب بالجدري - مثلاً - يُعزل في مكان بعيد عن منـزل الأسرة ولا يُسمح لأحد بالاقتراب منه إلا من سبق أن أُصيب بالمرض وبرئ منه ويُسمى ذلك الشخص (المجدر)، وهو يقوم على خدمة المصاب ومساعدته وإطعامه حتى يشفى أو يُتوفى.
 
و - أمراض الحيوانات:
 
عرف العسيريون علاج كثير من أمراض الحيوانات، ويُعد الجرب من أبرز الأمراض التي تصيب المواشي بمختلف أنواعها، وقد عالجوه بالقطران الذي يرى بعضهم أن العلاج بوساطته يقتصر على نوع محدد منه؛ وهو ما يظهر من أول ترسُّب للقطران إذ يكون خفيفًا ذا رائحة خاصة نفاذة. أما طريقة الطلاء فإنهم كانوا يقومون بحك جلد الجرباء حتى يتقرح ثم يصبون عليه القطران، وقد يدهنون به الحيوانات المصابة كل صباح مرة. وإذا كانت البهيمة من ذوات الأصواف الكثيفة التي قد تمنع وصول القطران - كما هو الحال في الإبل ذات الوبر الكثيف - فإنهم يعمدون قبل دهنها بالقطران إلى إزالة صوفها للسماح للقطران بالوصول إلى الجلد.
 
كما كانوا يعالجون الأبقار التي تتألم من أسنانها أو تفقد شهيتها للعلف بالملح، فقد كانوا يضعون مقدارًا من الملح في أكفهم ثم يُدخلونه في فم البقرة ويفركون لثتها وفمها به. وكان سكان الأجزاء الساحلية من المنطقة يغسلون مواشيهم بماء البحر ما يجعلها أكثر صحة وعافية ويساعدها على التخلص من الأمراض الجلدية. كما عرفوا تجبير كسور الحيوانات، وكانوا يجبِّرون كسور معظم المواشي عند حدوثها، أما الدواب فيستثنون منها الحمير والخيول؛ فهم يرون أن كسرها لا يُجبر.
 
 

مظاهر الثبات والتغير

 
على الرغم من تقدم الخدمات الطبية في المجتمع السعودي بشكل كبير عما كانت عليه في الماضي القريب، وعلى الرغم من أن في منطقة عسير عددًا من المستشفيات الحديثة  ؛  إلا أن الطب الشعبي لا يزال يُمارَس في بعض أنحائها بشكل أو بآخر، ولا يزال يوجد من يؤمن بأهميته ويسعى إليه.
 
ولعل التغير الذي حدث في هذا الجانب أن الطب الشعبي لم يعد هو العلاج الرئيس الذي يلجأ إليه الناس طلبًا للعلاج، وإنما أصبح أمرًا بديلاً يسعون إليه في حالة عدم رضاهم عن نتائج العلاج الطبي لأمراضهم ما يجعلهم يلجؤون إلى طلب العلاج لدى الأطباء الشعبيين.
 
وقد أدى مثل هذا التوجه إلى ظهور عدد من أدعياء الطب الشعبي من المشعوذين والسحرة والدجالين ممن ليس لهم علم أو دراية بفنون الطب الشعبي، ما تسبب في عدد من المشكلات التي عزاها كثيرون إلى الطب الشعبي برمَّته.
 
إلا أنه على الرغم من ذلك فإن الطب الشعبي لا يزال له بعضٌ من محبيه ومؤيديه والمؤمنين به، ليس من سكان القرى والهجر والبوادي في المنطقة فحسب، وإنما من بعض سكان المدن أيضًا. كما أن وصفات العطارين لا تزال تحظى بإقبال بعض الناس، ما شجع على استمرارية محال العطارة في عدد من مدن المنطقة.
 
شارك المقالة:
142 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook