كانت بداية حكم السليمانيين في المخلاف -كما سبق- مع بدايات النصف الثاني من القرن الخامس الهجري بعد هزيمتهم وطردهم من مكة على يد أبي هاشم محمد بن جعفر، ولكن المصادر لا تذكر شيئًا عن كيفية وصولهم إلى الحكم في المخلاف ولا إلى أول من تولى الحكم منهم ويرجح أغلب الباحثين أن يكون حمزة بن وهاس بن أبي الطيب داود بن عبدالرحمن بن أبي الفاتك عبدالله بن داود بن سليمان بن عبدالله الشيخ الصالح بن موسى الجون هو أول حكام المخلاف من بني سليمان؛ لأنه هو الذي تولى زعامتهم في الثورة على أمير مكة وقيادتهم في نـزوحهم إلى المخلاف، لكن المصادر لا تذكر شيئًا عن إمارته في المخلاف ولا مدة حكمه ولا تاريخ وفاته. وقد آل الحكم إلى أبنائه من بعده لمدة طويلة، ويقسمهم الباحثون إلى ثلاث أسر هي: بنو حمزة، والغوانم (الشطوط)، والقطبيون.
وفيما يلي أبرز أمراء كل أسرة والأحداث الداخلية في المخلاف في عهد كل منهم.
تنسب هذه الأسرة إلى حمزة بن وهاس الذي يعتقد أنه هو مؤسس حكم السليمانيين في المخلاف كما سبق بيانه، وأبرز حكامها:
يبدو أن حمزة بن وهاس قسم المخلاف بين ابنيه المذكورين قبل وفاته فكان لعيسى بن حمزة أعمال مخلاف عثر (القسم الشمالي من المخلاف السليماني) وليحيى بن حمزة القسم الجنوبي من المخلاف السليماني الذي كان يعرف سابقًا قبل توحيد المخلاف باسم مخلاف حكم بالإضافة إلى حرض. ولم يحافظ على وحدة المخلاف التي تحققت على يد سليمان بن طرف الحكمي . كما زرع بذلك بذرة الخلاف بين الأخوين اللذين ما لبث أن تطور الخلاف بينهما فأدى إلى إقدام يحيى على قتل أخيه عيسى والانفراد بحكم المنطقة كاملة ، وقد استمر يحيى بن حمزة في حكم المنطقة إلى مقتله على يد ولدي القاضي عمران بن المفضل الصليحي اللذين قدما إلى تهامة وقتلاه انتقامًا لمقتل والدهما على يديه في معركة الكظائم التي وقعت بين جيوش سبأ بن أحمد الصليحي وجيوش جياش بن نجاح على باب زبيد ، ولا تذكر المصادر التي أوردت خبر مقتل يحيى بن حمزة تاريخًا لهذا الحدث غير أن يحيى بن الحسين يورد الخبر في حوادث سنة 484هـ / 1091م، وبناء على ذلك تكون وفاة الأمير يحيى بن حمزة سنة 484هـ / 1091م .
تولى الحكم بعد مقتل أبيه على يد ابني القاضي عمران بن الفضل سنة 484هـ / 1091م حسب رواية يحيى بن الحسين المذكورة، ونحو سنة 491هـ / 1098م حسب ترجيح أحمد الزيلعي بناء على تحليل دقيق واستقراء واسع للأحداث .
ويعرف الأمير غانم بن يحيى بأبي الغارات لكثرة الحروب التي خاضها والغارات التي شنها خلال إمارته مع قوى كثيرة معاصرة لإمارته وسيأتي الحديث عن ذلك في العلاقات الخارجية للمخلاف.
أما الأوضاع الداخلية للمنطقة في عهد الأمير غانم فلم يرد عنها شيء في المصادر المتاحة، وهذا يدل على أن الوضع الداخلي للمخلاف كان هادئًا ولم تحدث به حوادث مهمة تلفت نظر المؤرخين إلى تسجيلها؛ واستطاع الأمير غانم أن يحافظ على الوضع المستقل للمخلاف بما فيه منطقة حرض، وإن لم يحقق أطماعه في توسيع نفوذه إلى المناطق الواقعة جنوبًا في مور والواديين . وعَمَّر الأمير غانم طويلاً ودامت إمارته إلى سنة 559هـ / 1164م وأطلق عليه لقب ملك في بعض المصادر
الغوانم هم أبناء الأمير غانم بن يحيى السليماني وأحفاده الذين تسلسل الحكم فيهم في المخلاف لفترة من الزمن امتدت إلى أوائل القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) حيث انتقل الحكم منهم إلى أبناء عمومتهم آل القطبي . أما لقبهم الشطوط فلم يُعثَرْ له على تفسير في المصادر والمراجع المتوافرة.
حكم المخلاف بعد وفاة أبيه، ولكنه لم يستمر في الحكم طويلاً فقد قتل في غزوة عبدالنبي بن مهدي على المخلاف سنة 561هـ / 1166م، وقد أبدى شجاعة نادرة مع عدد من فرسان قومه عندما تصدوا للمعتدين لما دخلوا حدود المخلاف في حرض، ودار بينهم عدد من المعارك قتل في إحداها وهاس بن غانم وانهزم المدافعون شمالاً فتابعتهم جيوش عبدالنبي بن مهدي في حملة خاطفة أشبه بغارات السلب والنهب والإحراق وسبي النساء دون وازع، ثم عاد إلى اليمن دون أن يضم المخلاف إلى حكمه بدليل استمرار حكم أسرة الغوانم فيه
تولى الإمارة في المخلاف بعد مقتل أخيه وهاس الذي لم يخلف ولدًا ، فقام بإصلاح الأوضاع في المخلاف بعد غزوة عبدالنبي بن مهدي، وقاد محاولات الأشراف وأهل المخلاف للثأر من بني مهدي، ولكنها لم تحقق هدفها في النيل منهم، مما دفعه إلى الاستنجاد بقوة خارجية للأخذ بثأر أخيه من بني مهدي واسترداد السبايا والأموال التي نهبها. فكان ذلك أحد أسباب استيلاء الأيوبيين على اليمن ، وقد شارك قاسم بن غانم في حملة توران شاه بن أيوب سنة 569هـ / 1174م في الاستيلاء على زبيد ثم عاد إلى بلاده بعد أن حقق غرضه في الأخذ بثأره والانتقام من عدوه حيث أدركته الوفاة بعد ذلك بشهر واحد في نحو 13 من ذي القعدة سنة 569هـ / 1174م
ومما تجدر الإشارة إليه أنه عندما عزم قاسم بن غانم العودة إلى بلاده منحه المعظَّم توران شاه تفويضًا بحكم المخلاف وأشرك معه ابن أخيه منصور بن أحمد الذي سبق أن وفد إلى مصر يطلب النجدة للسليمانيين حيث أصبح ما في يده من وادي عين جنوبًا إلى الساعد شمالاً، وما يلي ذلك من الشمال حتى نهاية المخلاف بيد عمه الأمير قاسم بن غانم .
يُذْكَر أنه تولى إمارة المخلاف بعد وفاة أبيه، وقتل سنة 610هـ / 1213م في النـزاع مع الأيوبيين
لم تحدد المصادر تاريخ بداية ولايته، وإن كانت بعض المصادر تشير إلى أنه كان أميرًا سنة 595هـ / 1199م ، وقد دخل في صراع مع الأيوبيين في اليمن، وارتبط بعلاقات مع الإمام عبدالله بن حمزة كما سيأتي إيضاح ذلك في الحديث عن العلاقات الخارجية، وقد تعرض المخلاف السليماني في عهده لغزوة من قبل الملك المعز إسماعيل بن طغتكين الأيوبي سنة 596هـ / 1200م وصل فيها إلى صبيا، وارتكب فيها أعمالاً فظيعة من قتل الرجال وسبي النساء وإباحة البلد لعسكره . وقتل المؤيد في معركة وقعت مع قوات الأيوبيين وبالتحديد في السرية التي قادها الخوارزمي على المخلاف سنة 614هـ / 1217م، وقد تصدى لها المؤيد في جماعة، ولكنه سقط صريعًا في بدايتها
وبعد وفاة المؤيد لا تذكر المصادر أحدًا من أمراء أسرة الغوانم له الرئاسة في منطقة (المخلاف) بكامله بل إن بعضها يشير إلى انقطاع حكم هذه الأسرة بعد مقتل المؤيد أحمد ودخول المنطقة تحت النفوذ المباشر للرسوليين ، ويذكر العمودي - وهو المؤرخ الذي أتيحت له الفرصة للاطلاع على معظم مؤلفات مؤرخي المخلاف - أن تلك المصادر لم تورد ذكرًا لأحد من أمراء الغوانم بعد الشريف المؤيد إلا آخرهم الملك المقلَّم الذي انتقل الملك منه إلى بني عمهم القطبة بوادي جازان وأبي عريش
وهو آخر حكام الغوانم (الشطوط) الذي تذكره المصادر ولا تمدنا بأي تفصيل عن اسمه فضلاً عن حياته وأعماله وإنما تذكر فقط أنه آخر حكام الغوانم ومنه انتقل الحكم إلى خالد بن قطب الدين مؤسس أسرة القطبيين التي حكمت المنطقة بعد أسرة الغوانم
بعض أسر الأشراف التي حكمت أجزاء من المنطقة
وجد في المنطقة (المخلاف السليماني) خلال فترة الدراسة عدد من أسر السليمانيين متفرقة في عدد من جهاته كانت لها زعامة محلية في المنطقة التي تقيم بها هذه الأسرة خلال فترة انقطاع حكم أسرة الغوانم، وهذه الأسر المحلية في الغالب تكون تابعة للأسرة الحاكمة على شكل إمارات إقطاعية في أودية المنطقة الخصبة، وقد أورد المؤرخون عددًا من هذه الأسر المحلية وبعض أفرادها المشهورين الذين كان لهم إسهامٌ بارز في تاريخ المخلاف، ولكن دون تفصيل يوضح هل كانوا أمراء أو قادة ودون ذكر لوفياتهم أو الأحداث التي شاركوا فيها مما يصعب معه وضع ترتيب تاريخي لها ، وقد فصل المؤرخون في ذكر أنساب هذه الأسر وروابطهم بعضهم ببعض ، ومنها يتضح مدى الترابط الكبير في النسب بين هذه الأسر إلى درجة أن الأغلبية العظمى من هذه الأسر تنتمي إلى أصل واحد أو جد أعلى هو موسى الجون بن عبدالله المحض
وهذه ميزة إيجابية ساعدت على وحدة المنطقة (المخلاف السليماني) في ظل الأسر الحاكمة (بني حمزة، الغوانم، القطبيون) والتماسك والتعاون بين جميع الأسر في الفترة التي خضعت فيها المنطقة لنفوذ الأيوبيين في اليمن، ثم من بعدهم الرسوليون منذ مقتل المؤيد أحمد من أمراء الغوانم سنة 614هـ / 1217م إلى بداية القرن التاسع الهجري. وأهم هذه الأسر حسب الجهات التي حكمتها ويغلب فيها نفوذها المحلي:
أ) بنو حمزة بن وهاس بن أبي الطيب
ب) الغوانم (الشطوط):
وهم الذين ينسبون إلى غانم بن يحيى بن حمزة مؤسس هذه الأسرة؛ ومنطقة نفوذهم في جازان وأبي عريش وما والاهما .
ج) بنو وهاس:
وهم أصحاب باغتة المعروفة الآن إلى الشمال من صبيا، وهم أولاد الأمير أحمد بن غانم بن يحيى بن حمزة ولهم قرابة شديدة بالغوانم حكام جازان ، ومن المناطق التابعة لنفوذهم وادي لية ووادي تعشر بمنطقة صامطة، وينتسبون إلى وهاس بن سليمان بن وهاس بن أحمد بن غانم بن يحيى بن حمزة بن وهاس ابن أبي الطيب داود بن عبدالرحمن .
د) بنو ذروة:
وهم أصحاب وادي صبيا المشهور الذي تقع عليه مدينة صبيا شمال شرق مدينة جازان بـ 40كم، وينسبون إلى ذروة بن حسن بن يحيى بن داود بن أبي الطيب فهم أبناء عمومة للغوانم لأن داود بن أبي الطيب هو أخو وهاس بن أبي الطيب ، وفيهم كانت الرئاسة على أشراف وادي صبيا، ومنهم انتقلت الرئاسة إلى الخواجيين .
هـ) القاسميون:
وهم أصحاب وادي بيش إلى الشمال من صبيا وينتسبون إلى الأمير قاسم بن غانم بن يحيى بن حمزة الذي سبق ذكره في أسرة بني حمزة.
وقد فصل زين رشيد علي الشافعي أنساب أشراف المخلاف السليماني بشكل موسع .
الأسرة القطبية (آل القبطي)
عرفت الأسرة بهذا الاسم نسبة إلى والد مؤسسها خالد بن قطب الدين الذي آلت إليه الإمارة في المخلاف سنة 803هـ / 1401م تقريبًا، من آخر أمراء الأسرة السابقة أسرة الغوانم الشطوط وهو المقلم كما سبق ذكره.
وقد تعاقبت أسرة خالد بن قطب الدين في الحكم إلى نهاية حكمها على يد الشريف أبي نمي الثاني محمد بن بركات أمير مكة المكرمة سنة 943هـ / 1536م بعد حكم دام 140 سنة .
وعند التدقيق في نسب هذه الأسرة نجد أنه لا يختلف عن نسب الأسرة السابقة بل هي فرع من الأسرة السابقة أسرة الغوانم حيث جاء نسب خالد بن قطب الدين على النحو الآتي (خالد بن قطب الدين بن محمد بن هاشم (جمال الدين) بن وهاس بن محمد بن هاشم (قاسم) بن غانم بن يحيى بن حمزة) وسلسلة النسب هذه هي سلسلة نسب الغوانم كما سبق ذكره، والانتقال الوحيد في الحكم من أسرة الغوانم إلى الأسرة القطبية يكون محصورًا بين أبناء الشريف المقلم آخر الأمراء الغوانم وأبناء قطب الدين حيث من المحتمل أن قطب الدين هو أخو المقلم أو ابن عمه أو أن خالد بن قطب الدين يكون ابن عم المقلم وهو الأقرب إلى الصحة ، ويطلق عليهم بعض الباحثين لقب الشطوط الذي هو لقب الغوانم لأنهم يشتركون معهم في النسب والجميع ينتمون إلى غانم بن يحيى بن حمزة بن وهاس بن أبي الطيب داود
وإذا كانت مراكز الأسرة السابقة الغوانم قد توطنت في منطقة جازان العليا وأبي عريش فإن مراكز الأسرة القطبية قد تركزت في الشرق من ذلك في أعلى وادي جازان حيث المعاقل الحصينة في الجبال ومنها جبل الجرد المشهور وبه توجد قلعتهم المشهورة بالثريا ودربها المعروف بدرب النجا وعاصمتهم ضاربة شمالاً في الجبل المذكور إلى ضفاف الوادي وبها جامعها الكبير، وقيل: إن معاصر الزيت التي كانت بها 500 معصرة
أما سبب تخصيصهم بأسرة مختصة بهم عرفت بالأسرة القطبية أو آل قطب الدين ولم تسم بأسرة الغوانم فربما يعود ذلك إلى أن جميع الأمراء الذين تعاقبوا على حكم منطقة جازان بعد خالد كانوا من أبنائه وأحفاده وينتسبون إلى جدهم الأقرب قطب الدين . وفيما يلي إشارة إلى أبرز أمراء هذه الأسرة:
أ) خالد بن قطب الدين 803 - 842هـ / 1401 - 1438م:
أول أمراء هذه الأسرة انتقل إليه الحكم من المقلم آخر أمراء الغوانم الذي على ما يبدو لم يكن له أولاد ذكور، أو أنهم كانوا صغارًا، وكان خالد أبرز أفراد أسرته ويملك من مؤهلات الحكم أكثر من غيره من أفراد أسرتهما وهو - في الوقت نفسه - زوج ابنة المقلم الأمير السابق .
وكان حكمه معاصرًا لأربعة من سلاطين بني رسول وهم الناصر الأول أحمد 803 - 827هـ / 1401 - 1424م ثم المنصور الثاني 827 - 830هـ / 1424- 1427م، ثم الأشرف الثالث 830 - 831هـ / 1427 - 1428م، ثم الظاهر 831 - 842هـ / 1428 - 1438م . وفي الحجاز كان الشريف المعاصر له حسن بن عجلان 797 - 829هـ / 1395 - 1426م نائب السلطنة المملوكية في الحجاز وصاحب الأطماع الواسعة في المناطق الواقعة إلى الجنوب من مكة المكرمة. وقد استطاع أن يحافظ على إمارته بين هذه القوى المتربصة؛ بل ويثبت حكمه حتى أطلق عليه المؤرخون لقب ملك جازان . ولم تورد المصادر أحداثًا محلية مهمة في عصره مما يدل على استقرار الأوضاع في المخلاف خلال إمارته سوى ما أشارت إليه بعض المصادر من خراب مدينة المنارة على يديه بسبب خروج أهلها عليه فعاقبهم بإجلائهم من بلدتهم إلى قرية ضمد وتخريب البلدة تخريبًا كاملاً ليكونوا عبرة لغيرهم . ظل الأمير خالد في الحكم إلى وفاته سنة 842هـ / 1438م.
ب) دريب بن خالد بن قطب الدين 842 - 876هـ / 1438 - 1471م:
خلف والده في الحكم بعد وفاته سنة 842هـ / 1438م، ولم تذكر المصادر أحداثًا مهمة في المخلاف في عهده وإنما أشارت إلى التبدلات السياسية في بلاد اليمن المجاورة قبل سقوط الدولة الرسولية سنة 858هـ / 1454م وقيام الدولة الطاهرية، توفي دريب سنة 876هـ / 1471م وخلفه ابنه أحمد .
ج) أبو الغوائر أحمد بن دريب بن خالد 876 - 911هـ / 1471 - 1505م:
تولى إمارة المخلاف بعد وفاة والده سنة 876هـ / 1471م ولا نعرف شيئًا من أحداث المخلاف الداخلية في عهده سوى ما ذكره العقيلي حيث قال: "في شعبان سنة 892هـ / 1487م هب إعصار شديد ما بين المدب وخلب بحيث يراه من في القريتين، والنار مشتعلة في أعلاه حتى بلغ حلة بأعلى القريتين، فطيّر عشتها المشتعلة بمن فيها، ثم سار في طريقه إلى المشرق، فأحرق الضباء والوحوش. وقد ظل أبو الغوائر محافظًا على إمارته حتى توفي سنة 911هـ / 1505م، وهناك من يرى أن وفاته كانت في سنة 917هـ / 1511م على يد العطاوية حيث قتلوه وانتهبوا أمواله، وقتلوا معه ابن أخيه خالد بن الحطيم، وفي تلك السنة اجتاحت المخلاف السليماني مجاعة ضارية امتدت إلى عام 925هـ / 1519م، وأهلكت أكثر السكان وبالأخص في وادي جازان ووادي ضمد، فلم ينجُ من سكان كل قرية إلا نفر أو نفران، وفي صبيا والملحا أفنت ما لا يحصى" .
على أن الأحداث المتعلقة بالعلاقات الخارجية في عهده كانت هي الأهم؛ وأبرز ما فيها سقوط جازان عاصمة المخلاف في يد الشريف محمد بن بركات أمير مكة المكرمة عام 882هـ / 1477م وتدميرها
د) العزيز يوسف بن أحمد بن دريب 911 - 912هـ / 1505 - 1506م:
آل إليه حكم المخلاف بعد والده سنة 911هـ / 1505م، ولكنه لم يعمر طويلاً حيث توفي بعد ذلك بسنة، ويقال بأنه مات مسمومًا يوم السبت التاسع من شوال سنة 912هـ / 1506م
هـ) المهدي محمد بن أحمد بن دريب 912 - 925هـ / 1506 - 1519م:
تولى الحكم في المنطقة بعد وفاة أخيه العزيز يوسف في نهاية شهر شوال من العام 912هـ / 1506م بالعهد من أخيه العزيز ، وكان مشهورًا بالشجاعة والكرم، وهو ممدوح الشاعر السيد الجراح بن شاجر الذروي الذي كان سببًا من أسباب شهرته لدى أهل المنطقة من خلال قصائده التي ملأت ديوانه المتداول في أيدي الناس
وممن مدحه: الشاعر محمد الهبي الصعدي الذي كان يصله من صعدة ومدحه بعدة قصائد، ومنها مخمسته المشهورة
ولا توجد في المصادر المتاحة أي معلومات عن الوضع الداخلي في المنطقة ولا الأحداث التي جرت فيها خلال إمارته في النصف الثاني من الربع الأول من القرن العاشر الهجري. ويبدو أن الهدوء خيم على المنطقة في عهده فلم يذكر الشاعر الجراح بن شاجر شيئًا من أخبار المنطقة سوى ما أشار إليه في ديوانه من ثورة مشايخ بني سبأ في نواحي منطقة حرض التي كانت مرتبطة بالمخلاف السليماني مما حمله على شن الحرب عليهم حتى أجبرهم على العودة إلى الصف ودفع ما كانوا يدفعونه من أتاوات في عهد أبيه وجده رمزًا للتبعية لأمراء المنطقة
وكانت له شهرة واسعة تعدت حدود الجزيرة العربية خصوصًا ما يقال عن اتصاله بالدولة المملوكية في عهد السلطان قانصوه الغوري مستعديًا له ضد الدولة الطاهرية في اليمن . وفي آخر عهد المهدي تعرض المخلاف لحملة شنها أمير حلي ابن يعقوب: قيس بن محمد الحرامي سنة 925هـ / 1519م، وهزم فيها المهدي، وتراجع إلى نواحي وادي خُلب وعاث خصمه في المنطقة فسادًا مما استدعى قدوم أخيه عز الدين من زبيد بتهامة اليمن، فدبر ضده انقلابًا استولى فيه على الحكم وسجن المهدي لعدة أيام ثم مات في السجن، ويقال: إنه مات مخنوقًا
و) عز الدين أحمد بن دريب 925 - 935هـ / 1519 - 1529م:
تولى الحكم في المخلاف بعد مقتل أخيه في السجن آخر شهر شوال سنة 925هـ / 1519م، وإذا كان قد ثار على أخيه وانفرد بحكم المنطقة ليحقق ما عجز عنه أخوه من قبل، فإن الظروف لم تساعده على تحقيق هدفه فقد تكالب عليه الأعداء من جهتين: من الشمال من قبل أمراء حلي ابن يعقوب المدعومين من أمير مكة، ومن الجنوب من جهة اليمن من قبل المماليك الجراكسة (اللوند) الذين استقلوا بحكم تهامة اليمن بعد سقوط الدولة المملوكية في مصر على يد العثمانيين عام 923هـ / 1517م. وبين هذين الخصمين قضى فترة حكمه القصيرة في صراع مع الخصوم.
وتعرض المخلاف للنهب والتدمير في غزوتي أمير حلي وبقايا الجراكسة سنة 926هـ / 1520م، وأخيرًا قتل الأمير عزالدين أحمد في الحرب التي وقعت بينه وبين المماليك الجراكسة حلفاء الأمس بعد أن اختلف معهم وكان مقتله سنة 930هـ / 1524م
ز) الأمير محمد بن يحيى القطبي 930 - 934هـ / 1524 - 1528م:
بعد مقتل الأمير عزالدين وعودة الجيش الذي استصحبه إلى المخلاف وقع الخلاف بين أفراد الأسرة القطبية في جازان حول من يتولى الإمارة وانحصر النـزاع بين ثلاثة منهم، وهم: الأمير أحمد بن محمد القطبي، والأمير أحمد الطاهر، والأمير محمد بن يحيى بن أحمد القطبي، وانجلى ذلك الصراع عن تمكن محمد بن يحيى القطبي من الإمارة لمؤهلاته التي يتفوق بها على خصومه
ولم تتحدث المصادر عن أحداث مهمة في المخلاف خلال فترة حكمه القصيرة (أربع سنوات)، ولم تصفُ له الأحوال بسبب منافسة ابن عمه أحمد بن المهدي الذي لجأ إلى زبيد وأخذ في إفساد العلاقة بينه وبين الأمير سلمان الرومي الذي بعث جيشًا إلى جازان، فالتقاه الأمير محمد بن يحيى في موضع يسمى القَرْن قرب المَدَب، ربيع الأول عام 934هـ / 1528م . وقد قتل الأمير محمد بن يحيى في المواجهة بين الفريقين وانهزم جيشه وتقدم الأمير سلمان إلى جازان، وولَّى الإمارة لحليفه أحمد بن المهدي بعد أن اشترط عليه لزوم الطاعة ودفع الخراج المقرر والمنكسر من عهد سلفه
ح) الأمير أحمد بن المهدي 934هـ / 1528م:
تولى الحكم بمساعدة بقايا جيش الجراكسة في زبيد المعروفين باللوند وبشروط قاسية فرضوها عليه وما لبث أن شعر بأن هذا يمس استقلال الإقليم الذي حرص الأشراف على حمايته طول تاريخهم؛ لذا حاول التخلص من ذلك، وهو يظن أنه سينجح وأن الجراكسة ليس أمامهم إلا القبول بالأمر الواقع. فماطل في تسليم ما التزم به لفترة، وحاول سلمان الرومي (رئيس الجراكسة) ثنيه عن ذلك بالطرق السلمية والمفاوضات، ولكنه لم ينجح ، بل إن الأمير أحمد بن المهدي امتنع عن دفع ما فرضه عليه الجراكسة ورفض الطاعة والتبعية لهم . لذلك أعد سلمان الرومي (رئيس الجراكسة) حملة عسكرية قادها بنفسه وتوجه بها إلى المخلاف فنـزل بأبي عريش ثمَّ بعث إلى الأمير أحمد بالإنذار الأخير فلما لم يجب توجه إليه في مقره بمدينة جازان العليا، فخرج الأمير أحمد إليه ودارت بين الفريقين معركة قتل فيها الأمير أحمد بن المهدي، وزحف سلمان الرومي إلى عاصمة الأمراء القطبيين جازان العليا فاستولى عليها ونهب جميع ما احتوته خزائنها من ذخائر وأموال وأسلحة وخرَّب عددًا من بيوت الأشراف، كما عاث فسادًا في جميع قرى وادي جازان من أعلاه إلى أسفله وأحرقها. وقد عمل عملاً لم يسبقه إليه أحد من الغزاة لمنطقة جازان وهو أنه أنهى إمارة الأشراف القطبيين وعين ابن أخته مصطفى بيرم أميرًا على جازان ، وكان ذلك آخر سنة 934هـ / 1528م.
ط) عامر بن يوسف العزيز 935هـ / 1529م:
وصل إلى الحكم باختيار الأشراف له للإمارة بعد رحيل مصطفى بيرم عن المخلاف إلى اليمن بسبب ثورة قامت ضد خاله في زبيد وأودت بحياته على يد اللوند .
نـزل عامر بن يوسف من الدِّحن في المنطقة الجبلية واستقر في أبي عريش واتخذها عاصمة ثانية له فازدهرت الحياة فيها واتسع عمرانها بسرعة .
واجه الأمير عامر بن يوسف منافسة قوية من أبناء عمه المهدي الذين نازعوه الإمارة وجاهروا بعداوته؛ لذلك قام بشراء عدد كبير من العبيد الأفارقة ليتخذ منهم قوة تحميه وتحمي إدارته من خصومه، وقد بلغ عددهم 600 مملوك أغدق عليهم العطاء وزودهم بالسلاح وأطلق أيديهم في البلاد ومنحهم حرية التصرف في شؤون الإمارة، فأفسدوا في الأرض ولم يستطع ضبطهم وحماية الناس من شرورهم. فتحولت الحال في المنطقة من الهدوء والاستقرار والأمن إلى الفوضى والاضطراب والخوف وخصوصًا في الجهات الشمالية من المنطقة بسبب تعديات أمير حلي المدعوم من أمير مكة أبي نمي .
غزا أمير حلي المنطقة للمرة الأولى سنة 940هـ / 1533م ولم يجد مقاومة حتى وصل إلى أبي عريش في حين تحصن الأمير عامر بقلعته في جازان العليا فتوجه إليه أمير حلي، ولكنه هُزِمَ هزيمة منكرة وعاد إلى بلاده، فأخذ يعد العدة لغزوة جديدة واستعان بحليفه أمير مكة الشريف أبي نمي الذي أمده بقوة كبيرة هجم بها على المخلاف سنة 942هـ / 1535م ولكنه هُزِمَ للمرة الثانية فحمل ذلك أمير مكة على القدوم إلى المخلاف بنفسه سنة 943هـ / 1536م، على رأس قوة كبيرة هزمت الأمير عامر واستولت على عاصمته ودمرت قلعتها تدميرًا كاملاً حتى سوتها بالأرض . أما الأمير عامر فإنه بعد الهزيمة حاول الاستعانة بالجراكسة (اللوند) فلم يجد عندهم فائدة فتوجه إلى الإمام شرف الدين وطلب مساعدته، فأمده بقوة استعاد بها إمارته في جازان، ولكن نهايته كانت على أيدي قادة هذه الحملة سنة 944هـ / 1537م. وبذلك انتهى حكم الأسرة القطبية ولم تلبث المنطقة أن دخلت في حكم الخلافة العثمانية في السنة التالية 945هـ / 1538م.