الآثار المنقولة في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الآثار المنقولة في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الآثار المنقولة في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
أسفرت المسوحات الأثرية لمواقع متفرقة تعود إلى الفترة الإسلامية في المنطقة عن الكشف عن عدد لا بأس به من الملتقطات (المعثورات) السطحية تتمثل في أجزاء من أوان مصنوعة من الفخار أو الزجاج أو الخزف، وقطع معدنية من الذهب أو الفضة والنحاس لعملات أو أدوات زينة، ويرجع معظمها إلى العصر العباسي الذي شهد خلاله درب زبيدة ذروة ازدهاره. وتدل هذه المعثورات على وجود نشاط سكاني وحركة اتصال بين مناطق الجزيرة العربية وما جاورها في العصور الإسلامية، كما أنها تعد شواهد مادية تعكس ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية من تطور وازدهار في هذه المنطقة. ويرجع العثور على مثل هذه الآثار المنقولة إلى عدد من العوامل منها:  
 
 اشتمال الطريق على عدد من المرافق العمرانية المهمة مثل: الآبار، والبرك، وعلامات الطرق.
 
 توسع محطات الطريق نتيجة لانتشار المباني والمساكن والمساجد.
 
 أن بعض المحطات كانت مقرًا للقائمين على طريق الحج لتعهد إدارة مصالحه مثل محطة فيد التي يقول عنها ابن رستة:... وهي كثيرة الأهل وفيها ينـزل عامل الطريق وفيها مسجد جامع....
 
 إقامة كبار مسؤولي الدولة الإسلامية في محطات الطريق خلال رحلاتهم لتأدية فريضة الحج.
 
 كان الحجاج والمسافرون يجلبون معهم ما يحتاجون إليه من أوانٍ وقدور وجرار وأوعية أخرى كثيرة لحفظ أطعمتهم وأشربتهم، وبعضها كانت تجلب بقصد المتاجرة بها في الأسواق الواقعة في محطات الطريق.
 
 اشتمال بعض محطات الطريق على بعض مصانع الفخار والخزف والزجاج ومصاهر للمعادن اللازمة لتوفير ما يحتاج إليه السكان والمسافرون.
 
 كانت هناك في بعض المحطات الواقعة على درب زبيدة أسواق عامرة للبيع والشراء، مثل سوق الثعلبية (البدع) التي يقول عنها ابن رستة   إنها: مدينة عليها سور وفيها حمامات وسوق.... كما وصفها ابن جبير عندما نـزلها في ضحى يوم الخميس 2 محرم 580هـ الموافق 3 مايو 1184م بقوله:  ...  ووصل إلى هذا الموضع جمع كثير من العرب رجالاً ونساءً واتخذوا به سوقًا عظيمة للجمال والكباش والسمن واللبن والإبل، فكان يوم سوق نافعة  .  كذلك كان سكان محطات درب زبيدة يسعون للتعايش مع الحجاج، من خلال عرض منتجاتهم وإقامة الأسواق لهم في المحطات الكبيرة مثل فيد وسميراء، إذ يذكر ابن خرداذبة عن فيد ما نصه:  ...  ثم إلى فيد وهي نصف الطريق فيها عين تجري وبفيد منبر وأسواق وبرك وعيون جارية. ويذكر ياقوت عنها في معجمه: وفيد بلدة في نصف طريق مكة من الكوفة عامرة إلى الآن يودع الحجاج فيها أزوادهم وما يثقل من أمتعتهم عند أهلها، فإذا رجعوا أخذوا أزوادهم ووهبوا لمن أودعوها شيئًا من ذلك، وهم مغوثة للحجاج في مثل ذلك الموضع المنقطع، ومعيشة أهلها من ادخار العلوفة طول العام إلى أن يقدم الحاج فيبيعونه عليهم  .  أما عن سوق سميراء فيذكر ابن جبير أثناء توقفه فيها في 15 محرم 580هـ الموافق 28 إبريل 1184م   ما نصه: وفي يوم الجمعة بعده نـزلنا ضحوة النهار سميرة، وهي موضع معمور، وتبايع العرب فيها مع الحاج فيما أخرجوه من لحم وسمن ولبن، ووقع الناس على قرم وعيمة، فبادروا الابتياع لذلك بشقف الخام التي يستصحبونها لمشاراة الأعراب لأنهم لا يبايعونهم إلا بها.
 
ومن أهم المعثورات المنقولة التي كشف عنها في المواقع الأثرية الإسلامية في المنطقة ما يأتي:
 
أ - المسكوكات الإسلامية:
 
تعد المسكوكات الإسلامية من أهم المعثورات الأثرية التي عثر عليها في عدد من المواقع الأثرية، سواء على درب زبيدة نفسه، أو في المواقع الأخرى المنتشرة في أرجاء المنطقة. وقد أسهمت هذه المسكوكات في إلقاء مزيد من الضوء على الحقب التاريخية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة في المنطقة.
 
لقد عثر في عدد من المواقع الإسلامية بالمنطقة على مجموعة من العملات الذهبية والفضية والنحاسية، وضربت في دور ضرب (سك) العملة في حواضر إسلامية متعددة، وهي تغطي فترة تاريخية تبدأ مع بداية ظهور الإسلام حتى نهاية القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي. ومن أهم المواقع التي كشف فيها عن بعض المسكوكات فيد وسميراء، بالإضافة إلى موقع شبرية الصفراء الذي عثر فيه على أكبر مجموعة من المسكوكات الإسلامية في المنطقة  ، بل إن هذه المجموعة تُعَدُّ اليوم من أهم المكتشفات الأثرية للمسكوكات الإسلامية في الجزيرة العربية  
 
وتعرف هذه المجموعة باسم (كنـز شبرية الصفراء)، وهو محفوظ حاليًا في المتحف الوطني بالرياض، ويتكون من 414 درهمًا فضيًا، كما عُثر في الموقع نفسه على مجموعة قطع أخرى من الدراهم الفضية، وهي محفوظة الآن في متحف الآثار والتراث الشعبي بالمنطقة.
 
ويتضح من خلال الدراسة العلمية على هذه المجموعة أنها تشتمل على:  
 
 دراهم أموية ضربت خلال الفترة من 25 - 127هـ / 646 - 745م، وثلاثة منها ضربت عام 130هـ / 748م، وعام 131هـ / 749م، ومن بينها درهم واحد ضرب في مدينة جي ناحية أصفهان عام 129هـ / 747م، وهو من الدراهم المضروبة من قِبَل الخوارج أواخر العصر الأموي.
 
ومن أمثلة هذه الدراهم الأموية:  
 
تاريخ الضرب ومكانه: درهم أموي ضرب واسط عام 130هـ / 748م.
 
مكان العثور: شبرية الصفراء.
 
مكان الحفظ: متحف حائل الإقليمي.
 
القطر: 2.6سم.
 
الوزن: 2.90جم.
 
الكتابات: الوجه: المدار: بسم الله ضرب هذا الدرهم بواسط سنة ثلثين ومئه.
 
المركز: لا إله إلا / الله وحده / لا شريك له
 
الظهر: المدار: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
 
المركز: الله أحد الله / الصمد لم يلد و / لم يولد ولم يكن / له كفو احد
 
ويتضح من تاريخ ضرب هذا الدرهم أنه يقع في فترة حكم آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد (مروان الثاني)   127 - 132هـ / 744- 750م.
 
 مجموعة من الدراهم العباسية، يبلغ عددها 406 دراهم، ويراوح تاريخ ضربها بين عامي 132 و 193هـ / 750 و 809م، أي أنها ضربت في عهود خمسة من الخلفاء العباسيين هم:
 
 أبوالعباس السفاح 132 - 136هـ / 750 - 754م.
 
 أبوجعفر المنصور 136 - 158هـ / 754 - 775م.
 
 محمد المهدي 158 - 169هـ / 775 - 785م.
 
 موسى الهادي 169 - 170هـ / 785 - 786م.
 
 هارون الرشيد 170 - 193هـ / 876 - 809م.
 
لقد ضُربت هذه الدراهم في عدد من دور الضرب، بلغت ست عشرة دار ضرب جاءت على النحو الآتي: مدينة السلام 11 درهمًا، والمحمدية 68 درهمًا، والبصرة 53 درهمًا، والكوفة 39 درهمًا، ومدينة الري 7 دراهم، وأرمينيا 6 دراهم، والهارونية 5 دراهم، وكرمان 4 دراهم، واليمامة 3 دراهم، وبلخ (درهمان)، ومدينة زرنج (درهمان)، وسجستان (درهمان)، والعباسية (درهم واحد)، وبوشهر (درهم واحد)، واردشيرخره (درهم واحد)، وأخيرًا في اصطخر (درهم واحد).
 
ولا ريب في أن هذه الدراهم تعد اليوم مصدرًا مهمًا لمزيد من المعرفة عن المسكوكات الإسلامية في عهد الخلافتين الأموية والعباسية، وخصوصًا بما تتضمنه من معلومات مفيدة عن دور الضرب وأحجام العملات والأوزان، ولا يقل أهمية ما ورد عليها من أسماء وألقاب وكنى للخلفاء والولاة، بالإضافة إلى ما تتيحه هذه المسكوكات من فرصة جيدة لدراسة تطور الخط العربي على المسكوكات في العهد العباسي. ومن أمثلة دراهم هذا الكنـز ما يأتي:
 
تاريخ الضرب ومكانه: درهم عباسي ضرب الكوفة سنة 142هـ / 759م.
 
مكان العثور: شبرية الصفراء.
 
مكان الحفظ: متحف حائل الإقليمي.
 
القطر: 2.7سم.
 
الوزن: 2.8جم.
 
الكتابات: الوجه (المدار): بسم الله ضرب هذا الدرهم بالكوفة سنة اثنين وأربعين ومئه.
 
المركز: لا إله إلا / الله وحده / لا شريك له.
 
الظهر (المدار): محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
 
المركز: محمد رسول الله.
 
ويتضح من تاريخ ضرب هذا الدرهم أنه يوافق حكم الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور 136 - 158هـ / 754 - 775م.
 
تاريخ الضرب ومكانه: درهم عباسي ضرب المحمدية سنة 158هـ / 775م.
 
مكان العثور: شبرية الصفراء.
 
مكان الحفظ: متحف حائل الإقليمي.
 
القطر: 2.15سم.
 
الوزن: 2.9جم.
 
الكتابات: الوجه (المدار): بسم الله ضرب هذا الدرهم بالمحمدية سنة ثمان وخمسين ومئة.
 
المركز: لا إله إلا / الله وحده / لا شريك له.
 
الظهر (المدار): محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
 
المركز: مما أمر به / المهدي محمد / بن أمير المؤمنين ويشير كل من حرف (م) أعلى السطر الأول، وحرف (ع) أسفل السطر الأخير في الظهر إلى المشرف على السكة وناقشها.
 
تاريخ الضرب ومكانه: درهم عباسي ضرب مدينة السلام سنة 163هـ / 780م.
 
مكان العثور: شبرية الصفراء.
 
مكان الحفظ: المتحف الوطني بالرياض.
 
القطر: 2.6سم.
 
الوزن: 2.8جم.
 
الكتابات: الوجه (المدار): بسم الله ضرب هذا الدرهم بمدينة السلام سنة ثلاث وستين ومئه.
 
المركز: لا إله إلا / الله وحده / لا شريك له.
 
الظهر: (المدار): محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
 
المركز: محمد رسول / الله صلى الله / عليه وسلم / الخليفة المهدي.
 
وهذان الدرهمان الأخيران أمر بضربهما الخليفة محمد المهدي 158 - 169هـ / 775 - 785م.
 
ب - الخزف:
 
عُثر في بعض المواقع الأثرية الإسلامية بالمنطقة، مثل موقع البدع  وموقع فيد وموقع سميراء على كسر خزفية، وهي كؤوس ومسارج وأجزاء من فوهات ومقابض، وأجزاء من أبدان وقواعد من جرار، بالإضافة إلى مزهرية صغيرة عُثر عليها في موقع البدع. ومعظمها يتشابه مع تلك القطع المكتشفة في حفائر سامراء بالعراق التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي، ما يرجح أن هذه القطع الخزفية جلبت مع الحجاج والمسافرين والتجار من العراق وإيران إلى المنطقة.
 
ويمكن تصنيف الخزف الذي عثر عليه في التنقيبات الأثرية في مواقع درب زبيدة أو في المواقع الأخرى من المنطقة على النحو الآتي:
 
1 - الخزف ذو البريق المعدني: 
 
شهدت صناعة الخزف في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي تطورًا جديدًا أدى إلى ابتكار نوع جديد من الخزف اصطلح على تسميته (الخزف ذو البريق المعدني)، فبفضل إضافة أكسيد القصدير إلى مادة الطلاء الزجاجي الشفاف على سطح الآنية أمكن الحصول على مادة طلاء زجاجية تميل إلى اللون الأبيض المعتم  
 
لقد عثر على هذا النوع من الخزف في التنقيبات الأثرية التي أجريت في إيران، والعراق، ومصر، وإفريقية، والأندلس، وفي الآونة الأخيرة كشف عن نماذج منه في الجزيرة العربية، ولكن بأعداد محدودة وبخاصة في موقع زبالة، وموقع البدع، وموقع فيد، حيث وجد نوعان منه؛ الأول: ذو اللون الواحد، والثاني: متعدد الألوان، وكلاهما يشبه ما وجد سابقًا في حفائر سامراء في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي، خصوصًا من حيث طريقة الصناعة، أو الزخارف التي شكلت على هيئة زخارف نباتية محورة على طراز سامراء الثالث  
 
2 - الخزف المرسوم تحت الطلاء: 
 
انتشرت صناعة هذا النوع من الخزف خلال العصر العباسي في عدد من أقاليم العالم الإسلامي، فقد كشف عنه في بادئ الأمر في سامراء، ثم بمدينة ساوة والري وسوسة في إيران، وفي الفسطاط بمصر  
 
وقد عثر على عدد من القطع من هذا النوع من الخزف في عدد من المواقع الأثرية بالمنطقة مثل: موقع البدع، وموقع فيد  ،  وهي أجزاء من حواف، وقواعد، وأبدان، وأطباق. تتميز بأن طينتها بيضاء نقية، أو برتقالية فاتحة، وتتشابه مع تلك القطع المكتشفة في حفائر سامراء التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي  
 
3 - الخزف ذو الزخارف المتعددة الألوان: 
 
يعود تاريخ أقدم الأمثلة المعروفة - حتى الآن - لهذا النوع من الخزف إلى القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، حيث كشف عن نماذج منه في مواقع غرب إيران (آمل وساري ونيسابور)، وفي سامراء بالعراق  
وقد عثر على أنواع من هذا الخزف في بعض المواقع الأثرية بالمنطقة مثل: موقع القاع، وموقع زبالة، وهو مشابه للخزف المكتشف في العراق، وفي نيسابور بإيران، وذلك من حيث استخدام الطينة الصفراء، والطلاء الزجاجي عليه، الذي يتكون من اللون الأصفر العسلي، والبني والأخضر، ويلاحظ أن الألوان إما أضيفت على هيئة خطوط فوق طبقة بيضاء، أو أن تكون على شكل عناصر زخرفية تأخذ اللون البني الغامق، وتشتمل على دوائر وأشكال هندسية  
 
ج - الفخار: 
 
أفضى تحول الإنسان التدريجي من الترحال إلى الاستقرار في القرى قبل ما يزيد على ثمانية آلاف سنة إلى حاجته لصناعة أوانٍ تساعده على حفظ مستلزماته الخاصة ونقلها، حيث اهتدى إلى مادة الصلصال المتوافرة في بيئات حياته الطبيعية، فشكل منها الأواني من جرار، وقدور، وصحون، وكؤوس، وخلافه، وقد أخذت صناعة الفخار تتطور تدريجيًا، ففي البداية استخدم الإنسان يده في تشكيل الآنية، ثم ما لبث أن وظف العجلة البطيئة ثم السريعة والقوالب كتقنيات جديدة ومتطورة لصناعاته الفخارية. ومع مرور الوقت أضيفت إلى الأواني زخارف جمالية متنوعة وذات ألون مختلفة.
 
ونظرًا إلى قلة الحفريات الأثرية المنظمة في المنطقة فإن الفخار الذي عُثر عليه في عدد من المواقع على امتداد درب زبيدة في منطقة حائل يحتاج إلى مزيد من الدراسة العلمية لعلها تفضي إلى الإجابة عن عدد من التساؤلات أهمها: هل هذا الفخار هو إنتاج محلي أم جلب مع الحجاج والتجار والمسافرين من العراق وإيران إلى هذه المواقع في المنطقة؟
 
في ضوء ما عثر عليه من فخار المواقع الأثرية الإسلامية في المنطقة يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع هي:
 
1 - فخار مطلي بلون واحد وغير مزخرف: 
 
يكثر هذا النوع من الفخار في صناعة قواعد القدور (الجرار) ومقابضها وأكتافها، وفي صناعة المزهريات، والأباريق، والصحون، والأكواب، بالإضافة إلى قطع المسارج الشبيهة بالمسارج المكتشفة في سامراء. ومن أميز الأمثلة للأواني الكاملة تلك التي عُثر عليها في موقع البدع، وهي مزهرية صغيرة الحجم ذات طلاء أخضر غير مزخرفة  
 
2 - فخار مطلي ذو زخارف بارزة وغائرة:
 
عثر على كسر فخارية في مواقع: القاع، وزبالة، وفيد وسميراء ذات زخارف بارزة، على هيئة شرائط وضفائر (أشكال مجدولة)، وأقراص كبيرة (حبيبات)، وزخارف نباتية، نُفذت قبل الطلاء، ويلاحظ عليها زخارف غائرة نُفذت بطريقة الحز، وهي خطوط محزوزة تحت الطلاء، وتقع أسفل رقاب الأواني والحواف والأكتاف  
 
3 - فخار غير مطلي: 
 
عُثر في جميع المواقع الأثرية على امتداد درب زبيدة في المنطقة على هذا النوع من الفخار، ومن أهم المواقع التي عُثر عليه فيها منطقة موقع القاع، وموقع فيد. وقد نفذت عليه الزخارف بعدد من الطرق إما بالحفر، أو بالختم، أو بالقالب، أما العناصر الزخرفية التي تظهر عليه فمعظمها زخارف هندسية ونباتية. ويشبه هذا النوع من الفخار ذلك الذي عثر عليه في حفائر قصر الأخضر بالعراق، ويعود تاريخه إلى القرنين الثاني والثالث والهجريين / الثامن والتاسع الميلاديين  . 
 
د - الزجاج: 
 
تشير الشواهد الأثرية إلى أن سكان بلاد الرافدين تمكنوا خلال الألف الرابع قبل الميلاد من ابتكار صناعة الزجاج، حيث طوروا في البداية أسلوب تزجيج أحجار الأستيتيت، ثم توصلوا إلى تقنية استخراجه من الرمال الناعمة المخلوطة مع الكلس. ومع مرور الوقت انتشرت صناعة الزجاج في مناطق الشرق القديم وخارجه، حيث تطورت صناعة الأواني الزجاجية باستخدام القوالب، ثم عن طريق النفخ بوساطة قضيب مجوف من الحديد.
 
وقد كشفت أخيرًا المسوحات والتنقيبات الأثرية في عدد من المواقع الأثرية الإسلامية على امتداد طريق درب زبيدة في المنطقة مثل موقعي: فيد، وسميراء عن كسر زجاجية (أجزاء من أوانٍ وقوارير ودوارق)، وأدوات زينة (أساور وخرز) متعددة الألوان، منها الأزرق الغامق، والمائل إلى الخضرة، والأبيض وغيره.
 
كما أثبتت المسوحات والتنقيبات الأثرية في المنطقة أن ثمة مصانع مختصة بصناعة الزجاج في بعض المواقع الأثرية الإسلامية على درب زبيدة، وبخاصة في موقع فيد الذي كشف فيه عن كثير من القطع الزجاجية التالفة.
 
ويمكن أن تؤرخ الكسر الزجاجية التي عُثر عليها في بعض المواقع على درب زبيدة، وخصوصًا في موقع فيد، وفي موقع سميراء إلى الفترة الممتدة ما بين القرنين الثاني والرابع الهجريين / الثامن والعاشر الميلاديين، إذ يلاحظ أن بعض الكسر الزجاجية المكتشفة في تلك المواقع تشبه نظيرتها المكتشفة في سامراء وبخاصة تلك المكتشفة في قصر الأخيضر، التي تعود إلى القرنين الثاني والثالث والهجريين / الثامن والتاسع الميلاديين. ويلاحظ أن فوهات الأواني الزجاجية ذات الأشكال القرصية المكتشفة في موقع فيد تتشابه مع نظيرتها المكتشفة في سامراء، كما تتشابه أيضًا مع دورقين صغيرين محفوظين حاليًا في متحف المترو بوليتان بنيويورك، عثر عليهما في العراق، ويرجعان إلى القرنين الثالث والرابع الهجريين / التاسع والعاشر الميلاديين، وهما من ذوات الفوهات القرصية  
 
هـ - علامات الطرق (أحجار الأميال أو المسافة):
 
اهتم الخلفاء العباسيون الأوائل بعمارة درب زبيدة (طريق الحج من الكوفة إلى مكة المكرمة)، وذلك من خلال إقامة المحطات والمنازل على طول الطريق، وتزويدها بالمرافق والمنشآت المائية، ووضع العلامات التي توضح مسار الطريق، كالأعلام والمنارات والأميال (أحجار المسافة أو علامات الطرق) والمشاعل وغيرها، وذلك لخدمة المسافرين من الحجاج أو التجار، كي يستشعر المسافرون قدر المسافة (الأميال) بين كل محطة وأخرى.
 
لقد كشفت الدراسات الميدانية والمسح الأثري في المنطقة عن عدد من علامات الطرق (الأحجار الميلية) التي توضح المسافات بين كل محطة وأخرى على امتداد الطريق من الكوفة إلى مكة المكرمة (درب زبيدة). فضلاً عن ذلك أسهبت المصادر الجغرافية والتاريخية في الحديث عن هذه العلامات.
 
فقد حدد الجغرافي الحربي في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي في كثير من محطات طريق حج الكوفة الأحجار الميلية المكتوبة، التي توضح المسافات بين المحطات سواء كان ذلك بالفرسخ (ثلاثة أميال)، أو بالبريد 4 فراسخ، أو بالميل 1.7كم. وقد اكتشفت مؤخرًا ثلاثة أحجار ميلية ذات صلة بطرق الحج الكوفي (درب زبيدة) في المنطقة، ويعود تاريخ هذه الأميال الحجرية إلى القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي، وذلك بناءً على أسلوب الخط عليها، فهي عباسية الطراز، وتحديدًا خلال العصر العباسي الأول. وهذه الأحجار الميلية الثلاثة جاءت مضامينها على النحو الآتي:
 
1 - الحجر الميلي الأول: 
 
عثر عليه في منطقة تعرف باسم بطن الرمة بين سميراء والحاجر، وهو من الحجر الناري الرمادي اللون، ويأخذ شكله هيئة مستطيل غير منتظم 70×50سم، وقد نقش عليه بالخط الكوفي ثمانية أسطر، كتبت وفق أسلوب الحفر البارز غير المنقوط. وهو محفوظ حاليًا بأمانة مدينة جدة، ونصه:  
 
1. هذا ما أمر به ا
 
2. لمهدى عبد الله
 
3. عبد الله أميرا
 
4. لمؤمنين على يدى
 
5. يقطين بن موسى
 
6. هذا على اثنى
 
7. عشر ميلا من بريد
 
8. أسود العشار (يا) ت
 
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الميل الحجري على قدر كبير من الأهمية من جانبين: الأول: يعد نقشًا تذكاريًا، حيث تضمن معلومات عن إصلاح الطريق في عهد الخليفة العباس المهدي 158 - 169هـ / 775 - 785م، على يدي الوزير يقطين بن موسى. والثاني: أنه يحدد موضع إحدى نقاط البريد على طريق الحج، وهو بريد أسود العشاريات الذي يقع على طريق الأخرجة، أي الطريق الذي يربط بلدة فيد بالمدينة المنورة، وقد ذكره كل من: الحربي في كتابه وياقوت في معجمه: أسود العشاريات: بضم العين المهملة وشين معجمة، وألف، وراء، وياء مشددة، وألف، وتاء مثناه: جبل في بلاد بكر بن وائل....
 
2 - الحجر الميلي الثاني: 
 
محفوظ حاليًا في متحف حائل الإقليمي، وقد عثر عليه بالقرب من آثار جبل العلم الواقع على مسافة 235كم جنوبي مدينة حائل، ويشتمل على ثلاثة أسطر كتبت بالخط الكوفي غير المنقوط، وهو منفذ وفق أسلوب الحفر البارز، ونصه:  
 
1. عشرة
 
2. أميال
 
3. من البريد
 
3 - الحجر الميلي الثالث: 
 
محفوظ في متحف حائل الإقليمي، وقد عثر عليه في موقع قريب من الحجر السابق، ويشتمل على سطرين كتبا بالخط الكوفي غير المنقوط، بأسلوب الحفر البارز، ونصه:  
 
1. سبعة
 
2. أميال
 
شارك المقالة:
47 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook