الآثار الثابتة في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الآثار الثابتة في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الآثار الثابتة في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
تشير مكتشفات مواقع ما قبل الإسلام الأثرية المنتشرة في أرجاء متفرقة من المنطقة إلى أن ثمة تواصلاً استيطانيًا منذ عصور ما قبل التاريخ ومرورًا بالعصور التاريخية. كما تؤكد الشواهد التاريخية أن سكان المنطقة كانوا على اتصال مباشر مع الحضارات القائمة آنذاك في الجزيرة العربية وخارجها، فتفاعلوا معها تأثيرًا وتأثرًا؛ الأمر الذي جعل سكان المنطقة عشية ظهور الإسلام على يد أشرف المرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم) في مكة المكرمة غير بعيدين عما يحدث فيها، ففي تلك الأثناء كانت الصلات التجارية قائمة بين المنطقة ومكة المكرمة التي كانت تتزعم حركة التجار في الجزيرة العربية، وتتولى رعاية أمور الحج والطواف بالبيت العتيق  
 
وهكذا سارعت أعداد من الطائيين إلى الدخول في الإسلام، وذلك قبل أن يرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) سرية من المسلمين بقيادة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في السنة التاسعة من الهجرة  .  وفي السنة نفسها   أقبلت وفود طيئ وزعماؤها على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لمبايعته وإعلان دخولها في الإسلام، وما إن حلت السنة العاشرة من الهجرة حتى تمكنوا من أداء فريضة الحج مع الرسول (صلى الله عليه وسلم)  
 
توجهت في خلافة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) جيوش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد للقضاء على المرتدين في حائل بزعامة كل من: طلحة بن خويلد الأسدي الذي عُرف عنه عداؤه المعلن للإسلام والمسلمين خلال حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبعد وفاته، وعيينة بن حصن زعيم بني فزارة، واشتد القتال بين الجيشين، وانتصر المسلمون عليهم في الوقعة المشهورة باسم وقعة بزاخة في السنة الحادية عشرة للهجرة، وفيها أُسر عيينة بن حصن، فجيء به إلى المدينة، أما طلحة فهرب مع أهله إلى الشام  
 
وبعد هذه الوقعة وترسخ عقيدة الدين الإسلامي لدى سكان المنطقة، انضم عدد من رجال الطائيين إلى جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، وكان لهم دورهم الجهادي أثناء الفتوحات الإسلامية في بلاد العراق وفارس.
 
لقد كان للمنطقة أهمية خاصة في ذلك الوقت، حيث كانت ممرًا للجيوش الإسلامية القادمة من المدينة المنورة والمتجهة إلى الشمال الغربي، والشمال الشرقي للجزيرة العربية، أي إلى بلاد الشام والعراق وفارس  
 
وبالإضافة إلى أهمية المنطقة ممرًا للفتوحات الإسلامية، كان يمتد عبرها طريق الحج العراقي، وتقع المنطقة أيضًا على طريق الحج الذي يصل بين الرقة والمدينة المنورة؛ لذا تبوأت المنطقة مكانة اجتماعية واقتصادية بارزة بعد ظهور الإسلام، خصوصًا خلال العصر العباسي 132 - 656هـ / 749 - 1258م، إذ بدأت حركة العمران في الازدهار بشكل ملحوظ في المدن القائمة والحواضر الجديدة التي أنشئت على طول طريق الحج العراقي لخدمة المعتمرين والحجاج عبر الطريق؛ ما أدى إلى نشاط أسواقها، وازدهار عمرانها، وتزايد عدد سكانها  ،  ولعل ما عزز ذلك اهتمام خلفاء بني العباس بطريق الحج العراقي، ذلك الاهتمام الذي بلغ ذروته إبان خلافة هارون الرشيد وزوجته زبيدة 170 - 193هـ / 786 - 809م؛ ما جعل الطريق يُعرف منذ ذلك الحين باسم (درب زبيدة)  
 
تعرضت المنطقة - شأنها شأن المناطق الأخرى في الجزيرة العربية - لنكسات بدأت منذ نهاية القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي وبداية القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي إثر سيطرة القرامطة على شرق الجزيرة العربية، وهجومهم المتلاحق على الحجاج وعلى محطات طريق الحج؛ ما أدى إلى تدني حركة البيع والشراء في أسواقه، وتعطيل مرافقه من آبار وبرك وحصون وغيرها. وإثر النكسة الكبرى التي أدت إلى سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية على أيدي المغول عام 656هـ / 1258م  ،  ازداد تدهور الأوضاع الاقتصادية في محطات الطرق؛ الأمر الذي تسبب في هجرة معظم سكان المحطات والمدن الواقعة عليه.
 
هكذا كان لموقع المنطقة وسط شبكة طرق الحج القادمة من أمكنة متفرقة في العالم الإسلامي إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة دور بارز في لفت أنظار الكثير من المؤرخين والجغرافيين والرحالة إليها، والحديث عن تاريخها، وتفصيل أسماء أمكنتها ومحطاتها ومناهلها. فقد قَدِم إليها منذ بداية القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي عدد من الرحالة الغربيين الذين تحدثوا في مذكراتهم اليومية عن مشاهداتهم الميدانية، وأعدوا عددًا من المخططات والخرائط والرسوم التوضيحية لعدد من المواقع الأثرية في المنطقة.
 
وفي الآونة الأخيرة أُجري في المنطقة عدد من الأعمال الميدانية والأبحاث الأثرية التي كشفت عن امتداد طريق الحج العراقي (درب زبيدة) عبر المنطقة، وعن كثير من المواقع الأثرية التي تحتوي على عدد من الآثار المعمارية والمعثورات المنقولة من فخار، ومعادن، وخزف، وزجاج، وعلامات طرق، ونقوش، ومسكوكات وغيرها. وجميعها تشهد على مدى ما بلغته الحضارة الإسلامية من تطور وازدهار في هذه المنطقة خلال العصر الإسلامي، وبخاصة في العصر العباسي.
 
حظي درب زبيدة الذي يمتد من الكوفة إلى مكة المكرمة، والمدينة المنورة باهتمام خلفاء الدولة العباسية، فقد أمر الخليفة العباسي أبو العباس السفاح 132 - 136هـ / 749 - 754م، ببناء المنارات والعلامات الميلية على طول الطريق  .  واهتم به أيضًا الخليفة أبو جعفر المنصور 136 - 158هـ / 754 - 775م، ومحمد المهدي 158 - 169هـ / 775 - 785م، وفي عهد الخليفة هارون الرشيد 170 - 193هـ / 786 - 809م نال الطريق اهتمامًا كبيرًا من الخليفة نفسه ومن زوجته زبيدة، حيث شيّدا الكثير من المرافق والمنشآت المعمارية مثل: المحطات والاستراحات، والقصور والمساجد الملحقة بها، والآبار والبرك، وبعض الحصون والاستحكامات التي كانت تشغلها الحاميات العسكرية وموظفو الدولة الرسميون  
 
يشق درب زبيدة الذي يبلغ طوله 1400كم مناطق مختلفة في طبيعتها ومتباينة في تضاريسها، ويبلغ عدد محطاته الواقعة على طول الدرب من الكوفة إلى مكة نحو أربع وخمسين محطة رئيسة، بالإضافة إلى عدد من المحطات الصغيرة تقع فيما بينها، وجميعها كانت مزودة بمصادر المياه. ويمتد الطريق من الكوفة عبر الأجزاء الجنوبية الشرقية من مدينة حائل، وأول محطة يصل إليها الحاج في المنطقة هي محطة (وسيط)، أما آخر محطاته في المنطقة فهي (سناف اللحم)  
 
ويقع على امتداد الطريق في المنطقة عدد من المنازل والمناهل والمحطات التي تختلف في أحجامها حسب أهميتها. ويبلغ عدد محطات طريق الحج الكوفي في المنطقة أكثر من اثنتين وعشرين محطة، منها المحطات الرئيسة التي لاتزال تحتفظ بأسمائها القديمة مثل (فيد)، والمحطات الثانوية التي طرأ على أسمائها تغيير ومنها محطة (المعيذرات).
 
يتميز مسار الطريق عبر المنطقة بأنه نفذ وفق تخطيط هندسي غاية في الدقة والإتقان، فعلى الرغم من قدم إنشائه، وتأثير العوامل الطبيعية والبشرية فيه، إلا أن كثيرًا من معالمه الأثرية والمعمارية واضحة، خصوصًا آثار الرصف والتسوية والتكتيف والتعتيب والأعلام الحجرية.
 
ولقد بلغ تكتيف الطريق بالقرب من محطة الغوير (بطن الأعز)، وكذلك بالقرب من محطة الأجفر، حيث تلاحظ آثار رصف حجري لطريق يمتد عبر أراضٍ طينية، مسافة تربو على 4كم، وحينما يصل الطريق إلى المنطقة الواقعة جنوبي غرب فيد يتسع إلى مسافة 18م، وتتضح عليه آثار التمهيد والتسوية وأعمال التكتيف الجانبية  
 
ومن أبرز ما كشفت عنه الأعمال الميدانية والأبحاث الأثرية في الآونة الأخيرة في محطات الطريق عبر المنطقة وفي المواقع الأثرية بها بعض المنشآت المائية (آبار، وبرك، وأحواض)، بالإضافة إلى مبان محصنة، أي مدعمة من الخارج بأبراج دائرية أو نصف دائرية، وهي متشابهة لتشابه الغرض الذي شيدت من أجله مثل: القلاع، والقصور، والحصون، وغيرها، وعادة ما يلحق بالقصور مساجد صغيرة الحجم.
 
إن المنطقة تزخر بعدد من المواقع الأثرية الإسلامية بعضها يقع على قارعة درب زبيدة، وبعضها الآخر ينتشر في أرجاء متفرقة من المنطقة، وفي هذه المواقع عثر على أنواع مختلفة من الآثار الإسلامية يمكن تصنيفها على النحو الآتي:
 
 العمارة الدينية: وتمثلها المساجد.
 
 المنشآت المائية: وتمثلها الآبار، والبرك، والقنوات، والأحواض.
 
 العمارة المدنية: وتمثلها القصور.
 
 العمارة الحربية: وتمثلها القلاع والحصون، ويمكن أن يصنف معها بعض المباني المشابهة للحصون من حيث التخطيط، ولكنها تختلف في وظيفتها مثل الخانات ودور الضيافة، وبعض المرافق الإدارية مثل مركز صاحب البريد، ومركز المشرف (المسؤول) عن المحطة.
 
 المنشآت الصناعية: وتمثلها الأفران المستخدمة لحرق الجص.
 
 المعثورات المنقولة من خزف، وفخار، وزجاج، ومعادن، ومسكوكات.
 
 الأميال الحجرية، وعلامات الطرق التي كانت تنصب على امتداد مسافات محددة من الطريق؛ لكي ترشد المسافرين والحجاج بمقدار المسافات عبر الطريق.
 
 النقوش الإسلامية.
 
أ - العمارة الدينية:
 
كشفت نتائج المسح الأثري الأخير في المنطقة عن عدد كبير من المساجد الصغيرة، وهذه المساجد إما أن تكون:
 
 مساجد ملحقة بالقصور كما هي الحال مع قصر موقع قرورى (سناف اللحم)، وقصر موقع العباسية (كتيفة)، وقصر موقع المخروقة (توز، الراجمة)، وقصر موقع الوسيط الشرقي (زرود العتيقة)، وقصر موقع الوسيط الغربي (المنتصفة) وقصر موقع شقرة  
 
 مساجد صغيرة، تنتشر في المدن والقرى بكثرة، وقد كشفت الأعمال الأثرية بالمنطقة عن عدد من هذه المساجد في عدد من المواقع الأثرية المختلفة، وتميزت هذه المساجد بجملة من الخصائص المعمارية لعل أبرزها:   أنها تتسم بصغر المساحة، وتشيد من الطوب اللبن والجص أو من الحجر، ويتكون المسجد في الغالب من رواق القبلة في صدره، أي في ضلعه الجنوبي الغربي (جدار القبلة) ويقع داخله المحراب، ويتقدمه صحن مكشوف، تفتح به في الغالب ثلاثة أبواب تقع في ضلعه الشمالي الشرقي، كما هي الحال في مسجد موقع الجفالة (الحمة)، أو في مسجد موقع الحميمة الشمالي.
 
 تجدر الإشارة إلى أن مدينة حائل ما زالت تحتفظ بمسجدين تاريخيين قديمين، هما: المسجد الجامع الكبير، ومسجد حي الزُبارة الواقع في الجزء الجنوبي الشرقي من مدينة حائل.
 
1 - المسجد الجامع الكبير: 
 
يعد هذا المسجد من المساجد التاريخية القديمة بمدينة حائل، وقد شُيِّدَ من الطوب اللبن، ثم أعيد بناؤه مرة ثانية سنة 1400هـ / 1980م،  . 
 
لقد تحدث عن المسجد الجامع رحالة   زار مدينة حائل عام 1272هـ / 1856م، وأعد رسمًا تخطيطيًا له. أطلق على هذا المسجد الجامع اسم جامع طلال الرشيد، وقد أشار إلى أن المسجد أعاد بناءه مرة ثانية في موقعه نفسه.
 
كما قامت أيضًا رحالة   عام 1331هـ / 1913م عند زيارتها مدينة حائل بتصوير مسجد الجامع فوتوغرافيًا، ومن خلال هذه الصور الفوتوغرافية تبدو مئذنتا المسجد، وهما متوسطتا الارتفاع، وتشييدهما أسطواني الطراز كما تتضح من خلال هذه الصور النادرة سوق حائل الواقعة بجوار المسجد.
 
2 - مسجد حي الزبارة: 
 
يقع جنوب شرق مدينة حائل، وهو أيضًا من المساجد التاريخية القديمة، وقد شيد من الطوب (اللبن)، أما أساساته فمن الحجر. ويشغل مساحة مستطيلة المسقط، وليس له مئذنة (منارة)، وقد زاره أحد الرحالة عام 1272هـ / 1856م وقام بوصفه  . 
 
ويشتمل المسجد من الداخل على صحن أوسط مكشوف يشغل معظم مساحة المسجد، وظلتين: الظلة الجنوبية الغربية (ظلة القبلة) وتتكون من رواقين، دعمت بوساطة بايكتين من الدعامات المستطيلة المسقط تسيران موازيتين لجدار القبلة، ويرتكز عليها السقف مباشرة دون عقود، وفي صدرها دخلة المحراب، وهي عميقة ومستطيلة المسقط ومستديرة الأركان.
 
وقد فتح بجدار القبلة مدخلان: الأول في الزاوية الغربية، والآخر وسط جدار القبلة الواقع شرق دخلة المحراب مباشرة، ويغلق على كل منهما باب خشبي، ولا يزال الباب الخشبي الواقع في المدخل الأول محتفظًا بزخارف نباتية محورة،.
 
أما الظلة الثانية فتقع في الجهة الشمالية الشرقية، وتتكون من رواق واحد، ودعمت بوساطة صف من الدعامات المشابهة لنظيراتها في ظلة القبلة، ويرتكز عليها أيضًا السقف دون عقود، وبالمسجد عدد من الأبواب تفتح على جانبي الصحن.
 
شارك المقالة:
40 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook