امتنَّ الله على الأمة الإسلامية بكتابٍ ترجع إليه في أحاكمها وهو القرآن الكريم وبسنّةٍ وفيرة بالأحكام والأحاديث، ولكن اتَّسعت الأمم فيما بعد وتطوَّرت الحياة حتى ظهرت بعض المسائل الفقهية التي تحتاج إلى اجتهادٍ من العلماء يُوافق القرآن والسنة فكان الصحابة وبعدهم التابعون وتتالت الأزمان وظهر أربعةٌ من الأئمة المعتمدين في أحكامهم وهم الشافعي والحنفي ومالك وأحمد بن حنبل، والمذهب الحنبلي هو ما يستند في أحكامه بعد القرآن والسنة إلى اجتهاد الإمام أحمد في بعض المسائل ولكن ذلك لا يعني الاتباع الأعمى دون تفقه وتعلّم فكانت تلك من وصايا الإمام أحمد ومن بين متبعي المذهب الحنبلي ابن تيمية لذلك لا بدَّ من الحديث عنه لمعرفة من هو ابن تيمية.
عند الحديث عن أهمّ المتبعين للمذهب الحنبلي وأشهر من دافع عن ذلك الفكر لا بدَّ أن يكون على رأس القائمة ابن تيمية وهو أحمد تقي الدين بن شهاب الدين عبدالحليم بن أبي البركات مجد الدين بن تيمية، الحرَّاني الدمشقي، فقد ولد في حرَّان بدايةً ومن ثمّ سافر مع والده إلى دمشق هربًا من بطش المغول، وبعد وفاة والده قام هو على تدريس ما بدأ به والده وقد حضر دروسه أكابر أهل العلم في دمشق، واجه لأول مرة في حياته خلافًا مع النَّاس عند سؤال أهل حماة له عن صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه فكان ردُّه لا يختلف عن علماء السلف الذين تبنى أفكارهم ودافع عنها.
وقد وقف كثيرًا في وجه المغول وشارك في القتال ضدهم في بعض المواقع وقد كان قتاله شديد الوطأة عليهم، حُبس عدّة مرات في مصر وذلك بسبب أفكاره وحبس أيضًا في دمشق بعد إثارة العديد من المسائل معه منها مسألة الحلف بالطلاق، حتى توفي عن عمر يناهز السابعة وستين تقريبًا، وقد اشتُهر بعلمه وذكائه حتى قال عنه الذهبي: "ما رأيت أشد استحضارًا للمتون وعَزْوِها منه، وكانت السُّنَّة بين عينيه وعلى طرف لسانه" فكان عابدًا زاهدًا مترفِّعًا عن شهوات الدنيا من المأكل والملبس والجاه والسلطة، وفي ذلك تعريفٌ بالقامة الإسلامية العالية وإجابة عن سؤال من هو ابن تيمة.
لقد ترك ابن تيمية مكتبةً ذاخرة بالكتب لكلِّ من أراد الوصول إلى الضفة الصحيحة في فهم الكتاب والسنة فيقول فيه الشيخ أبو الحسن الندوي: "يُبحِر ابن تيمية - بفضل ذكائه وقوة ذاكرته الموهوبة - في هذه الذخائر العلمية بأكملها، واستساغها فكريًّا، واستفاد منها في مؤلفاته استفادة كاملة، إلا أن نفسه الطموح المضطربة، وعقله النادر الكبير، وقلمه السيَّال البليغ، لم يكن كل ذلك ليقنعه بأن يكتفي بالنقل والرِّواية والشرح والتلخيص أو الاختيار، فما كاد يفارقه علمه العميق بكتاب الله -تعالى- واطلاعه الواسع الصحيح على مقاصد الشريعة، وملكته الراسخة في أصول الفقه وأصول التشريع في أي مرحلة من مراحل تأليفه." لذلك كان لا بدَّ من ذكر أهمّ مؤلفات ابن تيمية وهي:
موسوعة سطور