كانت الهجرة النبوية الشريفة من أعظم الأحداث وأهمها في التاريخ الإسلامي، فإنّها تشكل الحدث الذي فصل بين المرحلة المكية للدعوة، والمرحلة المدنية، كما أنّ الهجرة النبوية قلبت أحداث التاريخ آنذاك، فكانت تحمل أشرف معاني التضحية والوفاء، والصبر، والنصر، وكانت المرحلة الأولى من بناء دولة الإسلام، إلّا أنّ قريشاً لم تكن تعلم بإذن الله -تعالى- لنبيه محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- بالهجرة، فغادر النبي بيته في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر، من السنة الرابعة عشر للنبوة، وذهب إلى بيت صاحبه أبي بكرٍ الصديق في وقت الظهر متخفياً، فأخبره بأمر الهجرة، والخروج من مكة المكرمة، وكان أبو بكر الصّديق مستعداً للهجرة بتجهيز راحلتين، واستأجر رجلاً عارفاً بالطريق اسمه عبد الله بن أريقط، وأوكل إليه مهمة رعي الراحلتين، واتفق معه أن يلقاه في غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ، وقامت كلاً من عائشة وأسماء -رضي الله عنهما- بتجهيز الطعام والمؤونة للنبي -صلّى الله عليه وسلّم
غار ثورٍ هو الغار الذي أمِن فيه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- مع صاحبه أبي بكر الصديق في طريق الهجرة إلى المدينة المنورة، وبقيا في الغار إلى أن هدأت قريش في البحث عنهما، وفي أثناء بحث قريشٍ عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصاحبه أبا بكرٍ وجدت باب الغار، إلّا أنّ الله -تعالى- حفظ النبي وأبا بكرٍ بفضله ومنّته، فقال أبو بكر للرسول عليه الصلاة والسلام: (لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه)، إلّا أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (يا أبا بكرٍ، ما ظنُّك باثنَين اللهُ ثالثُهما وقد بيّن الله -تعالى- حادثة الهجرة في القرآن الكريم، فقال: (إِلّا تَنصُروهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذينَ كَفَروا ثانِيَ اثنَينِ إِذ هُما فِي الغارِ إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنودٍ لَم تَرَوها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا وَاللَهُ عَزيزٌ حَكيمٌ ويقع غار ثورٍ في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام
روى البخاري في صحيحه عن الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنّه قال: (كُنَّا نُخَيِّرُ بينَ الناسِ في زَمَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَنُخَيِّرُ أبا بكرٍ، ثم عُمَرَ بنَ الخطَّابِ، ثم عُثْمانَ بنَ عَفَّانَ رضيَ اللهُ عنهُم)أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- كان أحرص النّاس على الإنفاق في سبيل الله تعالى، وفي سبيل نصرة دين الإسلام، ومن المواقف التي تدل على ذلك؛ أنّه اشترى بلال بن رباح -رضي الله عنه- من أمية بن خلفٍ بعد أن مرّ بالطريق، ورأى بلالاً وهو يُعذّب على يد أمية، ويضع الأحجار على بطن بلال حتى يكفر بالله تعالى، إلّا أنّ بلالاً كان يقول: (أحد أحد)، فكانت لأبي بكر الصديق مكانةً عظ] كما أثنى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- على إنفاق أبي بكر أمواله في سبيل الله تعالى، فقال رسول الله: (ومَا نفَعَنِي مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِني مالُ أبي بِكْرٍ) وبشّره الرسول بمكانته في الجنة يوم القيامة، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أبو بَكرٍ وعمرُ سيِّدا كُهولِ أَهلِ الجنَّةِ منَ الأوَّلينَ والآخرينَ، إلَّا النَّبيِّينَ والمرسلينَ، لا تخبرْهما يا عليُّ ما داما حيَّينِ)،وعندما هاجر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- مع صاحبه إلى المدينة، وجلسا في غار ثورٍ، أمر أبو بكر الصديق ابنه عبد الله أن يوصل لأبيه وللنبي ما يتناقله الناس من الكلام عليهم فبكى أبو بكر من ألم اللدغة، فنزلت دمعة أبي بكر على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، حيث كان أبو بكر نائماً في حجر الرسول، فدعا له الرسول، وبصق على مكان اللدغ، فشُفي أبو بكر