أهمية الغاز بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 أهمية الغاز بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

 أهمية الغاز بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
تعد المنطقة الشرقية من أغنى مناطق العالم بالغاز الطبيعي، وتأتي أهميته بوصفه مصدرًا للطاقة آخذًا في التزايد يومًا بعد يوم في جميع أنحاء العالم، ويعد حاليًا مصدر الطاقة للقرن الحادي والعشرين ولا سيما أن استهلاكه ينمو بشكل مطَّرد بوصفه وقودًا لتوليد الطاقة الكهربائية بدلا من أنواع الوقود التقليدية.
 
كانت تجارة الغاز الطبيعي سلعة عالمية محدودة نسبيًا في الماضي، إلا أن الزيادات التي سجلها الطلب العالمي على الغاز الطبيعي والمنتجات المصاحبة (الغاز الطبيعي المسيل، وغاز البترول المسيل) في الآونة الأخيرة، أدت إلى جلب استثمارات على مستوى عالمي لإقامة مشروعات ضخمة لإنتاج الغاز الطبيعي، كما أدت إلى تطوير البنى التحتية للنقل المتمثلة في الشحن العالمي، وخطوط الأنابيب العابرة للقارات (من روسيا إلى أوروبا الغربية)... إلخ، وتشمل الاستثمارات المستقبلية إقامة منشآت صناعية لتحويل الغازات إلى سوائل، وذلك لإنتاج الديزل المنخفض الكبريت، والنافثا.
 
لقد كان للغاز الطبيعي المستخرج من حقول البترول في المنطقة الشرقية في السنوات الأولى عدد محدود من الاستخدامات التجارية؛ إذ كان يتم حرقه في منشآت التكرير إلى أن تم استحداث (شبكة الغاز الرئيسة) خلال حقبة السبعينيات التي عُنيت بتجميع الغاز من الحقول ونقله عبر قنوات إلى عدد من وحدات الفصل والمعالجة لاستخلاصه؛ الأمر الذي أدى إلى ظهوره بوصفه مصدرًا جديدًا للطاقة وركيزة جديدة من ركائز التنمية الاقتصادية والصناعية في المملكة، ويتم استهلاك الغاز الطبيعي في المملكة في توليد الطاقة وتحلية المياه، ووقودًا ومادة خام في مختلف الصناعات، كما تتم معالجة الغاز لإنتاج سوائل الغاز الطبيعي (غاز البترول المسيل ـ البيوتان والبروبان) المعدة للاستهلاك المنـزلي أو للتصدير أو للاستخدام بوصفها خامًا للبتروكيميائيات. وقد دأبت المملكة باستمرار على الارتقاء بقدراتها لاستغلال الغاز الطبيعي بوصفه احتياطيًا ثمينًا لتلبية الاحتياجات المستقبلية للطاقة، والمحافظة عليه. وفي عام 1421هـ /2000م تمت توسعة شبكة الغاز الرئيسة بحيث يتم ربط مدينة الرياض بها، وذلك لإمداد محطات توليد الكهرباء، وفي عام 1424هـ /2003م تم مد أنابيب تغذي المدينة الصناعية بالرياض لاستخدامها وقودًا لعدد من المصانع العاملة في المدينة الصناعية.
 
ارتفع استغلال المملكة للغاز الطبيعي بشكل ملموس من نحو (بليون) قدم مكعبة قياسية يوميًا في عام 1401هـ /1981م إلى نحو 7 بلايين قدم مكعبة قياسية يوميًا في عام 1424هـ /2003م، ويمثل ذلك نحو 7% من حجم الاستهلاك العالمي والمقدر بنحو 95 بليون قدم مكعبة قياسية يوميًا، ويتم توجيه الاستهلاك الحالي للغاز بالمملكة إلى توليد الطاقة الكهربائية 39% وتصنيع المنتجات البتروكيماوية 22% وتحلية المياه 16% والمنتجات البترولية 13% والوقود الصناعي 10%. ويقدر احتياطي الغاز بنحو 180.5 تريليون متر مكعب قياسي حسب التقديرات عام 1412هـ /1991م.
 
تضم شبكة الغاز الرئيسة في المنطقة الشرقية معامل معالجة وخطوط أنابيب لنقل الغاز النظيف إلى المصانع ومعامل البتروكيميائيات، وتعد هذه الشبكة من أحدث الشبكات المتكاملة لتجميع الغاز واستخلاصه ومعالجته، إذ يتم من خلالها مناولة ما يقارب 7 بلايين قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميًا، وتقوم مرافق المعالجة الكبرى في البري وشدقم والعثمانية  والحوية  بمعالجة الغاز واستخلاص سوائل الغاز الطبيعي، كما تقوم هذه المرافق بإمداد شبكة التوزيع بغاز البيع، وتنقل سوائل الغاز الطبيعي إلى معملي التجزئة في كل من الجعيمة وينبع اللذين يقومان بإمداد معامل البتروكيميائيات باللقيم وغاز البترول المسال للتصدير والاستهلاك الصناعي المحلي.
 
يؤدي الغاز دورًا كبيرًا في تطوير الصناعات التي تستهلك كميات وافرة من الطاقة في المملكة ولا سيما تطوير قطاع البتروكيميائيات الذي وضع المملكة في مصاف الدول الرائدة على مستوى العالم في إنتاج البتروكيميائيات كالبنـزين والسايكلوهكسين والميثانول وميثيل ثالثي بيوتيل الأثير (MTBE) والإيثيلين و (MEG) والبوليوليفين والأسمدة، كما ساعدت صناعة الغاز بالمملكة كذلك على إيجاد فرص استثمارية للقطاع الخاص، وتعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق قيمة مضافة، وإيجاد فرص للعمل في الصناعات النامية الأخرى كصناعة أنابيب الصلب وصناعة كيماويات الحفر وعدد من الخدمات المساندة المرتبطة بعمليات التنقيب عن الغاز والنفط وعمليات إنتاجهما. وخلال عام 1424هـ /2003م، تمكنت هذه الصناعات - التي تعتمد أساسًا على الغاز - من إنتاج 39 مليون طن من البتروكيميائيات وتوليد 13.500 ميجاوات من الطاقة الكهربائية وإنتاج 6.5 ملايين طن من الأسمنت و 3.5 ملايين طن من الصلب و 400 مليون جالون من مياه التحلية يوميًا، وتقدر مساهمة هذه الصناعات التي تستخدم الغاز بوصفه وقودًا لها بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد المملكة، كما أوجدت نحو 150.000 وظيفة ترتبط بصورة مباشرة وغير مباشرة بتنمية البنى التحتية والتنمية الاجتماعية في المناطق النائية من المملكة. وقد أدت زيادة الطلب على الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة، وبخاصة في مجال توليد الكهرباء، بالإضافة إلى الانخفاض الطفيف في إنتاج الغاز بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، إذ وصلت أسعاره في الأسواق الفورية إلى أكثر من 10 دولارات أمريكية لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU)، وقد حافظت أسعار الغاز خلال عام 1424هـ /2003م على مستوى يفوق 4 دولارات أمريكية لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU). وفي المملكة يباع الغاز الطبيعي بأسعار مخفضة للمشروعات المستخدمة له، كما تتم مراجعة أسعاره دوريًا من قبل وزارة البترول والثروة المعدنية ومن ثم يتم اعتمادها من قبل المجلس الأعلى للبترول ومجلس الوزراء، وقد وضعت المملكة تصورًا طويل المدى لتنمية صناعة الغاز وتطويرها لتضطلع بدور حيوي في الارتقاء بالصناعة المحلية وإيجاد فرص العمل. وتشير إحصاءات عام 1424هـ /2003م إلى بلوغ احتياطي المملكة من الغاز الطبيعي نحو 231 تريليون قدم مكعبة، يشكل الغاز غير المصاحب منها نحو 90 تريليون قدم مكعبة، ويشكل هذا الاحتياطي في مجمله نحو 4% من الاحتياطيات العالمية المعروفة التي تقدر بنحو 6.400 تريليون قدم مكعبة.
 
أطلقت المملكة مؤخرًا (مبادرة خطة الغاز) الرامية إلى مضاعفة الطاقة الإنتاجية الحالية عبر برنامج للتطوير عامًا بعد عام، ويهدف هذا البرنامج إلى توسعة شبكة الغاز الحالية عبر الاستثمار في مرافق تصنيع جديدة، وكذلك في أنظمة النقل والتوزيع لمقابلة الطلب المتزايد في المملكة ولأغراض التصدير، ويتوقع وصول الطلب التقديري على الغاز الطبيعي عام 1446هـ /2025م إلى ما يربو على 12 بليون قدم مكعبة قياسية يوميًا.
 
كان الغاز المرافق يحرق بأكمله في السنوات الأولى التي بدأت فيها صناعة الزيت في المملكة ولم تكن هناك سوق متطورة للغاز آنذاك، وفي عقد السبعينيات من القرن الماضي بدأت حكومة المملكة بجمع الغاز المرافق لإنتاج الزيت ومنتجاته المرافقة ذات القيمة العالية، بهدف حماية البيئة، والمحافظة على موارد الغاز، ووضع الأساس لقاعدة صناعية، وإضافة قيمة للغاز ومنتجاته المرافقة، كما قامت الحكومة ببناء شبكة الغاز الرئيسة التي تشمل شبكات للجمع، ومعامل للمعالجة، وأخرى للتجزئة، ومرافق للتخزين، وخطوطًا لنقل المنتجات وفُرضًا للتصدير، وهناك ثلاثة معالم مهمة في تاريخ صناعة الغاز الطبيعي بالمملكة، وهي: تشغيل شبكة الغاز الرئيسة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وإضافة الغاز غير المرافق في عام 1404هـ /1984م، وتشغيل معمل غاز الحوية الذي يتم إمداده بالكامل من الغاز غير المرافق في عام 1422هـ /2001م، وقد أدى إنتاج الغاز ومنتجاته المرافقة إلى نشوء مرافق وصناعات بتروكيميائية عالية الكفاءة شكلت الأساس للمدينتين الصناعيتين في كل من الجبيل على الساحل الشرقي وينبع على الساحل الغربي من المملكة.
 
نمت صناعة الغاز في المملكة نموًا ثابتًا وقويًا وضعها ضمن أعلى المنتجين والمستهلكين في هذا المجال عالميًا، ويعد إنتاج الغاز في المملكة من بين الأعلى في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، على حين نجد أن استخدام الغاز في المملكة بالنسبة إلى عدد السكان يعد من أعلى مستويات استهلاك الغاز في العالم، وفضلا عن ذلك، فإن المملكة تعد أكبر مصدر لسوائل الغاز الطبيعي في العالم، كما أنها تحتل مرتبة متقدمة بوصفها منتجًا للصناعات البتروكيميائية الأساسية التي تعتمد على الغاز بوصفه لقيمًا، وقد أصبحت صناعة الغاز بمراحلها كاملة عنصرًا من العناصر الأساسية التي تسهم في اقتصاد المملكة؛ إذ إنها السبب المباشر أو غير المباشر لما يصل إلى نسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي ولإيجاد 35000 فرصة من فرص التوظيف المباشر، وترتكز صناعة الغاز المتنامية في المملكة على برنامج للتنقيب عن الغاز تديره بنجاح شركة (أرامكو) السعودية، فخلال أقل من عقد من الزمن أضافت الشركة أكثر من 44 تريليون قدم مكعبة من احتياطيات الغاز غير المرافق إلى قاعدة الموارد في المملكة، مضاعفة بذلك الاحتياطيات الثابتة من الغاز غير المرافق لتصل إلى نحو 88 تريليون قدم مكعبة، ويعد احتياطي الغاز في المملكة الذي يقدر بنحو 224 تريليون قدم مكعبة، رابع أكبر احتياطي من الغاز في العالم، ويستخدم الغاز الطبيعي للاستهلاك المحلي في المملكة بوصفه وقودًا في توليد الكهرباء وتحلية المياه ووقودًا ولقيمًا للصناعات المختلفة أهمها البتروكيميائيات، وينتج من عمليات الغاز سوائل الغاز الطبيعي التي تستخدم محليًا للاستهلاك المنـزلي أو بوصفها لقيمًا للصناعات البتروكيماوية على حين يصدر الفائض إلى الأسواق العالمية، إذ يصل حجم الإنتاج من تلك السوائل أكثر من 700 ألف برميل يوميًا، ويبلغ الاستهلاك المحلي منها 143 ألف برميل يوميًا.
 
وتمتلك المملكة احتياطيًا كبيرًا من الزيت قليل التكلفة، إذ يربو على 25% من احتياطيات العالم، كما أن لدى المملكة فائضًا من الطاقة الإنتاجية للزيت قليل التكلفة مع تكلفة حدية على المدى الطويل تقل عن التكلفة الحدية للغاز غير المرافق، وهو أمر تنفرد به المملكة.
 
 

الرؤية المستقبلية

 
تركز الرؤية المستقبلية لقطاع الغاز على التوسع السريع والمكثف لإمدادات الغاز لتحقيق مزيد من التطور الصناعي وإيجاد فرص وظيفية إضافية بالمنطقة الشرقية خصوصًا، وفي المملكة عمومًا، ويتحقق ذلك باستهداف الاستخدامات المتعددة للغاز المتمثلة في:
 
1 - المواد البتروكيميائية:
 
تمثل المشروعات البتروكيميائية المندمجة مع المصافي فرصة كبيرة للنمو، كما أن الاهتمام بإنتاج مختلف المواد البتروكيميائية يسهم في تنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة، ويحقق قيمة مضافة أكبر لإيجاد المزيد من الوظائف للمواطنين، وتلقى الصناعات التحويلية اللاحقة في مجال البتروكيميائيات اهتمامًا خاصًا.
 
2 - الصناعات الأخرى:
 
يوجد عدد من الصناعات الأخرى التي تتطلب الغاز بوصفه وقودًا خاصًا، ويمكن لهذه الصناعات أن تستفيد من التوسع في إمدادات الغاز، مثل السيراميك والزجاج الذي توجد خاماته بوفرة في المنطقة الشرقية، وصناعة المعادن وخلاف ذلك، وتعد بعض هذه الصناعات مناسبة للاستثمار من قِبل صغار ومتوسطي المستثمرين الذين أثبتوا في بلاد أخرى قدرتهم على توفير فرص وظيفية كثيرة وأسهموا في سرعة التطور الاقتصادي لهذه البلاد.
 
3 - محطات الكهرباء والتحلية:
 
يتم تزويد قطاعي توليد الكهرباء وتحلية المياه بالخليط الأمثل من الغاز وأنواع الوقود السائل النظيف الاحتراق الذي يمكن زيادة استخدامه بما يحقق لهذه القطاعات أعلى كفاءة اقتصادية بناءً على كلفة إنتاج الوقود.
 
ينتج معمل الغاز في الحوية - الذي أصبح يعمل بطاقته كاملة مع نهاية عام 1422هـ /2001م - ما مقداره 1.4 بليون قدم مكعبة يوميًا من غاز البيع، كما يوفر معمل الغاز في حرض - الذي بدأ تشغيله عام 1424هـ /2003م - 1.5 بليون قدم مكعبة يوميًا من غاز البيع. وفي الأعوام السابقة لعام 1395هـ /1975م تكرر انقطاع الغاز في جميع مناطق المملكة، ولم تكن الخدمة التي تقدمها الشركات والمؤسسات التي كانت تعمل في هذا المجال على المستوى المطلوب؛ وذلك نتيجة للمنافسة الشديدة بينها، ما أدى إلى أن تقوم حكومة المملكة بالتدخل ودمج جميع هذه المؤسسات والشركات في شركة واحدة هي شركة الغاز والتصنيع الأهلية، وأعطيت امتياز بيع غاز البترول المسال وتسويقه في جميع مناطق المملكة بدءًا من عام 1395هـ /1975م.
 
شارك المقالة:
65 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook