كانت المرأة - ولا تزال - هي صاحبة الحظ الأوفر من الحلي وأدوات الزينة ومواد التجميل؛ وذلك لطبيعتها الأنثوية وما فطرت عليه من حب الزينة والتجمل، سواء لزوجها أو خاطبها، أو بين بنات جنسها تفاخرًا وتنافسًا بينهن في هذا الشأن، ولم تكن المرأة المدنية بأقل في هذا من غيرها من النساء، بل إن المرأة - في المدينة المنورة وما حولها - قد عرفت من أنواع الحلي وأدوات الزينة وطرق التجميل ما لم يكن معروفًا في كثير من مناطق الجزيرة العربية بشكل عام؛ وذلك للأسباب التي سبق شرحها مما يتعلق بمكانة المدينة المنورة الحضرية والدينية، ووفود المسلمين والمسلمات إليها من شتى أقطار العالم الإسلامي حاملين معهم تراثهم وفنونهم وأساليبهم في اللباس والزينة والحلي، ومحاولة كثير من الحجاج - أثناء قدومهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة - اصطحاب بعض منتوجات بلدانهم لبيعها في هذه الأراضي المقدسة، وأهم ما كانوا يقدمون به أنواع الحلي المختلفة ومواد الزينة مثل الطيب والعطورات وأنواع الحناء والأصباغ، ونحو ذلك مما خف حمله وغلا ثمنه. وفيما يأتي عرض لبعض ما عرفته المرأة المدنية من أدوات التزين والحلي:

 

أ - الطيب:

 

عرفت النساء أنواعًا كثيرة منه، ومنه ما كان يستعمله الرجال والنساء على حدٍّ سواء ومنه ما اختصت به النساء دون الرجال، وكان طيب النساء يشتمل على نوعين أساسيين هما:

 

1 - البخور:

 

ويتكون من أنواع مختلفة من المواد ذات الرائحة الزكية التي تخلط ويعجن بعضها مع بعض، ثم تُجعل على شكل كريات صغيرة تجفف وتحتفظ بها المرأة لوقت الحاجة إليها، فإذا حان وقت استعمالها فإنه يوقد على الفحم حتى يصير جمرًا ثم يوضع في مبخرة  قد أعدت لذلك الغرض سواء أكانت من النحاس أم الزجاج السميك أم الخشب الملبس من الداخل بالحديد أو الزنك، ويوضع فوق الجمر شيء من كريات البخور التي يتصاعد منها الدخان حاملاً معه روائح تلك المواد التي يتكون منها الخليط، ويصنع هذا البخور - في الغالب - من العنبر والمسك والريحان ومسحوق أعواد العود الهندي أو الجاوي أو الكمبودي.

 

2 - الرشوش:

 

وهو الطيب السائل الذي يُرش على جسد المرأة وشعرها وملابسها، وللرشوش أصناف متعددة وله نكهات وروائح مختلفة. ويختلف الناس في قدرتهم على الحصول على أنواع الطيب باختلاف مستوياتهم الاقتصادية، وتنفرد المناسبات العزيزة على المرأة بأنفس أنواع الطيب وأجوده.

 

ب - الحناء: 

 

هو من الأصباغ التي كانت شائعة الاستعمال في الشرق الأوسط بشكل عام، ونستطيع أن نقول إن الحناء كانت زينة شائعة في البلاد لا للنساء فقط، وإنما للنساء والرجال والأطفال على السواء، وكانت تُعَدُّ مفيدة صحيًا ومبردة للجسم، فكانت تستعمل كثيرًا في الصيف، وذلك بأن يؤخذ ورق الحنّاء فيدق دقًا ناعمًا في الهاون (الهوند) ثم تطبخ هذه الحناء بوضعها في ماء مغلي، وتترك حتى تبرد تمامًا، ثم توضع في قماش تطوق به الأكف والأقدام ليلة كاملة، فإذا أصبح الصباح ونُزع هذا القماش وغُسلت الأيدي والأقدام من بقايا هذه الحناء ظهرت الكف، وقد اكتست لونًا أحمر باطنًا وظاهرًا، أما بالنسبة إلى القدمين فإن الحمرة تكسو أسفلهما وظاهر أصابعهما، هذا بالنسبة إلى الرجال والبنات الصغيرات، كما كانت تصنع للأطفال في مناسبات الأعياد والحفلات الخاصة بهم، أما بالنسبة إلى النساء فكان استعمال الحناء يتخذ شكلاً أكثر أناقة وجمالاً؛ فكانت الحناء توضع على الأظافر للكفين والقدمين، ثم تصبغ أصابع اليدين في خطوط طويلة بالحناء في وسطها، ثم يصبغ باطن الكف بالحناء نفسها أما العفص (وهو مادة سوداء تصبغ الجلد) فكان يستعمل كذلك بالطريقة نفسها لأظافر القدمين والكفين، ثم توضع منه خطوط على شكل نقط صغيرة متقاربة في وسط الأصابع  . 

 

كما كانت الحناء تستعمل أيضًا لصبغ شعر الرأس أحيانًا. وفي يوم الحناء (بالنسبة إلى العروس) تقوم (النصاصة)   أو والدة العروس بعمل الخضاب الخاص بتحنيتها، ومن ثم تتولى نقش الحناء على كفيها وأصابعها وتخضيب قدميها، وتترك الحناء فترة كافية لتثبيت اللون المرغوب.

 

ج - الكحل:

 

يصنع من لبان الذكر ومسحوق الجلا، إذ يؤتى باللبان ويوضع في حفرة صغيرة مملطة لتسهيل تنظيفها من الأتربة، وتوضع فوق اللبان قطعة من شحم الغنم ونحوه، وتشعل النار، وتوضع حول الحفرة ثلاثة أحجار صغيرة يوضع عليها (طاجن) صغير، وهو أداة كالمقلاة ولكنها مقعرة من جهة ومقببة من الجهة الأخرى، فتتجمع طبقة من الدخان على السطح من الجهة المقعرة، وبعدها ينتهي الاحتراق ويتم استخلاص هذه الطبقة، ثم تنخل بقطعة قماش رقيق، ويخلط المستخلص مع مسحوق الجلا. ويستخدم الكحل لتجميل العيون وعلاجها.