وجّه الإسلام كلّاً من الرجل والمرأة إلى إحسان اختيار شريك حياته عند الخطبة، إلّا أنّ ذلك -على أهمية الاعتناء به والحرص عليه- قد لا يضمن استقرار الحياة الزوجية بينهما، فربما تهاون أحدهما في تحرّي اختيار الشريك المناسب له، وربما استجدّت في حياتهما بعد عقد القِران أمورٌ أثارت القلق والمشاكل بينهما، كأن يمرض أحدهما، أو يعجز عن أداء واجباته، ووظائفه الزوجية، وقد يكون السبب في الشقاق بينها أمراً خارجاً عن إرادتهما، كتدخّل الأهل، والجيران، ونحو ذلك، وربما كان بسبب انصراف قلب أحدهما عن الآخر، وأول ما يجدر بهما فعله حينها الصبر، والاحتمال، والتغاضي عن تقصير كلّ طرفٍ منهما، فإن لم يتمكّنا من فعل ذلك؛ لأنّ ما بينهما من أسباب النزاع أكبر ممّا يمكن تحمّله، أو لأنّهما في حالةٍ نفسيةٍ لا تسمح لهما بالصبر والاحتمال، فقد أذنت لهما الشريعة الإسلامية حينها الطلاق، والحكمة في ذلك إنهاء ما بينهما من كدرٍ وصعوباتٍ، وليستأنف كلٌّ منهما حياته منفرداً، أو برابطةٍ زوجيةٍ جديدةٍ تضمن له العيش الهانئ المستقرّ.
والطلاق يدور في حُكمه الشرعي على الأحكام التكليفية الخمسة؛ بناءً على الحالة التي يكون عليها الزوجان، فقد يكون الطلاق في حقّهما واجباً، كطلاق المولّي لزوجته، وهو من أقسم أن يمتنع عن جماع زوجته، فهذا يمهل لمدة أربعة أشهرٍ، وبعدها إمّا أن يرجع لجماع زوجته، أو أن يصبح الطلاق واجباً عليه، وكذلك حال الطلاق بالتحكيم بين الزوجين، إذا قرّر الحكمان إيقاع الطلاق بينهما، فحينها يجب على الزوج تطليق زوجته، وقد يكون الطلاق مستحبّاً أيضاً، وذلك في حال كانت الزوجة مفرّطةً في حقوق الله، كالصلاة، ونحوها، أو كانت المعيشة بين الزوجين مستحيلةً، لما فيها من شقاقٍ مستمرٍ، أو إذا طلبت الزوجة الخلع، فيستحبّ للزوج حينها أن يطلّقها منعاً للضرر، وقد يكون الطلاق مباحاً في أحوالٍ أيضاً، وذلك في حال الحاجة إليه لسوء عشرة المرأة، أو التضرّر بها، أمّا إن لم يكن هناك حاجةً للطلاق، فإنّه يأخذ حكم الكراهة حينها، ويكون الطلاق حراماً في حال إيقاعه على غير الوجه المشروع له، كأن يطلق الزوج زوجته، وهي في فترة الحيض، أو النفاس
ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حديثٌ قال فيه: (أبغَضُ الحلالِ إلى اللهِ الطَّلاقُ، ما أحلَّ اللهُ شيئاً أبغضَ إليهِ من الطَّلاقِ) ومدار هذا الحديث حول الراوي الثقة معرف بن واصل، عن الإمام الثقة أيضاً محارب بن دثار، ولكنّه نقل عن معرف على وجهين: الأول منهما جاء متصلاً مُسنداً؛ عن معرف عن محارب عن ابن عمر عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والثاني جاء مُرسلاً عن معرف عن محارب عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- دون ذكر ابن عمر -رضي الله عنه- في السند، وعندما درس المحدّثون هذين الوجهين، وجدوا أنّ من رووا الوجه المُرسل منهما كانوا أوثق، وأكثر ممّن رووه في الوجه المتصل، ممّا دفعهم إلى ترجيح الوجه المرسل منه، والحديث المرسل هو أحد أنواع الحديث الضعيف، بالتالي فقد حكموا بضعف الحديث السابق لما فيه من الإرسال
إنّ لتطليق الرجل زوجته آداباً شرعيةً يجدر به مراعاتها عند إيقاع الطلاق، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها: