آثار العصور الحجرية في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية.
تُمثل منطقة جازان واحدة من المناطق الجغرافية المهمة فيما يخص الاستيطان البشري القديم ودلالاته، وبخاصة أن المنطقة تتمتع بتباين تضاريسي واضح. وقد أسهم هذا التباين التضاريسي في توافر بيئات طبيعية مختلفة، تبعًا لطبيعة الأنماط الجغرافية المختلفة بمنطقة جازان.
فالمنطقة تحوي مرتفعات جبلية وسهولاً ساحلية، تخترقها أودية تغذيها مياه تصب من مناطق مرتفعة وبعيدة في جبال السروات، كما تحتوي سواحل بحرية وجزرًا عديدة ذات بيئات بحرية متنوعة
لقد أسهم التباين الجغرافي في منطقة جازان في وجود أنواع عديدة من الموارد المعيشية ومصادر المواد الخام الطبيعية. فكل نوع من البيئات المختلفة في المنطقة يحوي موارد غذائية تختلف بشكل عام عن البيئات الأخرى، ففي المناطق الجبلية مثلاً يلحظ أن أنواع الحيوانات والنباتات البرية تختلف عن تلك الموجودة في المناطق المنخفضة أو الساحلية، وكذلك الحال بالنسبة إلى أنواع الصخور المستخدمة في صناعة الأدوات والأسلحة.
إن هذا التنوع والتباين البيئي يرتبط أيضًا بتوافر بعض الموارد الطبيعية في مواسم معينة من السنة، وتكون أقل وفرة في مواسم أخرى. فقلة الأمطار، مثلاً، تؤثر بدورها على وفرة النبات؛ ما يدفع الإنسان والحيوان إلى الهجرة أو الانتقال إلى مناطق أخرى أكثر غنى بمواردها الغذائية؛ مما يشكل دورة حيوية تتبع التغيرات المناخية خلال فصول السنة المختلفة.
ومن هذا المنطلق، عُرف عن الجماعات البشرية اعتمادها شبه الدائم على التنقل المتواصل من منطقة إلى أخرى بحثًا عن المقومات المعيشية التي تُعينها على مقاومة الظروف التي تواجهها في حياتها اليومية، مثل: نقص الموارد الغذائية، ومواجهة الحيوانات المفترسة أو الجماعات المُعادية، أو جمع الموارد الطبيعية الخام مثل الأحجار من مناطق معينة لصناعة الأدوات المناسبة.
لقد كانت مجتمعات فترة ما قبل التاريخ تحديدًا مجتمعات العصر الحجري القديم، مجتمعات استهلاكية في المقام الأول، ولم تعرف خلال معظم تاريخها استئناس الحيوان أو إنتاج الغذاء إلا في المراحل المتأخرة جدًا منه
لقد ظلت الموارد الغذائية البحرية التي تشمل الأسماك والحيوانات البرمائية مثل: السلاحف، والأنواع المختلفة من القواقع والأصداف التي تحمل في جوفها حيوانات هلامية غنية بالبروتين مصدرًا رئيسًا تلجأ إليه الجماعات البشرية عند الضرورة . ولعل أكبر شاهد على أهمية الموارد الغذائية البحرية مئات الأكوام من القواقع التي تزخر بها جزر فرسان وسواحل البحر الأحمر، والتي يراوح ارتفاعها بين 2 و 4م، وتحتوي طبقات أثرية تعود إلى فترات حضارية متعددة.
إن مثل هذه الدلالات الأثرية لتؤكد الدور الذي قامت به منطقة جازان في الهجرات البشرية التي عبرت من القارة الإفريقية إلى جنوب الجزيرة العربية عبر مضيق باب المندب في المراحل المبكرة من عصور ما قبل التاريخ؛ وخصوصًا أن المنطقة واقعة على مسار الهجرات البشرية من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها
ويُعَدُّ ما تم العثور عليه من مواقع أثرية تعود إلى فترات مختلفة من عصور ما قبل التاريخ في منطقة جازان، عدا أكوام القواقع في جزر فرسان، محدودًا جدًا ولا يعكس الدور الفعلي الذي قامت به المنطقة، ويمكن أن يُعزى ذلك إلى عدة عوامل من أبرزها محدودية الدراسات الميدانية بشكل عام وتلك التي تخص فترة ما قبل التاريخ بوجه خاص.
أسهمت جيولوجية منطقة جازان في تحديد نوعية المصادر الطبيعية المتوافرة بها، حيث ساعد وجود الصخور البركانية في الحصول على صخور مناسبة لصناعة الأدوات الحجرية وحفظ مياه الأمطار من التسرب إلى باطن الأرض؛ مما يسهم في جذب الحيوانات البرية ونمو النبات.
وأما الصخور الرسوبية فتمثل مصدرًا لبعض أنواع الأحجار الخام، مثل الشيرت الذي يُعد من الأحجار المناسبة لصناعة الأدوات الحجرية، وكذلك تتكون في الصخور الرسوبية تجويفات على شكل مغارات أو كهوف يمكن أن تستخدم من قبل الجماعات البشرية في عصور ما قبل التاريخ. وأما السواحل المرجانية على ساحل البحر الأحمر في المنطقة فعادة ما تكون مرتبطة بالمواقع الأثرية وتوفّر معلومات مهمة عن التغيرات التي حدثت خلال عصور ما قبل التاريخ لمستوى سطح مياه البحر الأحمر
ويُقسم الآثاريون عصور ما قبل التاريخ في المنطقة إلى مرحلتين أساسيتين، وذلك بحسب الدلالات الأثرية التي تم توثيقها على مدى العقود القليلة الماضية.
ويشتمل العصر الحجري القديم على عدد من التقسيمات الفرعية، وذلك تبعًا لنوعية الصناعات الحجرية التي كانت سائدة في المنطقة والفترة الزمنية التي تعود إليها هذه الصناعات.