آثار العصور الإسلامية في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 آثار العصور الإسلامية في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية

 آثار العصور الإسلامية في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.

 
تشتمل المنطقة على مواقع آثارية تعود إلى الفترة الإسلامية، وتتوزع هذه المواقع بين بلداتها وقراها بشكل ينسجم وأهمية هذه المواقع الطبيعية أو البيئية أو التجارية.
ولعل من الواضح أن معظم الشواهد الأثرية الإسلامية تتركز حول طرق الحج والتجارة التي تمر عبر المنطقة، والسبب في ذلك يكمن في أهمية هذه المسالك والدروب المؤدية إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة خصوصًا، ولا سيما حين تمر بالبلدات والقرى وتتخذها محطات للاستراحة والتزود بالماء والطعام فتنشأ عن ذلك عمليات بيع وشراء بين الحجاج والتجار وأهالي هذه المناطق التي تفيد وتستفيد من سالكي هذه المعابر، كما يكمن السبب من جهة أخرى في مدى ما توليه الدولة من الرعاية والصيانة والحماية لهذه الطرق وسالكيها، وهكذا يلحظ أن الآثار الإسلامية في القصيم تكثر، وتزداد أهميتها كلما اقتربت من هذه الطرق، وتشح، وتقل أهميتها كلما ابتعدت عنها.
 
وتتفاوت أنواع ومواقع الشواهد الأثرية الموجودة في المنطقة بحسب الوظيفة المنوطة بها. ففي بعض الأمكنة توجد الآثار المعمارية المدنية من المنازل والقصور، وفي أمكنة أخرى تبرز الأبنية الدفاعية كالأسوار والقلاع والحصون، وفي مواقع معينة تظهر البرك والآبار والعيون والقناطر المختصة بتوفير مياه الشرب أو مياه الري وحفظها. كما تتركز النقوش الإسلامية في تلك المواقع التي توجد بها الواجهات الصخرية المناسبة للكتابة عليها، وتبعًا لهذه الأنواع من الآثار الثابتة تظهر بقايا الآثار المنقولة من كسر الأدوات ومخلفاتها، والأوعية والمستلزمات المصنوعة من المعادن والفخار والخزف والأحجار والزجاج ونحوها.
 
ويمكن استعراض هذه الشواهد الأثرية على النحو الآتي:
 

طرق الحج

 
يُقصد بطرق الحج تلك المسالك والدروب التي يسلكها الحجاج والمعتمرون قاصدين المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهذا لا يعني أن هذه الطرق مقصورة على مَنْ يريد الحج أو العمرة فقط، بل إنها تُعَدُّ مسلكًا مفتوحًا لكل مَنْ أراد العبور من خلالها من التجار والمسافرين والزوار وغيرهم. فقد أولت الدول والحكومات المتعاقبة المسؤولة عن هذه الطرق جل اهتمامها بكل ما من شأنه إصلاح حال هذه الدروب، وتوفير الخدمات لسالكيها من قبيل تمهيد الأمكنة التي تمر بها أو رصفها سواء كانت رملية أم جبلية، وتوفير أكبر قدر ممكن من المياه ومصادرها، كبناء البرك والخزانات وحفر الآبار ونحو ذلك. كذلك اهتم المسؤولون عن هذه الطرق بتحديد المسافات والاتجاهات بين المنازل والمحطات بوضع ما يشبه اللوحات الإرشادية المعروفة اليوم، والعلامات والأميال التي يُبيَّن عليها اتجاه الطريق المسافة بين كل محطة وأخرى.
 
ويدخل ضمن اهتمام المسؤولين ورعايتهم لهذه الطرق، ما يتعلق بأمن مرتاديها؛ حيث وفرت لهم سبل الحماية من قبيل الجند الذين يرافقون القوافل والحملات، بالإضافة إلى توفير سبل الراحة الكافية كإنشاء الخانات وأمكنة للراحة وللسكن المؤقت، وما يلحق بالمنازل والمحطات من مرافق معمارية تخدم من يمر بها إلى جانب المحافظة على سلوكها وسلامة المرور بها  
 
ومن خلال تتبع مسار هذه الطرق يُلاحظ أنها تمر عبر بلدان ومحطات كبيرة ومهمة وأخرى أقل حجمًا وأهمية، كذلك يلاحظ العكس، أي أنها لا تمر إطلاقًا عبر أي بلدات أو محطات أساسية في بعض مراحل الطريق وإن كانت قريبة منها، ولعل السبب في ذلك يعود إلى جملة ظروف أبرزها: وعورة الطرق المؤدية إلى هذه المدن والبلدان، وعدم توافر الخدمات التي يحتاجها الحاج أو التاجر، كقلة المياه في ذلك العهد، وعدم توافر المؤونة والأمن اللذين يهمان المسافر، ويمكن ذكر الطرق التي تمر عبر المنطقة كما يأتي:
 
أ - طريق البصرة - مكة والمدينة:
 
يبدأ هذا الطريق من البصرة بالعراق فيسلكه حجاج العراق والأقاليم القريبة منه، كما يسلكه الحجاج القريبون منه داخل الجزيرة العربية، ليصل إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، مرورًا بقرى، وبلدات، ومحطات ومنازل داخل المملكة وداخل المنطقة، ومن المؤكد أنه عندما يُشار إلى أن هذا الطريق هو طريق الحج العراقي، فإنه لا يقصد أنه خاص فقط بحجاج العراق، بل هو لحجاج العراق وبلاد ما وراء النهرين، وأهل المشرق كافة، ولقد اشتهرت الطرق والمسالك التي تمر عبر القصيم بنسبتها إلى العراق؛ وذلك نظرًا إلى أن هذا البلد كان بمنـزلة بوابة المشرق التي يجتازها المشارقة إلى المدينتين المقدستين، وهو بذلك لا يختص بحجاج البصرة وتجارها وحدها، فقد سلكت أجزاء طويلة منه كلٌّ من قوافل البحرين واليمامة تنقلاً وتجارة وبريدًا  
 
ومما يلاحظ أن البلدان والمحطات والمنازل الواقعة داخل المنطقة موزعة على مسارات تتفرع من الطريق الرئيس في نقطة ما لتخدم أكبر قدر ممكن من الحجاج، ثم تعود إلى الطريق نفسه في نقطة أخرى. والمسارات الفرعية هذه تفترق عند أولى هذه المحطات داخل المنطقة على النحو الآتي:
 
1 - المسار الأيسر المتجه إلى مكة المكرمة:
 
أولى محطات هذا الطريق داخل منطقة القصيم هي النباج وآخرها ضرية، ويمر الطريق على عدد من البلدان والمحطات والمنازل من أبرزها: الصريف، والعوسجة، والقريتان، ورامة، وإمرة، وطخفة  ،  وكلها محطات لسالكي هذا الطريق، وقد رصدت ضمن موضوع المواقع الأثرية.
 
2 - المسار الأوسط المتجه إلى المدينة المنورة:
 
يمر هذا الطريق المأثور عبر مواقع كثيرة داخل منطقة القصيم، منها ما كانت معروفة قبل الإسلام، ومنها تلك التي اشتهرت خلال مراحل إعمار طريق الحج، ثم اضمحلت باضمحلاله. فقد كان الطريق يتجه من الأسياح نحو الشمال الغربي عبر رمال، وقيعان، وحزوم مختلفة الطبيعة حتى يصل إلى قصيباء (قو)، وإن كان هناك خلاف حول هذا المنـزل. إذ يوجد هناك مَنْ يعتقد أن (قوًا) ليست منـزل قصيباء بل هو ما يعرف الآن بشعيب ابن مطلق. ثم يصل الطريق إلى جو أثال المعروف اليوم بـ (أوثال) وهو أحد بلدان الجواء المهمة، وكان ماء لبني عبس، وهو ذو عمارة قديمة وأرضه طيبة صالحة للزراعة ومياهه وافرة سهلة الاستنباط  ،  ويجتاز الطريق هذه البلدة عبر عقبة أثال المعروفة اليوم بـ (المُشَيْرِف)، ليصل بعد مسافة 3 أميال إلى عيون الجواء التي كانت تُعرف بـ (عيون ابن عامر)، وهذه البلدة كسابقتها اشتهرت بخصوبة أرضها وكثرة مزارعها ونخيلها، فضلاً عن كثرة مياهها وعيونها الدارجة على سطح الأرض، فقد كانت تستفيد من مياه عين تنبع من بلدة غاف الجواء هي عين عبس الشهيرة  ،  ثم يعبر الطريق إلى الحنادر، وهما أكمتان جبليتان غرب عيون الجواء؛ ثم يسير عبر شعيب الفويلق جهة الناجية، ثم إلى عُنَّاب الذي يُسمى الآن بـ (بقيعا أصبع)، ومما يذكر أن بعناب بركة وأبياتًا وسوقًا، وآبار ماء مالح عمقها اثنتا عشرة قامة. بعد ذلك يصل الطريق إلى الفوارة، وهو بلد قديم العمارة يتوافر فيه الماء والنخيل، كما كان فيه بناء عظيم بنته زبيدة وفيه عين جارية، وبعد الفوارة يسير الطريق في اتجاه الغرب ويترك تكوين جبل قطن المعروف على يمينه، ويجتاز سهلاً كبيرًا وخصبًا في متسع من الأرض يسمى (خيمة قَطَنْ)، كما يشاهد السائر على هذا الطريق عن بعد جبلي أبان وطمية، ويستمر الطريق في اتجاه الغرب حتى يصل النقرة وهي ملتقى طريق الكوفة أو (درب زبيدة) مع طريق البصرة  
 
3 - المسار الأيمن المتجه إلى المدينة المنورة:
 
ينحرف الطريق الذي يسلكه حاج البصرة إلى المدينة المنورة عن مساره الرئيس ليمر عبر محطات ومنازل من أهمها قنّة (قبة)، وحومانة الدراج (مدرج)، وأبرق العزاف (أبرق الضيَّان)، ثم يتجه الطريق بعد هذا الموقع نحو الجنوب الغربي ليصل إلى مواقع صغيرة، مثل: ذي العشيرة شمال جبل قطن، ثم يجتاز وادي الرمة بمحاذاة عقلة الصقور ليصل إلى النقرة مكان التقاء طريق حاج البصرة بطريق حاج الكوفة، ومنها إلى بطن نخل وهي بلدة (الحناكية) الحالية الواقعة على حدود منطقة القصيم الغربية  . 
 
هذا الطريق لم يدم طويلاً كالطرق السابقة، ويبدو أنه هجر؛ لأن أكثر مراحله لم يستمر فيها الاستيطان البشري لعدم وجود مسبباته، من قبيل توافر المياه ومصادرها، والأمن ونحو ذلك 
 
ب - طريق الكوفة - مكة (درب زبيدة):
 
يعد طريق الحجاج هذا من أهم الطرق الموصلة بين الكوفة في العراق ومكة المكرمة، وهو الذي يسلكه حجاج شرق العالم الإسلامي الذين يقصدون بيت الله الحرام للحج كما يسلكه التجار وطلاب العلم أيضًا. ويُعَدُّ منـزل الحاجر أول المنازل على هذا الطريق داخل المنطقة، ويأتيها من بلدة سميراء، ثم ينطلق الطريق في أرض مستوية بيضاء تسمى البياضية المعروفة قديمًا بـ (الصلعاء) ليصل إلى جبل أبي رقيبة، وهو ما كان يُعرف قديمًا بـ (قرورى) وفي الوقت الراهن يعرف بـ (القارورة)، ثم ينتهي درب زبيدة داخل منطقة القصيم بالنقرة، وهو المكان الذي يلتقي فيه بطريق حاج البصرة 
 
وقد اشتهر هذا الطريق بـ (درب زبيدة) نسبة إلى السيدة زبيدة زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، وذلك لما أولاًه من رعاية وصيانة وخدمات كانت عاملاً جوهريًا في تسهيل أمور الحجيج إلى بيت الله الحرام 
 
ج - طريق اليمامة - مكة:
 
يمر هذا الطريق الحيوي الذي يسلكه التجار والحجاج بعدد من المنازل داخل المنطقة، أبرزها القريتان، وهما: القرية والعسكرة التي تُعرف حاليًا بـ (العيارية)، وتقعان قرب مدينة عنيزة؛ حيث يلتقي عندهما طريق الحاج البصري المتجه إلى مكة المكرمة  
 
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook