تقاليد الزواج بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
تقاليد الزواج بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

تقاليد الزواج بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
تتفاوت الأسر في المكانة الاجتماعية حسب وضع الأسرة خصوصًا من الناحية المادية والعلمية، وفي المناطق الريفية التي تعتمد على الزراعة موردًا اقتصاديًا في المنطقة الشرقية توجد ظاهرة الطبقية، فالفئة العليا هي طبقة الملاك وهم مُلاك الأرض الزراعية، ويندرج تحت هذه الطبقة التجار الذين يعملون في الاستيراد والتصدير وتأمين سفن الغوص، أما الفئة الوسطى فهي طبقة الفلاحين وهم الذين يقومون باستصلاح الأرض وزراعتها، ثم تأتي الفئة الدنيا وهي طبقة العمال الذين يمتهنون الغوص وصيد الأسماك، ويندرج تحت هذه الفئة الأفراد الذين يعملون في الحرف والصناعات التقليدية مثل النسيج وصناعة الحُصُر والفخار، وكثير من أفراد هذه الفئة يُمارسون أيضًا مهنة الزراعة  . 
 
ويتضح من ذلك أنّ هناك فئتين أساسيتين: فئة مقتدرة وهي التي تعيش على ريع أملاكها وتجارتها، وفئة محدودة الدخل تعيش من كدها وعرق جبينها، ويحتل أفراد الفئة المقتدرة وكذلك المميزة في العلم الوجاهة والمراكز والمكانة الاجتماعية العالية.
 
وكان لهذا الطابع الاجتماعي تأثيره في الحياة العامة وبصورة خاصة في جانب الزواج، بين شرائح المجتمع المختلفة  ،  ولكن بعد التغير الحضاري في المنطقة الشرقية وارتفاع مستوى الوعي وانتشار التعليم وبروز كثير من الأفراد من الطبقات المختلفة سواء كان ذلك علميًا أو اقتصاديًا أو مكانةً في المجتمع تلاشت هذه الفروقات وأصبح تأثير الجوانب الاجتماعية التقليدية في التزاوج بين الأسر ضعيفًا.
 
ومن الأمور الشائعة في المنطقة الشرقية تعدد الزوجات أسوة بكثير من مناطق المملكة، فقد كانت الحياة بسيطة وكان الزواج يتطلب تكلفة زهيدة، كما أنّ الزوجات كنّ يُقمن في بيت واحد حتى لو كان صغيرًا، وفي كثير من الأحيان يكون للزوجات دورٌ اقتصادي في مساعدة الزوج سواء في الفلاحة أو الاهتمام بالماشية أو غير ذلك.
 

التكافل الاجتماعي

 
من التقاليد المتبعة التكافل بين أفراد المجتمع والتعاون بينهم، خصوصًا في ظل محدودية الإمكانات الاقتصادية في ذلك الوقت، وتبرز مظاهر التكافل الاجتماعي بشكل كبير في مناسبات الزواج؛ لأنها تُعدّ مناسبات كبيرة ولا تتحمل كثير من الأسر تكاليفها وتبعاتها، لذا فإنّ الأقارب والجيران هم مصدر مهم في مد يد العون والمساعدة، فيتعاون الجيران - بل سكان القرية - في إحضار الوسائد والمرشات  التي يُوضع فيها الطيب والعطر، والسجاد، وأتاريك الإنارة لعدم وجود الكهرباء في ذلك الوقت، وحتى زينة الذهب والحلي كانت تُستعار من الجيران، كما كان يتم استعارة قدور الطبخ الكبيرة وكذلك الصحون، ويتم إعادة ما تم استعارته بعد انتهاء حفلة الزواج.
 
وتتشابه عادات الزواج في المنطقة الشرقية مع مثيلاتها في دول الخليج العربية؛ فالخطبة والزواج والاحتفالات تتم بالطريقة التقليدية، وسيتم الحديث عن ذلك في عدد من العناصر المرتبطة بعادات الزواج وتقاليده في المنطقة الشرقية.
 

المبادرة في الزواج

 
حينما يكبر الابن فإن أول ما يُفكر فيه الوالدان هو تزويجه، فقد كان زواج الأبناء يتم في سن صغيرة وقد لا يتجاوز أحدهم سن السابعة عشرة أو الثامنة عشرة عند زواجه، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة منها:
 
 يُعَدُّ زواج الابن دعمًا للأسرة؛ إذ كانت المرأة تقوم بدور اقتصادي مهم في الزراعة والرعي وفي الأعمال الحرفية التقليدية.
 
 يُعَدُّ زواج الابن دعمًا اجتماعيًا للأسرة؛ إذ تقوم زوجته بمساعدة والدته في القيام بأعمال البيت وخدمة أفراد الأسرة خصوصًا إذا كانت الأم كبيرة في السن أو مريضة.
 
 ولأنّ العمر الذي من المتوقع أن يعيشه الفرد - بعد مشيئة الله - كان منخفضًا، فقد كان الآباء والأمهات حريصين على أن يروا ابنهم عريسًا وحريصين أكثر على مشاهدة أحفادهم قبل وفاتهم.
 
 يُنظر إلى الزواج على أنّ فيه استقرارًا للابن.
 
 يحتل الدين مكانة كبيرة في نفوس الأفراد ويؤثر في سلوكياتهم، ولأهمية الزواج في الدين الإسلامي فقد كانت الأسر حريصة على اتّباع تعاليم الدين الإسلامي.
 
 انخفاض تكاليف الزواج والبساطة في إقامة حفلاته ساعدا الأسر في تزويج أبنائها في سن صغيرة.
 
 نظرًا إلى الترابط الاجتماعي بين الأسر - إذ كان أفراد القرية أو البلدة يعرف بعضهم بعضًا - فإن البحث عن العروس كان لا يستغرق وقتًا طويلاً كما هو الحال في الوقت الحاضر، وفي كثير من الأحيان يكون اختيار العروس محددًا منذ الصغر، إذ تنتظر الأسرة بفارغ الصبر حتى يبلغ الابن ليزوجوه بها.
 

 اختيار العروس

 
بعد التشاور بين الوالدين يقرران أنّ الوقت قد حان لتزويج الابن (وفي بعض الأحيان يكون الوالد بمفرده قد اتخذ قرار تزويج ابنه) فيقوم الوالدان بالبحث عن العروس المناسبة لابنهما، وعادة يختاران العروس من الأقارب لمعرفتهما بالفتاة وأسرتها مثل ابنة العم أو العمة أو الخال أو الخالة، وفي كثير من الحالات يكون هناك ارتباط عرفي أو كلامي بين الأسرتين على أنّ فلانة ستكون زوجة فلان وذلك منذ الصغر.
 
وحينما لا يتم اختيار العروس من الأقارب - لسبب من الأسباب - يكون للخاطبة دور كبير في اختيار العروس، وفي بعض الأحيان يُسند البحث عن فتاة مناسبة إلى خطيب من أهالي القرية أو البلدة المعروفين بصلاحهم ومعرفتهم بالناس، وبعد إتمام الخطبة يُعطى الخطيب أو الخطيبة أجرة أو هدية نظير ذلك، وفي العادة لا يكون للابن رأي في تحديد العروس، فما يختاره الوالدان يوافق عليه الابن.
 
وحينما يكون الزواج من خارج الأسرة فإنّ هناك نساء متخصصات يقمن بمهمة الخطبة بحكم معرفتهن بالبيوت، فبعد أن يُطلب من الخاطبة البحث عن عروس وفق مواصفات محددة تقوم بالبحث عن فتاة أو أكثر، ثم تقوم بعرض ما توصلت إليه على أم الشاب أو أخته أو إحدى قريباته، إذ تذكر صفاتها الجسمية وطباعها ومعلومات عن أسرتها، ومن الصفات المهمة التي يُراعى توافرها في العروس أن تكون ذات خُلق ودين، ويُشير (المسلم) إلى أنّ من الصفات الجسمية المهمة التي يراعى توافرها في العروس أن تكون بيضاء، ولها خشم سلالي أي أنف مستدق طويل يشبه سلة السيف، وعين بيدانية أي كحبة لوز الشام، وشعر خوصي أي مسترسل يشبه خوص النخل، وأن تكون خيرة أي هادئة الطبع، وأن تكون خاتمة أي تحسن قراءة القرآن الكريم  . 
 
كما أنّ السؤال عن أم الفتاة وأخلاقها أمر ضروري عند اختيار عروس للابن، فقد كانت من الصفات المحمودة في المرأة ملازمتها بيتها وعدم خروجها منه أو بتعبير آخر: ما تشوفها الشمس، ومن شدة الحياء كان يُفرض على البنت قبل الزواج التحجب حتى عن النساء الأجنبيات.
 
وحين يتم اختيار العروس من خارج الأسرة فإنّ والد العريس يأخذ رأي إخوانه وأعمامه وكبار أفراد الأسرة قبل الذهاب للخطبة؛ لأنّه يُنظر إلى الزواج على أنّه ليس اقترانًا بين شخصين وإنما بين عائلتين وقبيلتين.
 

المهر

 
كانت المهور خلال الفترة السابقة لاكتشاف النفط تتسم بالبساطة، وكانت تتناسب مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية لمجتمع المنطقة الشرقية، وكان المهر يراوح بين ثلاثين وأربعين ريالاً  ،  ولم يكن عدم توافر المهر عاملاً يُعوق إتمام الزواج، إذ كان كثير من الآباء وأولياء الأمور لا يشترط مهرًا محددًا لابنته في سبيل تزويجها من الرجل الصالح.
 
وكان سكان الحواضر يُقدّمون إلى العروس قبل الدخلة ثوبين وعباءة، وبعض الأقمشة غير المخيطة، ولوازم فرش النوم الخاصة بليلة الزفاف، وكذلك لوازم وليمة الزفاف، وبعض الحلي والمكسرات، وتُرسل هذه الأشياء إلى بيت أهل العروس في الليلة السابقة لليلة الزفاف وتُسمى (ليلة الحفلة).
 
ومن اللافت للنظر أنّ جهاز العروس المرسل إلى بيت أهلها يتضمن صندوقًا خشبيًا خاصًا بملابس العريس، وكذلك (الصباحة)، وهي الهدية التي يقدمها العريس إلى عروسه صبيحة يوم زفافه، ويتم نقل الصندوق والأغراض الأخرى إلى بيت الزوجية بعد انتهاء مراسم الزفاف.
 
ومن مراسم تقديم المهر كما يذكر ذلك (الشرفاء)   دعوة أم العريس قريباتها وصديقاتها للحضور إلى بيتها ثم يذهبن في موكب يُعرف بـ (التسليمة) أي تسليم المهر لأهل العروس، ويأخذن معهن بعض الهدايا مثل الحلوى والقبيط والرهش والقناطي، إذ تُوضع في صوانٍ وتُغطى بقماش ملون، وفي طريقهن إلى بيت أهل العروس تقوم النساء بترديد بعض الأهازيج ومنها:
 
 
لـولا  دلالــك مــا عنينــا لـك     وصبــي غــاوي وانتقينــاه لـك
لومـــا دلالـــك مــا تعنينــا     ولا  خطبنـــــاك ولا جينــــا
 

العانية

 
من العادات الشائعة في المنطقة الشرقية - وكذلك في بقية مناطق المملكة - ما يُعرف بـ (العانية)، فنظرًا إلى صعوبة الأحوال الاقتصادية في ذلك الوقت كان هناك تكافل وتعاون اجتماعي بين أفراد المجتمع، فبعد تحديد موعد الزفاف يُبادر الأقارب والأصدقاء والجيران بتقديم مساعدات مالية أو عينية مثل الخرفان وأكياس الأرز والسكر والبن للعريس، وبالمثل تتلقى العروس من قريباتها ومعارفها بعض الهدايا مثل الحلي أو الأقمشة غير المخيطة أو الطيب أو الأواني المنـزلية، وتُقدم للعروس في الليلة الخامسة عشرة بعد رحيلها إلى بيت الزوجية.
 

التجهيز للعرس

 
وبعد حصول القبول من الطرفين يكون على أسرة العريس الحِمل الأكبر في التجهيز، إذ يقوم أهل العريس بشراء ما يُعرف بـ (الدزة) وهي هدايا تشتمل على مستلزمات الزواج من حلي وملابس وعطور وأوانٍ ومنافض، ويُمكن أن تشتمل على أطعمة، وتكفي هذه المؤونة لمدة طويلة تصل إلى عدد من الأشهر، ويبدأ دور أهل العروس بوقت قليل قبل الزواج وبالتحديد مع وصول الدزة، وعادةً لا يتم إخبار العروس بموعد الزواج ولا بهوية العريس إلا قُبيل موعد الزواج بأيام قليلة، كما أنّ عقد النكاح يتم إجراؤه في ليلة الزواج أو قبلها بأيام قلائل.
 
وكان ما يُعرف بـ (دزة آل بوعينين) من الدزات المشهورة خصوصًا في منطقة الجبيل، ويتم جلبها من البحرين، ويتم تقديم الدزة لأهل العروس في الصباح إذ يكون البيت مكتظًا بالنساء من الأقارب والجيران، ويقوم الجميع بمساعدة أهل العروس في التجهيز للعرس، فيقوم بعض النساء بإعداد وليمة العشاء التي يُدعى لها الأقارب والجيران والأصدقاء، ويقوم بعضهن الآخر بتزيين غرفة نوم العريسين أو كما تُعرف بـ (الخلة) وتطييبها  . 
 

تزيين غرفة العروس

 
قبل أيام من الزواج يعتني أهل العروس بتزيين غرفتها بفرشها بالسجاد وتأثيثها، وتُزين جدران الغرفة بلوحات (براويز) عليها آيات قرآنية وصور للأمكنة المقدسة (الحرم الشريف، المسجد النبوي، والمسجد الأقصى). وتزين غرفة العرس ببعض الأواني الزجاجية المزخرفة مثل (البنور)  الذي يُستخدم في حفظ بعض مقتنيات العروس. وتوضع باقات الزهور في (بناجر) منحوتة في الجدران، وتُستخدم بعض البناجر في وضع أدوات الزينة الخاصة بالعروس، كما تُزين الجدران بمرايا (مناظر) متعددة الأحجام، ويتم ذلك بحيث تُغطى جميع الجدران، وتتدلى من منتصف إطار المرايا كرات مصنوعة من مادة زجاجية ملونة تُسمى (رمانة) تصل إلى وسط المرايا، ويتم تغطية سقف الغرفة بقماش مناسب، وتُطيب الغرفة وتُبخر، وتُوضع طاولة خشبية في إحدى زوايا الغرفة مقابل مدخل الغرفة لوضع أدوات الزينة الخاصة بالعروس عليها، كما تُزود الغرفة ببعض أدوات الإضاءة مثل الفوانيس واللالات والأسرجة.
 
ومن أمتعة العروس المهمة صندوق خشبي يُعرف بـ (المبّوت)  يمتاز بزخرفته، وهو مُشبع بدبابيس ذهبية اللون، ويُقسّم المبوت إلى قسمين: القسم الأكبر وهو مستودع لحفظ ملابس العروس  ، والقسم الآخر العلوي من الصندوق وهو مستودعات صغيرة لحفظ المقتنيات الثمينة مثل الحلي، وأيضًا هناك سلال كبيرة بعضها على شكل بيضوي يصل قطرها في منتصفها إلى قرابة متر، وطرفها العلوي مفتوح وله غطاء، وهي مصنوعة من الأسل المدهون.
 
أما سرير العرس  فيُعمل بطريقة خاصة بحيث يكون مرتفعًا عن الأرض، فهم يحرصون على أن يكون أعلى من الأسرَّة العادية، ويكون له سقف يُغطى بقماش أبيض ويُزين ببعض الزينة، وللخصوصية يتم فصل مكان النوم في الغرفة عن بقية أرجاء الغرفة أو مكان الجلوس وذلك بوضع ستارة أو حاجز قماشي، ويُفرش مكان الجلوس ويُؤثث بالمساند والمراكي (التكايات)  للاتكاء عليها  . 
 

الدزّازات (قارعات الدفوف)

 
يتكفل أهل العروس عادةً بإحضار عدد من النساء لإحياء حفلات الزواج بين النساء ويُطلق على الواحدة منهن (الدزّازة) أو كما يُطلق عليها في وسط المملكة (الطقاقة)، وتتردد الدزّازات ما بين بيت أهل العروس وبيت أهل العريس لمدة ثلاثة أيام متواصلة ويُعطَيْن مبلغًا ماليًا مقابل ذلك، وينشدن بأهازيج وأغانٍ على ضرب الدفوف، وبين فترة وأخرى تكون هناك استراحة لتناول القهوة والشاي، وأثناء تأديتهن للدزّة (دقّ الدفوف) تقوم نساء من أهل العروس وقريباتها وكذلك من أهل العريس وقريباته بدفع بعض النقود إلى الدزّازة أو ما يُسمى بـ (النقوط) حسبما تجود به نفس كل واحدة من الحاضرات، والاحتفالات النسائية تكون مقتصرة على النساء فقط؛ إذ يُمنع دخول الرجال والصبيان.
 

 مراحل الزواج

 
يمر الزواج في المنطقة الشرقية بعدد من المراحل وهي:
 
1 - الخطبة:
 
بعد اتخاذ القرار بالمضي في الخطبة الذي يكون للوالد الدور الأكبر فيه، يذهب والد العريس والعريس وبعض المقربين جدًا مثل الإخوان - وفي بعض الأحيان الخطيب - إلى والد الفتاة أو ولي أمرها، وبعد تناول القهوة والتمر يتقدم والد العريس أو الخاطب بطلب خطبة ابنته فلانة لابنه فلان، فإذا كانت البنت مخطوبة أو محجوزة لأحد أقاربها أو لا يريد تزويجها لسبب من الأسباب، فإنه يعتذر لوالد الخاطب، وإذا كان غير ذلك تمت الخطبة ودعا كل واحد للآخر بالبركة، وقد يُحدَّد في هذا اللقاء موعد الزواج ودفع الصداق (المهر) أو يُترك لوقت لاحق.
 
وفي بعض الأحيان، يقوم والد الشاب أو ولي أمره بإرسال مكتوب إلى ولي أمر الفتاة يبين فيه رغبتهم في خطبة ابنتهم لابنهم، ويُمكن أن يكون ذلك من خلال محادثته شفهيًا، ويتم ذلك من غير رؤية الشاب للفتاة.
 
وتتم الخطبة سرًا؛ فيقتصر حضورها على المقربين جدًا من أهل الخاطب وأهل المخطوبة، وبعد الموافقة على الخطبة يتم إعلانها، وبعد إتمام الخطبة تقوم أسرة الشاب بإرسال كمية من السمك الطازج الصغير وتُوزَّع على الأقارب والجيران والمعارف لإضفاء البركة على الخطبة وإعلانًا لها، ومع تغير الزمن أصبحت تُرسل الحلويات بدلاً من السمك.
 
وكان من العادات السائدة أنّه بعد خطبة الفتاة تختفي عن أعين الرجال من محارمها الذين لا يعيشون معها في البيت، وكذلك عن النساء حتى المقربات منها - إلا الفتيات الصغيرات - حتى ليلة الزفاف.
 

الملجة (الملكة)

 
تتم فيها كتابة عقد الزواج بين الشاب والشابة، وعادة لا تكون هناك فترة طويلة بين الخطبة والملجة، وتُقام حفلة صغيرة بهذه المناسبة يُدعى إليها المقربون من الأقارب، والمأذون الشرعي عاقد الأنكحة، ويقوم المأذون بسؤال الفتاة عن رأيها من وراء حاجز، ولأنّ الاستحياء كان سمة بارزة لدى الفتيات في ذلك الوقت فيُكتفى بسكوتها علامةً للقبول، وقد يكون السكوت ناتجًا عن رفض الفتاة الزواج ولكنها - احترامًا لأسرتها أو خوفًا منها - تلجأ إلى السكوت، وفي كثير من الأحيان يُكتفى برأي ولي أمرها دون الرجوع إليها. وتتم كتابة العقد، ويوقع عليه من قِبل الشاب وكذلك الفتاة أو ولي أمرها، ويُراعى أن تتم الملكة (الملجة) في سرية، فيُكتفى بحضور المقربين من العروسين ولا يُعلن عن وقت الملجة، وقد يكون ذلك خشية أن يُغيّر أحد الطرفين رأيه وبالتالي يكون وقع ذلك سيئًا، خصوصًا على الفتاة وأهلها، أو خوفًا من العين والحسد.
 
وبعد إتمام العقد يُسلَّم المهر في الوقت نفسه أو يُحدد موعد لاحق لتسليمه، وتُرسل إلى بيت العروس هدايا تتكون من مصوغات ذهبية وأقمشة حريرية وقطنية للعروس وأهلها، بالإضافة إلى بعض المواد الغذائية التي تُرسل إلى بيت العروس وتتضمن أكياس الأرز والبيدان  والنقال  والقناطي   ورؤوس القند  . 
 

ما قبل الزواج

 
يتم الاتفاق بين أسرتي العريس والعروس على تحديد موعد الزواج قبل فترة من الزمن، وعادة يكون ذلك ليلة الجمعة أو ليلة الخميس أو في أوقات العطل. وبعد تحديد موعد الزواج يقوم أحد أفراد أسرة العريس وكذلك أحد أفراد أسرة العروس بالطواف على الأقارب والجيران والأصدقاء يدعوهم لحضور العرس، وفي بعض الأحيان يُكلِّف والد العريس أو ولي أمره أحد الرجال المعروفين بالقرية ليطوف على الأقارب والأصدقاء والجيران ليدعوهم لحضور حفل الزواج، ويُخبره والد العريس بما يقول وهو: (يُسلم عليك فلان بن فلان، وتبارك عليه زواج ولده فلان، ولا تنس حضور الغداء والعشاء في يوم كذا وكذا) ويُعطى هذا الرجل مقابل ذلك أجرة يومية، وبالمثل تُكلِّف والدة الزوج أو الزوجة امرأة أو أكثر لدعوة النساء لحضور الزواج، ومن العبارات الشائعة: (تسلم عليك أم فلان أو فلانة، وتباركي عليها بحضور زواج ولدها أو بنتها في يوم كذا وكذا)  .  وفي بعض الأحيان تكون الدعوة لحضور المناسبة وتناول طعام العشاء والإفطار، إذ تقدم وجبة الإفطار كل صباح طيلة أيام الزواج، وعادة يطلب والد العروس من والد العريس أسماء أقارب أسرة العريس والأشخاص القريبين منهم وذلك لدعوتهم لحضور طعام الغداء.
 

ليلة الحنّاء

 
في بعض قرى المنطقة الشرقية تُخصص قبل الزواج بليلة أو ليلتين ليلة تُعرف بـ (ليلة الحنَّاء)، إذ تجتمع قريبات العروس وبعض نساء الحي (الفريج) في بيت أهل العروس أو في بيت إحدى قريباتها المقربات، وتُكلَّف امرأة - سواء من قريبات العروس أو من غيرهن ممن تكون لها خبرة في هذه الأمور وتُعرف بـ (الحنّاية) - بتخضيب العروس (تحنيتها) في يديها وقدميها، وعادة يتم التخضيب في باطن الكفين وظاهرهما وكذلك القدمين بمادة الحناء المعدة سلفًا لهذه المناسبة، إذ تقوم الحنّاية - أو مَنْ يقوم مقامها - بوضع العجين في المناطق التي يُراد أن تبقى بيضاء من كفي العروس وقدميها ثم تغمسها في الحناء، وتقوم الحنّاية برسم بعض النقوش والزخارف، ويُمكن تكرار الخضب حتى ينقع لون الحناء.
 
ويُمكن أن تمتد ليلة الحناء إلى ثلاث ليالٍ؛ إذ تتكرر عملية الخضب في الليلتين الثانية والثالثة على التوالي حتى يُصبح لون الحناء أسود، ويتم ذلك على دق الطبول والدفوف والرقص والزغاريد والتغني
 
بالأهازيج الشعبية، إذ تقوم النساء بترديد بعض الأهازيج ومنها:  
 
 
ليلـة  الحنـاء علـى العـذرا سـعود     نورهـا  مثـل البـدر والعيـن سـود
ليلــة الحنـاء علـى العـذرا أبهنـا     نـالت  نـالت العـز والسـعادة والهنا
ربـي يحفظهـا عـن عيـن الحسـود     عينهــا مثـل النجـم بنـت الـدلال
وكذلك:
 
زفـــة  العــذرا يــا محلاهــا     ويلـــوق  بـــالكفين حنّاهـــا
يــا محلاهــا علــى الكرســي     كــل  الحبــايب واقفــة احذاهـا
شـال  الـزري لايـق علـى راسـها     مــن  فوقهــا  لحــدر غطاهــا
وكذلك:
 
حــلو  الحنّـا منقّش بيدهـا مشـكلة     وشـحلاته  يـا خـلق ما يوصف مثله
حنـاش  عـالنجم مثـل القمـر وأحلا     ذهبهــا  لابســته وحنّــا بياديهـا
خســرها البــايع وربـح شـاريها     ربــح شــاريها الحـلوة المحبوبـة
نســأل  اللــه يلبــي مطلوبــه     مثـل حَـب الـذهب حنّـاش مصبوبة
 

الإعداد لليلة الزواج (ليلة الطيب)

 
في اليوم الذي سيتم في مسائه الزواج يجتمع الأقارب والأصدقاء في بيت أهل العريس للمشاركة في الفرحة ولمد يد العون والمساعدة عند الحاجة، وتُقدَّم وجبة غداء للضيوف ولمن يوجد في البيت، ثم تُرسل وجبة غداء إلى بيت أهل العروس وكذلك وجبة عشاء، وكان ذلك يتم لمدة ثلاثة أيام، ثم اقتصر بعد ذلك على يوم واحد  ،  وكانت النساء يتعاونّ في إعداد الوجبات والطبخ وتجهيز ما يلزم، أو يقوم أحد الطباخين المعروفين في القرية بالطبخ مقابل أجرة تُدفع له من أهل العريس.
 
وتُسمى هذه الليلة (ليلة الطيب)، إذ يتوافد المدعوون من الأقارب والأصدقاء والجيران إلى منـزل والد العريس بعد صلاة المغرب من ليلة الزواج، ولمحدودية الإمكانات في السابق وعدم توافر الكهرباء كان المدعوون يحرصون على إحضار فوانيس معهم لإضفاء البهجة وإنارة الطريق للموكب، وكان الموسرون يستأجرون من يحمل لهم الفوانيس  .  ويكون هناك مكان معد لاستقبال الضيوف، ويجلس العريس وبجانبه والده وأعمامه وأقرب المقربين إليه في صدر المجلس.
 
وتُقدم وجبة العشاء للحاضرين بعد المغرب، وبعد صلاة العشاء يذهب الجميع إلى بيت أهل العروس يتقدمهم العريس ووالده وأقاربه، ولعدم وجود الكهرباء في ذلك الوقت كان يُستعان بالسُرُج المحمولة في هذا الموقف، كما أنّ المباخر التي تنبعث منها رائحة العود كانت أمرًا شائعًا في الزفة، وكان من التقاليد المتبعة ارتداء المدعوين - خصوصًا كبار السن - العباءات (البشوت)، لذا فإنّ من لا يملك منهم عباءة يستعيرها من أحد ما.
 
وكثيرًا ما ترافق الموكب فرقة تشدو ببعض الأبيات والقصائد المناسبة للأعراس والأفراح، وهناك بعض الرقصات التي تؤدى في مثل هذه المناسبات ومنها العرضة، إذ يقوم عدد من الأفراد - وهم وقوف في صفين متقابلين - بترديد الأبيات والقصائد الشعبية.
 
وعند وصول الركب إلى بيت العروس تبدأ النساء بإنشاد الأغاني الشعبية ومن أشهرها:
 
قولـــوا  لا إلــــه إلا اللـــه     إذا  دخــــل  لفـــي الخلـــة
يــا معـيريس عيـن اللـه ترعـاك     القمــر  والنجــوم تمشــي وراك
 

يوم الغسول

 
من العادات الشائعة سابقًا أنّه في اليوم نفسه الذي سيتم في مسائه الزواج يُدعى أقارب العريس وأصدقاؤه لمرافقته إلى إحدى العيون المعروفة القريبة للاستحمام والتنظف ومنها: الحارة وأم السبع والخدود في الأحساء، وعين ملحم ودراويش في القطيف، وتوزع العذرة (وهي رز مطبوخ بالسكر أو الدبس) في الطرقات والمنعطفات  ،  ويتم التنقل باستخدام عربات تُعرف بـ (القاري) تجرها حمير، وتُعد للعريس ومرافقيه وجبة الغداء، وفي بعض الأحيان يقومون بجلسات غناء وسمر تتناسب مع مناسبة الزواج، خصوصًا ما يُعرف باسم (مجليسي)، ويعود العريس ورفاقه بعد العصر استعدادًا لحفلة الزواج، وفي طريق العودة يركب العريس على فرس أو حمار ويتجمهر من حوله الناس وهم يؤدون رقصة العرضة، ويتغنون بالأهازيج على دقات الطبول والدفوف، ويذكر (المطلق) أنّه بعد عودتهم إلى بيت العريس يُستقبلون بالورود والزهور، وأحيانًا يُنثر عليهم الحَب والمكسرات، ويُنثر عليهم أحيانًا أخرى بعض النقود، فيتجمع عليه الصغار سعيًا منهم للحصول على بعض النقود أو المكسرات  . 
 
وكما أنّ هناك يوم الغسول للعريس فإنّ للعروس - كما يُشير المطلق - يوم غسول، إذ تتجمع قريبات العروس ونساء الفريج (الحي) تتقدمهم العروس وأهلها، فيذهبون إلى العيون أو أحد منابع المياه (الجداول) في القرية فتغتسل العروس مع رفيقاتها ثم يرجعن إلى بيت أهل العروس.
 
ويُقدم (المسلم) وصفًا لذلك، إذ يُشير إلى أنّه قبل الدخلة تكون هناك استعدادات من قِبل العروس وأهلها، فقبل الدخلة بثلاثة أيام تذهب العروس - ومعها الداية (الرقيدة) - في الصباح برفقة قريباتها وجيرانها إلى إحدى العيون القريبة وعلى طول الطريق يرددن الأغاني والأهازيج، إذ يتم توزيع العذرة، وهي رز مطبوخ بالسكر أو الدبس - كما سبق - يُوزع في الزوايا والمنعطفات استرضاءً للجن، ومثل هذه العادات والخرافات والأساطير لا تخلو منها الثقافات الشعبية  . 
 

 تزيين العروس قبل الدخلة

 
وفي عصر اليوم الذي ستتم فيه الدخلة يُحتفل بالخضاب، إذ تكون العروس في أروع زينتها وأبهاها، وتقوم امرأة يُطلَق عليها (النقاشة) بنقش كفي العروس وقدميها بمادة سوداء تُعرف بـ (الخضاب)، وتتزين العروس بفرق شعر رأسها ووضع (مشخط) في مفرق الرأس، ويُجدَّل الشعر في ضفائر تُسدل على الظهر، وتُكحل العينان، وتتطيب العروس بماء الورد ودهن العود.
 
وفي مساء ليلة العرس وقبل أن تُزف العروس إلى عريسها يجري الاحتفال بمراسم يطلق عليها اسم (التريمبو)، إذ تكون العروس في وسط الغرفة أو الصالة ويُنشر فوقها قماش تمسك به أربع نساء من زواياه الأربع كل واحدة بطرف، ثم يرفعنه وينـزلنه وهن يرددن أهزوجة تُقال في هذه المناسبة  ،  وبعد ذلك تُزف العروس إلى غرفة الدخلة، وتبقى دايتها بجانبها مع بعض قريباتها في انتظار دخول العريس.
 

 الدخلة

 
ويتم فيها الالتقاء بين العروسين ورؤية العريس عروسه لأول مرة، وتكون الفترة بينها وبين مرحلة الملكة (الملجة) قصيرة تصل في العادة إلى أيام وقد تكون يومًا أو يومين، وعند دخول العريس مع والده وأقاربه بيت العرس تصدر النساء زغاريد تُعبر عن الفرح.
 
وعند خروج العريس إلى غرفة النوم المعدة (الخلة)، تقوم المقربات منه من النساء بنثر ما يُعرف بـ (القروضات) وهو خليط من المكسرات، ويصلي العريس ركعتين تنفلاً يدعو فيهما بالتوفيق في الزواج ويسأل الله الذرية الصالحة.
 
يتم زف العروس إلى العريس وذلك بحمل العروس في زنبيل كبير مصنوع من السعف يُسمى (مرحلة)، ثم تطور الأمر إلى حملها في سجادة (زولية) أو شيء مُعَدّ لهذه المناسبة، ويكون حملها من قِبل إخوانها أو قريباتها وهن متحجبات.
 
ويُصاحب عملية زفة العروس بعض الأهازيج ودق الدفوف، ومن الأهازيج المشهورة في هذه المناسبة:
 
أسـروا  ســرينا علــى بــازين     كَـــن  "فلانــــة" هلاليــــة
يالهـــا مـــن قصــة ســمرا     حشــــــوها  زعفرانيـــــة
وكذلك:
 
اســـمعوا  مديحـــي وقيلـــي     يـــا  عنــبر فــي مــوازيني
وأنــا  أســالك يــاعظيم الشـأنِ     يـــا  خـــالق  الإنس والجــانِ
وأعيــذهم بالأســماء والرحمــانِ     عــن عيــن شــيطانِ وعيــانِ
ويكون وقع ليلة الزفاف عصيبًا على العروس، خصوصًا أنّها في كثير من الأحيان لا تعرف زوجها إلا قبل أيام قلائل، ومنهن من لا تعلم إلا في يوم الزفاف أو ليلته، وقد تحاول بعض العرائس الخروج من الغرفة المقفل بابها من شدة استحيائها، ويأتي هنا دور العريس في محاولة تهدئتها وتطييب خاطرها، ويسعى العريس إلى التقرب من عروسه ويقوم برفع الغطاء عن وجهها للنظر إليها.
ويمضي العروسان أول ليلة من حياتهما الزوجية، وعند أذان الفجر يقوم العريس للصلاة في المسجد، ثم يرجع إلى زوجته فيجلس معها حتى شروق الشمس إذ يتناولان طعام الإفطار معًا، وتأتي أم العروس (العمة) فتبارك لهما الزواج ويقوم بتقبيل رأسها، ويقدم لها هدية نقدية تُسمى (احبابة الرأس) أو ما تُسمى في بعض مناطق المملكة (الفتاشة)، وفي بعض الحالات تكون الهدية حُليًا، كما يدخل عليه أبو العروس (العم) وإخوانها للتبريك للعروسين والدعاء لهما.
 
ففي ليلة الدخلة وبعد انتهاء مأدبة العشاء يُقام لقاء يُقرأ فيه قصة زواج الرسول - عليه الصلاة والسلام - من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بأسلوب شائق، وبعد ذلك تبدأ الاحتفالات بإقامة رقصات تتناسب مع المناسبة مثل السامري والغجري حتى الصباح.
 
وبعد الزفة تستمر الاحتفالات والأفراح، فتُنشد الأهازيج والأغاني الشعبية وتُدق الدفوف، ومن الأهازيج المعروفة:
 
 
ياللــه طلبتــك طلبــة ترفعــه     مـا يعترضهـا دون عرشـك حجـاب
تســلِّم  لنــا (فلان وفلانـة) معـه     وتنجيــه مـن كـل سـوء وعـذاب
ذي  بنـت مـن كـان السـخا منبعـه     بـدرٍ  تجـلى فـوق عاليـات السحاب
ومن العادات التي كانت سائدة - كما يذكرها (المسلم) - والتي قَدِمت من شبه القارة الهندية هي قيام الداية بمهمة (غسالة الرِّجل). إذ تُوضع رِجل العريس اليمنى ورِجل العروس اليسرى في وسط صحن صيني وتجعلهما في وضع متقابل بحيث يلتصق باطن إحداهما بباطن الأخرى، ثم يُصب ماء الورد عليهما تفاؤلاً بالوفاق والوئام  . 
ويستمر تقديم وجبات الطعام التي تشمل - في العادة - وجبتي الغداء والعشاء بعد ليلة الدخلة لمدة ثلاثة أيام، وفي بعض الأحيان تقتصر على الغداء، ويُراعى التنوع في الوجبات التي تُقدم في هذه الأيام، فعادة يُقدم في اليوم الأول الأرز، وفي اليوم الثاني مفلق أو أرز حساوي، وفي اليوم الثالث الهريس، ويستمر وقت تهنئة الزوجين بالزواج مدة أسبوع وهي مدة بقاء العريس في بيت أهل العروس، وتأتي النساء يوميًا - وفي بعض الأحيان صباحًا ومساءً - لرؤية العروس والاطمئنان عليها  . 
 
وفي العادة يُمضي العريس عددًا من الأيام قد تصل إلى أسبوع في بيت أهل العروس، فيتعرف كلٌّ منهما طباع الآخر، وتكون العروس بجانب أمها لإرشادها وتعليمها، كما تتعرف الأم زوج ابنتها وتعتاد عليه، ويُحدَّد وقت لاستقبال المهنئين من الأقارب والمعارف ويكون إمّا في العصر أو في الليل.
 

 الصباحة

 
وفي صباح ليلة الدخلة يُقدم الزوج هدية للعروس وهي حلي أو بعض الملابس التي تليق بهذه المناسبة وهذه تُسمى (الصباحة)، وتقوم العروس بإطلاع أمها وقريباتها على الهدية لرؤيتها.
 

ليلة البوقة

 
وهي الليلة التي تقوم فيها أم العروس بصحبة بعض قريباتها بزيارة ابنتها في بيت زوجها، وتكون هذه الزيارة مفاجئة، وقد يكون باعث ذلك أنّهم لا يريدون من العريس وأهله التكلف في إقامة وليمة، وتُقدَّم في هذه المناسبة القهوة والتمر وبعض الفواكه والطيب والبخور، ولأهمية الاحتفالات في الأيام الثلاثة الأولى من الزواج التي قد تبدو غريبة للقارئ فسيتم الإشارة إليها، وقد تناولها (المطلق) و (الثنيان)  
 

اليوم الأول (بداية الدزة)

 
في هذا اليوم تقوم (الدزازات) أو قارعات الطبول بإحياء الزواج في بيت أهل العريس من عصر يوم الزواج إلى زفاف العريس إلى عروسه، فينشدن الأهازيج والأغاني الخاصة بمناسبة الزواج، ويتوقفن عند أوقات الصلاة والطعام.
 
وتتنقل الدزّازّات مع المدعوات من بعد الزفة - وهي زفة العريس - من بيت أهله إلى بيت أهل العروس، ويمضين الليلة حتى منتصف الليل.
 

 اليوم الثاني

 
في الصباح تحضر الدزّازة إلى بيت أهل العريس يحيين هذا اليوم بالأهازيج والأغاني حتى يحين حضور فرقة العرضة وهي فرقة تتكون من الرجال، وبعدها تتنقل الدزّازة.
 

ليلة التثليث

 
وهي الليلة الثالثة من ليالي الزواج، إذ يقوم فيها والد العروس بإعداد وليمة للعروسين يُدعى لها الأهل من الطرفين  ،  ويكون فيها فرصة للتعارف والتقارب بين الأسرتين.
 

اليوم الثالث

 
ويُعرف هذا اليوم بـ (يوم القعدة) أو (جلسة العروس)، وتحضر ضاربات الدفوف (الدزازة) في الصباح إلى بيت العريس ويقمن بغناء الأهازيج، وفي وقت العصر تنتقل الدزازة إلى بيت أهل العروس حيث ينتظرها النساء وهن في أشد الشوق؛ لأنّ هذا اليوم هو يوم جلسة العروس لينظرن إليها ويتطلعن في جمالها وزينتها والهدف الأكبر من يوم القعدة هو أن تتعود العروس على وجوه النساء اللاتي لم تألفهن من قبل؛ لأنّ الفتاة عند بلوغها أو لمجرد أنّها تلبس العباءة تختفي عن وجوه النساء في مكان خاص  . 
 

التحوال (وقت الهدية)

 
بعد إمضاء عدد من الأيام - تكون في العادة سبعة أيام - في بيت أهل العروس يتم اصطحاب العروس إلى بيت الزوجية أي تتحول من بيت أهلها إلى بيت زوجها، ويُعرف هذا بـ (وقت الهدية)، فتذهب العروس إلى بيت زوجها بصحبة قريباتها وبعض نساء الحي المقربات ما عدا أمها إذ تودعها بالبكاء والنصائح والدعاء لابنتها بالتوفيق، وعادة ما تصاحب العروسَ الدايةُ (الرقيدةُ) لتستأنس بها وتخفف عنها رهبة العيش بعيدًا عن أهلها، كما يُصطحب أثاث العروس إلى بيت الزوجية.
 
ويتم استقبالهن من قِبل أهل العريس بالأهازيج، ويقومون كذلك بفرش الأرض التي تمشي عليها بالمشموم والريحان، ويُشير (البوعينين) إلى أنّ وقت الهدية يكون بعد العشاء؛ إذ يقوم أهل العريس بإعداد طعام العشاء ويتم إرسال جزء منه إلى أهل العروس، في حين يرى (المطلق) أنّ وقته قبل أذان الظهر فيُعدّ أهل العريس وليمة بهذه المناسبة  .  وجرت العادة أن تتفادى الزوجة حديثة العهد بالزواج الخروج من بيت زوجها، وعند رغبتها في زيارة أهلها يقوم زوجها بإيصالها ليلاً.
 
ولعل من المناسب ذكر البرنامج اليومي لأحد الأيام الأولى للزواج كما حدّث به أحد أهالي الأحساء  ،  فبعد الدخلة ولقاء العريس بعروسه في تلك الليلة ويكون ذلك في غرفة العرس في بيت أهل العروس يقوم قُبيل الفجر للاغتسال، ويكون هناك ماء مُعدّ له، ثم يلبس ثيابه ويتجه إلى المسجد لصلاة الفجر، وبعد رجوعه من الصلاة يتجه إلى بيت أهل العروس؛ حيث تُعد له القهوة مع التمر والحليب، وبعد ذلك يقوم بتناول طعام الإفطار ثم يأخذ قسطًا من الراحة، ثم يتجه إلى بيت أهله حيث يُسلم على والديه ويجلس معهما حتى الظهر، وبعد أن يُصلي الظهر في المسجد يتوجه إلى بيت أهل العروس حيث تُعدّ له القهوة مع التمر والشاي ويجلس مع زوجته يتبادلان الأحاديث، وبعد مضي ساعة تقريبًا تقوم العروس بإحضار الغداء لعريسها وتقوم بخدمته ولكنها لا تأكل معه، وبعدما ينتهي من تناول الطعام تُعدّ الزوجة له الفراش ليرتاح، وتذهب العروس لتناول طعام الغداء مع والدتها وأخواتها وقريباتها، وعند أذان العصر تُوقظ العروس عريسها ليتوضأ للصلاة فيتوجه إلى المسجد، وبعد ذلك يذهب العريس لبيت أهله ليمضي معهم بعض الوقت، وبعد صلاة العشاء يأتي إلى بيت أهل العروس للجلوس مع الضيوف وتناول طعام العشاء معهم، ويكون هذا في الغالب هو النمط المُتّبع في الأيام السبعة الأولى، وهي المدة التي يبقى فيها العريس في بيت أهل العروس.
 

مظاهر الثبات والتغيّر

 
لم يعد الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية يحظى بذلك الاهتمام الذي كان في السابق، كما اندثر عدد من المناسبات التي كان الناس يـحتفلون بها؛ فاستقبال رمضان الذي كان استعداد الناس له يمتد لفترة طويلة وتشوقهم إليه وامتلاء الأسواق بالناس قبل حلول الشهر الكريم بأيام لشراء حاجيات رمضان لم يعد في وقتنا الحاضر كما كان في السابق، كما أنّ انشغال الناس بشؤون الحياة وانتشار وسائل الإعلام المختلفة أثّرت سلبًا في تفرغ الناس لأمور العبادة؛ فحلقات الذكر التي تُعقد في ليالي رمضان ويُقرأ فيها القرآن والأحاديث والأدعية لم تعد كما كانت في السابق، وبعض المظاهر التي ارتبطت برمضان مثل المسحّراتي اندثرت مع انتشار وسائل أخرى مثل أجهزة تكبير الصوت في المساجد وانتشار وسائل الإعلام التي تعلن عن موعد أذان الفجر.
 
ومع انتشار التعليم والوعي الديني لدى الناس وتغيّر ظروف الحياة اختفت الاحتفالات بإطلالة شهر ربيع الأول وليلة الناصفة وليلة الغروفة وليلة الحبوب، كما أنّ عادة طواف الصبيان والأطفال على الأحياء طلبًا للعيدية اندثرت، بالإضافة إلى أنّ الأطفال والصبيان لم يعودوا يتجولون في الأحياء أثناء صلاة الخسوف. ومع انتشار التعليم الرسمي المجاني في المدارس النظامية وتغيّر المناهج الدراسية وتحسّن الأحوال الاقتصادية للناس اختفى احتفال الختمة الذي كان يُعد لخاتم القرآن، وكذلك طوافه في الطرقات مع مطوعه وزملائه، كما اختفى كذلك تلقي خاتم القرآن الهدايا التشجيعية.
 
ونظرًا إلى اندثار مهنة الغوص، التي كانت تُعد في السابق نشاطًا اقتصاديًا مهمًا - لم يعد للاحتفالات والأهازيج التي تُصاحب هذا النشاط مكان، كما أنّ قلة الاهتمام بالفلاحة عما كان عليه في السابق وانتشار العمالة الوافدة في هذا النشاط أدّى إلى اختفاء المناسبات الخاصة بالفلاحين.
 
ومع انتشار وسائل المواصلات الحديثة لم يعد السفر يُمثل مشقة للناس أو طول غياب كما كان في السابق، كما أن الازدهار الاقتصادي وتحسّن الأحوال المادية للناس جعلا السفر أمرًا شائعًا، لذا لم يعد للسفر ذلك الطابع المميز، فاختفت مظاهر الاحتفال بالسفر مثل الولائم الكبيرة التي تُعد للمسافر وخروج الأهل والأقارب والجيران لتوديع الحجيج واستقبالهم.
 
وفيما يتصل بمظاهر احتفالات الزواج فإنّ معظمها قد تغير عما كان في السابق، فأصبحت حفلة الزواج تُقام في قصور أفراح أو فنادق بدلاً من إقامتها في بيت أهل العروس، وأصبحت دعوة الضيوف تتم عن طريق بطاقات دعوة، وأصبحت للفتاة كلمة في قبول العريس المتقدم لها أو رفضه، كما أنّ رؤية الشاب للفتاة التي يتقدم لخطبتها أمر شائع، واختفت الرقصات والأهازيج التي كانت تُصاحب موكب العريس وهو في طريقه إلى بيت العروس، وفي الوقت الحالي لم يعد للرقيدة (الداية) التي كانت تخدم العروس وتُصاحبها إلى بيت العريس، لم يعد لها وجود، وتزيين العروس الذي كان يتم في بيت أهلها باستخدام مواد بسيطة ومُعدة محليًا تعدها نساء الحي أو إحدى قريبات العروس وأهمها الحناء، أصبح يتم باستخدام مركبات ومستحضرات جديدة ومتنوعة مُعظمها مستورد من الدول الأجنبية؛ فهناك مواد خاصة بالحاجبين وأخرى للرموش وثالثة للعين بالإضافة إلى المواد الخاصة بالوجه واليدين. إلى غير ذلك، وأصبحت هناك نساء متخصصات في التزيين في محال مُعدة لذلك تقوم الفتاة المقبلة على الزواج بالذهاب إليها، وفي بعض الأحيان تُستدعى المتخصصة إلى بيت أهل العروس، كما أنّ معايير الجمال الشكلية للمرأة في السابق التي من أهمها الشعر الطويل المجدّل وامتلاء الجسم لم يعد لها تلك الأهمية، فقد انتشرت تسريحات الشعر القصير وأصبحت الرشاقة مطلبًا مهمًا في المرأة.
 
كما أن مهر الزواج الذي كان في السابق بسيطًا أصبح مكلفًا للعريس وأهله، وصار يُدفع بشكل مبلغ مالي يُعطى لولي أمر العروس ويتضمن جميع التكاليف، ويبلغ عادة في الأسر المتوسطة بين خمسين وستين ألف ريال، وفي بعض الأحيان تتفق أسرتا العريس والعروس على أن يكون جزء من المهر مبلغًا ماليًا مثل أن يكون أربعين ألف ريال، وتتكفل أسرة العريس بتأمين بعض مستلزمات الزواج مثل الذهب وغرفة النوم إلى جانب التكفل بتكاليف حفلة الزواج، كما أنّ تكاليف الزواج لم تعد قاصرة على المهر، بل طالت تأمين مسكن للزوجة بمستلزماته، إذ إنّ كثيرًا من الشباب والفتيات حينما يتزوجون تكون رغبتهم ملحّة في إيجاد سكن مستقل عن أهل الزوج.
 
أما الأيام الثلاثة المُتبعة في احتفالات الزواج التي كان يُقدم فيها طعام الغداء والعشاء ويُدعى الضيوف فيها فقد اقتصرت على حفلة الزواج ووجبة الغداء في اليوم الأول من أيام الزواج وتكون مقتصرة على المقربين، كما اختفت العادة المتبعة في إقامة العريس سبعة أيام في بيت أهل العروس، وأصبح العريس يأخذ عروسه بعد حفلة الزواج إلى بيت الزوجية، ومن الملاحظ أنّه في الوقت الحاضر كثيرًا ما تكون هناك مدة زمنية طويلة بين الخطبة والملكة والدخلة خلافًا لما كان في السابق.
 
 
شارك المقالة:
944 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook