المكتبات في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية.
تُعد المكتبات أحد محاضن الثقافة والفكر، وهي تأخذ عدة مستويات تبتدئ بالمستوى الفردي الشخصي، وتنتهي بالمستوى المؤسسي الرسمي، إذ يقوم المستوى الأول على اجتهادات الفرد ورؤاه، ويقوم المستوى الثاني على تنظيم المؤسسة وإستراتيجيتها.
ولم تكن المكتبات - بمستوياتها المختلفة - غريبة عن منطقة القصيم، بل كانت حاضرة ومتنوعة، إلا أن الشكل التقليدي البسيط كان يسم هذين المستويين، فقد كانت جهود الأفراد في هذا المجال خاضعة لرؤاهم البسيطة في مفهوم مكتباتهم الشخصية، كما أن المؤسسة لم تنفصل في بداياتها عن بساطة الرؤية في تنظيم المكتبة، إلى أن وصلنا حديثًا إلى المكتبات الرسمية المنظَّمة وفق الأسس العالمية.
ويمكننا تلمُّس حضور المكتبات الشخصية والعناية بها من خلال عدد من النماذج المهمة في هذا السياق، وهي نماذج قامت على ما يتم نسخه من الكتب من قِبَل الكُتَّاب والمؤلفين والعلماء في المنطقة، وهو منهج تميز فيه كثيرون، حتى قيل عن الشيخ عبدالله بن عايض إنه نسخ ألف كتاب بخط جميل، ولذا فقد أشار الرحالة الغربيون إلى هذه النماذج، ومنهم داوتي الذي أكد وجود المكتبات المنـزلية عند بعض الأسر في القصيم
وقد صنعت هذه الحركة الفردية والمؤسسية في تأسيس المكتبات تاريخًا مهمًا للحركة الثقافية والفكرية في منطقة القصيم، وكان التقدم في تأسيس المكتبات العلمية الجادة في المنطقة دافعًا لبعض الباحثين والمؤرخين إلى القول بأن أول مكتبة عامة أُنشئت في نجد إنما كانت في القصيم ، وهذا يؤكد البُعد التاريخي المهم في إنشاء المكتبات، ويشير بشكل صريح إلى الحركة العلمية والفكرية في ذلك الوقت.
وقد تفاوتت المكتبات الشخصية التي كانت منتشرة في القصيم فيما بينها حجمًا ونوعًا وتنظيمًا، ولكنها اكتسبت حضورها من جوانب التنوع والكثرة وتواصل الناس والمستفيدين معها، وبذلك حققت شيوعها وحضورها، وإن كان أنشأها أصحابها لاستفادتهم الخاصة ولقراءاتهم المنـزلية.
ومن هذه المكتبات الخاصة في القصيم: مكتبة الشيخ إبراهيم بن جاسر ، ومكتبة الشيخ عبدالله الرواف ، ومكتبة الشيخ حميدان بن تركي ، ومكتبة الشيخ فوزان السابق الفوزان ، ومكتبة الشيخ عيسى بن رميح ، ومكتبة الشيخ صالح بن قرناس ، ومكتبة الشيخ عبدالله البازعي ، ومكتبة الشيخ عبدالكريم العقل ، ومكتبة الشيخ ناصر الراجح ، ومكتبة الشيخ عبدالله البليهد ، ومكتبة الشيخ عبدالرحمن المطلق ، ومكتبة الشيخ قرناس القرناس وابنه صالح ، ومكتبة الشيخين محمد وعلي ابنَي عبدالعزيز العجاجي ، ومكتبة الشيخ عبدالله بن إبراهيم السليم؛ وهي مكتبات تتفاوت أحجامها وتخصصاتها، كما تختلف في تواريخ إنشائها، باختلاف ثقافات أصحابها وأزمانهم، ولكنها كانت نماذج مهمة جدًا من حيث معرفة الناس بها واستفادتهم منها.
وتُنشأ المكتبات الخاصة بجهود شخصية يبذلها الفرد من أجل تكوين مكتبته، كما صنع عبدالله الرواف الذي "اغتنم إقامته في دمشق لنسخ الكتب العلمية، وأهمها المكتبة الظاهرية التي حوت كتبًا عظيمة، منها كتب مدرسة ابن أبي عمر الغنية بفقه الحنابلة، وكان حريصًا على اقتناء الكتب، فدأب لذلك بكل طريق حتى صار لديه مكتبة كبيرة صارت أكبر مكتبة في نجد" ، وكانت رحلة الشيخ إبراهيم بن جاسر إلى مكة ودمشق والشام والعراق سبيلاً إلى أن يعود "ومعه ثروة كبيرة من الكتب المخطوطة والمطبوعة من الكتب العربية التي لاتوجد عند غيره، فأخذ في نشرها، وتخرج بها عامة أهلها، وانتفعوا بها انتفاعًا تامًا"
وجاءت المكتبات الرسمية لتكون وريثًا حضاريًا لفكرة المكتبات الخاصة، فهي المكتبات التي تتفق مع أبجديات الثقافة المعاصرة من حيث انفتاحها على الجميع، ومن حيث قيامها على منهج مؤسَّسي منضبط وفق أصول علمية في طريقة التزويد والترتيب والعرض، وتهيئة سبل الاستفادة منها للقارئ وجمهور المستفيدين.
ولقد كانت الصلة بين المكتبات الشخصية والرسمية صلة وثيقة من حيث قيام المكتبات الرسمية في بعض نماذجها على إهداءات المكتبات الشخصية، فذلك ينطبق على مكتبة جامع بريدة التي كانت بداياتها عام 1350هـ / 1931م ، وكانت مكتبة الشيخ عبدالله الرواف قد آلت إلى جامع بريدة الكبير لتوضع بعد طلب الشيخ عمر بن سليم "هي ومكتبة الشيخ عيسى بن رميح في مبنى أعدَّه الشيخ عمر بن سليم في شرق جامع بريدة، وكلَّف الشيخ عمر - رحمه الله - الشيخ علي العبدالعزيز العجاجي بالإشراف على المكتبة، وهي أول مكتبة أُسِّست في بريدة، وهي الأساس للمكتبة السعودية القائمة الآن والتي طورها فيما بعد الشيخ عبدالله بن حميد، ثم ضمَّت بعد سفر الشيخ عبدالله بن حميد من بريدة، وكان الشيخ عمر - رحمه الله - قد قرر تطويرها، وأن يضع فيها كتب طلبة العلم الذين يُتَوَفَّون" ، ويشير الشيخ محمد العبودي إلى أن تأسيس المكتبة تم في عام 1359هـ / 1940م على يد الشيخ عمر بن سليم، ولكنها لم تُفْتَتَح إلا بعد وفاته على يد الشيخ عبدالله بن حميد الذي دعا إلى التبرع بالكتب، فكان أول المستجيبين أبناء الشيخ محمد بن عبدالعزيز العجاجي، وعُيِّن الشيخ العبودي قيمًا على المكتبة ، وهي حقائق تشير إلى الصلة القوية بين المكتبة الخاصة والعامة، وإلى وجود استثمار متميز من أصحاب المكتبات الخاصة عن طريق تحويلها إلى الشأن العام، فقد ضمت هذه المكتبة إرثًا علميًا كبيرًا، وهي المكتبة التي تُعرَف الآن باسم (مكتبة الملك سعود) وتشرف عليها وزارة الثقافة والإعلام بعد انتقال إشرافها من وزارة التربية والتعليم.
والتصاق المكتبات بالمساجد أمر معروف ومطَّرد في الحضارة الإسلامية بشكل عام؛ وذلك لكون المسجد المدرسة الأولى ومكان طلب العلم وحلقات المدارسة والبحث، فتكون المكتبة سبيلاً لتحفيز هذا الاتجاه العلمي وتدعيمه، وهي أيضًا ضمان للكتاب ألا تزول منفعته، إذ يتعاقب عليه القراء والمستفيدون والمحافظون عليه مثل الإمام والمؤذن وطالب العلم، ومن هنا جرت أوقاف متعددة في منطقة القصيم على الكتب وما يخدمها مثل التجليد وما شابه، وكان أئمة المساجد من المعنيين بهذا المجال، واحتضنت المساجد الكبيرة في المنطقة الجانب المعرفي والثقافي فيها، ولعل أبرز الأمثلة هو جامع عنيزة والحركة العلمية القديمة فيه، وعلى رأسها الحركة المرتبطة بالشيخ عبدالرحمن السعدي، وقد عقد الشيخ عبدالله البسام فصلاً كاملاً ومهمًا للحديث عن مكتبة جامع عنيزة التي أنشأها الشيخ عبدالرحمن السعدي عام 1359هـ / 1940م، وقد جُمعت التبرعات لإنشائها من عنيزة والهند والعراق والبحرين ، وهو حديث يؤرخ للحياة العلمية التي كانت هذه المكتبة سببًا في إيجادها. ومن الأمثلة المهمة مكتبة البكيرية العامة التي ضُمَّت - بوصفها مكتبة حكومية - إلى وزارة المعارف عام 1392هـ / 1972م، وقد كان إنشاؤها الخيري - بوصفها مكتبة أهلية خيرية - في مسجد تركي في البكيرية عام 1379هـ / 1959م.
وقد ارتبطت المكتبات بشكل واضح بالمدارس، فلم تخلُ مدرسة من مكتبة وفق الإمكانات المتاحة، وتفاوتت المدارس في ذلك. وقد كانت بعض المدارس الأولى في المنطقة تضم مكتبات داخل الفصول، ومكتبات أكبر تُتاح لعموم الطلبة؛ بل إن بعض المدارس أقامت مكتبتها الرئيسة ليتناوب في عملها قرابة خمسة عشر عضوًا بإشراف أحد الأساتذة، وتُفتح المكتبة يوميًا بعد العصر
ومن مكتبات القصيم النظامية المفتوحة للرواد: مكتبة سليمان الراجحي الخيرية في جامع الراجحي في بريدة، ومكتبة (المعارف) النسائية في بريدة ومكتبة نادي القصيم الأدبي في بريدة وفيها يوم مخصص للنساء، والمركز الثقافي التابع لفرع جمعية الثقافة والفنون، والمكتبة الصالحية في عنيزة، ومكتبة عنيزة العامة، ومكتبة مركز صالح بن صالح الثقافي، والمكتبة النسائية في عنيزة، ومكتبة الرس العامة، ومكتبة البدائع العامة، ومكتبة المذنب العامة، ومكتبة البكيرية العامة، ومكتبة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في البكيرية، والمكتبة الخيرية بالبكيرية، ومكتبة النهضة الثقافية وهي مكتبة تجارية أنشأها إبراهيم المسلم ومحمد البشر وعبدالله العمري ، ولكنها كانت مصدرًا ثقافيًا يستفيد منه الجميع، وتجري فيها المناقشات والحوارات، وهي تماثل في هذا المنحى التوعوي أول مكتبة تجارية في عنيزة والتي أسسها عبدالله الجلهم، وتلاه موسى الضبيبان
بالإضافة إلى المكتبات الجامعية في جامعة القصيم، وبعض الكليات، وغيرها من المكتبات التي بلغت قرابة مئة مكتبة كما ترصدها مكتبة الملك فهد الوطنية في كتاب (دليل المكتبات ومراكز المعلومات السعودية).